|
مدخل اجتماعي ونفسي لظاهرة ألاعتقاد بالأشباح
محمد لفته محل
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 18:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الاعتقاد بالأشباح ظاهرة عالمية تكثر في المجتمعات البدائية رغم عدم وجود أي دليل علمي على وجودها وإنها مجرد خرافات توارثها الإنسان من التاريخ عبر الأسلاف حتى الحاضر، فأصبحت جزء من ثقافة الشعوب ومعتقداتها، لكن العلم الذي نفى وجودها لم يبين لنا سبب الاعتقاد بها؟ وهذه مهمة علم النفس وعلم الاجتماع لأنها ظاهرة اجتماعية نفسية. وهذا ما سأبحثه تحديدا الاعتقاد بالأشباح من منظور علم الاجتماع وانطلق من تصورات الناس الموروثة عن الأشباح فمن الملاحظ أن تصور الناس لشكل الأشباح أنها مركبة من عدة حيوانات؟ وإن لها أجواء للظهور هي الظلام والليل والوحدة؟ وإن لها أماكن محددة توجد فيها هي الأماكن القذرة والمهجورة والقديمة والمقابر؟ وأنها دائما مرعبة مخيفة عدائية؟ وإن لها القدرة على الاختفاء عن النظر وتغيير شكلها؟ وإنها شفافة الأجساد تطفو بالهواء أو تطير؟ هذه ابرز انطباعات وتصورات الناس الموروثة عن الأشباح، وسأناقشها واحدة واحدة بالتفصيل، لنتوغل أكثر في تصور الناس عن شكل الأشباح المركب من الحيوانات، ما هي هذه الحيوانات؟ أنها غالبا ما تكون الماعز أو الدب أو الأفعى أو الخفاش؟ مع أنياب ضخمة تسيل لعاب واضافر طويلة، وآذان مدببة من أعلى وذنب وشعر كثيف اسود وأجنحة خفافيش وقرون وعيناها دائما ذات بؤبؤ عامودي وليس مدورا كالبشر؟ لكن لماذا هذه الحيوانات دون غيرها هي التي تشكل صورة الشبح؟ وهناك حيوانات أكثر رعبا منها كالأسد والفيل والتمساح مثلا؟ إذا رجعنا القهقرى بتاريخ الإنسان البدائي الذي كان يعيش بالكهوف والغابات نجد إن الحيوانات التي كانت تعيش معه هي الدببة والغزلان والماعز والخفافيش والأفاعي وقد رسمها الإنسان على جدران كهوفه وهذه جميعها هي التي تشكل صورة الشبح الخام؟ فالأنياب الضخمة والاضافر والشعر الأسود هي أنياب واضافر ولون الدب، أما القرون للماعز والذيل للأفعى في حين الأجنحة والآذان والطيران والشفافية هي للخفاش، أما كون بؤبؤ عينيها عامودي فهذه هي عيون الحيوانات المذكورة، بالتالي يمكن اعتبار صورة الأشباح هي صورة الحيوانات التي كانت قريبة من الإنسان البدائي خصوصا الخفاش الذي يجمع بين اللبائن والطيور، والذي يترافق ظهوره بالليل وظلام الكهوف بالنهار والذي يسكن في سقوف وزوايا الكهوف وكان يفاجئ الإنسان بظهوره المفاجئ ثم يختفي بالظلام ما شكل رعبا للإنسان منه الذي كان الصورة الأولى للحيوانات المركبة، ومن هذه الفرضية الأساسية الأصل الحيواني للأشباح، انطلق إلى فك التصورات الموروثة الأخرى عن الأشباح، وهي أجواء ظهور الأشباح، من المعروف إن حاسة البصر عند الإنسان ضعيفة جدا بالنسبة للحيوانات وعند الليل يكون بصر الإنسان شبه معدوم وان الحيوانات المفترسة تصطاد بالليل مستغلة تفوقها بالنظر وضعف فرائسها ليلا لمباغتتها وعزل الفريسة عن قطيعها، وكان الإنسان محاط بكل هذه المخاطر ليلا، فكانت النار وعدم ابتعاده عن الجماعة هي السبيل الوحيد لحمايته من هذه المخاطر، والإنسان عاجز تماما عن مواجهة أي حيوان بمفرده، وهنا تصبح أجواء ظهور الأشباح مفهومة بمجرد استبدال الحيوانات بالأشباح، فظهور الأشباح بالظلام هو خطر المفترسات بالليل للصيد، وعدم ظهور الأشباح بالضوء هو خوف الحيوانات من النار، وظهور الأشباح بالوحدة، هي تقنية عزل الفريسة أو ابتعادها عن القطيع، فالظلام معادل لليل، والضوء معادل للنار، والوحدة معادل للابتعاد عن القطيع، والإنسان حين يكون وحيدا في مكان مظلم أو شبه مظلم تنشط تخيلاته بحيث تبدو صور الأشياء بالظلام كأنها صورا أخرى مثل رؤوس بشرية أو حيوانات أو أشكال غريبة مخيفة فكانت هذه الأجواء تذكر الإنسان البدائي بخطر المفترسات حتى أصبحت جزء من ذاكرته السلالية وهذا ما يعيد انبثاقها في الحاضر بشكل خوف مجهول من الأشباح وهو سبب نفسي للاعتقاد بالأشباح، وأتقدم بالفرضية إلى أماكن تواجد الأشباح، إن الحيوانات تأكل فرائسها وتترك العظام وتكون مناطقها مليئة بغائطها ورائحة بولها التي ترسم حدود أرضها للغرباء بحيث يسهل على كل دخيل أن يعرف ملكية الأرض لأي حيوان مفترس، من هنا أصبحت جماجم الفرائس عند الحيوانات هي المقابر عند الإنسان و فضلات الحيوانات هي الأماكن القذرة كالمراحيض والمزابل عند الإنسان، أما تصور الأشباح مرعبة ومخيفة وعدائية فهي الرعب والخوف الإنساني من الحيوانات المفترسة أو الخطرة كالأفعى، أما تصور الاختفاء وتغيير شكل الأشباح، فهو بسبب كونها صورا بصرية وذهنية لذكريات بشرية قديمة مع الحيوانات متناثرة مختلطة متغيرة الصور أشبه بالتداعي الحر كذلك إن الحيوانات المفترسة كانت تستخدم التخفي أيضا للاصطياد، وكانت هذه المفترسات متعددة متغيرة، أما كون الأشباح شفافة تطفو بالهواء فهذه طبيعة أجنحة الخفافيش ذات الجلد الرقيق الذي يمر من خلاله الضوء وطريقة طيرانه الفريدة، وطبيعة الصور البصرية والذهنية في الظلام أو في الوحدة التي تكون شفافة الوجود والألوان، لكن هذه الصورة الأولية تغيرت بالتطور الحضاري للإنسان وانتقاله من حياة الكهوف إلى المدن إذ أسقط عليها نظامه الاجتماعي والإنساني فأصبحت الأشباح كالإنسان لها أوطان واديان وعشائر وأجناس وطبقات ومراتب وسلطات وأصبح شكلها يشبه البشر مع الاحتفاظ ببقايا الصور الحيوانية الأولى فأصبحت بعض صور الأشباح إنسان مجنح أو برأس ثور أو محاط بأفاعي أو بعين واحدة وتكون طويلة القامة أو قصيرة من الممكن أن تتزوج بالإنسان أو تخدمه أو تتلبس به؟. وهكذا انتهي بفرضيتي إلى ختامها وأوجزها كالأتي أن صورة الأشباح وتصورات الناس الموروثة عنها مستمدة من صورة الحيوانات وعلاقتها بالإنسان وإسقاط حياته عليها، فشكل الأشباح هي الحيوانات التي كانت تعيش قريب من الإنسان سواء الأليفة والوحشية، وأجواء ظهور الأشباح المظلمة هي الأجواء التي تستغلها المفترسات ليلا لاصطياد الإنسان، وان الخوف من الأشباح هو الخوف من الحيوانات المفترسة والخطرة، وان الاختفاء والتغير الذي تتميز به الأشباح هو طبيعة الصور البصرية والذهنية لذكريات الجنس البشري، وإن قذارة أماكن الأشباح هي أماكن الحيوانات ذاتها، وكما أن هناك حيوانات وحشية وأليفة كذلك الأشباح منها الشرير والصالح، وكما أن هناك حيوانات قابلة للاستئناس وأخرى غير قابلة لذلك، كذلك هناك أشباح قابلة للتسخير والطاعة وأخرى غير قابلة لذلك، وهكذا تنتهي فرضية الأصل الحيواني للأشباح إلى ختامها، لكن السؤال لماذا تحولت صورة الحيوانات إلى تصورات متخيلة مركبة مسقطة عليها حياة الإنسان الاجتماعية بشكل أشباح؟ والجواب أستعين به من فرضيات التحليل النفسي حيث افترض (سيغموند فرويد) وجود ذاكرة سلالية في الإنسان تتناقل بالوراثة خبرات الجنس البشري عبر الأجيال من الماضي السحيق القدم في لاشعور (ألهذا) وحين تبدلت ظروف الإنسان الاجتماعية من الكهوف إلى المدن وأصبح في مأمن عن الحيوانات ظلت خبراته السابقة مع الحيوانات كامنة منسية في اللاشعور تتوارثها الأجيال تظهر بشكل ذكريات مبعثرة متناثرة غريبة كلما مر بمواقف وأجواء تماثل المواقف والأجواء السابقة السحيقة القدم، فالأشباح إذن هي ذكريات الإنسان عن الحيوانات التي كانت تعيش معه. وأرجو وان أكون قد وفقت في عرض فريضتي للأشباح التي هي مجرد مدخل نظري بحت لا يمكن أن يوفي الموضوع حقه دونما الاستدلال بالانتروبولوجيا والميتولوجيا.
#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسونامي الاحتلال الأمريكي للعراق
-
ثقافة الخرافة في المجتمع العراقي
-
ملاحظات على شخصية الكذاب مرضيا
-
سلطة المرأة الظل في المجتمع العربي
-
وسائل الاتصال الطائفية بالعراق
-
مظاهرات الفلوجة بالعراق؟
-
أسئلة حول الاديان السياسية؟
-
الحيل النفسية للفاسد إداريا وماليا في المجتمع العراقي
-
محاكمة عزيز علي بالماسونية
-
المنولوجات المفقودة أو النادرة الغير المدونة لعزيز علي
-
ألكلمات والجُمل التي استبدلت بهمهمات في منولوجات عزيز علي
-
المنظّرون السياسيون للفكر الشيعي التقليدي
-
فلسفة عزيز علي
-
الإسلام بين خطاب الحداثة والسلفية
-
الإستبداد المقدس
-
خاتمة كتاب (تأملات في الأديان السياسية)
-
جدار المرحاض الحر
-
بين مقتدى الصدر وصدام حسين
-
فلسفة الخطأ الإنساني
-
تأثيرات الهاتف الخلوي على المجتمع العراقي
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|