أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى البستاني - المحضر














المزيد.....

المحضر


بشرى البستاني

الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 14:21
المحور: الادب والفن
    


المَحضَر
بشرى البستاني
**
قالت له .. أتعبتك كثيرا ، ليتك تقول لي يوما : لا أستطيع لأطمئن ..
أجابها بهدوء ، لن أقول لكِ : لا أستطيع أبدا ..

شعرت بضربة نُبل مفاجئة ، كانت واقفة فجلست ، أحست أنه غمرها بكل فروسية أجداده ، لم تجد ما تقول . هذا رجل غريب يرفض أن يعطي نفسه ، وهي امرأة أغرب ، لأنها لا تريد أن تعرف ليبقى السر وامضا ، هو رجل لا نهاية لرجولة طفولته ، ولا حدود لشهامة التناقضات المُشعّة التي يرسم بها أجوبته لها وسلوكه معها ، وهي في غيابه تتلاطم بخضمِّ حضوره فيها ، حتى تعلمت منه غضَّ البصر عن تفاصيل كانت مولعة بها ، وعن أسئلة لا يسألها فيشعل في روحها غيظا من عبير ، ويدعها في غيبوبة أرجوانية أجمل من كل صحوة.
حينما انتهت المكالمة أمسكت رأسها ومسحت عنقود دمع . الدمعة مثل الكلمة تطهرنا ، تطفئ شيئا ما في الداخل .. اجتاحتها رغبة طفولية ، أن تمرغ دمعها بقميص طفولته المبتلّ بأحلامها الغامضة ، بكذبة واحدة تتمنى لو تركها على سمرة ضفائرها ، لكنها لا تحتاج لكذبه ، فصدق أصابعه أبلغ البراهين ..
لا تعرف ماذا يبكيها ، كل ما تعرفه أن روحها معه تتسع أكثر ، ويكبر قلبها، وبصير لصوته أناملُ تفتح أزرارَ حلمها الأزرق ، وأجنحةٌ تسامح بها بلادة الأيام ، وعقم البشر الذين مروا بها وعرفت ما تيسر من غبائهم ، لتشعر أنها تتشكل من جديد نبضة فنبضة ، وناياً فناي .
كل ما تعرفه انه علمها كيف تقول قولها هي ، لا قولهم هم ، وأن تنتزع ابتسامته من شهقة المحن لتلفه بحنو حريرها الأبيض.

حينما انتهت المكالمة غفت بقلادتها وخواتمها وأسورتها التي لا تستطيع بها النوم ، غفت خوفا من إطلاق نوبة صراخ اجتاحتها .
الكل يذهب ويعود ، والكل يذهب ولا يعود ، وهو يتربع عرش ليلها ولا يذهب . ينهض في مراياها ويلتف بأغطيتها الوردية ، ويشاركها قهوة الصباح .

بدأ الإنسان بالخوف يوم اكتشف أن الزمن ليس دائريا ، آه ، إلى أين سيذهبُ بها هذا الزمن الخطيُّ إلهي . المتصوفة أنقذوها بتقطع الزمن وانفصاله ، لكنها لا تريد لهذه اللحظة أن تنفصل . إنها الوهج المشرق في غُصَّة فذة ، وهي لوعة لا تهدأ إلا لتستعر ، إنها عذاب نعيم مقيم تتفيأ قسوته وحنوه وتصحو في قيلولته.

- ذكريني لو نسيتُ شيئا ..
وهو يدرك جيدا أنها لن تذكره إلا بشيء واحد .. هو أنها تنتظره .
هو يعرف أنها لا تأبهُ بالأحداث والوقائع ، ولا بترتيب الزمن أو تكسيره وتداخله ، وأنها توارب معه حين تدَّعي السرد ؛ لأنها منهمكة بالشعرية وزمنيتها المربكة ، وهي من زمن ترتب طروق البرق بعد ما طال الكرى ، تفتح الليل لما يجب ان يكون ، للحرية وإشراق كينونته على عتمة روحها ولهفة ستائرها ، ووحشة أوراقها . تتحدى به الزمن ، وبحضوره تنتزع أنين الغيم ودموع الوسائد لتقذفها على ظهر شُرفة يتيمة ..

في الليل تدعوه ليجوبا المدن وسط الرصاص والشظايا وأصوات متفجرات لا تعرف من أين يأتون بها لقتل أهليهم ، وتحت الأعمدة يقفان لا لإشعال الحرائق ، بل لإشعال قناديل الكون حتى يُلقى عليهما القبضُ من مجهولين .

- قال الحاكم : ألا تعرفان أن التجوال ممنوع ..؟
- تجيب السيدة : نعم ، نعرف.
- ما سبب وجودكما على الأرصفة إذاً ، وفي الليل ..؟
- لأنا محكومان بالنهار فقط ، فالنهار فضاء ما هو كائن ، أما الليل ففضاء ما يجب أن يكون ، وما يجب أن يكون هو ... خلاصنا.

- قال : كلامك غامض ، دعي الرجل يتكلم .
- قال الرجل ، كلامها واضح ، ليس لديَّ ما أضيف.
- قال : لا بد من ابتكار تهمة لسجنكما ، فابتكراها معا .
- نظر كلاهما بوجه الأخر ، ونطقا معا دون حوار : الحرية .
- هزَّ الحاكم رأسه موافقا ، وأقفل المحضر .



#بشرى_البستاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمتك المرتابُ بما لا أدري
- قلت للقصيدة تألقي ، قالت ، والرصاص ..؟
- الشاعرة لم تمت بالرصاص
- المواقف
- وأرى نخلاً جنوبيا يعدو
- شعر معد الجبوري ، عنفوان التجربة وتوهج الصحارى
- شعر طالب عبد العزيز ، واللعبة الماهرة
- الحب وإشكالية الوجود ..
- قراءات
- ضحايا غزة ... وحقوق الإنسان
- واقع الثقافة العراقية ، إلى أين ..؟؟
- كارثة الإبداع العراقي ، ومنافيه ... إلى متى ..؟
- شعرية الأنوثة وقصيدة الجسد
- الإشارات
- بهاء الحب وإشكالية الغياب في مجموعة - قصائد حب على جدار آشور ...
- نقوش الحب والجسد ، قراءة في مجموعة - أبشرك بي - لانتصار سليم ...
- قصيدة القدس
- في الغياب أتعثر بأنوارك
- فتنة
- رجاءات


المزيد.....




- -المعرض الدولي للنشر والكتاب- بالرباط ينطلق الخميس بمشاركة ع ...
- اللغة العربية في طريقها الى مدارس نيشوبينغ كلغة حديثة
- بين الرواية الرسمية وإنكار الإخوان.. مغردون: ماذا يحدث بالأر ...
- المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية ...
- دول عربية تحظر فيلما بطلته إسرائيلية
- دول عربية تحظر فيلما بطلته الإسرائيلية
- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى البستاني - المحضر