|
ماركس والتحليل النفسي/تجربة فيلهلم رايخ..نموذجا(2)
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 4128 - 2013 / 6 / 19 - 14:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ولد فيلهلم رايخ او وليم رايشwilhelm reich في24مارس1897 في مدينة غاليسيا البولندية،والتي كانت انذاك جزءا من الحدود الشرقية للامبراطورية النمساوية المجرية.انتقلت عائلته بعد ولادته الى مدينة جونتز في مقاطعة اوكرانيا في النمسا.كانت اسرته من وسط فلاحي ميسور،كان والده حريصا جدا على عدم اظهار يهودية العائلة،واجبر ولديه على التكلم باللغه الالمانيه،فقد حرم عليهم متشددا النطق باليديشيه،وهي لغه اليهود في المانيا والنمسا.لذا درس رايخ بمدرسه خاصه.كان الاب ليون رايخ متحررا من الاعتقاد الديني اليهودي،فنشأ رايخ الابن على حرية الفكر،وعدم الالتزام بالايمان او الطقوس الدينية.في عام1910 انتحرت امه سيسيليا،بعد اتهامها بعلاقه جنسيه محرمه مع استاذ رايخ،ومن قبل الاب،وبوشايه غير مقصودة من رايخ الابن نفسه،وهو الذي كشف تلك العلاقة لابيه،جاهلا ماترتب على ذلك من مأساة،وقد ترك انتحار الام،صدمة بالغه الشدة،وجرحا غائرا في وجدانه لم يندمل ابدا،فقد كان متعلقا وبشغف وحب مفرط لامه،وبالضد من مشاعره العدائية تجاه ابيه.وهذا مايمكن ان يشكل عقدة نموذجيه كلاسيكيه جديرة بأن يطلق عليها(عقدة اوديب)!حسب التوصيف والتصنيف المحوري للتحليل النفسي النظري الفرويدي.لم يتحرر رايخ من كارثه موت امه الفاجع،فقد ترك ندبه لاتمحى في اغوار لاشعوره،ولن يعود توازنه النفسي كما كان حتى وفاته.في عام 1914 توفى رايخ الاب بمرض السل-المرض الذي سيعاني منه الابن في مابعد-،فأضطر لحمل اعباء الاسرة-قبل الاوان-وادارة اعمال العائله والمزرعة والارض،فعمل في ملكيته،-والتي سيلحق بها الدمار اثناء الحرب العالمية الاولى ،لانها احد الاماكن التي دارت فيها الحرب-اضافه لاعتنائه بأخيه الصغير روبرت،وكان رايخ في السابعة عشر من عمره عند وفاة الاب.في عام1916التحق رايخ بالجيش لاداء الخدمة العسكرية كضابط احتياط،قضاها في خنادق الجبهة الايطالية،حيث شاهد عن كثب وتماس فضائع الحرب واهوالها،من قتل ودمار ووحشية.في عام1918عاد رايخ من الجبهه بعد انتهاء الحرب،مصدوما وكارها لكل الحروب،والتي جسدت له البؤس والموت والقسوة البشرية.واصل دراسته للقانون في جامعة فيينا،وسرعان ماعدل عنها،متحولا لدراسه الطب،كنوع من التأثر بشناعات وصور الحرب المرعبة من قتلى وجرحى ومعوقين.اثناء دراسته عانى من شظف العيش والجوع الحقيقي لا مجازا!حيث كان اخيه روبرت يعمل ليعيله،وينفق عليه خلال دراسته الجامعية،-وكما يذكر-كانت وجباته هو واخيه لاتتعدى البطاطا المسلوقة،وكان يتجاوز حتى على حصة اخيه من تلك الوجبات!قضى فترة الدراسة مرتديا معطفه والملابس العسكرية بعد ان نزع ازرارها!وذلك لعدم تمكنه من شراء ملابس لشحه المال.خلال دراسته التقى بالشابة الجميلة زميلته في الدراسة(آني بنك)annie pinkوالتي اصبحت زوجته الاولى،ولم يتزوج منها الا بعد ان حصل على عمل في عام1922 لانها كانت من اسرة برجوازية وهو لايملك شيئا!في نفس العام حضر اول درس للتحليل النفسي،حيث انهى دراسته،ليتخصص بالطب النفسي.عمل في مستشفى فرويد للتحليل النفسي،والتي اسسها فرويد مابين عام1924-1930.وقد احتضنه فرويد لما توسم به من ذكاء نادر واستيعاب،وسعة معرفية واطلاع،وموهبه متميزة وفدرات فريدة في التحليل النفسي،وكانت علاقته بفرويد قد بدأت منذعام1919 عندما التقى به اول مرة،واعجب بشخصية فرويد العلمية،وبادله فرويد نفس الاعجاب،وكان يعامله كأبنه،حتى اطلق عليه زملائه لقب-تلميذ فرويد المدلل-وقد احتفظ رايخ بصورة شخصية لفرويد لم يتخلى عنها حتى بعد قطيعته معه معلقا اياها في غرفته حتى مماته.كانت علاقته الشخصية والمهنية بفرويد متينة جدا،وعمل بمعيته،ومارس الطب التحليلي العياديفي مستشفاه.وفي هذه الفترة وضع رايخ الاسس لنظريته حول الاوركازمorgasme-الانتعاض،هزة الجماع،ذروة النشوة الجنسية-وطور الكثير من افكاره الخاصه حول تحليل الشخصية..انجذب رايخ لليسار الراديكالي النمساوي،وبهره الحراك السياسي في صفوف الحركة العمالية الثورية،والبالغة النشاط،وبتأثير من راهنية الثورة الروسية،والتي كانت تهتز وتهز معها كل اوربا،وقد جعل غليانها من المناخ السياسي والاجتماعي ملائما جدا،وخاصة في المانيا والنمسا لاشتعال الثورات.كانت الماركسية تنتشر كنار في هشيم في اغلب الحركات السياسية العمالية الثورية،وفي كل اوربا مابعد الحرب.انتمى رايخ للحزب الاشتراكي النمساوي والذي سرعان ماتركه،وانضم للحزب الشيوعي النمساوي .كان الوسط الاجتماعي والعلمي لجمعية اطباء التحليل النفسي،وسطا اجتماعيا مغلقا ومنغلقا لايقيم وزنا ولا يعير اهتماما الا لمهنية وحرفية التحليل النفسي:معالجة مرضى العصاب،والاضطرابات النفسية والعقلية.لاشي غير ذلك يثير اهتمامهم،والنشاط السياسي كان اخر همومهم!فأثار رايخ بأنضمامه للحزب الشيوعي وحيويته السياسية،حفيظتهم ونفورهم وعدائهم.لم يكن رايخ محللا نفسانيا تقليديا،فبسبب انحداري الطبقي الفلاحي،ومعاناته من الفاقة والجوع ،ترك ذلك اثرا واضحا في تشكل وعيه الفكري العقلي والطبقي،وذهنيته كطبيب،فالقضية اعمف من ان تكون مجرد:معالجة مرضى،وتحليل نفسي لعصاب او ذهان او هستيريا،هذه اعراض مجتمع مريض،انها مشكلة اجتماعية تحفر عميقا في بنية النظام الاجتماعي الاقتصادي الرأسمالي،وتبرز الى السطح السياسي والايديولوجي والثقافي والتربوي.ومثلما جعلته نزعته الشمولية للاحاطة بكل جوانب الحياة للتحول من القانون الى الطب،هو ايضا ما جعل منه محللا نفسانيا،ومناضلا شيوعيا ثوريا،وباحثا اجتماعيا في نفس الان.فشتان مابين المجتمع الراكد والمنعزل والجاهل والمرفه لمحفل اطباء التحليل النفسي!وقضية الطبقة العاملة الصراعية والساخنه والملحة اجتماغيا واقتصاديا وسياسيا وايديولوجيا،والتي كانت تؤرف ليالي رايخ الطويلة.ان الوعي الحاد والمتطور والمتجدد الذي تحلى به رايخ سيشع فيما بعد وخاصه بعد هجرته الى الولايات المتحدة،حيث ستتخذ المسألة الاجتماعية بعدا اكثر شمولا واتساعا،لتصبح ازمة الانسانية برمتها،والتي خضعت ولا زالت تخضع للاستغلال والقهر والكبت والاغتراب والعبودية الحديثة والتي هي اسوء بكثير من عبودية العالم القديم..بدأالمجتمع الآسن والموبوء بالاحقاد والنميمة والتنافس المريض(جمعية التحليل النفسي)بأثارة الضغينة والتحريض،واخذوا يهمسون بأذن فرويد سمومهم،كي ينقلب ضده،والذي ظل معجبا به حتى عام1927عام انضمامه للحزب الشيوعي النمساوي.وفر له العمل بمستشفى فرويد الفرصة للاحتكاك بالعمال،والانصات لمشاكلهم ومعاناتهم الاقتصادية وعللهم النفسية واضطراباتهم العصبية والجنسية،الامر الذي دفعه ليدرك ان الامراض النفسية والعصبية والعقلية،والتي يتعرض لها الفرد الاجتماعي،هي في الحقيقة اجتماعية في مصدرها وجذرها واصلها،تعكسها الظروف الاجتماعية العامة السيئة والمختلة في حقلها الطبقي والسياسي داخل المجتمع،وعلاقاته الانتاجية الاقصائية والمغتربة،ومن هذه التجربة في العلاج النفسي للعمال،اتجه رايخ لدراسة فكر ماركس ومنهجه المادي العلمي،كمنهج لدراسة المجتمع،وكفكر تكاملي وضروري لدراسته المعمقة للفرويدية والتحليل النفسي،وفي هذه المرحلة بالذات،اكتسبت مفاهيمه النفسية السابقة بعدها الاجتماعي الطبقي،وبرؤية جديدة مزجت بين الماركسية والفرويدية اوالعكس...... .................................................................................................... يتبع في المقال القادم.........
وعلى الاخاء نلتقي......
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس والتحليل النفسي/تجربة فيلهلم رايخ..نموذجا(1)
-
ورأيت الناس يخرجون من التاريخ افواجا!!!
-
شرعنة وقداسة القتل!/رجم ثريا..طقوس بربرية!!!
-
الموت الخجول!
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحلة الهروله من الامبري
...
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحلة الهروله من الامبري
...
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحله الهروله من الامبري
...
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحلة الهروله من الامبري
...
-
هوامل في يوم عامل!!!
-
وردة حمراء لشهداء آيار الاحرار...
-
مخاض البروليتاريا العسير الطويل...
-
نسر الماركسية الذي هوى مضرجا بالدم!/روزا الحمراء..(3)الاخير
-
نسر الماركسية الذي هوى مضرجا بالدم!/روزا الحمراء...(2)
-
نسر الماركسية الذي هوى مضرجا بالدم!/روزا الحمراء...(1)
-
رامبو المنفصم!/من متاريس الكومون الى حضن التجارة المصون!!!(3
...
-
رامبو المنفصم!/من متاريس الكومون الى حضن التجارة المصون!!!(2
...
-
رامبو المنفصم!/من متاريس الكومون الى حضن التجارة المصون!!!(1
...
-
القيامة المعطلة!!!
-
يانساء الشرق...انهضن..(البيان النسوي)الثاني
-
يانساء الشرق..انهضن..(البيان النسوي)_الاول
المزيد.....
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لفرض عقوبات على الجنا
...
-
انفجار في سفينة حاويات في البحر الأحمر
-
إعلام إسرائيلي يكشف عن وعد -حماس- لأسرتي البرغوثي وسعدات
-
رئيسة الحكومة الإيطالية تخضع للتحقيق القضائي بعد قرار الإفرا
...
-
مصر.. الجامعات تحسم مصير طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق إدار
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|