|
أُمَّة تحتضر!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 22:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"العربي"، والذي لجهة وجوده الواقعي، ووجوده في مشاعر الانتماء، بين "مَدٍّ" و"جَزْرٍ"، هو الآن، وأكثر من ذي قَبْل، يعاني "أزمة هوية"، أو "أزمة إعادة تعريف نفسه"؛ وإنِّي لا أُغالي في شعوري بالإحباط والتشاؤم إذا ما قُلْت إنَّ "العرب"، وعلى كثرتهم العددية، هُمْ الآن قِلَّة قليلة، وإنَّ القابِض على "عروبته"، أو "انتمائه القومي"، كالقابِض على الجمر، وعليه أنْ يتحمَّل الهزء والسخرية منه، ومعاملته على أنَّه "طوباوي" في تفكيره، مُنْفَصِلٌ، في إحساسه، عن "الواقع"؛ فـ "العربي"، ولجهة وجوده، ماضياً وحاضِراً ومستقبلاً، هو، على ما يرى "الواقعيون"، في ملاذتهم الطائفية والمذهبية والقَبَلِيَّة والعشائرية..، كـ "العنقاء"، كائنٌ خرافيٌّ. في زمن غير هذا الزَّمن، الذي يتضافَر فيه حُرَّاس الظلام والنعوش والقبور على استباحة عذرية "الربيع العربي"، كُنْتُ أرى في كل انتماءٍ قوميٍّ انتماءً إلى الماضي أكثر منه إلى المستقبل، ويَهْبِط بأصحابه درجة، أو درجات، في "سُلَّم الحضارة (وقِيَمها الإنسانية)"؛ فالنَّاس جميعاً كانوا، على ما "توهَّمْت"، قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف "بُعْدهم الإنساني (والكوني)"؛ و"الانقسام الوحيد" الذي كُنْتُ أُجِله، وأَسْتَمِدَّ له شرعية (لا تَعْلوها شرعية) من "الحضارة" و"القيم الإنسانية"، هو "الانقسام الطبقي"؛ فشعار "يا عُمَّال العالَم اتَّحِدوا!" كان يبدو لي (ولغيري، وما أكثرهم في ذاك الزَّمن الوردي) واقعياً، يزداد واقعيةً. أمَّا اليوم فاخْتَلَفَ كل شيء في "الواقع العربي"، وفي "واقِع العالَم"؛ وتُلْزمني "الواقعية"، من ثمَّ، أنْ أَنْظُر بـ "عَيْنَيْن مختلفتين" إلى هذا الواقِع المُخْتَلِف، وذاك، "مُتَمَنِّياً" أنْ يُوَفِّق الله العرب إلى اكتشاف "بُعْدهم القومي"، أيْ إلى اكتشاف ما اكتشفه غيرنا منذ قرون من الزَّمان؛ فما أَصْعَبَ وأَشَقَّ وأَقْسى أنْ تكون "عربياً"، منادياً بـ "أُمَّة عربية واحدة"، نَقِيَّة من "الشوفينية"، تتَّخِذ من القِيَم والمبادئ الإنسانية والديمقراطية أساساً لبنائها، وتتَّحِد بما لا يستكرهه "تنوعها"، وبما يَجْعَل "سيادتها القومية" فَوْق الشبهات. لقد عاينَّا "العربي (القومي) المُزوَّر"، وعانَيْنا منه زمناً طويلاً؛ وكان في معنى وجوده كـ "النِّقْد المُزوَّر"، يَدُلُّ على وجود، ويؤكِّد وجوب وجود، "النَّقْد الحقيقي"؛ وهذا "العربي (القومي) المُزوَّر" حَكَمَنا، وتحكَّم فينا، قاتلنا وقَتَّلَنا، تأسَّد علينا، فَلَمْ نَرَهُ فأراً إلاَّ في معارِكنا القومية الحقيقية، "مارَس" القومية بما كَفَّرنا، وكفَّر مواطنيه قَبْلنا، بـ "العروبة" و"الانتماء القومي العربي"، فلَمَّا وقَعَت الواقعة، ومادت سفينته في البحر، وأوشكت أنْ تَغْرَق، تعرَّى من لبوسه القومي، فَبَان على حقيقته، عَدُوَّاً لدوداً للقومية العربية، التي بها زَيَّن عداءه للديمقراطية زمناً طويلاً، وشرع يبحث له عن "ملاذٍ" لا يلوذ به إلاَّ كل متعصِّبٍ لانتماءٍ دُون الانتماء القومي، ومعادٍ له، صابَّاً الزَّيت على نيران صراعٍ أشعلها هو، وكأنَّ "داحس والغبراء"، وما شابهها انحطاطاً في الصراع، هي صراعه الأخير للبقاء. ما فعله، ويفعله، لا يحز في نفسي؛ فَلَم أُعلِّل نفسي قط بوَهْم أنَّ ظاهره باطنه، وأنَّ باطنه ظاهره؛ فإنَّ ما حَزَّ، ويحزُّ، في نفسي هو أنْ يَقْبَل بعضنا أنْ يكون لحربه وقوداً، أو أنْ يُصارعه بعضنا بما يجعله شبيهاً به، أسلوباً وسلاحاً، وكأنَّ غاية "أسياد اللعبة (من قوى دولية وإقليمية)" هي أنْ يَلِد "جبل الربيع العربي" بعد تمخُّضه "فأراً"، هو كناية عن أشباه "داحس والغبراء"؛ فلا ديمقراطية، ولا "دولة مدنية"، ولا "دولة مواطَنَة"، نفوز بها، ونحصل عليها؛ ونُجْهِز بأيدينا على "جريحنا"، وهو "العروبة"، انتماءً وشعوراً ووعياً ووجوداً. "العربي" لَمْ أَرَهُ "فارساً لا يُشَقُّ له غبار"، باسِلاً مقداماً صنديداً، يبذل الغالي والنفيس، إلاَّ في كلِّ صراعٍ (ومعركة، وحرب، وقتال) يُشْعِل فتيله، ويؤجِّجه، ويقوده، "الأموات"، الذين يُبْعثون بعد موتهم في هذا الصراع، وبه؛ فهؤلاء هُمْ "حصان طروادة" لقوى دولية وإقليمية لها مصلحة حقيقية في النأي بالعرب عن الديمقراطية، بقيمها ومبادئها المعروفة، وفي القضاء على البقية الباقية من مقوِّمات الوجود القومي العربي من طريق الاقتتال الطائفي والمذهبي والقبلي والعشائري.. للعرب؛ فمع غروب شمس الوجود القومي العربي تلتمع في سمائنا الليلية كواكب إقليمية، في مقدَّمها "كوكب إسرائيل". ما أَصْعَب أنْ تَجْمَع ثلاثة من العرب في صراعٍ من أجل قضية تَكْمُن فيها قيَم إنسانية، أو حضارية، أو ديمقراطية، أو قومية؛ وما أسهل أنْ تَزُجَّ بالملايين منهم في صراعٍ طائفي أو مذهبي أو قبلي أو عشائري..، لا شبيه له، في سخفه وحماقته وتفاهته، إلاَّ صراع أصلعين على مشطٍ! مِنْ "قُبُورٍ"، أصبحت أثراً بعد عين، تَخْرُج لنا قيادات الآن، تقودنا إلى حيث هلكنا غير مرَّة من قَبْل؛ فكل صراعٍ عرفناه قبل قرون من الزمان يَحْضُر الآن فينا، في وعينا ومشاعرنا ونفوسنا، وكأنَّ مستقبلنا هو ماضينا، نمضي إليه برؤوسنا وأَرْجُلنا؛ فهلاَّ تسخر مِنَّا الأُمم أكثر لعلَّ الحيُّ فينا يُسْتَفَز.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يتسَّلح العرب!
-
في -الحقيقة-.. مرَّة أخرى
-
كيري في جهوده -الحقيقية-!
-
حتى لا يصبح هذا -الرَّقَم- حقيقة واقعة
-
مصر التي تحتاج إلى استئناف ثورتها!
-
مواطِنة أردنية تصرخ وتستغيث.. و-الدولة- صَمَّاء!
-
أهو النسور أم فوكوياما؟!
-
أوهام جماعات -الإسلام هو الحل-!
-
-جلالة الإعلان- و-صاحبة الجلالة-!
-
كيري الذي يبني -الثقة- ب -التنمية-!
-
تجربة آينشتاين مع -الحقيقة-
-
اللاجئون السوريون.. مأساة -مهاجرين بلا أنصار-!
-
جوابي عن سؤال -مَنْ هو اليهودي؟-
-
-جريدة- لم تَرَ النور بَعْد!
-
ما معنى تلك الاتفاقية التاريخية؟
-
و-الودائع- إذا -تبخَّرت- في -جزيرة الشمس-!
-
تذكير جديد بالمخاطِر النووية
-
الزعماء العرب قرَّروا -عدم تسليح- المعارَضَة السورية!
-
حقيقة -النقود-
-
في الجغرافيا السياسية للصراع السوري
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|