|
مجزرة الساعة في حمص
سميح قرواني
الحوار المتمدن-العدد: 4062 - 2013 / 4 / 14 - 17:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان يوم الاثنين 18 نيسان من عام 2011 يوماً ربيعياً جميلا. قررت يومها أن انزل إلى السوق كي أتبضع. إلا انني تفاجأت أن المحلات قد اغلقت وتجمع الناس في حشود كبيرة. تلك الحشود توزعت مابين شارع الدبلان مرورا بشارع السرايا حتى الساعة القديمة. ثم انتشرت افواج الناس حتى وصلت إلى جامع الصحابي خالد بن الوليد وجزء كبير من شارع الحميدية. أتيت من شارع السرايا، فوجدت شبابا وقفوا مابين باب السرايا الغربي وبناء المالية، ينظمون دخول الوافدين، فدخلت متحفزاً. لم تشهد حمص حشودا بهذا الحجم سابقاً إلا في مباريات القدم، أما أن يتحول الشباب إلى كتلة واحدة تطالب بالحرية. فهذا شيء كنت لا أتصوره من قبل في وطن تعلم أن يعيش الصمت منذ عقود. الثورة شيء غريب علينا، كنت اقرأه في كتب الثورات الغربية، وكدت أعتقد أننا نحن العرب لا نجيد إلا العبودية،فالغرب عرف كيف يثور وكيف يحيا. التف الناس حول عامود الساعة الجديدة التي لم تعرف صاحبتها (كرجية حداد) بأنها ستصبح معْلم من معالم الحرية، وسيتغير اسمها الى ساحة الحرية في حمص العدية. نصب الشباب منصة حول الساعة وتوزعوا صوب شارع الدبلان. وكان هناك كما اذكر الاستاذ نجاتي طيارة وبعض مشايخ حمص خاصة محمود الدلاتي. أما الحديقة الجميلة بجانب الساعة ( جنينة الدبابير) كانت قد امتلأت بالناس، وتبرع الكثير من المحلات في السوق بارسال سندويش الشورما وقناني الماء للمعتصمين. كان الجميع عزّل من أي سلاح، ولم يكن الاعتصام من لون واحد، بل شارك به بعض سكان حي الزهراء من الاخوة العلويين وسكان حي الحميدية من المسيحيين. ثم اتى الكثير من تلبيسة والقصير ليشارك الاعتصام التاريخي. وكان للنساء حضور هناك، وحمل البعض الأعلام السورية، حيث كانت الاعلام القديمة. لم يكن علم الاستقلال قد ترسخ في ثقافة الثورة بعد. خلت الساحة من الشرطة إلا من ناحية المتحف، فقد وقف مجموعة من الأمن مع بواريدهم باللباس المدني والبعض توزع على طريق حماة. هؤلاء سيكونون النواة الأولى التي بدأت تطلق النار على المعتصمين في ساعة متأخرة من الليل مع تعزيزات أخرى. وقفت بين الناس أنو تارة إلى المنصة وتارة إلى مجموعات شبابية تردد شعارات (الشعب السوري واحد) أو الشعب السوري مابينذل. غمرني وجدان الحدث وغرابته، فقد قال لي شاب عربي مرة معلقاً على مسلسل باب الحارة، أنتم السوريين لاتجيدون البطولات إلا في المسلسلات، فسألته عن أي شيء يعني في البطولات؟ فقال كيف سمحتم للأسد وابنه أن يحكمكم طوال خمسين سنة وأنتم تخافون حتى من الجدران إذا ذكر اسم الاسد. يومها، لم اجب عليه وصمت، فعرف أنه قد غلبني. لم اقل له أن الزمن لم يحن بعد، ولم أقل له أن الضغط يولد الانفجار، ولم أقل له أن الشعب السوري هزم الفرنسيين من قبل بثوراته المتتالية. نعم ظللت صامتاً، ولم اتفلسف عليه. لكن قلت بعد أن نظر إلي يريد ردا مقنعاً: التغيير آت لامحالة. ابتسم يومها وقال عبارة كانت اقوى من الأولى علي: أنت تحلم. تذكرت كل هذا المشهد، وشعرت بالانتصار على صديقي العربي وشعرت بالانتصار على نفسي التي كادت أن تقتنع بمقولته. فأنا بين الالاف من المتظاهرين، وسمعت اصوات الشباب تصرخ على شاكلة اليمنيين في تلك الفترة: إعتصام .. إعتصام حتى يسقط النظام. ربما ظنوا أن النظام متحضّر وسيسمح لهم كما سمح مبارك وعلي عبدالله صالح بالاعتصام. واعتلى شاب منصة الساعة لم أعرف ملامحه لبعده وصرخ بالجموع بصوت كادت أن تسمعه حمص كلها: الشعب يريد إسقاط النظام. ورددت الحشود الكلمات بصوت واحد. ولم أر نفسي إلا وأنا أرفع يدي بين أيدي الحشود واصرخ مثلهم. كانت لحظة تاريخية بالنسبة لي أن تقف مع الالاف من الناس في بلدك وتكتشف أن الجميع متفقون على شيء واحد لأول مرة. ورأيت مجموعة من الشباب أتت من طريق البريد المؤدي إلى حي جورة الشياح الذي سيصبح الرقم الصعب في مابعد. كانوا يحملون أعمدة حديدية وخيماً لينصبوها في الساحة ويصبحون مثل اخوانهم المصريين في ساحة التحرير. بدأ الجو يضخ البرودة في الساحة، فغادرت حوالي الساعة الثامنة مساء. وفي الساعة الثانية صباحاً استيقظت على صوت الرصاص يملأ حمص كلها. وعرفت بعدها أن المجزرة قد حدثت في ساحة الساعة وتناقل الناس الأحاديث عن الجرافات التي كانت تحمل القتلى وترميهم في سيارة شحن لتنقلهم إلى المشفى العسكري الواقع في حي الوعر. قال البعض أن القتلى كانوا حوالي 300 انسان قتلوا جميعا في دم بارد. وأغلقت حمص جميع محالها لمدة اسبوع حزنا على الشهداء. كانوا يظنون أنهم في مصر أو اليمن، لم يعرفوا أنهم في سوريا، وطن الصمت ووطن الاستلاب.
#سميح_قرواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظام الاشد والكاسورة
المزيد.....
-
رئيس وزراء اليابان يخطط لزيارة الولايات المتحدة ولقاء ترامب
...
-
ترامب يعلق على تحطم الطائرة في فيلادلفيا: المزيد من الأرواح
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 9 مسيرات أوكرانية غربي البلاد وتدمّر ز
...
-
-فوكس نيوز-: إيران تخفي تطويرها النووي تحت ستار برنامج فضائي
...
-
استخباراتي أمريكي سابق يتحدث عن حرب مع المكسيك -قد تتحول إلى
...
-
OnePlus تكشف عن هاتفها الجديد ومواصفاته المميزة
-
اكتشاف ارتباط بين النظام الغذائي وسرعة الشيخوخة البيولوجية
-
أول هجوم على قوات الاحتلال منذ بدء توغلها في سوريا
-
مجلس الأمن يدين هجمات الدعم السريع في دارفور
-
جامعة أميركية تعلق عمل مجموعة مؤيدة لفلسطين عامين
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|