|
نقض أداتية جون ديوي
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 4108 - 2013 / 5 / 30 - 09:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جون ديوي هو الفيلسوف الثالث للبراجماتية من الزاوية التاريخية ، بعد تشارلس بيرس ، ووليم جيمس ، يكره الأقتراب من الكامل والمطلق في المعرفة الإنسانية ، وحتى الرياضية منها يرضخها لمفهوم النسبية والأحتمالات ف 2+2 = 4 مجرد شكل ينبغي أن يخضع للآداة المعرفية التي هي الفيصل الحاسم في تحديد هذه الهوية . وبقدر ما يبتعد عن ذلك النوع من المعرفة ، يبتعد أكثر عن معطيات الفلسفة التأملية ويعتبرها نوعاً من اللاواقع الذي لاطائل منه ، فالمعرفة الحقة هي تلك التي تشارك في هويتها الأداة الأجرائية التي وكأنها جزء من خصوصيتها . وهكذا يفتح ديوي مجالاً فسيحا ، وخيالاً لاحدود له في إضفاء منطق هذا المفهوم على مساحات بعيدة في المعرفة البشرية ، فهاهو بريدجمان الفيزيائي الأمريكي يستخدمه في منهج الفيزياء الحديثة لكن بعد أن يضفي إليها مسحة من الوضعية الجديدة لتاتلف لديه ما سمي باللإجرائية العملياتية . وكذلك أستخدمه عالم المنطق ليويس في مسألة المنطق الرمزي . ولصعوبة التمايز ما بين ( النظرية المعرفية ) و الأداة الإجرائية التي تنبع منها تحديداً ، أعتقد الكثير من المفكرين والمهتمين بالشأن الفلسفي إن ديوي يملك نظرية معرفية ، وبما إن الواقع هو على خلاف نفسه ، أرتأيت أن يكون العنوان جلياً واضحاً صارخاً : نقض أداتية جون ديوي ، أجرائيته ، أنسترومانتاليته ، التي تتلخص في أستخدام المنهج العلمي ، منطق العلم ، نظرية البحث العلمي ، في كل مجالات الحياة الإجتماعية . وعندما يبتعد عن المطلق الكلي في المعرفة وعن الفلسفة التأملية فهو لايؤسس لنظرية معرفية إنما هو يبتعد عن المقولات الفلسفية الأصلية ، الغيبيات والمحسوسات ، العقل والحواس ، الذات والموضوع ، الوجود واللاوجود ، العدم واللاعدم ، الزمان والمكان ، المنتهي واللامنتهي ، أي مجمل تلك الأطروحات التي عالجها وليم جيمس في مؤلفه ، بعض من المشاكل الفلسفية ، ليرتمي في أحضان مبدأ ذرائعي متقدم أكثر عن أطروحات سابقيه ، شارلس بيرس ، ووليم جيمس ، وليقترب من مجالين متميزين لدى المجتمع الأمريكي وهما : الديمقراطية والعلم ، ولتأسيس وتأصيل فلسفة علمية لمجتمع ديمقراطي بات يجافي اللاعقلانية واللاعلمانية في ثنايا فلسفة وليم جيمس . وهنا تكمن أهم نقطة في خلفيات فلسفة ديوي الذي لايؤمن بتاتاً بمحتوى التثنين بأي شكل كان في المجال المعرفي ، بل حتى أنه يتجاوزه بكل قدرة ذكائية ، وبطاقة تحليلية أوسع من صاحبيه ( بيرس ، جيمس ) ، بطرحه أداتية معرفية تلقائية حصر أبعادها في الخبرة الذاتية للفرد ، والتي أسميها بصورة أدق النشاط الذاتي للفرد الذي يتمحور حول ثلاثة مرتكزات صميمية في ذهنية ديوي : المرتكز الأول : يمنح الأولوية المطلقة للفرد كما هو ، للفرد الذي يمارس حياته الخاصة ، للفرد الذي يبحث ، ويحسن ، ويتمنى ، ويختار ، ويتلذذ ، ويفعل ، كما لو أنه هو الهدف الأسمى من غايات التاريخ البشري ، بل هو كذلك بالفعل حسب ديوي . المرتكز الثاني : خارج إطار تأثره ب ( بيرس ، جيمس ) تأثر ب ( تشارلز داروين ، جورج موريس ، توماس هكسلي ) فمزج مابين مفهوم التطور النوعي العام ، ومحتوى الثالوث الذي أنعته بالثالوث الصعب ( قدرة الفرد على الأختيار ، أمكانية الفرد على التمييز ، منحى سلوكية الفرد ) ، مع تأكيدنا أنه غلب الجزء الثاني على الجزء الأول الذي له وظيفة جوهرية تنحصر في أبراز موضوع الجزء الثاني ، أي أنه غلب ( هكسلي – موريس على داروين ) . المرتكز الثالث : ولكي يبقى في حدود جوهر البراجماتية ، يركز على مفهوم المنفعة ، سيما المنفعة النسبية ، تلك المنفعة التي تنسجم مع المرتكزين السابقين ، ومع عملية المعرفة العلمية ، أو البحث العلمي في إطار الأداة المعرفية العلمية ، وكأنه لايميز ، وهو لايستطيع اصلاً التمييز ، ما بين الثالوث المستحيل ( العارف ، المعرفة ، المعروف ) أي الباحث أو بالتحديد العلماني ، والمعرفة ( هنا لاندري هل هي المعرفة في ذاتها ، أو بذاتها ، ام من أجل الغير ، لكنني أرجح ولكي تستقيم منظومته العامة مع أطروحاته العديدة سيما تلك التي تتعلق بالمشروع التربوي – لتلميذه – الإتصال الإ<تماعي ، التعبير السلوكي ، أجرائية المشروع ، المشروع الأخلاقي ومحتوى القيم ، مضمون التجربة ، البيولوجية الإجتماعية ، إن المعرفة لديه هي من أجل الغير ونسبية بنفس الحدية والقياس ) ، والمعروف هو ( القائم في منطقة لاندري أين ) والذي يصبح موجودا بعد وجود النشاط الذي يبحث عنه ، فالغاز الكبريتي ، غائب! ومتى عثرنا عليه هو موجود !! وكذلك الجاذبية ، والقوانين ، والهواء ، والماء ، والتراب ، وجون ديوي نفسه !! . نكتفي بهذا القدر من التحليل لمفهوم أداتية البحث العلمي ولنا عليها المآخذ التالية : المأخذ الأول : لا أحد يرتاب في أهمية وخصوصية منهج البحث العلمي ، بل هو المطلوب ، لكن ثمة مخالفة تناقضية ما بين ان نكتشف الشيء وما بين أن نمارسه أو أن ندركه ، فماالذي يمنعنا من شرب الماء منذ ملايين السنينن دون معرفتنا بجزئياته ، دون أن ندرك أنه مكون من جزئتين من هيدروجين وجزئية من أوكسجين ! ثم هل كنا خارج مفهوم الجاذبية قبل نيوتن !! ثم هل نحن ندرك كل شيء الآن رغم أننا من عناصره !! المأخذ الثاني : ماهي المعرفة ؟ هل يستطيع ديوي الإجابة على هذا السؤال الأولي البسيط ! لو أجاب بالإيجاب ، أي أنه يدرك ما هي المعرفة ، لقلنا له كيف عرفت وماهو معيارك في ذلك !! ولو أجاب بالنفي ، أي عدم أدراكه لها ، لقلنا له لماذا وضعت منهجية بهذا الخصوص !! ولو كان ذكياً جداً ، وهو كذلك ، لأكد أنه يبحث عن العلاقة ما بين الفرد والمنفعة بعيداً عن النظريات التأملية ، لقلنا له ، هذا رائع في جوهره لكنه يسبب صداع في رؤوسنا وهو جوهر المأخذ الثالث . المأخذ الثالث : يا ترى هل العلاقة ما بين الفرد والمنفعة هي واحدة في المجتمعات التالية ، الأردن ، الولايات المتحدة الأمريكية ، غلي وكركود ، موزامبيق ، غواتيمالا ، بولونيا ، سويسرا ، حزب الله ، أفغانستان !! وحتى ضمن المجتمع الواحد ، الأمريكي مثلاً ، هل نتاج تلك العلاقة هي محددة وواضحة كما يعتقد ديوي ، ولو كانت الأمور هكذا ، لأنتفى لديه مفهوم التطور الذي يناشده في معظم أطروحاته ، سيما تلك التي تتعلق بالبيولوجية الإجتماعية . المأخذ الرابع : ما هو رأي ديوي بمحتوى الصراع ، خاصة الصراع المجتمعي ؟ وهل يستطيع أن ينكر الصراع التاريخي مابين الكنيسة وأرباب العلم وأسياده ! وهل يستطيع أن يقول لنا لماذا أعدم غاليله ، ولماذا أحرقت جان دارك !! أم أنه مصر على قوله : بالتقليد والمحاكاة تتحق التربية الإجتماعية بطريقة لاشعورية ، وبحكم معيشة الفرد في المجتمع يتحقق للحضارة الإنسانية الأنتقال من جيل إلى آخر !! المأخذ الخامس : من المحقق إن معظم الفلاسفة يدركون الفارق ما بين ، أستخدام المنهج العلمي كأداة لمعرفة العالم الخارجي الموضوعي أو الكشف عن موضوعية القوانين وحتى الرؤيا النظرية ، وما بين أستخدامه كجزء فعلي في التجربة أو حتى في نوعية عملية المعرفة ، وما بين أستخدامه لأنه جزء من المعرفة نفسها ويشكل وحدة معها . ومن المحقق إن التمييز الدقيق ما بين تلك الخصوصيات الثلاثة يتطلب نوعاً صارماً من الوعي ومن الخبرة والتجربة الكاشفة ، لاسيما فيما يتعلق بأستخلاص ( المكان أو الزمان ) كما حدث مؤخراً ، لكن ما ينبغي أدراكه ، إن المنهج العلمي أو المنطق العلمي لايشكل جزءاً من المعرفة نفسها . المأخذ السادس : يؤكد ديوي إن المنطق العلمي الذي يستخدمه هو تجريبي أختباري تطبيقي ، يعتمد في جوهره على معيار المنفعة ، أي حسبه العلم هو مجموعة أدوات وأجراءات ينتقي الإنسان منها ما ينتفع به ، أي إن المسألة شخصانية ، ذاتوية ، ليست لها علاقة بالمضمون المعرفي ( البيولوجي ، الفيزيولوجي ، البسيكولوجي .. ) الموضوعي . المأخذ السابع : يقول بيركلي ( إن وجود الأشياء هو كونها مدركة ) ، ويقول ديوي ( إن وجود الأشياء هو كونها موضوعاً للبحث العلمي ) ، ونقول للأثنين إذا ما غاب الإدراك والبحث العلمي فأين نصنف الأشياء !! هذه طعنة نجلاء في موضوع المعرفة من زاوية ، وفي الوجود المستقل للأشياء ، أي الوجود الخارجي المعطى بصورة موضوعية حتى لو غاب صاحب الإدراك والبحث العلمي ، ألا وهو الإنسان . المأخذ الثامن : كيف يمكن أن ندرك القيم الخلقية ، أي مسألة مفهوم الأخلاق ، والأمور النظرية البحتة ، على ضوء التجربة والأختبار والمنطق العلمي ومحتوى المنفعة ! ثم ألا تتضارب هذه المعطيات من فرد لآخر ، ومن فرد لجماعة ، ومن جماعة لجماعة !! ( إلى اللقاء في الحلقة الخامسة عشر ) ..
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض فلسفة الطبيعة لدى هيجل
-
برهان غليون ... درويش على باب محراب مهجور
-
نقض النقض ، هل مات الإنسان ؟ الحلقة الثانية
-
نقض النقض ، هل مات الأنسان ؟
-
الثورة السورية والمعادلات الصعبة
-
المجلس الوطني السوري ... عام من الفشل
-
لماذا نلتزم بمنهجية البارتي الديمقراطي الكوردستاني
-
الليبرالية .... مأساة الثورة السورية
-
بقرادوني .... والخطاب القاصر
-
برهان غليون ... والمفهوم الضائع
-
مابين الأخضر الأبراهيمي وميشال سماحة
-
الحق الكوردي .... منطقة حمراء
-
خان الثعالب ...
-
جيل دولوز وإشكالية مفهوم الأفهوم ..
-
هنري بوانكاريه وإشكالية مفهوم التعاقدية ..
-
هربرت سبنسر وإشكالية مفهوم التطور ..
-
شيلينغ وأشكالية فلسفة الوحدة ..
-
هيدجر وأشكالية مفهوم الوجود ..
-
آينشتاين وأشكالية مفهوم السرعة ..
-
الفارابي وأشكالية نظرية الفيض ..
المزيد.....
-
مصر تحظر الهواتف غير المطابقة للمواصفات.. ومسؤول: -مُقلدة وت
...
-
غارات أمريكية في الصومال.. ترامب يعلن استهداف أحد كبار تنظيم
...
-
كيف تجيب عن أسئلة طفلك -المحرجة- عن الجنس؟
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|