|
رحلة إلى عالم العراء
نور الدين الناجي
الحوار المتمدن-العدد: 4129 - 2013 / 6 / 20 - 20:20
المحور:
الادب والفن
اتفقنا على الساعة 11 صباحا أننا سنتعرى عند الثانية زوالا . افترقنا أمام دكان العربي " الشلح " ، صعدت إلى المنزل و سرعان ما بدأت في الاستعداد لهذا التعري الأول من نوعه، نعم هو الأول من نوعه مع هذا الشخص القادم من بني ملال، قالت لي أختي مع من ستذهب للحمام قلت لها : رفقت " بوشعكوكة " ؛ هكذا كان معروفا عندها، كما كان معروفا عند المهدي الواوا ب " عبيدة " و معروف عندي ب "عبد الله الأديب" . خرجت من الدار، و اتصلت به ؛ الهاتف يرن و يرن و يرن فأجابني الأخ الأكبر " بريجة "، و هو يدرك أني الطرف الثاني في الرحلة فقال : "هاهو جا لعندك". فالتفت على إثر هذه الجملة ناحية الزقاق الذي سيأتي منه، فتراءى لي هيكله يحارب العقبة العالية صعودا و في يده حقيبة و سطل أحمراني يحوي أدوات حمامية . صافحني و قال : - هل تاخرت - لا اتصلت بك فأجابني " بريجة " - آه لقد تركت الهاتف في المنزل خوفا من ان يسرق مني .
بعد السير في أزقة ملتوية و طرق منحرفة و جدنا أنفسنا داخل قاعة رمادية اللون تنتشر في جنباتها كراسي إسمنتية تجلس عليها بشريات عارية تنفث التعب الذي طالها من " السخون " . جلسنا في ركن فارغ و بدأت أخلع ملابسي وياله من إحساس ذلك الذي انتابني في لحظة التعري , تخيلت في خلدي أني ضفدعة و عبد الله قرد و ذاك الشخص هناك ثور و الآخر خروف، و البقية أخدت أشكالا حيوانية مختلفة . في لحظة زالت كل الفوارق و صار الكل " قلواني " , لا فوارق مادية و لا روحية و لا جنسية الكل واحد مع اختلاف بسيط فقط في السن . و ضعنا الأغراض في الزاوية المخصصة لها ناولنا حارس الحقائب سطولا سوداء، دخلنا و نشوة دافئة تتفجر في أعماقي ، و بينما كنا ننتقل من قاعة الى أخرى تراءت لنا حيوانات برمائية مترامية في أطراف القاعات الثلاث تغسل و تفرك و تتقلب على جوانبها مستمتعة بدفء الأرضية . بعد إحضار الماء تمددت أنا، و عبد الله داخل القاعة الأكثر سخونة، و سرحت في تأملات لا متناهية و عيناي تداعب بهدوء و مهل شديدين الفسيفساء التي تزخرف السقف و القطرات المائية التي تلتصق بها عنوة . صرنا نتقلب ذات اليمين و ذات الشمال حتى احمرت المؤخرات . انتقلنا الى الغرفة الثانية و ذهنت جسمي بالصابون البلدي و ساعدني عبد الله في ذهني ظهري كما ساعدته أنا، و أنا أدهن عضلاتي المتواضعة حاولت أن أقارنها مع العضلات الأخرى، فوجدتها مقنعة مقارنة مع عبد الله . يمتد جسد عاري بالقرب منا و هو يقول : " الله الله يا سيدي يا ربي" ، رجل عجوز في الزاوية المقابلة يقوم بحركات بهلوانية للاسترخاء، طفل صغير يتزحلق على الأرضية المبتلة، رجل نائم على بطنه و الآخر يدلكه و يخرج " مزمزات " من فمه، لا تسمع إلا أصوات بعيدة غير مفهومة و لا تصلك إلا رشات مائية دافئة ، و لا ترى إلا اجساد تمشي في تثاقل كانها تحمل حملا ثقيلا، البعض يفرك جسده بخرق خاصة كل واحد في عالمه الخاص و حدود عالمه هي السطول التي تحيط به، كل شيء ممكن و مباح داخل الحمام يمكن ان " تخرا" ان تحلق " الشعرة" إلا الجنس فهو ممنوع ، آه لو كانت بعض البقرات في هذه القاعة الضبابية و كانت هي الأخرى تفرك و تغسل و تدهن و تمدد عضلاتها بالطريقة البهلوانية كما يفعل " الشيباني " . اقترحت على عبد الله أن يفركني و أفركه، فوافق شريطة أن يكون أول من يفرك . فركني فركا، جاء دوري ففركته فركا و دلكته دلكا عضلاته الضعيف و جسمه الرخو لم يتحملا بعض الحركات التدليكية فقال لي : " غير بشوية ا نورالدين دابا تفلعصني من شي جهة " . الشيباني القابع في جانبنا يرصد ما يحدث في صمت فجاة تعطش عظامه الهرمة إلى " التجباد " . طلب مني ذلك قائلا : " و وليدي الله يرضي عليك الا مكسلني "، لم أجد مبررا للرفض . شرعت في دلكه و كانت كلمات تخرج من فمه توضح تماهيه مع الدلك من قبيل " اااااااح الله ؛ الله أميمتي الله " . تماهي الأجساد غياب الفوارق ، انعدام المظاهر، غياب كل ما هو شكلاني ، الكل متشابه . لحوم تنتقل في تثاقل لا تستطيع أن تميز بينها، " تقلون " جماعي ، تلك هي روح الحمام البلدي. بعض المعركة الضارية التي جمعتني و عبد الله مع السخون خرجنا من حيث دخلنا . طواف من نوع خاص على الغرف الثلاث، رحلة " قلوانية " تطهيرية، تطهر جسدك من الأوساخ و تطهر قلبك من المظاهر الشكلانية. فتشعر بالرضى عن "قلوانيتك", فهي ليست" قلوانية" متفردة بل هي" قلوانية" كباقي "القلوانيات" مستمدة من روح "التقلون " لا غير ذلك .
#نور_الدين_الناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظلام الأنانية
-
كارلي
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|