|
كيف تشخص مازوخيا يساريا؟
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 4214 - 2013 / 9 / 13 - 22:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن تعريف المازوخية بمقتضب الكلام، فهي ومهما اختلفت اعراضها تدل على الشعور بالسعادة عند الاذلال. ومع ان المازوخية مرض فردي غير معد يصيب الفرد وليس الجماعة، الا ان المازوخية التي نحن بصدد الحديث عنها تصيب انظمة وشرائح اجتماعية تظهر عليها دلائل الاصابة والمرض بشكل هوس بحب الخواجا. والخواجا الذي نقصده هو السيد الامريكي او السيد الفرنسي او السيد البريطاني، ليس حب وتقليد لثقافته او اقتداء بمسيرته التحضرية والتمدنية، انما خضوع وخنوع له واعتبار ان كل ما يصدر منه صحيحا، فينظرون بعين التعظيم الى تفاهات مساعدته المشروطة، ويصورون بان الشعوب ستنتحر كمدا وقهرا كما تنتحر الدلافين المختلة على شطئانها لو ان العم سام قطع المساعدات عنها. ويستصغرون كوارث جرائمه ويعتبرونها من الماضي السحيق الساقطة بالتقادم ولا تستدعي التذكير، بل ربما عدها المازوخيون بانها جرائم ذات دوافعها حب البشرية وليس تدميرها، فيحاججون بانه لولا القاء القنبلة الذرية على هوريشما ونكازاكي لما توقفت الحرب العالمية الثانية، او يهتفون بان انظروا لو ان فيتنام ما زالت خاضعة للسيد الامريكي لما حلت بها المجاعة ، او الادعاء بان الانجليز في العراق هم رسل السلام الحضارة والعلم والاعمار، وان الافارقة الامريكان وان عانوا ما عانوا واستُعبدو واذلوا لكن ليهنئوا وليسعدوا وليفرحوا فهم الان امريكان. وحسبي اني قد اهتديت لتعريف جديد للعربان يختلف عن ذلك الذي يصنفهم كعرب البداءة ، او عن ذلك التعريف الذي يشملهم بالوصف القرآني بانهم الاعراب المنافقون، ان النفاق الذي يتهم فيه الاعراب لايختلف عن الحالة التي نجدها عند جميع المؤمينن المسلمين، وهي ما يعرف بالتقية، ولم يكن امام الاعراب اختيارا اخر غير الدخول في الدين الجديد او الموت كعقوبة اكيدة لمن فضل الاحتفاظ بدينه. لكن العربان ومهما تعددت الاختيارات، لا يرون الا اختيارا واحد هو الصحيح هو ما يقرره لهم السيد الغربي. عندما سئُل الكاتب الفلسطيني الفذ حنا بطاطوا مؤلف كتاب (ا لطبقات الاجتماعية، والحركات الثورية في العراق) عن كيف استطاع الوصول الى ملفات الشرطة والامن والاستخبارات السرية المنوع منعا باتا الاطلاع عليها خاصة في فترة البعث، اجاب انها عقدة الخواجا، فالجميع يخضع للغرب عن قرب او عن بعد، وبطاطو يحمل الجنسية الامريكية. العربان في الحقيقة هم المازوخيون الذين يجدون غاية السعادة ومنتهى اللذة التي تصل الى انسجامات الطرب وهزات الرعشة عند ابداء الخضوع والذل للملك او للامير او للاجنبي، هم اولئك، الذين كلما علا بهم المنصب او المركز، كلما سعدو بذلهم وخضوعهم وخنوعهم، ولك ان ترى كيف ان كبار الوزراء والقادة ورجال الدين في المغرب يقبلون يد الملك ظهرا وقفا ويزحفون ركعا عند المغادرة كالقطط المتدلعة. ولك ان ترى كيف كبار الصحفيين العربانيين يكتبون بالصحف الخليجية متجنبين اي ذكر لما لا يروق للشيخ وللامير، انهم يكتبون حسب ما يميل به الهوا، يحالون الانسجام معه حتى في ميوله الجنسية. العربان وان تحدثوا باللبرالية وبالديمقراطية او بالماركسية وباليسارية، فانهم لا يهتمون بفهمها او استيعابها ولا يعنيهم كثيرا رضا الشعوب او الجماهيرعنهم، ان جل اهتمامهم يتركز على الغبطة التي تنتابهم عندما يشعرون ان سادتهم قد رضت عنهم حتى لو كان هذا الرضا مجدر ابتسامة هبلاء او هزة رأس حمقاء او تصور ذاتي بان هذا ما يسعد الملك او الحاكم. انهم يجدون متعة بالقول بانهم قاصرون غير قادرين على اللحاق بمواكب الامم، لا يشخصون الاسباب ولا يعطون الحلول، انما يجدون لذة في وصف الحالة، اذ ان ما يهمهم هو بقاء الحالة وليس زوالها، فدول الخليج مع كل ما تملكه من ثروات هائلة لكنها لا تستورد العلم ولا المعرفة ولا knowhow، انها لا تستورد الا استهلاكيات السلع. هذه الدول تعلس الثروات الهائلة وتحيلها الى فضلات بايلوجية. فهل تنتج دول الخليج شيئا اخرا سوى الفضلات؟ انها تحول كل شيء الى نفاية، الدين والاخلاق والعلاقات والفن والسياسة، وما للقاريء الا مشاهدة برنامج الخباص فيصل قاسم (الاتجاه المعاكس) الذي يسعى اليه الساعون وهم على ثقة كبيرة من ان ما يحصلون عليه هو كمية كبيرة من الرزالة والشتائم والاهانات يعدها المقدم سلفا بالاتفاق مع جهات اعلامية استخباراتية. ينبغي ان نشير ايضا، وهي حالى غريبة ونادرة، ان المازوخيين العربان، هم بنفس الوقت ساديون ايضا، فهم يلتذون باهانتهم الاختيارية الصادرة من الاعلى، لكنهم يتمنون ان يحل الخراب والعذاب بغيرهم ايضا. ولعل اشهر اقرار واعتراف بالحالة المازوخية للانظمة هي الاعتراف التلفزيوني المعلن لرئيس الوزراء القطري السابق حمد جبر الجاسم الذي قال، اننا، ويقصد الدول العربية، لا نتوسل بالدول الغربية فقط، بل نتسول رضاها عنا. ولعل اوضح صور المازوخية واكثرها اعراضا هي تلك الحالة التي ظهرت على بعض العربان الذين يحسبون انفسهم على اليسار، اذ انهم لم ينقطعوا عن كتابة المقالات والتعليقات التي تمتدح الضربة الامريكية وتصورها بانها حالة جراحة رحيمة لاستئصال مرض خبيث يقوم بها اطباء انسانيون متخصصون بالموت الرحيم يحسنون العمل بمشارح دقيقة جدا هي صواريخ Tomahawk و AGM-86 Cruise Missile. بل ان حد من هؤلاء العربان لم يتورع بالقول (أن الشيوعيين هم أبناء طبقة وليسوا أبناء وطن وأن عدونا الدائم هو أبناء وطننا من الطبقات الأخرى) هذا التفكير لا يختلف اطلاقا عن تفكير اي وهابي تافه عندما يقول ان المسلمين هم اتباع طائفة واحدة فقط وان على بقية المسلمين ان يدركوا حقيقة ان اعدائنا هم ابناء وطننا من الطوائف والاديان الاخرى. بل ان نفس هذا العرباني المتنكر بزبي ناسك ماركسي يقول بان الاستخبارات الامركية قد استنكرت المجزرة التي اقامها البعث للشيوعين في 63 وتجاهل تماما ان الاستخبارات الامريكية هي التي زودت المازوخين البعثيين بقائمة اسماء الشيوعيين الذين يجب قتلهم، وان الاستخبارات الامريكية هي نفسها من خطط ومول لجريمة انقلاب 8 شباط 1963. ان طرح عربان اليسار لا يختلف اطلاقا عن الطرح الوهابي، فاذ كان قول لينين صحيحا، بان لا بد لاقصى اليسار واقصى اليمين ان يلتقيا، فانه صحيح ايضا بان العربان على اختلاف فصائلهم لا بد وان يتلاقوا في الاسلوب او في الاهداف او في شكل ومضمون المحاججة. نسمعهم مثلا يقولون بان الامريكان في بداية الثورة السورية كانوا يقفون مع الاسد ثم انقلبوا عليه، هذا لا يختلف عن قول العربان المسلمين من الاخوان بان الامريكيان هم الذين خططوا لثورة 30 يونيو الغراء في مصر وتآمروا لاسقاط مرسي العياط، ولا يختلف ايضا عن اتهام الوهابيين لايران بالتعاون مع اسرائيل ومع امريكا للاطاحة بنظام صدام حسين. الذي يبررون الرضا بالذل ويبررون السعادة بالاهانة ولا يجدون معابة ان يصطفوا في صف واحد مع مجاهدات النكاح واكلي الاكباد والمسلمين من اهل النصرة والقاعدة وجند الشام وصواريخ العم سام وبائعوا الضمائر بثمن بخس ووعود بالمناصب والمراكز والسيطرة، الذين يسعون لغاية واحدة هي تفتيت سوريا، هم ايضا مازوخيون يستمرئون الاهانة ويستطعمونها، ان وجودهم الدائم في انظمة الممالك الذليلة قد اورثهم الذل والقبول بالاهانة وصدق المتنبي اذ قال من يهن يسهل الهوان عليه...ما لجرح بميت ايلام
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا عروس عروبتكم فلماذا ادخلتم كل زناة الليل.
-
سوريا: من يملك رخصة استخدام غاز السارين
-
التطرف في لغة العنف عند الاخوان المسلمين
-
ثوار احرار حنكًمل المشوار
-
مليونيات الاحرار ومليونيات العبيد.
-
الدين والزمن الجميل
-
البعدين الطبقي والجنسي لنِكاحيً المتعة والمسيار
-
ثورة ميدان التحرير وردة ميدان رابعة العدوية
-
النقيض الاسلامي الكلي للديمقراطية!
-
الثورة المصرية: التناقض بين الديمقراطية وبين الاسلام السياسي
-
مع الدكتور جعفر المظفر: هل يخلع حسن نصر صاحبه مثلما يخلع الخ
...
-
السعار الاسلامي في مصر ونموذج الثورة السورية
-
اللهم اعز الاسلام بصوت المغنية احلام
-
سوريا: ثورة ام حرب اجرامية؟!
-
القرضاوي في اخر مراحله
-
القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا
-
البحث عن جثة صحابي
-
الاسلاميون اذا دخلوا ثورة افسدوها!!
-
الدول الغربية ترفع شعار الاسلام هو الحل.
-
دولة الاغلبية الشيعية!!
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|