|
عوامل القوة والضعف في المشروع الصهيوني
رمضان عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 18:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظهرت الحركة الصهيونية كإفراز استعماري نتيجة استعظام للقوة ، واستصغار طموحات شعوب آسيا وإفريقيا واستبعاد امكانية تطورها واشتعال نضالاتها من أجل الحرية ونيل الاستقلال . ومن هذه الذي التي أنكر الاستعمار حقها في السعي نحو الحرية والاستقلال ، شعب فلسطين . فنتيجة لظروف سادت أوروبا ظهرت مشكلة اليهود بوصفهم تجمعات وجيتوهات غير متجانسة مع المجتمعات في العديد من الدول الأوروبية . ان الحياة الانعزالية للتجمعات اليهودية في العديد من الدول الأوروبية قد راكمت نظرة خاصة لليهود ، وأكثرت حولهم الكثير من الروايات المثيرة للسخرية ، مثل : التحزب والتعصب والبخل والمكر والتآمر والذكاء والجبن والكراهية للآخر . وهذا ما جعلهم هدفا إسقاطيا للكثير من المشاكل والنزاعات الاجتماعية في كافة الدول الأوروبية . في هذه الظروف ظهرت الحركة الصهيونية كمنقذ لليهود من هذا التشرذم وهذا الاسقاط ، والذي جعلهم فئة منبوذة وتعيش على هامش المجتمعات الأوروبية . وهذا ما حفز بعض النابهين من اليهود الى تكوين حركة تحاول جمع اليهود ، وطرحت مشروعها لجمع شتات اليهود في العالم في وطن خاص بهم ، وأسفر هذا عن عقد المؤتمر الصهيوني بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ، والذي حدد وجهته الى فلسطين من أجل بناء وطن قومي لليهود فيها . فما كان من الدول الاستعمارية الفاعلة ، وخاصة بريطانيا ، والتي ظهر نجمها بعد الحرب العالمية الأولى إلا أن رحبت بهذا المشروع ، ووجدت فيه وسيلة ناجعة لإطالة سيطرتها على المنطقة العربية ، وتوجت قبولها له بوعد " بلفور " الذي نص على : في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917 عزيزي اللورد روتشيلد يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته ، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية ، وقد عرض على الوزارة وأقرته: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر". وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح. المخلص : آرثر جيمس بلفور – وزير الخارجية لقد قيل وكتب الكثير عن الصهيونية والمشروع الصهيوني ، إلا أن هناك ثلاث علائم أساسية ارتكزت عليه الحركة الصهيونية لتطبيق هذا المشروع ، وهي أولا : الاعتماد على القوة والتحالف مع القوة . وثانيا : التنظير الديني واستخدام نصوص الميراث المقدس لليهود . ثالثا : تجاهل حقوق السكان الأصليين في فلسطين . فالاعتماد على القوة نبع من التنظيم وظهور حركة صهيونية منظمة ومدعومة بالقوة المالية لليهود في العالم وقدرة هذه الحركة على التحالف مع القوة العسكرية العالمية الظاهرة في العالم – بريطانيا - وبالمقابل ضعف الجانب الفلسطيني في التنظيم والامكانيات بسب ما يقرب من أربعة مائة عام من الاستعمار العثماني الظالم والذي أفقد الشعب الفلسطيني التمايز والخصوصية الوطنية والاجتماعية ، بل كان أحد ولايات بلاد الشام الخاضعة للباب العالي العثماني . كما اعتمدت الحركة الصهيونية على التنظير الديني والنصوص التوراتية لاقناع اليهود بالقدوم الى فلسطين بوصفها " أرض الميعاد " الذي وعدها الله لليهود . كما بنت الحركة الصهيونية مشروعها على أساس أن هذه الأرض فارغة من سكانها الأصليين ، واذا وجدوا فيجب طردهم منها بكل الوسائل . والآن ، وبعد اقامة دولة اسرائيل في فلسطين منذ عام 1948 م ، يأتي السؤال : هل نجح المشروع الصهيوني في ايجاد وطن هادئ ودائم لليهود في فلسطين ؟ الجواب : لا ، فهناك علائم آنية وفي الأفق تدل على فشل هذا المشروع الاستعماري ، ومن هذه العلائم : 1- كثرة الحروب المتلاحقة والمتكررة التي يجب أن تخوضها اسرائيل من أجل الحفاظ على وجودها ، ودمج الفئات اليهودية المتعددة المشارب والمتنوعة حسب اختلاف الدول التي قدمت منها الى اسرائيل . 2- الفشل في اقناع ساكني دولة اسرائيل بأبدية وجود اسرائيل . 3- عدم القدرة على انتزاع الخوف من نفسية سكان اسرائيل الذين يعيشون في حالة تهديد دائم داخلي وخارجي . 4- عدم قدرة دولة اسرائيل بديمقراطيتها علي انتزاع الروح الوطنية من فلسطينيي الداخل الذين ظلوا في فلسطين ولم يخرجوا منها على أثر حرب سنة 48 التي اضطرت أغلبية شعب فلسطين الى اللجوء الى قطاع غزة أو الى الضفة الغربية ، أو الى دول الجوار . 5- عدم قدرة اسرائيل في كل حروبها وتحالفاتها وأساليبها التهجيرية من اجتثاث الشعب الفلسطيني أو طرده خارج حدود فلسطين التاريخية . 6- انحسار المشروع الصهيوني ، فبدلا من كونه كان يهدف الى أن تمتد دولة اسرائيل من النيل الى الفرات ، فقد انحسر الى حدود فلسطين من النهر الى البحر . 7- اشتعال الروح الوطنية ، والخصوصية الوطنية لدى الشعب الفلسطيني بتكوين منظمات سياسية وعسكرية تقاوم وتناضل بكل الأساليب من أجل التحرر ونيل الاستقلال . 8- تزايد النمو السكاني لفلسطينيي الداخل والذي سيعادل أو يتفوق على عدد السكان اليهود في داخل حدود اسرائيل خلال عقدين قادمين . وهذا ما تنبأت به مراكز إحصائية صهيونية وهذا لن يطول كثيراً حيث سيشهد عام 2020 أغلبية فلسطينية بنسبة 58% ، واليهود 42% . 9- تزايد الهجرة المعاكسة من داخل اسرائيل الى أوروبا وأمريكا ، نتيجة لتكرار حروب اسرائيل مع جيرانها واستطاعة المنظمات الفلسطينية نقل الصراع داخل مدن وشوارع اسرائيل مما أدى الى تزايد القلق وافتقاد الأمان النفسي والاقتصادي للسكان اليهود . 10- عدم قدرة قادة اسرائيل على قراءة واقع الشعب الفلسطيني والبعد العربي والإسلامي لفلسطين كموقع وتاريخ ومقدسات .
ورُب متسائل يقول ، ما دامت هذه العوامل تدل على فشل المشروع الصهيوني ، فكيف استمرت اسرائيل في الوجود حتى الآن ؟ ونجيب ، استمرت في وجودها لأنه الى جانب علائم الضعف والفشل التي تحيط بالمشروع الصهيوني ، فإنه توجد علائم قوة تدفع بهذا المشروع الى الاستمرارية والوجود حتى الآن وهي : 1- القوة العسكرية الديناميكية الحديثة القادرة على نقل المعركة داخل حدود الخصم . 2- قوة التحالفات الاسرائيلية واليهودية العالمية التي من شأنها انقاذ اسرائيل من أي ورطة عسكرية أو مالية ، أو سياسية . 3- الضعف العربي العسكري لكل دولة عربية على حدة . 4- نظرا لاختلاف النظم السياسية في الدول العربية المتاخمة لاسرائيل ، فإنه يتعذر تكوين قوة عسكرية موحدة . 5- نظرا لاختلاف النظم السياسية في الدول العربية ، وتحالفاتها الخارجية الضاغطة لصالح اسرائيل ، فانه قد تعذر وجود نية فعلية لتحرير فلسطين . 6- وجود الشعب الفلسطيني موزعا في بين داخل اسرائيل وداخل الضفة الغربية وبين الشتات في العديد من الدول العربية والعالم . 7- تشتت نوازع شعب فلسطين السياسية حسب وجودهم في الشتات . 8- ظهور منظمات سياسية فلسطينية مختلفة التحالفات الخارجية ومتعددة التوجهات والبرامج السياسية . 9- ظهور صراعات دموية متعددة ، فلسطينية ، عربية ، وفلسطينية ، فلسطينية ، مما شوه الطريق لتحرير فلسطين ، وشتت القوى والنوازع الفلسطينية ، وأهدر طاقاتها . 10- عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في مراكز متعددة داخل أطر منظمة التحرير ، مما أدى الى الاهدار المالي وتفشي الفساد ، وتشويه المسيرة الوطنية للشعب الفلسطيني . والظاهر أن عوامل القوة لدى المشروع الصهيوني لا زالت أقوى من عوامل الضعف ، لهذا فأن اسرائيل موجودة . الى جانب كل هذا فإن هناك عوامل ثانوية لها تأثيرها في تقوية عوامل القوة أو إضعافها ، أو تقوية عوامل الضعف أو اضعافها . وهذه العوامل اما محلية أو عالمية . فمثلا تفكك منظومة الدول الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفياتي قد دعم مواطن القوة للمشروع الصهيوني ، حيث كان الاتحاد السوفياتي المساند الدائم لطموح الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره . وأيضا تتالي الأزمات في النظام الاقتصادي في أمريكا كحليف لإسرائيل يلقي بظلاله على كمية المساعدات الأمريكية لإسرائيل ونوعيتها ، سواء مالية أو عسكرية ، وهذا يوحي بضرورة البحث عن حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي . كما أن التغيرات السياسية والاجتماعية في الدول العربية تترك بصماتها التأثيرية سلبا أم ايجابا على مواطن الضعف أو مواطن القوة في المشروع الصهيوني . فمثلا ، كان لصعود نجم الاخوان السياسي وتمسكهم بمعاهدة " كامب ديفيد " ، وعدم القدرة على الخروج من عباءة السياسة الأمريكية قد أخرج مصر نهائيا من مشروع تحرير فلسطين عسكريا . وأيضا فإن حروب اسرائيل المتكررة على شعب قطاع غزة قد أكسب قضية فلسطين تعاطفا شعبيا عالميا ، مقابل إضعاف التعاطف الشعبي العالمي مع الدعاية الاسرئيلية التي تظهر الشعب الاسرائيلي في موقف الضعف أمام المحيط العربي . إن ديناميكية ادارة الصراع وفهم عناصر القوة والضعف في الزمان والمكان هي التي تحدد الشكل الذي سينتهي عليه شكل الحل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، هل سينتهي الصراع بتوافق سياسي ، أم بحل عسكري ينهي وجود احد الطرفين ؟
#رمضان_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة المسلمة تستمريء العبودية
-
خواطر محجبة
-
حقيقة الاسلام
-
قالت لي العنقاء
-
العرب ونظرية التطور
-
الكاتب بين الابداع والأيديولوجيا
-
التعددية والتوحيد وأثرهما الاجتماعي
-
اتفاق المصالحة ، أسبابه ومستقبله !!!
-
صديقي دائما - قصة قصيرة
-
فلسفة الفقراء وفلسفة الأغنياء
-
شهر عسل جديد
-
الوعي العربي والاعتقاد الخوارقي
-
الماركسية وأساليب النضال الثورية
-
العرب وفلسفة التراث
-
ماذا وراء الطلب من الأردن تجنيس مليون فلسطيني ؟
-
ما لم يقال عن حصار غزة
-
آدم بين المعيار الديني والمعيار العلمي
المزيد.....
-
محمد رمضان يثير الجدل مجددا بفيديو ساخر.. -رمضان أحلى-
-
نتنياهو يغادر إلى واشنطن ومكتبه يوضح الهدف من الزيارة
-
بوتين: ترامب سيعيد النظام بسرعة كبيرة والنخب الأوروبية سترضخ
...
-
الشرطة البريطانية تعتقل رجلا حرق القرآن في بث مباشر غداة مقت
...
-
ترامب وزوجته ونائبه -يرثون- حسابات أسلافهم على السوشيال ميدي
...
-
مكالمة السيسي وترامب في الإعلام المصري: -التوتر يتراجع ودعوا
...
-
اتفاق مصري جيبوتي على استعادة الأمن وحركة الملاحة في باب الم
...
-
لبنانيون يحاولون العودة إلى بلداتهم رغم وجود الجيش الإسرائيل
...
-
بوتين: ترامب سيعيد النظام بسرعة كبيرة والنخب الأوروبية سترضخ
...
-
إسرائيل تستأنف الإثنين المفاوضات مع حماس بشأن المرحلة الثاني
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|