أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - كم هرمًا من الجثامين تكفيكم؟














المزيد.....

كم هرمًا من الجثامين تكفيكم؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 19:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مشهدُ جثامين جنودنا المصريين في رفح، منبطحين على وجوههم، مُكبّلةً أياديهم خلف ظهورهم، ممتزجةً دماؤهم برمال مصر الطاهر، يَخِزُ في القلب خناجرَ بعدد المصريين. 25 شابًّا من أبناء بسطاء الريف، يشبهون النباتات التي يزرعونها لكي نُطعَم، ولا ينتظرون منّا جزاءً ولا شكورا. يقتاتون على جرعة ماء مثل الثمار التي يهدونها كلَّ صباح إلى تسعين مليون فم، كثيرًا ما تنسى- بعدما تشبع- أن تشكرَ تلك الأيادي التي اخشوشنت من قسوة الفأس، وقيظ الشمس، وشظف العيش. كان أولئك الآباء المزارعين، ينتظرون عودة الأبناء بشهادات نهاية التجنيد لكي تفرحَ قلوبُ أمهات نسين الفرح تحت وطأة عُسر الحال وجفاف الخبز في مَشنّة مكسورة ترقد حزينةً جوار فرن لم تعد نارُه متوهجة. لكن الأمهات حُرمن من لحظة الفرح الشحيح؛ لأن يد الإرهاب التكفيريّ السوداء، قررت أن تحرق تلك القلوب التعسة، وأن تُرفع راياتُ الحداد فوق الديار الفقيرة، وأن تُعّصَّبَ رؤوسُ الثكالى بأوشحةٍ سوداءَ أبدية، تُخفي الترابَ الذي أهالته النسوةُ فوق شعرهن، والوجنات التي خدَشَها لطمُ فقدان فلزات الكبد.
مشهدُ ضبّاط وعساكر قسم شرطة كرداسة، ممزّقةٌ أجسادهم، مهشّمةٌ رؤوسهم، منتثرةٌ دماؤهم فوق المكاتب والكراسي وعلى أرضية القسم، يُجمّد العقلَ على سؤال صعب لا إجابة له: من أيّ طينة بشرية قُدَّ أولئك القتلة؟! هل لهم قلوبٌ تخفقُ مثلما لنا؟ وعقولٌ تفكّر فيما يفعلون؟ هل ساءلتِ البنادقُ الآليةُ أياديهم قبل الضغط على الزناد: "هل مستعدون أنتم لسؤال الله العسر: ‘بأيّ حقٍّ تُزهقون أرواحًا ما أمر اللهُ بقتلها، بل وهبها حياةً ومستقبلا، فهل تفتئتون على حقّ الله وتهرقون دماء لم تخلقوها، وتبترون أعمارًا قدّرها اللهُ وحده، وله وحده حقُّ اختصارها أو إعمارها؟!’"
مشهدُ أطفال صغار لا يعون من أمرهم شيئًا، وهم يهللون: "الله أكبر، ذبحنا الكلاب"، ثم يرقصون فوق جثث الشهداء، يصدعُ الروحَ التي تراهن على الطفولة التي سوف تغدو في مقبل الأيام شبابًا واعدًا يُعمّر الوطنَ ويُبهج السماء، كما كان مفترضًا ومأمولاً من أولئك الأطفال لولا وءد طفولتهم وتشويه أرواحهم! كيف أمكن أولئك الرجال الوحشيين تدمير البراءة وتخريب بكارة أولئك الأطفال؟! والأخطر: ماذا يُتوقَع أن يغدو عليه غدُ أولئك الأطفال التعساء في مقبل الأيام؟ هل سيغدون بن لادن جديدًا، أم عاصم عبد الماجد؟
مشهد الضابط المُحتضر في كرداسة وهو يطلب شربةَ ماء قبل أن يلفظ أنفاسَه، فيركله القاتلُ قائلا: "أنت لسه عايش يا بن ....."، في مقابل المرشد الذي طلب ماء بعد القبض عليه، فأتاه رجالُ الأمن بماء وعصير، يرسم تساؤلا ضخمًا، هل الأولون بشرٌ؟
مشهدُ رجال غلاظ يقتحمون مدرسة راهبات، فيحرقون مكاتب الصغار ويدمرون حوائط قيل خلفها كلامٌ تربويٌّ، وشُرحَ درسُ القراءة ومسألةُ الحساب، ورُدّدَت تحية العلم، وتُلَى قولُ الله في حصص الدين، ويحطمون سبورات رُسمت عليها خريطةُ مصر الطيبة، وسُردَ تاريخُها لكي يتعلمَ الصغارُ أن بلدهم أعرقُ بلاد الأرض وكاتبةُ السطر الأول في كتاب تاريخ الإنسان، ثم اقتياد الراهبات اللواتي نذرن أعمارهن من أجل مستقبل أولئك الصغار، كأسيرات حرب، مشهدٌ كهذا يُظلِم الدنيا ويطمس النور أمام عيوننا، فلا نكاد نلمح ملامح الغد المعتم الذي قرر أولئك الغاشمون رسمه لمصر وأبنائها، لولا رحمة الله.
نسأل مؤيدي المرسي العياط، الجاسوس المتاجر بتراب مصر وبكلام الله، حاشاه عن المتاجرة باسمه: "كم هرمًا من الجثامين تكفيكم لتتركوا مصر وشأنها، لكي ترأب الصدوعَ التي صنعتموها في قلبها الحزين؟"



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطرُ على هامش الدماء
- مسلمو أمريكا وأقباط مصر
- الأطفال والصوفة والأقباط، كروت الإخوان
- أسود صفحة في كتاب التاريخ
- أم أيمن، وأم الشهيد
- هل أنت إرهابيّ؟
- دستور جديد وإلا بلاش |
- فساتين زمان
- رسائل إلى معتصمي رابعة
- مرسي وميمو... وفؤاد المهندس
- المسلسل الهندي‬-;-: ‫-;-الاتجار بالأديان في شريع ...
- كلاكيت تاني مرة/ بالمرح والإبداع، المصريون يُسقطون النظام
- دمُ المصريّ، الرخيص!!
- حبّة تمر، وصليب أزرق
- مقال الذي مُنع من النشر في عهد مرسي
- عصام العريان، وحكايا عالم سمسم
- الفريق السيسي، صانع الفرح
- عزيزي مقهى إيليت
- يعقوب، وطفل يحمل الكفن
- مفتاح الحياة، يا مصرييييييين!


المزيد.....




- -لماذا لا تقوم بعملك يا سيناتور؟-.. حشد أمريكي غاضب بعد ترحي ...
- مسؤولون لـCNN: خفض عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى النصف خ ...
- موسكو: كييف تستخدم التعبئة لصالحها
- الذكرى الـ 80 لبدء معركة برلين
- الإمارات: القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمث ...
- وزير الداخلية التركي يكشف عدد السوريين الذي عادوا إلى بلادهم ...
- -بوليتيكو-: تسريح موظفين في وزارة الدفاع الأمريكية بسبب إدار ...
- وزير خارجية مصر: جهودنا لم تتوقف لإنهاء الحرب -الظالمة- على ...
- قازان.. طائرة Tu-144 السوفيتية الشهيرة تتحول إلى متحف
- نجيب بوكيلة لن يستطيع -تهريب- من تم ترحيله خطاً للولايات الم ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - كم هرمًا من الجثامين تكفيكم؟