|
حل للمأساة: رفع القدسية عن القرآن ومحمد
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4186 - 2013 / 8 / 16 - 14:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان أردت أن يحفظ لي التاريخ عبارة واحدة من آلاف الصفحات التي كتبتها فهي العبارة التالية: القرآن كشكول من تأليف حاخام يهودي مسطول. فلو اقتنع المسلمون بما تتضمنه هذه العبارة من معنى لتغير وجه العالم الإسلامي بأكمله ولكان لها أثر أكبر من ثورات الربيع العربي ومن كل ما تعلمه كل الجامعات في العالم دون استثناء ومن آلاف المحاضرات والحلقات التي يتم اعدادها للبحث في كيفية خروج العالم من محنته التي خلقتها الحركات الإسلامية ليس فقط في الدول العربية والإسلامية، لا بل ايضا في كل دول العالم.
دعوني أشرح بصورة مبسطة هذا الادعاء الخطير حتى لا يتهمني البعض بأني أطلق الكلام على عواهنه دون بيان ولا برهان.
لا أحد يشك في ان المحرك الرئيسي وراء الحركات الإسلامية هو القرآن وما يتضمنه من تعاليم وما يتفرع عن هذه التعاليم من عواقب، وخاصة فرض سنة النبي محمد التي ينص عليها القرآن، مما يجعل السنة تقريباً أو تماماً في مرتبة القرآن إلا عند القليلين الذين يطلقون على أنفسهم "القرآنيون". وهي مجموعة ضئيلة مرفوضة من الأكثرية وخاصة من التيار الديني الرسمي، واتباعها تم تصفيتهم أو وضعهم في السجون أو فروا من الدول الإسلامية ومعتبرون مرتدين عن الدين الإسلامي.
وككل نص، يتضمن القرآن (مع السنة) الغث والسمين وهو بلا شك جزء من الحضارة العربية والإنسانية بسبب تأثيره التاريخي ومن أهم النصوص التي تدون للغة العربية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار القرآن نص سلبي 100%، كما لا يمكن اعتباره إيجابي 100%. فهو يتضمن تعاليم أخلاقية إيجابية مقتبسه من الحضارات السابقة والمعاصرة له، وخاصة التعاليم اليهودية والنصرانية والصابئية والوثنية. ولكن في نفس الوقت يتضمن تعاليم سلبية تتنافى مع حقوق الإنسان كما تعارف عليها المجتمع الدولي.
وأهم التعاليم السلبية تلك التي تتعلق بتقسيم الناس بين مؤمن وغير مؤمن والتمييز بينهم على أساس الانتماء الديني جاعلاً من غير المسلمين، وخاصة ممن لا ينتمون للأديان السماوية، فئة ثانية محرومة من الحقوق التي يتمتع بها المسلم والذي يعتبر من الفئة الأولى. وينتج عن هذا التمييز خاصة عدم الاعتراف بالحرية الدينية وممارسة الشعائر الدينية ومنع تغيير الديانة إلا إذا كان لصالح الإسلام ومعاقبة من يترك الإسلام إما جنائياً أو مدنيا بحرمانه مثلاً من حق الزواج والميراث وحضانة الأطفال.
وثاني التعاليم السلبية تلك المتعلقة بوضع المرآة التي تعتبر ناقصة عقل ودين عند (بعض) تجار الدين والتي يتم حرمانها من الحقوق التي يتمتع بها الرجل. وفي كثير من التيارات الإسلامية يتم فرض ملابس تشل من حركتها وتنقص من إنسانيتها بحجة أنها مثيرة لغرائز الرجال. وإن كان الرجال لا يستطيعون أن يسيطروا على غرائزهم، فلماذا يجب وضع النساء في أكياس قمامة؟ أليس من الأفضل اخضاع الرجال لعلاج في مصحات الأمراض العقلية، خاصة الشيوخ منهم الذين يدعون لتحجيب المرأة. وتنتج عن النظرة السلبية للمرأة عواقب وخيمة في مجال الفن والموسيقى (فجسم المرأة عورة – حتى ظفرها عورة - وصوتها عورة). واقصاء المرأة والفصل بين الجنسين والنظرة السلبية للجمال له عواقبه الوخيمة على تقدم المجتمع علميا واقتصاديا. فالجمال عامل مهم لرقي وتمدن المجتمع. فالشركات والمدن تصرف الملايين لتزيين مكاتبها وشوارعها وبناياتها حتى تعطي للفرد رغبة في العلم والعمل. فأنت لا تستطيع أن تدرس أو تعمل وأمامك أكياس قمامة إلا إذا كنت مختلاً عقلياً.
وثالث التعاليم السلبية تلك المتعلقة بنظام العقوبات في مجال الحدود والتعزير والقصاص مثل قطع يد السارق، ورجم الزاني، وجلد شارب الخمر، وقتل المرتد، والعين بالعين والسن بالسن. ناهيك عن نظام الحرب الإسلامي الذي يريد البعض العودة له بدلا من معاهدات جنيف وما يتبعه من قتل الأسرى واسترقاقهم وسبي النساء وملك اليمين وفرض الجزية على من يرفض الإسلام وما نراه اليوم من جهاد النكاح وغيرها من المخزيات. وحاليا تقوم الحركات الإسلامية في مصر بخطف الأقباط وطلب فدية للأفراج عنهم وخطف بناتهم وتدمير كنائسهم واستباحة ممتلكاتهم عملا بالتعاليم الإسلامية، وتكفير وقتل من لا يتفق معهم في الرأي إما في مجال السياسة أو الفن أو الفكر أو العقيدة، كما فعلوا مع بعض الشيعة الذين أفتى بعض مشايخ المسلمين في مصر باستباحة دمائهم. أضف إلى ذلك طلب البعض بهدم الأهرامات والتماثيل الفرعونية تماما كما فعلوا مع تماثيل بوذا في افغانستان... وهو ما أفتى به القرضاوي في كتابه "الحلال والحرام في الإسلام" والمتواجد حتى يومنا هذا على موقعه. ويشار هنا إلى أن أول شيء عمله النبي محمد عند فتح مكة هو كسر التماثيل حول الكعبة. فالنبي محمد، مثل النبي ابراهيم الذي كسر تماثيل قبيلته، اسوة حسنة للمسلمين كافة حسب تعاليم القرآن. ومن شابه اباه ما ظلم.
وليس هنا المجال لعرض كل التعاليم السلبية الكثيرة التي يتضمنها القرآن (والسنة) وعواقبها في العلاقات الإنسانية في الدول الإسلامية وفي الدول التي تتواجد فيها مجموعات إسلامية. وكما أن العالم العربي والإسلامي مهدد بالتشرذم والتدمير وشلالات الدماء كما نراه في العراق وسوريا ومصر وأفغانستان والصومال وباكستان وغيرها، فإن الدول الغربية ذاتها لن تنجو من عواقب التعاليم الإسلامية. فالتعاليم الإسلامية تشبه مرض الغرغرينا الذي ينخر العظام ويفتتها من الداخل فيتحلل جسم الإنسان ويموت. ويجب علينا ان لا نقلل من خطر تلك التعاليم حتى في الغرب، فنحن على ابواب حروب أهلية على اساس الدين تأكل الأخضر واليابس. مما يتطلب يقظة كبيرة من الدول الغربية قبل أن يستفحل هذا الداء وتتحول مدنها إلى ساحة حرب طاحنة لا يعرف عواقبها إلا الله. ولكن للأسف الشديد، فإن الدول الغربية ليست مسلحة ضد التعاليم الإسلامية لأن جامعاتها ومراكزها لا تقوم بمهام التوعية الضرورية. فتصور لو أن كليات الطب ومعامل الأدوية بدلاً من اعداد مؤهلين لتشخيص الداء والبحث عن الدواء الناجع تقوم بتخريج مهرجين. فكيف سيكون حال المجتمع في حال انتشار وباء قاتل إذا ما اكتشفت ان من تتكل عليهم لمواجهته هم في الحقيقة أغبياء حملة شهادات في علم لا ينفع. ولست مبالغاً في هذا. فالمختصون بالإسلام في الغرب قلة لا تذكر وأكثرهم يخافون على حياتهم من البوح بما يعرفونه ومن يتكلم عن الإسلام مداهن أو جاهل. والسياسيون هم أكثر غباءً من أستاذة الجامعات. وأكبر دليل على ذلك تصريحات المسؤولين في الدول الغربية بعد فض اعتصامات المجموعات الإجرامية في مصر. فتلك التصريحات الغربية الغبية تكشف مدى غباء السياسيين في الغرب في تعاملهم مع الإسلام والإخوان المسلمين.
والدارس لتاريخ البشرية والجماعات الدينية يرى أن التعاليم السلبية السابقة الذكر ليست حكرا على الإسلام. فكل الديانات في العالم تضمنت في بعض حقباتها التاريخية مثل تلك التعاليم. ولا داع هنا للتذكير بما فعله المسيحيون في الغرب من مذابح دينية بين الكاثوليك والبروتستانت واضطهادهم للحرية الدينية والفكرية ونصب المشانق والمحارق بأمر من محاكم التفتيش. ومتاحف الغرب مليئة بأدوات التعذيب الذي كان يمارس ضد المخالفين للقانون أو المعارضين السياسيين أو المفكرين الأحرار. ويكفي هنا ذكر أن "ويليام تيندال" أول مترجم للتوراة بالإنكليزية تم خنقه ثم حرقه في إنكلترا عام 1536، وأن الطبيب وعالم الدين "ميغيل سيرفيت" تم حرقه حيا في جنيف عام 1553 لأسباب دينية بتحريض من المصلح "جون كالفان". وقد وضعت الكنيسة في جنيف نصبا تذكاريا تكفيرا عن ذنبها يمكن رؤيته صورته هنا http://commons.wikimedia.org/wiki/File:MonumentServet1.jpg
ولكن المشكلة مع الإسلام اليوم كما في الماضي انه دين تشريعي ينص مصدراه القرآن والسنة على تلك السلبيات. والنص القرآني ما زال يتمتع بقدسية لم تعد للتوراة التي تتضمن ايضا نصوصاً تشريعية سلبية كثيرة، والنبي محمد ما زال في أعين اتباعه معصوماً عن الخطأ واسوة حسنة للمسلمين. ويحضرني هنا نقاش في التلفزيون السويسري حول عقوبة الرجم في الإسلام حيث دافع هاني رمضان (حفيد حسن البنا وأمام جامع جنيف) عن هذه العقوبة جهاراً لأن الشريعة الإسلامية والتوراة تنص عليها (أنظر هذا المقال والشريط في مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com/?p=4601). ومن هنا تستمر الحركات الإسلامية بالتذرع بالقرآن والسنة لفرض تعاليم اسلامية سلبية دون امكانية الحوار معها، خاصة ان ما تقوله هذه الحركات هو بالتمام ما تعلمه جميع الجامعات العربية والإسلامية وما تنص عليه مشاريع القوانين الموحدة التي تبناها مجلس وزراء العدل العرب التابع للجامعة العربية (أنظر هذا المقال فيما يخص حد الردة والعقوبات الإسلامية http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=365535) وعبثا تسعى الحكومة والجيش في مصر التصدي لحركة الإخوان المسلمين فهذه الحركة هي من تفريخ التعليم الديني الرسمي في مصر. وسابقا قال الشاعر حافظ ابراهيم: أنت أنبت ذلك النبت يــــــــا مصر ..... فأضــــحى عليك شـــــــــوكا قتادا
عودة إذا لما بدأنا به هذا المقال. لإيجاد حل لما يداهم الدول العربية والإسلامية والغربية من مخاطر بسبب التعاليم الدينية الإسلامية لا بد من التصدي للمصدرين الرئيسيين لهذه التعاليم وتفريغهما من قدسيتهما كما تم مع التوراة إلى حد كبير. وهذا التحول لا ينتج بالعصا ولا بالرشاشات ولا بالسجون ولا بالانقلابات العسكرية، بل بالرجوع لمنطق العقل. فليس من الممكن زج جميع أعضاء الإخوان المسلمين في السجون وليس من العدل تعريضهم للتعذيب والقتل. يجب بالأحرى استئصال فكرهم واستبداله بفكر جيد تماماً كما يتم في عمليات غسل المخ. فكما تم غسل مخ المسلمين 14 قرنا بالتعاليم الدينية الإسلامية السلبية، يجب الآن اعادة صياغة التعاليم الإسلامية بحيث تتفق مع حقوق الإنسان. وهذا لا يمكن عمله إلا إذا رفعنا القدسية عن القرآن والسنة معتبرين القرآن ليس كلام الله المنزه عن الخطأ بل كلام بشر يصيب ويخطئ أي قابل للنقاش والتغيير والاستبدال والتحسين. وحقيقة الأمر المتعمق في دراسة القرآن لا بد ان يكتشف بأن هذا النص ليس إلا مجرد كشكول مقطع الأوصال من تأليف حاخام يهودي مسطول، وأن النبي محمد هو بشر مثل غيره من البشر، والقرآن ذاته يقول ذلك. فلا داع إذاً لجعله أسوة حسنة كما يدعي القرآن الذي ناقض نفسه بنفسه في هذا المجال.
هذا ما يجب أن يركز عليه مفكرو ومصلحو العالم العربي والإسلامي والغربي وهذا ما يجب تعليمه في كل المدارس والجامعات والجوامع في الدول العربية والإسلامية والغربية... بكل شجاعة وشفافية. وهذا التعليم يجب ان يهدف إلى تثبت فكرة أن القرآن هو في حقيقته كشكول من تأليف حاخام يهودي مسطول. والقول بغير ذلك هو غباء ويجر إلى نتائج وخيمة بائنة أمام أعيننا يوما بعد يوم.
د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
-------------------------------------- أطلبوا كتبي http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 حملوا كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيفية استئصال الأصولية الإسلامية
-
القرآن 9: الناسخ والمنسوخ
-
القرآن 8: التقديم والتأخير
-
القرآن 7: اختلاف القراءات
-
حد الردة 1 - الأزهر مؤسسة اجرامية
-
متطلبات الدستور الحديث في مصر
-
معروف الرصافي والقرآن
-
نسخة محدثة من طبعتي العربية للقرآن
-
القرآن 6: التسلسل التاريخي للقرآن
-
القرآن 5: أسباب النزول
-
القرآن 4: القرآن والشعر الجاهلي
-
سورة الحمار
-
صوم وصلي رزقك يولي
-
القرآن 3: مؤلف القرآن من خلال مصادره
-
القرآن 2: مؤلف القرآن
-
القرآن 1: جمعه وفقاً للتقليد الإسلامي
-
لماذا تهجمك الغامض على الاسلام؟
-
توقفوا عن صيام رمضان لمكافحة الجوع
-
جريمة الختان 154: رأي موسى بن ميمون
-
حد الردة: لقد وصل السيل الزبى
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|