خوفي وقلقي

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4142 - 2013 / 7 / 3 - 12:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

استغرب كثيرا حين أجد إنسانا يعيش بلا خوف وبلا قلق,فكيف هي الحياة دون أن يكون فيها طعم الخوف والقلق والمرض والظلم والاضطهاد!!كيف بأولئك الناس الذين لا يعرفون شيئا عن الرعب؟وكيف بأولئك الذين لا يزيدون معرفتهم في هذا العالم ولا يحاولون أن يغامروا أو يصعدوا أكثر؟أستغرب من أولئك الذين لا يعرفون القلق أو حقيقة العالم السماوي والذي هو أصلا غير أزرق,ففي الحقيقة السماء ليست زرقاء وما هذا اللون الأزرق إلا لون الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية ليحافظ لنا على بيئة صالحة للعيش فيها,وهذه حقيقة واحدة من بين مئات الحقائق التي يجهلها الإنسان,إن المعرفة تزيد من القلق ومن الخوف.

هذا العالم الذي تعتبره أنت مصدرا لسعادتك أعتبره أنا مصدرا لتعاسة الكثير من الناس,ومصنعا للأوهام وللأحزان,والأغلبية مخدوعون بسحره,هذا عالم لا يرحم أبدا ولا يترك رحمة الله لتنزل على الأرض,أنت في عالم موحش وفي غابة أدغال فيها الكثير من المفاجئات للذين لم يحسبوا لها حسابا وللذين لم يتوقعوا الغدر من أصحابهم وإخوانهم,نحن في عالم كثيرا ما يبدو قذرا وغير نظيف,نحن كلنا في عالم ضائع ولا نعرف رأسنا من أرجلنا,ولا نعرف عن مستقبلنا أي شيء,فنحن ضائعون وتائهون وجاهلون ولا نعرف ماذا سيحدث لنا بعد لحظة أو ساعة,كلنا في عالم مخزي ونحن مخزون أكثر,هذا العالم بالنسبة لي قد تألمت منه بسبب وبدون سبب, وتعبت منه كثيرا في الوقت الذي لا يوجد فيه مبررٌ للتعب وللعناء ومع ذلك دائما عقلي متلهف لارتكاب المزيد من الحماقات والأخطاء,وهذا العالم الذي لا تشعر أنت منه بالخوف ولا بالقلق أعتبره أنا مصدرا للخوف وللقلق,وتنقصني فيه نعمة النسيان التي يتمتع فيها الكثير من الناس,فأنا مشكلتي يا أصدقائي أنني لا أستطيع أن أنسى الماضي ولا أستطيع أن أنسى الجروح وخصوصا تلك التي تزيدني ألما كلما وضعت عليها رشة أو رشتين من ملح الطعام,هذا العالم مصدرا لعدم الاطمئنان لي مطلقا,أنا أحيانا أضع رأسي على وسادتي لأنام وأشعر عندها بالرجفة أو بكوابيس من الرعب وأشاهد صورا مرعبة جدا أقوى بمليون مرة من أفلام الرعب التي تصنعها سينما هوليود,أنا خائف جدا على مصيري ومصير الذين سيأتون من بعدي وحزينٌ جدا على مصير أولئك الذين غادروا الحياة من قبلي,إن الخوف والقلق عندي مصدران من مصادر إلهامي,فالخوف يلهمني والقلق يلهمني.

وأنا بدون خوف وبدون قلق لا يمكن لي أن أعيش ولو أراد أحدهم أن يستأصل القلق من داخلي فإن هذا معناه أنه يريد أن يأخذ مني روحي بالكامل,القلق يعشش في مخيلتي وفي ذهني وفي قلبي,والقلق هو من بدأ بتغيير وجهة نظري في هذا العالم المحيط بي وبفضل القلق صرتُ أنا المحيط بالعالم من كل الاتجاهات وبدأت أفهم العالم فهما واضحا فأسقطت القُدسية عن بعض الأشخاص وعن بعض الكتب التي كنت أظن وأنا في حالة من عدم القلق بأن هذه الكتب مقدسة وأولئك الأشخاص القادمون أو المبعوثون من التراث هم ورائحتهم الكريهة عبارة عن أشخاص مقدسين,ولكن بفضل القلق والخوف عرفت بأنهم شلة من العصابات السر سرية والبلطجية وبأن الناس الذين يعيشون معي في هذه الحياة ما هم إلا مجموعة أغبياء يعيشون بدون قلق أو حزن أو اكتئاب.
كلما ازداد وعيي أكثر كلما ازداد خوفي وقلقي أكثر,وكلما أحسست بالجوع أكثر كلما عرفت وتيقنت من المسافة القريبة التي تفصلني عن قبري,ففي الآخر سأموت وسنموت جميعنا تاركين خلفنا كل ما فعلناه وكل ما أنتجناه وأكثر من 90% من منتجاتنا ستذهب مع الريح وستتطاير في الهواء,لا أدري بالضبط عن الدور الذي سألعبه مستقبلا في العالم الآخر,والمهم والأهم أنني قلق جدا ولا أكاد أعرف نعمة الأمن والأمان والنسيان,فأنا لست قلقا على احتمالية دخولي إلى السجن بل أنا قلق بسبب تطور وعيي وثقافتي ونضجي الفكري ومحاولة نجاح نُضجي العاطفي,أنا قلق جدا على نفسي وعلى هذا العالم وكيف من الممكن لي أن أشعر بنعمة الأمن والأمان وأنا حتى هذه اللحظة قلق على مصيري ومدمن شديد الإدمان على الخوف الذي يخلفه القلق,أنا مسكون بهاجس القلق والخوف وأستغرب من أولئك الناس كيف أنهم مثلا لا يشعرون بالقلق ولا بالخوف ولا توجد لديهم أي نية للمغامرة,كأن تفتح كتابا بعقلك كما تفتح الأرض بفأسك,وأنت تعيش حالة من الرعب ومن الخوف,حاول يا صديقي أن تقلق أو أن تصاب بالذعر أو بالدهشة من هذا العالم,حاول أن تزيد رصيدك من الثقافة المعرفية لتعرف من هو الأصح ومن هو الخطأ أو من أين يأت الصح ومن أين يأت الخطأ,حاول أن تزداد وعيا لتعرف الخوف والقلق الذي أعرفه أنا,إن رصيدي من المعرفة جعلني دائما خائفا وقلقا,ومغامراتي العقلية الكثيرة جعلتني أكتشف الكثير من الحقائق النسبية وغير النسبية,إن أولئك الذين يعيشون وهم مطمئنون جدا على حياتهم ولا يصابون طوال حياتهم لا بالذعر ولا بالخوف ولا بالقلق,إن كل أولئك جهلة ومغرر بهم ولا يملكون ذرة من العلم ومن المعرفة,فالقلقون هم أصلا من لديهم ثقافة كبيرة ووعي كبير وحس إنساني كبير ممزوج برغبة الإنسان الذي لديه موعدا آخر أو مناورة أخرى مع المعرفة والثقافة.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات