|
الفوران الصامت لإثمار السنبلة
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4002 - 2013 / 2 / 13 - 16:44
المحور:
الادب والفن
أبنية مهدومة كلّ الذين يتعجَّلون المغريات التعسّفية لحماقاتهم المتضعة ، يخفرهم الأمل الضامر لسيلان الزمن . ويتلاشون صرعى الرماح المُغلَّفة لصيف أيّامهم الرثائية . أحلام مرهونة للآلات الحادّة التي تقذفها النجوم على الأشجار المفزعة للشواطىء . العمر في هوته المُلتهمة ، يطالبُ بادامة الواهي من أسماله المُفتقَّة ، والانسان غير المحتاط للسير تحت عطور السم ، يتضائل وينفصل عن صيرورته ، تحت رياح تصفع في هبوبها ، السنبلة الزرقاء للقبر ، وتسلبه الريشة الأخيرة للأعطية . صدى طويل للثمرة ، يدعونا الى تجنب البلى في عبورنا لظلال الألم . أبنية مهدومة تتوقَّد تحت الأمطار التي تضربها النجوم ، نتوسّد فيها الغبطة ونغفل التلميحات المتعاقبة للزمن . هدنات طويلة نتلف فيها إسبالنا الأفياء المحتضرة على الظهيرة ، وتصعقنا اللحظة في دمعتها المسودّة وتحالفها مع الجفاف .
الشاعر الميت في عطشه بين الآبار
تمرُّ شهب كثيرة فوق القرابين التي يدخرها الشاعر الى النومة المُهينة للشيخوخة . تعكَّزنا على ظلال جياد الساعات الندية للنهار ، لا ينجيّنا من السُفعة المُعظَّمة للصقيع . يعتقد الشعراء الحمقى الذين تقطّعت أنفاسهم في عيشهم بين الروث والصدأ ، انهم قد تمت سرقتهم . أكذوبة محدودة ، ولا تؤذينا في الخداع . الحجارة الكريمة للقصيدة التي نرمي بها الليل ، خبرة جليلة تضرّج النهار بمصابيح مفرطة في لحظتها الهيفاء . تتجلّى في العذاب المتعسّف والمحروث للشاعر ، مراكب موثوقة أبحر فيها الأدلاء الى أرض الكلمة الوديعة ، وفي الأصياف التي يزكي فيها الملح وينثره على الخرائب ، مثابات راشدة في نحولها على الفجر ، تحنو على الغرباء وتثخنهم بالوردة الناضبة للوجود . تعريض الكلمة الميتة ومن انطمر معها للشمس ، عمل شائن ، يطفح بالخزي . نريد للشاعر الميت في عطشه بين الآبار ، أن يُنقّب عن الشرارة التي أضاعها في زريبة حياته الأخف خمولاً من ذرق العصفور .
الفوران الصامت لإثمار السنبلة
الى نصير غدير
لحظة مُعادة نُهملها في تصدّينا للحجارة التي تؤجج النهار ، وننسى في ذروة غبطتنا العلامة التي نستقبل فيها الرائد المجهول . البهاء الغريب للثمرة يغتابنا ونحنُ نئن في عاداتنا تحت الأعياد الغزلية للأشجار . لماذا يصعب علينا دائماً أن نفرّق بين القوَّاس والطريدة ؟ شوينا ثمار كستناء كثيرة في الليل ، ومخاوفنا من انفجار اللحظات ، تقرّبنا من الرصعة الخائنة للمرض . ينفصل الظل عن الماضي في إشعالنا للحطب بين الأشياء الخسيسة التي نتصنّعها ، ولا أمل بعودة الأيّام التي ودّعناها بوهن كبير . دعامات جديدة ندكّها في أرض سنتنا الجديدة ، وننتظر بصلابة الفوران الصامت لإثمار السنبلة . نبيذ نفيس نسفحه الى جانب الظلال المغرمة للمراكب ، ونتأهب للابحار الى نبل الهدف ، لكن الوصول الى " ايثاكا " يتطلَّلب منّا أن ننسى ما تعلّمناه في الحكاية . ما نربحه في أحلامنا الفاترة ، تخمين يتحطَّم في الأحجية المحتشمة التي تُهيننا ، ويقودنا السأم مكبّلين بما أعرناه شبابنا ، الى مصير – وهم .
اللحظة المعمورة للاحتضار
تُحتّم علينا الأيّام في كهولتنا ، أن نضمر سهادنا في الماضي ونغني بين الينابيع الجافّة ليأسنا . نتوّسد اللحظات المبوّقة تحت الأغصان المُرصَّصة النحاف للألم ، ونتعثر في النسيم الذي تطلقه المداخن ، وبحثنا العُصابي عن الخلود ، يرتد على هزيمتنا المتفشية في موت السنوات والمرايا والقناديل . حظائر رعب طاردنا فيها الحُباحب ، ولا ومضة للفجر الذي ننتظره . رضانا عن السكن تحت العفونة المتمايلة للثكنات ، تمجيد لضياع ما حلمنا به دائماً ، وجفاف إلزامي لأنهار حياتنا المفعمة في رص الشوائب على الأشنات . كلّ متاهة عبرناها ونحن نحمل فوق رؤوسنا سلال شؤمنا من الواجب ، حجارة مُخزية نموت عندها ولا نتنفّس الأريج الأزرق للشواطىء . إشارة مفرطة في لغزها نكابدها في الأجمات التي أضعنا فيها المبشرين . ضوء نجمة رحيمة ، هو ما يعيننا على الانتظار في هلعنا بين اللحظة المعمورة للاحتضار .
التبري من الرائدين
حدود كثيرة نعبرها تحت الوطأة الشاحبة للخسارة ونترك الموتى ، يراقبون ما نخفيه تحت حجارة أرض أنهارنا الخالية من المراكب . في تخلّينا عن الأضرحة المرضوضة للصلاة ، نتطابق مع الغنائم التي نطويها باعياء شديد ، في مثولنا أمام آلهتنا التي تدير لنا ظهرها في كل حين . يواجهنا في فراغ ايماننا وأكاذيبه الملتوية ، جيش من النجوم . حجارة تنبشها الوردة ، نشعر بندمها ، ونمرّ من تحت العبير الكهل لأشجار العالم . كلّ زمن مكثنا في تعفّنه ، يتقوّس ومضة مُبادة في السخرية المتكوّمة على التاريخ . العذر السفيه للانسان في حمله لميتته المتنقّلة ، خطيئة لا يمكن معها ، التبرّي من الرائدين .
ضرائب
صراع هائل تخسر فيه البشرية الشكران المجيد لمكاسبها وتعبر الفضائح تحت ثقل عظيم لما يتعجَّل المضايقة . كلّ طموح في الأحلام المريعة ، تستغني عنه الآن وهي تتعثَّر بروث الفوضى ، والأمل يحوِّل النور الى ضرائب تصرصر في زمنها الراهن . مجد الانسان في ميتته العفيفة ، رصعة كبيرة لافلاس الذين جابوا الأرض ، لتملّك النسمة المُتلفة للطوفان .
فضائل
وميض حكاية الميت في الصيف الذي مضى ، أضاء الأشرعة المثلومة للقوارب في دموعنا . الميت مع ثراء فقدنا له ، يتحلَّل الآن في تنافس مرير مع العناصر التي تمزقه على الحواجز المصفرة للظلمة . أكاذيبنا أسلحة نُلمّعها بحيوية حين نرتاب في الندى الملوث لرحيلنا صوب أرض الساعات المضوِّعة ، ونعجز في الافصاح عن المثابات التي سنمكث فيها . يسألنا الطفل عن الفقيد العزيز : - انه في السماء مع الملائكة . اجابة متوحشة ، والطفل يعرف اننا حمقى ومخاوفنا من سؤاله ، مفترسة وتنزع عنَّا الشهامة . تماثيل الملائكة التي نعرضها بين الحفائر المهجورة والزهور ، وايقادنا للشموع على أروح الفطائس ، عمل طائش ويخلو من الشفقة ، ولا يتناسب مع ما ندّعيه من فضائل . نحلم دائماً في الطيران فوق السطوح المزجّجة لنوافذ قبورنا ، لكنّنا لا نتحرّك فرسخاً واحداً في أنانيتنا التي نجابه بها الفظاظة الفاترة لمصائرنا المُتقلّبة بعفنها .
زعماء الزرائب
الليل مشط كبير يضيء البروق المًنضمَّة الى مناجم لهفتنا الودّية للقاء الاخوة الأعداء . تورطنا في المزاح الدائم ، بحك الحجارة الرخوة لنسلنا في مروج الصيف ، يهبنا الانصاف من أولئك الذين يفوَّضون أنفسهم إيقاد الشعل المقضومة لمجازرنا . لا دروب محجوبة تنفتح في الضفاف التي غفونا تحت أفياء أشجارها ، ولا الصخر الراسخ في نهارنا المتثائب والمعار للحظة الشاحبة ، يثري عريه المأمون ويخلصنا من مجابهتنا لزعماء الزرائب وحشودهم الشعبية . إرث طويل من عبادة التماثيل ، يوثقنا بإغلال تتوارى عن الرحمة ، ويتعدّى على اخوتنا للنجوم والبيوت والحدائق المتضوّعة بحرّها العذب . هل تهدّمت الأكواخ التي سكنتها آلهتنا في التاريخ ؟ نُصلّي للبرق بين الأشجار الذابلة لمحنتنا المُحجَّبة ، ونرمي بالحجارة المتوحشة ، الضياء الأزرق للغفران . كلّ ما شيّده الآباء في عوالم الماضي ، نفاية تتلكأ في الاندثار ، وتتغطّى في الظلال المرتجَّة للغائط ، لا أحد معفيّ من واجبه في الغوص بالحماقة ، واحتياطاتنا العدوانية قليلة ، وتثبُّ منها العطور التي تقيس لنا الهاوية .
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحجارة المتعزّية في الزمن
-
ندى ثقيل للتاريخ
-
نوافذ السنة
-
التوق الى الخلود
-
الجحيم الذي نسمّيه الأمل
-
أنسبُ مرض في الزمن
-
اخوتنا الالزامية للوردة
-
مجد المهجورين على الشواطىء المرتعدة
-
الطرق الكاملة لحياتنا
-
العوالم السفلى للوجود
-
في تسلّقنا الغصن الأسود للصيف
-
الحاضر في لهبه واشاراته
-
الأوغاد الذين يشرّعون لنا القوانين
-
حياتنا المريضة ، متكلَّفة بثقل صلصالها العتيق
-
الأطلال الخادعة للماضي
-
5 قصائد
-
العفن الجنائزي للماضي والحاضر
-
ثقل الأضاحي
-
مصائرنا المصفوعة بيأسها المريع
-
ثلاث قصائد
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|