جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 11:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسـي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم إلا و أنت حديثي بين جلاســي
ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا إلا و أنت بقلبي بين وسواســـي
ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
ما لي وللناس كم يلحونني سفها ديني لنفسي ودين الناس للنـــاس
ولو قدرتُ على الإتيان جئتـُكم سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس ِ
ويا فتى الحيّ إن غّنيت لي طربا فغّنـني واسقنا من قلبك القاســـي ...الحلاج.
من الغريب والمضحك والملفت للانتباه عنه أنه كان يعرفُ بأن الإنسان الفقير تكرهه كل الناس ولا أحد يحب الفقير إلا الله,لذلك وقف على جبل عرفه في موسم الحج902م وصاحَ:لبيك,وسأل الله أن تكرهه الناس وأن يزيده فقرا لكي لا يحبه إلا الله نفسه,لذلك عاش طوال حياته على هذا المنهج وهو(الفقير إلى الله) وما زال أغلبية المتصوفين إلى اليوم يسعون ليكونوا فقراء وليس أغنياء,فقراء تكرههم الناس وينبذونهم لكي لا يبقى أحدٌ يحبهم إلا ألله نفسه,وكما قال أو غنى إسماعيل ياسين أبو ضحكة جنان:الفقر جميل وانأ إنسان طول عمره الفقر مهنيني...أللهم أفقرني كمان أللهم أعطي عدويني.,وبعد عودته من موسم الحج الأخير بنى في بيته كعبة صغيرة كان يطوفُ حولها وكان يصلي إلى جانب قبر الإمام أحمد بن حنبل,وكان يتمنى الموت كافرا ليكفر عن الآخرين ذنوبهم,ومن يدقق النظر مليا في شخصيته فلن يجده إلا مسيحيا مخلصا للصليب مؤمنا بالموت كافرا بالإسلام,محبا للفقر لكي تبتعد عنه الناس ولكي لا يبقى أحدٌ في الدنيا يحبه إلا ألله نفسه,وهذا منطقي جدا,فكما نعلم أن الناس لا تحب التقرب من الفقراء ولا أحد يطرق بابهم ولا أحد يوقظهم من النوم ليلا ليشكو إليهم سوء أحوالهم لذلك تنقطع الناس عن الفقراء ولا تقترب منهم ويبقى الله هو الشخص الوحيد المحب لهم,وعلى هذا النهج سعى ويسعى أغلب المتصوفة المحبين لمذهبهم.
عاش حياة صاخبة,ومع ذلك لم تكن حياته محفوفة بالمخاطر بل هو الذي سعى إلى جلب المخاطر إلى حياته, كان يتمنى أن يموت على الصليب ولهذا سعى طوال حياته ليمشي أو ليتعلم كيف يمشي على درب الآلام الحزينة والطويلة حتى وقف في الساعات الأخيرة من حياته على قدمٍ واحدة ثم فقد هذه القدم,وكان يقول:على دين الصليب يكون قتلي. وكان الشيخ أبو العباس المرسي يكره شيئين وهما:قول الناس بأن الخضر مات,وقولهم بكفر الحلاج لذلك لا يرى كثيرٌ من الشيوخ والنقاد سببا وجيها يستحق عليه القتل علما بأنهم كانوا يرون في كره الناس له سببا وجيها وهو الفقر لأن الفقير غير محبوب ولا تقترب منه الناس,أما عنه هو شخصيا فقد كان يسعى لفعل كل شيء يستحق القتل عليه وقال:( اعلموا بأن الله تعالى أباح لكم دمي فاقتلوني تؤجروا وأسترح,ليس في الدنيا للمسلمين شغلٌ أهمُ من قتلي...وتكونوا أنتم مجاهدين وأنا شهيد)كان يسعى إلى حتفه من خلال خوض معركة في الحياة بين الأنا الأعلى وبين الله,وبين مزاولة مهنة الفقر لكي ينبذه الناسُ نبذا وكان يرى بأن الله قد حل في جسده وكان في نفس الوقت يؤمن بأن روح الله تحل في أجساد المتصوفين الذين ينقطعون عن الدنيا وعن كل همٍ فيها إلى التأمل في الذات الإلهية,ومن المعروف أن الفقير يبقى طوال نهاره وليله متفرغا للعبادة أما الأغنياء فإنهم غير متفرغين إلا لتجارتهم وللانغماس بالملذات وأنواعها ولذلك أصحاب هذا المزاج لا يتفرغون إلى الأعمال التي تجلب الرزق بل نجدهم دائما مشغولين بالأعمال الثقافية والتي تزيد المثقف فقرا كلما ازداد غيرهم ثراء,ولهذا السبب الناس تكره الفقراء وينبذونهم ولا يحبونهم ولكن الناس العاديين من جهة أخرى كانوا يرونه مختلا عقليا وهذا الأمر بديهيٌ جدا ولا ويحتاج إلى دليل معه ذلك أن إيمان الناس العاديين يختلف عن إيمان المثقفين, وبرأيهم أنه لا أحد يسعى ليكون فقيرا إلا من كان مختلا عقليا أما من جهة الحلاج نفسه فقد كان يعلم بأن الله يحب الفقراء ويتقرب منهم ولا يحب الأغنياء بل يبتعد عنهم,ونحن هنا أما م تصاعد ديالكتيكي أي جدلي وهو أن الله يغني الذين يحبهم ويفقر الذين لا يحبهم وبالتالي نحن أمام تناقض جدلي صارخ في تصاعد مستمر ولكن يبقى أن نقول بأن إيمان الصوفية بضرورة الفقر يختلف عن إيمان عامة الناس فالصوفية يرون الفقر محبة من الله إذ أن الفقير تبتعد الناس عن رائحته الكريهة وهذه الرائحة مثل رائحة فم الصائم إذ أنها عند الله كرائحة المسك, من هنا يتطوع الصوفي إلى الفقر تطوعا ليزداد نفور الناس عنه ولكي لا يبقى أحدٌ يحبه إلا ألله وكانوا الناس ولا زالوا وإلى اليوم لو عاش بينهم أي رجلٍ كعيشة الحلاج كان من الطبيعي أن يصفوه بالجنون وبالخبل كونه مختلفٌ عنهم في طريقة إيمانه, يهرب من الثراء ويلجأ إلى حياة العازة والفقر والشخصية التي على شاكلة الحلاج تؤمن بأن الله يتكلم معها كما تكلم مع موسى وكما يوحي لكل الأنبياء,وهؤلاء الأنبياء أصلا كانوا فقراء ورعاة غنم وإبل تقرب منهم الله لأن الناس كرهتهم وكرهت حياة الفقر معهم ,وهذه وجهت نظر مقنعة وهو أن الله لم يتقرب يوما من الأغنياء بل من الفقراء الذين أحبهم حبا كبيرا بقدر ما نبذتهم الناس نبذا.
فهذى النوع من الإيمان دارج بين كبار المتصوفين لذلك ليس من الغرابة أن تقول عنه بعد بحثٍ علمي دقيق بأنه كان فوق فقره شخصية ملحدة تنطبقُ عليها كل شروط الإلحاد كونه يدعي بأنه مثله مثل باقي الأنبياء والرسل فقيرا إلى الله وحده,فكما حلت كلمة الآب في الإبن وكما تجل الله لموسى وكما نزل جبريل على محمد كذلك تجلى الله للحلاج,ومن هنا نحن أمام برهانٍ ذي حدين وهو اتهام الناس له بالكفر بسبب تصريحاته الخطيرة ومن ناحية أخرى أمام رجل عظيم مؤمن بالله إيمانا غريبا يحبه حبا كبيرا اختاره من بين الملايين ليقول له كلمة السر التي تفتح عليه أبواب المستور عن كل الناس ولو كان غنيا لَما اختاره الله ليكون قريبا منه.
وكان يطلب من الناس أن يقتلوه ليس لأنه فقيرا بل لأن فقره أوصله إلى درجة يستحق القتل عليها وكأنه مذنبٌ ارتكب عدة جرائم يستحق القتل عليها وهذه كرامة من كرامة الأولياء الصالحين, وكان يقول لقد فعلت كل شيءٍ أستحقُ القتل من أجله فلماذا لا تقتلوني لكي أموتَ شهيدا؟,كان هذا عبارة عن أمنية من أمنياته ولكن من يدقق النظر في شخصيته يدرك بأن الرجل كان متصوفا جدا ويؤمن بحلول الأرواح بالأجساد,وكان يعتبر الله في جسده,ولد سنة 858-922م,تكلم عنه الناس كثيرا ووصفوه بعدة مواصفات فمنهم من قال عنه وليا من أولياء الله ومنهم من قال عنه بأنه شيعي دمج الديانة الفارسية بالديانة الإسلامية, أما خلفاء بني العباس فقد قالوا عنه بأنه شيعي بحت حتى النخاع,ولهذا قال عنه بعض الكُتاب بأنه كان يظهر لخلفاء بني العباس مذهبه الشيعي وحين يخرج من قصورهم إلى الناس العوام كان فورا يبدل مذهبه بمذهب الإنسان المتصوف الزاهد المسكين المتواضع, ومن الناس من تضايق من ذكر أسمه وقالت عنه بعض الناس بأنه ملحد لا يؤمن ولا بأي دين من الأديان,واعتبره المثقفون أو بعض المثقفين بأنه لم يكن إلا نبيا أو رجلٌ له طريقته الخاصة باتصاله بالله عن طريق الانغماس بالزهد وبالفقر أما النصف الآخر من المثقفين فقد كانوا على سعة إطلاعهم بحياته يؤمنون بأنه يحمل شخصية مزدوجة وثنائية القطبية أي أنه كان بشخصيتين أو بشخصية مزدوجة تلعب على الحبلين.
ولم يكن موته إلا انتقاما ودليلا على مرض نفسي عميق في القاتل الذي قتله,إذ أنهم عمدوا إلى تقطيع أوصاله وأطرافه وهو على قيد الحياة وقطعوا رأسه وعلقوه على جسر بغداد,وحرقوا جثته,مات بطريقة بشعة جدا تدل على مرض نفسي خبيث في نفس قاتله,وتدل على نجاح مشروعه الذي سعى إليه طوال حياته وهو أن تكرهه الناس ويحبه الله وحده,وكل ذلك من خلال تنمية شخصية فقيرة تتفرغ لعبادة الله وتنقطع عن الدنيا الغرورة,وحتى أنا برأيي مؤمن بذلك فالناس تكرهني لأنني فقير ولا أحد يحبني إلا الله والذين على شاكلتي,ومن المفهوم عند الأغلبية بأن الذي تكرهه الناس يحبه الله والذي تحبه الناس يكرهه الله.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟