|
أموتل
ابراهيم فيلالي
الحوار المتمدن-العدد: 4114 - 2013 / 6 / 5 - 17:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعد أحنجيف و تاشنى ، أموتل هو ثالث المفاهيم بالأمازيغية التي حاولنا فهم دلالتها من خلال تداولها في الحياة اليومية ، حتى يتسنى لنا الكشف عن طبيعة العقلية التي تطعمها و تعطيها معنى . هو بالأساس عرقلة عملية و فكرية للوعي . تناول مثل هذه المواضيع مهم جدا لفهم تمفصل الثقافات و الايديولوجيات و المصالح، و تحالفها لتعبئة الكلمات و المفاهيم بشحنة موحدة و متفق عليها. و بادراكنا لدلالات هذه المفاهيم ننفذ الى أعماق العقليات السائدة ، فنعي خيوط اللعبة و ميكانزمات الاشتغال و التداول و اعادة الانتاج. يعني ، معاودة انتاج البنية الثقافية لنفسها . ضروري من خلفية اجتماعية أو سند لسيادة أي فكر . و هذ ه المفاهيم هي جزء من جهاز مفاهيمي مسخر ضمن السياق الثقافي و الاجتماعي و الزمن الذي تتداول فيه. فهي وان لم تؤسس على سيرورة بحث علمي أكاديمي ، غير أنها لغة لتجارب غير ممأسسة، هي نتاج المجتمع بأكمله ، مثل الأسطورة. لا نستطيع أن ننسبها لأحد. هي بهذه الخاصية تصبح وعاءا لثقفة و ايديولوجية معينة. فتحتضن الدين و تسقط خيار المقاومة و المواجهة و التصدي، تصبح مخدرا. المهم أن لا يطرح السؤال و لا نمر الى الممارسة. هي كلمات و مفاهيم مستعملة في حياتنا اليومية ، و بالرغم من ذلك لا نأخذ من وقتنا و لو لحظة واحدة لنجعلها موضوعا للتفكير و لم يسبق أن سجلنا وقفة يوما ما لنتساءل عن ماهيتها ، و ما جدوى تداولها ؟ و ماذا تحمل من شحنة ؟ و هل هي فعلا كلماتنا و لغتنا و مفاهيمنا ؟ و ما هي المصلحة التي تخدمها و تمدد صلاحية تداولها؟ الى غير ذلك من الأسئلة التي ستكشف ، في نهاية المطاف، عن المعاني الحقيقية لهذه المفاهيم . و هو الشيء الذي دفعنا لتحليلها و نقدها حسب فهمنا لها ، لأن تدمير العقليات السائدة يمر عبر تحليل و تفكيك و تدمير لغتها. و من أجل ذلك يجب محاصرة تداولها و زعزعة خلفيتها أو قاعدتها الاجتماعية و ذلك بانتاج الكلمات و المفاهيم و اللغة المؤسسة على العقل و الحرية ، حرية السؤال و البحث و الابداع ، مع احترام مطلق لقيمة الحياة و لقيمة الانسان . هو هكذا ننطلق من واقع المجتمع و من حياته اليومية ، نترجم همومه و أسئلته و ننصت اليه، فلا نغرق في الأكاديمي و لا ننطلق من قراءة للقراءات و لا نسقط في تفسير و شرح لأفكار كاتب ما . حين ننبش في الكلمات المستعملة في الحياة اليومية أو ننتبه و ننصت اليها جيدا لنستوعبها سنجدها مثقلة بدلالات كتيرة ، هي ايجابية في أبعاد معينة و العكس في أبعاد أخرى. و لكنها على العموم لا تخرج من منطق الثقافة السائدة بما تحمله من قيم و أخلاق ، قيم الانبطاح و أخلاق العبيد . أموتل بالأمازيغية هو تعبير عن قوة ما غير محددة و غير معروفة ، تنتقم لصالح مظلوم ما . خاصة حين لا يلتجئ هذا الأخير الى الانتقام أو الى رد الفعل و الاجابة العملية ، بل يترك الأمر لله فيقول : " الله كيشد الحق لأي واحد، الله كيشوف ...الله شاهد ... " منطق أموتل هو منطق التخلي و الهروب و الاتكالية و الدين. و هو كذلك منطق التسامح أو للدقة التجاوز و عدم الانتقام و اعطاء الفرصة للآخر ليفهم فعله و يستدرك و يعيد النظر فيه. هو بهذا منطق أخلاقي يخاطب ضمير الآخر . هذا يمكن أن يكون صحيحا نسبيا في علاقات الأفراد فيما بينهم ، في مستوى دينامية الجماعات و السيكولوجيا الاجتماعية . أما حين ينتقل أموتل ليصبح مفهوما متداولا في مجال آخر ، فالدولة و النظام و العصابات التابعة و المكونة له ، لا ضمير لها. فيتحول أموتل ،اذن، الى مفهوم ايديولوجي كجميع المفاهيم التي تبرر الوضع القائم ، لأنها تسكن و تهدئ و تهادن و تخدر . من يؤمن بأموتل لن يخوض الصراع في يوم من الأيام ، بل يمارس عليه و يترك لأموتل مهمة ممارسته بالنيابة عنه. يفقد روح المبادرة و الصراع و الدفاع و التفكير و النقد و التمرد و انتاج الرأي و الموقف و ممارسته في حقل الصراع الذي لا وجود فيه لأموتل و لا للأشباح و لا للآلهة و لا لجمعيات حقوقية ميتافيزيقية ملائكية متمركزة في كوكب آخر أو في نقطة ما من هذا الفضاء و خارجه، تدافع عن الانسان ، جزاءا و مكافأة له على سكوته و صمته و تحمله بصبر و حسن سلوكه و عدم عدوانيته و طيبوبته و تركه حق رد الفعل و التصرف لأموتل ، كأنه نائب جماعي أو برلماني يمثله و ينوب عنه و يقرر في مكانه ، لأنه أعطاه صوته و رشحه أن يمثله . الفرق أن أموتل ليس شخصا نصوت عليه و ليس نظاما ندافع عن ديموقراطيته بمشاركتنا في لعبتها. هو مفهوم شبح . ليس له وجود مادي ملموس و لكن له وجود في أذهاننا و في ثقافتنا . على هذا الأساس فهو مفهوم ينتج و يعيد انتاج الثقافة المهيمنة و ايديولوجيات الطبقات المسيطرة . ينتج الاستيلاب و يعيد انتاج منطق الثقافة السائدة : الدين و الخرافة و الشعوذة و الجن و العفاريت و الأرواح الشريرة و كل العناصر التي تتكامل لتشكل لوحة لحالة نموذجية من الهستيريا الفردية و الجماعية . من يرى في أموتل محاميا و/ أو حكما يفوض له أمره ، هو بالضبط من يسمونه بالمواطن الصالح . لا ينفعل و لا ينتفض و لا يحارب و لا يقاوم و لا يهدم و لا يبني و لا يقلق و لا يفكر و لا يستعمل العقل أكثر من استعماله للعاطفة.
#ابراهيم_فيلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة و التربية و الحرية
-
بيان الى الرأي العام الوطني و الدولي
-
المشعوذون
-
حوار مع محمد شمي النائب الاقليمي للتربية و التعليم تنغير - ا
...
-
بيان إلى الرأي العام الوطني و الدولي
-
بعض التوضيحات
-
-فيلالي راه براني و ماخصكومش تخليوه ابقى يهدر مع العيالات-
-
تقرير- موجه الى وزير التربية و التعليم المغربي-
-
تسمية وضع
-
بيان
-
إضراب عن العمل يوم الاثنين 26 مارس و الثلاثاء 27 مارس 2012 ا
...
-
الأوهام المشتركة أو الموزعة
-
السلطة و الذاكرة
-
لن تمروا ! No Passaran
-
دفاعا عن الطفولة
-
في امسمرير –إقليم تنغير صيدلية فريدة من نوعها
-
الجرح القديم
-
الجماعة القروية لامسمرير – ورزازات-
-
الكتابة كما اراها
-
- المنطق نتاشنوين -
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|