|
عمالة الأطفال في لبنان
فادي عاكوم
الحوار المتمدن-العدد: 1196 - 2005 / 5 / 13 - 09:19
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
وافق احمد على ان اصوره بل اخذ يبتسم للكاميرا ويوزع ابتساماته على المارة من امام محل معلمه، لم يسالني حتى لما قمت بتصويره، وهذا ما أكد لي طيبته وبساطته في التعامل. ما اسمك ؟ اسمي احمد. لم انت هنا ولست في المدرسة؟ انا في ال 14 من عمري وصلت الى صف الثاني متوسط ومجتهد في الدراسة، لكن الظروف حالت دون ان اكمل دراستي فأحقق ما تصبو اليه نفسي. اعمل في محل دهان السيارات هذا، واشكر الله ان معلمي انسان طيب ويعاملني بالحسنى. والدي يبيع الخضار ولدي ستة أخوة كلهم متزوجون، الحالة الاقتصادية تمنعهم من مساعدتي او مساعدة والديّ لذا فانت تراني هنا،عليّ ان اقدم العون لوالدي واخفف عنه عبء الحياة بدل ان أكون عبئًا عليه. أتضايق عندما ارى غيري ممن هم في سني يحملون الحقائب ويذهبون الى المدرسة لكن حلمي ان اجمع المال واصبح دهانًا كبيرًا ولي محلي الخاص في المستقبل.
حسن رجل...صغير القامة اسمي حسن، انا من فلسطين، من سكان عين الحلوة في جنوب لبنان، والدي رجل فقير جدًّا يعمل بستانيًا لدى إحدى العائلات الميسورة لكن راتبه بالكاد يطعمنا، جدتي تعيش معنا وهي مريضة، المساعدات المرضية لا تغطي كلفة دوائها الغالي،عندي أربعة اخوة اكبر مني وتصغرني اختان اثنتان، والدي رفض ان نكمل تعليمنا فالدولة اللبنانية لا تعترف بشهاداتنا لذا فالأفضل للفلسطيني ان يمتهن مهنة بدل ان يقضي شبابه في تحصيل درسه، ومن ثم سوف يعود لبيع الخضار او سيعود للمهنة، منذ الان يلقبونني بالنجار،انهض في الصباح الباكر واتوجه الى محل النجارة مشيًا على الأقدام ولصغر سني امي لا تتقبل انني اعمل، لذا تودعني كل صباح وكانني مسافر ولن ارجع إليها،أخبرها دائمًا انني أتحمل التعب والظلم، فانا رجل ولو صغير القامة....
أبيض الشعر وأسود الحظ ربيع لم ير صحافيًا في حياته لذا بعد ان عرف هويتي اصيب بحالة من الهلع والذعر وراح يعدو من امامي ليختبئ داخل محل البويا هنا سالني صاحب ربيع ابيض الشعر أسود الحظ المحل ما به ربيع لم خاف منك ولما لمح الكاميرا قال :"تريد ان تخرب بيتي هذه مصلحتنا الوحيدة لو سمحت اتركنا وغادر المحل فورًا نريد ان نشتغل". وكانه خاف ان تلحق به عقوبة ما لأنه يشغل عنده اكثر من طفل قاصر، قلت له بل على العكس انا لن اضر بك فقط اريد التقاط بعض الصور لربيع وذاك المكسورة يده واريد حديثًا مقتضبًا منهما ولن ترى وجهي بعدها، وافق على مضض وبعد تصويري هذين الطفلين البائسين عرفت ان الفقر وراء عمالتهما فربيع والده لا يقدر على مصاريف العائلة المكونة من اكثر من سبعة افراد، لكن يبدو ان الحياة والظلم قد علماه وصار ناضجًا قبل اوانه ففي نظراته تستطيع ان ترى العذاب وقلة الثقة بالاخرين.
صاحب اليد المكسورة اقترب مني زميل ربيع بالورشة يده مكسورة وعليها الجبيرة يبدو قليل الكلام لكنه عكس ربيع لم يخف من الكاميرا ولا من اسئلتي، طبعا ساعمل ولو كنت بهذه السن كيف لا اعمل ووالدي يعمل "بحري " اي صياد سمك وبالكاد نسد رمقنا مما يجلبه الوالد، إسمي احمد وانا في ال 13 من عمري وانا الثالث بين اخوتي الأربعة، حملت الكاميرا وتوجهت الى سيارتي فرافقني احمد ونظر الي نظرة ثاقبة فيها الكثير من المعاني ثم ودعني...
أسباب عمالة الأطفال أن ترى صباحًا طفلا بثياب المدرسة متجهًا الى مدرسته او منتظرًا الباص ليقله، هذا طبيعي بل من المسلمات و قد لا يلفت المشهد نظرك لأنك معتاد عليه، لكن ان تشاهد في الصباح طفلًا بثياب العمل المتسخة متأبطًا زاده بدل كتبه، وكرب العائلة وهموم الدنيا باديةً على وجهه هذا ما ليس بالطبيعي او المقبول.
ان الاسباب التي تدفع بالاطفال الى سوق العمل كثيرة ومتعددة وعلى رأسها الفقر و الحروب و الجهل و التفكك الاسري، بالاضافة الى النقص الواضح في القوانين و التشريعات التي يفترض ان تحول دون السماح بانتشار هذه الظاهرة المقيتة.
واللوم الاكبر يقع على الأهل اولًا و على اصحاب العمل ثانيًا حيث يلجأون الى استخدام الاطفال كعمالة رخيصة بسبب تدني اجورهم.
و يتعرض معظم الاطفال العاملين لاخطار كبيرة تلحق بهم الاذى الجسدي بسبب ظروف العمل غير الآمنة كما هو الحال في المناجم و المصانع و مجال البناء بالاضافة الى الضغوط النفسية الرهيبة و الاستغلال و القسوة، ما يؤثر سلبا على عاطفتهم و سلوكهم الاجتماعي و سلوكهم الاخلاقي داخل اسرهم، و مجتمعاتهم كما ان العديد منهم ينحرف ويستسلم للعادات غير الحميدة كالتدخين و القمار و تعاطي المخدرات.
تقدر منظمة العمل الدولية و صندوق الامم المتحدة للطفولة ( اليونيسيف )عدد الاطفال العاملين في الدول النامية وحدها و الذين تقل اعمارهم عن 14 سنة بنحو 200 مليون طفل و في الولايات المتحدة وحدها نحو 5 ملايين طفل عامل، بشكل شرعي او غير شرعي.
في لبنان كانت ظاهرة عمالة الأطفال قبل الحرب اللبنانية -التي اندلعت عام 1975 - محدودة جدًا الا ان النتائج السلبية لفترة الحرب و بعدها، و التضخم المالي الذي رافقها، تركت بصماتها بقوة خصوصًا بعد ان تحولت معظم الطبقة المتوسطة الى الطبقة الفقيرة. فاضطر الآلاف من الاولاد الى النزول الى ميدان العمل ليقوموا بجميع انواع المهن من البائع المتجول الى الزراعة و تصليح السيارات و قطاع البناء و الكسارات.
و للمعالجة قامت الدولة اللبنانية ببعض التعديلات على قوانين العمل لتتناسب و الواقع الجديد، بالاضافة الى التوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية و العربية المتعلقة بعمل الاحداث أو بعمالة الأطفال.
عدد الأطفال العاملين في لبنان وأمكنة توزعهم قامت مؤخرًا وزارة الشؤون الإجتماعية ووزارة العمل الدولية واليونيسف، بدراسة على مستوى الوطن لمعرفة عمالة الأطفال في لبنان، فتبين ان هذه العمالة تتركز في الأماكن المحرومة نسبيًا والتي تتدنى فيها نسبة التنمية الأساسية.واتضح من خلال الدراسة ان النسبة الكبيرة تتركز في محافظة الشمال التي تحظى بالعدد الأكبر من الأطفال العاملين. وتستحوذ ثلاثة أقضية في الشمال على حصة الأسد، وهي طرابلس وعكار والمنية.وفي محافظة جبل لبنان فالعمالة تتركز في بعبدا والمتن، وفي محافظة البقاع تتركز في قضائي بعلبك وزحلة وفي محافظة الجنوب تتركز في صيدا وصور، اما في بيروت فتصل نسبة العمالة الى 8.5% من إجمالي الأطفال العاملين.
يقدر عدد الأطفال العاملين من الفئة العمرية في لبنان (10-17سنة) بنحو 43400 طفل منهم 11.8 % ما بين 10 و13 سنة و 88.2 % بين 14 و17 سنة وتتوزع هذه النسب بين 87.5 % للذكور و 15.5% للإناث. وتفيد الإحصاءات بأن نسبة الأمية(10 سنين وما فوق) في لبنان تبلغ نسبتها 13.6% وتصل فقط الى 3.6% للفئتين من 10 الى 14 سنة ومن 15 الى 19 سنة.
خطورة المهن على صحة الأطفال غالبًا ما يتحجج رب العمل بان من يعمل عنده من الأطفال هم من الأقارب الذين يقدمون مساعدة آنية مقابل المساعدات العائلية الكثيرة التي تقدَّم لذويهم، وهذا بالفعل ما قاله لنا صاحب محل البويا حيث يعمل ربيع واحمد مشيرًا الى انهما إبني اخيه.لكن الدراسات والمراقبة المستمرة اظهرت عكس ذلك، فتبين ان من يعمل لدى الأقارب او لدى الغير، يعملون مقابل اجر معين وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في لبنان. وكارثة الكوارث هي المهن التي يتعاطاها الأطفال الفقراء فهي تشكل بالفعل خطرًا كبيرًا على صحتهم البدنية وعلى نموهم العقلي، فاللائحة كبيرة وعليها العمل في الإنشاءات المعدنية وتركيب الأجهزة الإلكترونية، والعمل في الكسارات وقطع الحجارة ونحتها، والعمل في دهان السيارات والحدادة والنجارة، وكل ما له علاقة بالمواد الكميائية، التي لو تم تنشقها بشكل مستمر، قد يكون لها تداعيات مخيفة على اجساد لا تزال لينة وغير صلبة، ناهيك عن ما يتعرض له الأطفال من تعنيف وضرب من قبل ارباب عملهم.
ما هو الحلّ ورد في تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية pnud بان عمالة الأطفال هي نتيجة حتمية لحالة الركود الإقتصادي العالمية. وهذا ما يستدعي اليد العاملة الرخيصة وغير المتمردة، هذا اضافة الى العوز الذي يعاني منه ما يفوق المليار انسان. ما يضطرهم لدفع ابنائهم للعمل باي مهنة لكسب العيش.واذا ما استثنينا ظاهرة الأطفال في آسيا وأفريقيا الذين يعملون كخدم في منازل الموسرين. فلقد طالب البعض بمقاطعة منتوجات القطاعات التي يعمل فيها الأطفال في العالم، لكن هذا الحل تسبب بازمة اقتصادية كان لها وقعًا سيئًا على الأطفال فقد اقفل الكثير من المصانع او المؤسسات التي تعتمد اعتمادًا مباشرًا على عمالة القاصرين ما دفع بالاطفال الى اعمال العنف. وهذا ما حصل بالفعل في بنغلادش، حيث عقد المكتب العالمي للعمل اتفاقًا مع بنغلادش لاستبدال الاطفال براشدين واعادة كل الاطفال الى المدارس وعمل المكتب العالمي على دفع كلفة المدارس.
اما في لبنان، الدولة التي تنوء تحت ثقل من ديون وصلت الى 40 مليار ليرة لبنانية هذا الى جانب الضرائب والفواتير غير المدروسة التي يعاني منها اللبناني، فالكلام عن حل لهذه المشكلة او عن حل تقدمه الدولة التي تفشت فيها السرقات والفساد استشرى في معظم مؤسساتها الرسمية، يبقى كلامًا في دنيا الأحلام... ويبقى ان نوجه النداء الى جميع المؤسسات الدينية من دون استثناء بان تفرج عن بعض اموالها الطائلة والتي يتساءل البعض من اين حصلت عليها وتضعها بتصرف مؤسسات الضمان الإجتماعي والتعليم الرسمي في لبنان، وهذا ما سيؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم ويخفف الضغط عن كاهل ارباب البيوت وتكون نتيجته الطبيعية التخفيف من عمالة رجال المستقبل.
إذ أن اموال الأديرة والكنائس ودور الإفتاء ومشيخة العقل لا تاكلها النيران ويكاد يكون حلم كل شاب لبناني ان يصبح من رجالات الدين ليؤمن مستقبله حيث نرى ان غالبية هؤلاء(ومنهم من نذر الفقر طول حياته) ينعمون بقيادة أفخم السيارات ويحملون هواتف نقالة مع ارصدة في البنوك وحتى مساكن فخمة... وهذا يظهر بعد فترة لا تتعدى البضع سنوات على دخولهم السلك الرهبنة او المشيخة، والحل يكون إما ان يفرجوا طوعيًا عن اموالهم للمساعدة، او ان تقوم الدولة بعملية تاميم لهذه الأموال لأن ما هو مؤكد ان كمية الاموال هذه تفوق اضعاف ديون الدولة اللبنانية.
ولو ان منظمات العمل الدولية تقدم سنويًا مساعدات لدول العالم الثالث لتساعدها على النهوض ولتخفف عنها ظاهرة تتنامى يوما بعد يوم، فان 5 او 6 مليارات دولار بحسب الدراسات كافية لتقديم المساعدة، وهذا المبلغ يعتبر زهيدًا مقارنة بالمبالغ المالية التي تصرف على التسلح في هذه الدول المسماة بالدول النامية.
#فادي_عاكوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جرائم اغتصاب الأطفال
-
معتقلون لبنانيون في سورية
-
الشيوعية اللبنانية ومأزق الشارع
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: شبح المجاعة يهدد 40 مليون شخصًا في غرب أ
...
-
تظاهرات في تل أبيب مطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى
-
الشروق داخل معسكرات النازحين فى السودان.. حكايات الفرار من ا
...
-
استشهد زوجتي وإصابتي أفقدتني عيني
-
مصدر فلسطيني: عودة النازحين قضية رئيسية في المفاوضات وتوجد ع
...
-
دعوات إسرائيلية لمظاهرات تطالب بصفقة تعيد الأسرى
-
مندوب فلسطين بالجامعة العربية يدعو لتفعيل الفصل السابع من مي
...
-
عبد الرحمن: استقبال عناصر النظام البائد وتسوية أوضاعهم ممن ل
...
-
دعوات إسرائيلية لمظاهرات تطالب بصفقة تعيد الأسرى
-
في رسالة لذوي الأسرى.. القسام تنشر صورة نجل نتنياهو على شواط
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|