أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام سحمراني - عودة سعد الحريري إلى حضن بشار الأسد














المزيد.....

عودة سعد الحريري إلى حضن بشار الأسد


عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)


الحوار المتمدن-العدد: 4173 - 2013 / 8 / 3 - 11:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اعتدت منذ المرة الأولى لي، قبل بلوغي الثامنة عشرة، على حلاقة ذقني بنفسي. وقد كان ذلك، خلال كلّ تلك السنوات الماضية، بمثابة أمر اعتيادي، لم يكدّره أيّ جرح صغير أو حساسية طارئة. وفي عيد ميلادي الثامن عشر شكلت الماكينة، ذات الرأس بشفرتين القابل للتبديل، أفضل هدية تلقيتها في ذلك اليوم. استكملت بها ما بدأته بالشفرات العادية، حتى بتّ خبيراً فعلياً خلال تأديتي للخدمة العسكرية، في عامي الحادي والعشرين، فلم يكن هاجس الحلاقة يقلقني أبداً حين لا يقتطع من وقتي أكثر من ثلاث دقائق.

كان ذلك أمراً اعتيادياً خلال اثنتي عشرة سنة! لكنّ تذكّري فجأة لكلمات مررت عليها سابقاً في رواية غابرييل غارسيا ماركيز؛ قصة موت معلن، جعلني أكفر بماكينة الحلاقة، مهما تنوعت أشكالها، وتعددت شفراتها، وتبدّلت رؤوسها. فقد روى ماركيز بترجمة صالح علماني عن حلاقة قاتلي سانتياغو نصّار التوأمين وكيف أنّ أوّلهما استخدم سكين تقطيع اللحم؛ "...أما أخوه من جهته، فقد حلق ذقنه بأكثر الوسائل بؤساً، مستعملاً ماكينة الحلاقة المستعارة من دون روخيليو دي لافلور".

في البداية حاولت استبدال الماكينات التجارية الإعتيادية، بتلك العربية التي تسمح بتركيب شفرة كاملة فيها، فاستعرتها من والدي وبدأت التجارب الدموية التي لم تحمل أيّ تحسّن طيلة أسابيع. وعندها قررت الإنتقال إلى الموس، فالحالة سيئة بجميع الأحوال ولن تزداد سوءاً به.

وبما أنّي كونّت فكرة جيدة عن الشفرات التي تركّب تركيباً يشهد عليها وجهي الممتلئ بالجروح والندوب، فقد قررت أن أنتقل مباشرة إلى الموس القديم الطراز، الذي شفرته "منه وفيه" كما في مسلسلات الحارات الشامية. ومن أين لي بمثله فقد سألت كلّ بائعي عدّة الحلاقة في بيروت والضاحية عبثاً، حتى أنّ بعضهم استهزأ بطلبي وسألني إن كنت قد أضعت طربوشي وشروالي أيضا!

وسّعت دائرة البحث إلى الأسواق اللبنانية القديمة في صور وصيدا وجبيل وطرابلس ولم أحظ في صالونات حلاقتها بمثله. وانتقلت إلى ميدان آخر لأبحث بين أكوام من البضائع المجموعة من النفايات، والمسروقة، عند محطة الرحاب وداخل شاتيلا، وفي سوقي الأحد عند نهري بيروت، وأبو علي، وأمضيت ساعات وأنا أحاول تبيّن فوائد واستخدامات تلك القطع، المفروشة بقذارتها فوق الطريق، ولم أجد موساي المنشود.

طالت لحيتي وانتقلت بها، خارج الحدود، إلى سوق الحميدية في الشام، ومن ورائه سوق الخياطين الذي حظيت فيه ببصيص أمل، حين وجدت محلاً للحلاقة يتسلل ببوابته الصغيرة العتيقة بين عناقيد الخرز وألوانها. دخلت إليه تسبقني اللهفة لأدواته فوجدت الموس معلّقاً بعظمه وشفرته الكبيرة فوق رقعة الجلخ الخاصة به، لكنّ عثوري عليه لم يعنِ شيئاً لدى الحلاق السبعيني الذي رفض أن يبيعني رفيقاً له، تستمر رفقته منذ خمسين عاماً، ولا يعلم بائعاً لمثله في الشام كلها، حيث صنعه والده بنفسه في ذلك العهد من الوحدة العربية والإنقلابات اليومية... وزادني الحلاق العتيق غيظاً وهو يتفاخر بأنّ بعض قادة الحركة التصحيحية مرّوا من تحت موساه!

دعاني للجلوس وتسليمه لحيتي، فلم أتوانَ عن ذلك رغم خيبة رجائي، فقد اعتبرتها تجربة جيدة على كلّ حال. جلست وانبهرت خلال دقائق بذقني الحليقة الناعمة كما لم يكن من قبل. وبتّ أغيب لأسابيع عنه، وأعود إليه كلّ مرّة بلحية كثيفة سرعان ما تسقط تحت طائلة الموس العتيد.

وصار من المعتاد كذلك أن تراني القوات الحدودية، من الجانبين، بهيئتين مع ذهابي وإيابي، ما أثار الشكوك بي، حتى بوشرت التحقيقات معي، من الجهتين كذلك. تحقيقات لم أخرج منها إلاّ بالكاد بعدما بلغت زياراتي إلى الشام بلحية، والعودة منها بدونها خلال عام واحد فحسب، أكثر من ثلاثين مرة.

حالي هذا أثار في صديقي الحلاق نوعاً من الشفقة خاصة بعدما ألفني خلال كلّ تلك الزيارات. تلك الإلفة دعته لإهدائي الموس الخاص به، بما أنّه قرر أن يتقاعد ويورث حفيده الدكان ليصنع به ما شاء من عصرية وموضة تستعين بأدوات، بعيدة كلّ البعد، عن موس الجدّ وجلخه.

وحملت غنيمتي من دون أن أسلّم عنقي للحلاّق هذه المرة، علّني أحتفي في بيروت بممارسة الحلاقة الذاتية. لكن وعَوداً على بدء، استرجعتْ مواسم الجروح والدم سطوتها ولم تنتهِ أبداً. وقبل دخولي في مرحلة اللاعودة استغفرت ماكينة الحلاقة القديمة والتجأت بكامل شوقي إليها، لأرتمي في أحضان أمانها، كما سيعود سعد الحريري مجدداً إلى حضن بشار الأسد.



#عصام_سحمراني (هاشتاغ)       Essam_Sahmarani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خالو مروان
- اختبارات جماعية على جماعة الإخوان المسلمين
- تقرير: خرافة معدلات الخصوبة المرتفعة لدى المسلمين
- دقة مفقودة في بي بي سي
- قانا.. مجزرة منسية من جنوب لبنان
- ثورة عليهن... ولهن
- لا قانون في ليبيا للحدّ من تعدد الزوجات
- ترويض الجمهور بين السياسي ورجل الدين
- عبرة لبنانية لجيوش تقتل شعوبها
- معضلة السلفيين
- استقالة الأسد وخيارات المواجهة
- المحكمة الدولية لا ريب فيها
- نكبة علمانية في بيروت
- أوباما وبن لادن.. وسلفيو البلاد العربية
- إستهلاك لبناني.. للقضايا
- دعابة أميركية اسمها المعونة لمصر
- حقيقة البحرين بعيداً عن قنوات تدّعيها
- للثورة مجدداً في ليبيا
- يد ممدودة
- في حلب وغربها.. من لبنان


المزيد.....




- كيف سيغيّر مقتل يحيى السنوار مسار الحرب؟.. الجنرال باتريوس ي ...
- ترحّمت على يحيى السنوار.. شيخة قطرية تثير تفاعلا بمنشور
- صورة يُزعم أنها لجثة يحيى السنوار.. CNN تحلل لقطة متداولة وه ...
- استشهد بما فعلته أمريكا بالفلوجة والرمادي وبعقوبة.. باتريوس ...
- قائد القيادة المركزية الأمريكية يهنئ الجيش الإسرائيلي بالقضا ...
- سوء الأحوال الجوية يؤخر عودة مركبة Crew Dragon إلى الأرض
- رماة يتألقون في عرض -يابوسامي- ضمن مهرجان الخريف بمعبد نيكو ...
- الحرب بيومها الـ378: مهندس -طوفان الأقصى- يودع ساحة المعركة ...
- الأزمة الإنسانية تشتدّ... المنظمات المحلية طوق نجاة السوداني ...
- علماء يرسمون خارطة للجدل البشري قد تساعد في معالجة الندوب


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام سحمراني - عودة سعد الحريري إلى حضن بشار الأسد