أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوزيد مولود الغلى - العائد














المزيد.....

العائد


بوزيد مولود الغلى

الحوار المتمدن-العدد: 4224 - 2013 / 9 / 23 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


كانت الريح تعوي والشمس تخفي وجهها الذهبي شيئا فشيئا خلف التلّة القريبة ، وطّئت له الفراش ودثّرته بقطيفة ثم خرجت . قالت في نفسها : لن يستفيق حتى أعود !. عاجت على حطبٍ تلملمه ، والبرد الشديد يلسع وجهها الأسمر الذي حفر الزمن على ناصيته أخاديد لا تخطؤها العين .
نهض من غفوته ، تحسس ما حوله . "مهراز ُ" ، لوح خشبي ، قطيفة ، و أشياء أُخَر . صرخ في وجه الليل المنسدل قطعا تغشى وجهه : أين أنا ، أين أنا ؟ أينكم ؟ أينكم؟. لم تجبه سوى بنت الجبل : أي ن ك م !
هام على وجهه ، تارة يبكي وتارة يصرخ باسمها علّها تسمعه عن بُعد .
أطبق الليل حلكته . حزمت حطَبها. ألقته على ظهرها . انطلقت تحثُّ الخطى كأن أحدا يتعقبها . وصلت إلى باب الخباء . ألقت حِملها قرب الموقد الطيني . ولجت إلى حيث تركته راقدا . لم تسمع غطيطه المعهود . ارتعشت يداها الرقيقتان وهي تنزع عنه الغطاء . أطلقت صرخة تردد صداها في المكان .
صاحت وهي تندب حظها : زيد ! اينك ؟ زيد !.اينَك ! لقد ضيعتك ! ، ليتني لم أتركك وحيدا ! .
أدخلت رجليها في العين القريبة غير آبهة ببرودة مائها ، قلبّت ، فتشت بيديها ورجليها .بلل الماء ملحفها المنسدل إلى ما دون كعبيها واختلط بالطين اللزج المترسب في قعر العين . أطرقت قليلا وأصاخت بأذنيها جيدا علّها تسمع غرغرة غريق ! .
ظل الصمت المريب مطبقا . دارت في رأسها فكرة ثم سالت على لسانها : زيد ، إذا مشى أسرع وهو آمن ، فكيف به وهو جزع هلِع مستوحش في جوف هذا الليل البهيم .
انطلقت إلى أقرب مدشر . وافته بعد صلاة العشاء . سألت كل من ألفته في طريقها الى " ثكنة" العسكر حيث يعمل عمه . نودي عليه . جاء متلثما بعمامته التي لا تفارق صلعته . بادرها بالسؤال : أين زوجك ؟ من تركت خلفك. أجابت : غائب في " العزيب" ، جئتك مستغيثة : زيد خرج ، ولم يعد . أجاب بصوت حزين يملؤه الأسى : تاه في الصحراء؟ أوه! أوه!.
تأبط قربة ماء . سار في اتجاه القبلة وهي تتبعه . نادى على رجلين من القبيلة . انطلقوا في الفلاة متفرقين . قضوا ليلتهم باحثين كمن يبحث عن إبرة في نهر هادر موّار.
ضربوا في البيداء ما وسعتهم حالهم وما أسعفتهم أقدامهم. استبد بهم العياء . قرروا عند مطلع الشمس أن يفيئوا إلى الخباء . كأنما أصبحوا على قنوط من نجدته! .
أطفئوا نار الجوع بكسرة خبز و كأس شاي . امتشقت قربة ماء ودهن ماعز قليل . تفرقوا كالسهام مسرعين في كل الجهات ، بالكاد يبصر الواحد منهم صاحبه. بدأ سويلم الحرّ يعلّم كل طريق سلكوه بصُوّة أو ركام من الحجر . ناداها من بعيد . أثلج صدرها نداؤه . ظنّته قد عثر عليه . جاءته مسرعة . كشّر حتى بدت رباعيته المفقودة وقال : لقد أمسى حيّا ، وأصبح حيّا بفضل الله .
كيف عرفت ؟ قالت وقد خالط أساها بعضُ الفرح.أشار بعصاه إلى أثر هوام الليل المرتسمة على الرمل و قال : هذه البطحاء خبّرتني . هنا أثره . لقد فقَد فردة نعله وبقي منتعلا الفردة الأخرى . هاهنا يظهر موطئ قدمه قد علا أثر هوام الليل! .
سارت على الخطى التي علّمها الرجل الماهر . و على مرمى بصر ، حث الآخرون خطاهم و أشعةُ الشمس تلسعهم . لم يظفروا بشيء وقد أصابهم رهَق وعطش . نفذ ما تأبطوه من ماء قليل . استعطفها العم أن تطفئ ظمأه بقطرة ماء . نهرته قائلة : ويلي ! إن سقيتك ووجدته على شفا الموت ، بم استنقذه من الهلَكة !. تصبّرْ قليلا ، فان لم تستطع فارجع.
همّ بالنكوص على عقبه . تذكر قوانين القبيلة . غمغم :" السالف يسبق اللحية" في الخير والشر. امتشق ما تبقى من صبر في صدره . تلمّظ . لحس ما تبقى من ريق لم ينشف على شفتيه . تابع سيره و قد تثاقلت خطاه !. أمّا هي فقد ضمت إلى صدرها بحنو ما ضنّت به عليه من جرعة . ولّت وجهها شطر الوادي الناشف . خبّت خببا غير مسبوق . نظرت بلهفة إلى آثار آدمي تمرّغ في الرمل الذي يغزو جنبات الوادي القاحل . قبضتْ قبضة من الرمل و اشتمت رائحتها . كأنما تحسست روْحه.
سارت قليلا على جانب العدوة اليسرى للوادي و قلبُها يعزف مقطوعة الأسف . أحست بنوبة بكاء و بحاجة غريبة لترديد أغنية عبد الحليم حافظ : يا ولدي قد مات شهيدا !. قمعت مشاعرها اليائسة البائسة ، و تململت شفتاها : ربك كريم! .
مدّت بصرها إلى العدوة القصوى للوادي . لاح لها " خيالُه " . هرولت . لم تصدق رؤيته . قالت : مات !. سمع صوتها فحرّك حاجبه الأيمن .صاحت بأعلى صوتها : وليْدي حي! . وليْدي حي! . تلقفته بين ذراعيها و ضمته إلى صدرها . قطرةً قطرةً بدأت تبلّ حلقه.



#بوزيد_مولود_الغلى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن والصحراء وهسبريس
- العين
- الرئيس...
- اللز ، النشع ، المزّا/المزّة كلمات حسانية ذوات أصول عربية - ...
- كلمات حسانية ذوات أصول عربية-الجزء الثاني
- كلمات حسانية ذوات اصول عربية
- ايام الجد والنشاط 6
- اراد ان يدخل التاريخ
- هل رأيتم زعطوط ؟
- نفَس التحدي
- ايام الجد والنشاط 5
- من تواقيع الربيع
- ولد ليلا وذهب ليلا
- محاولة انتحار هازلٍ
- تباريح شامية
- أيام الجد و النشاط 4
- أيام الجد و النشاط 3
- من تراث الصحراء : قصص قنفذ
- الانكسار الخطير : من النخبة السياسية الى التبخة السياسية - ح ...
- أيام الجد والنشاط 2


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوزيد مولود الغلى - العائد