أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - العشائرية والطائفية... والأمية الانتخابية














المزيد.....

العشائرية والطائفية... والأمية الانتخابية


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3985 - 2013 / 1 / 27 - 23:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العشائرية والطائفية والتعصب الديني لا تزال جميعها تنهش في اللحم الحي من مجتمعاتنا ودولنا. بعد مرور أكثر من ستة عقود، في المتوسط العام، على قيام دولة الاستقلال العربية ونهاية الاستعمار، لا تزال الكيانات السياسية العربية في غالبها تقوم على أسس لا ترسخ تحولها إلى دول مدنية قائمة على مبدأ المساواة التامة والمواطنة الدستورية، بعيداً عن الولاءات العشائرية والطائفية.

ومن المحزن حقاً أن تنحدر إحدى أهم الممارسات والوسائل التي أنتجتها فكرة الدولة المدنية، وهي الانتخابات، إلى ساحة معركة بين الطوائف والعشائر. فمن أصغر مجلس محلي في منطقة نائية وصولاً إلى الانتخابات على المستوى الوطني العام يتغلب البعد العشائري أو الطائفي أو الجهوي على أي بعد جمعوي أو وطني أو مواطني. وفي الانتخابات المحدودة التي كانت تنظم بطريقة عشوائية في مرحلة ما قبل «الربيع العربي»، ثم في الانتخابات التي نُظمت بعده تُدهشنا العشيرة والطائفة بقوتهما الراسخة على رغم وجود الدولة على مدار عقود طويلة. تبدو فكرة «الدولة» وكأنها مظلة رقيقة جداً ترى بالكاد بينما الاشتغال الحقيقي على الأرض وفي قلب المجتمعات هو للولاءات العشائرية والدينية والإثنية. لا يشعر الفرد بأن ولاءه للدولة أو للوطن والمجتمع بشكل عام يسبق ولاءه للعشيرة أو الطائفة، وفي حال اضطر للاختيار بين الولاءين فإن خياره يكون واضحاً وباتجاه العشيرة أو الطائفة. لا يتم الانتقال إلى الدولة المدنية والشكل الحديث للاجتماع البشري الذي يعتمد المساواة بين الأفراد إلا عندما تضمحل الولاءات الصغرى لصالح هويات وطنية أكثر اتساعاً وشمولاً.

في سياق كهذا من المُدهش والمؤلم في آن معاً أن نشهد مثلاً بلداً صغيراً وحديثاً مثل الأردن، تسلمت قيادته منذ التأسيس نخبة حديثة وذات تعليم غربي، يراوح مكانه إزاء مسألة القبلية والعشائرية وبالكاد يتحرك خطوة واحدة نحو دولة المواطنة والمساواة القانونية والدستورية. الانتخابات الأردنية الأخيرة أعادت تقديم الدليل القائم ليل نهار على سيطرة العشائرية على مناخ الاجتماع السياسي والوطني. فأفراد القبيلة أياً كانوا وحيثما حلوا يجب عليهم أن ينتخبوا ابن القبيلة المرشح، حتى لو كان غير متعلم، ولا يهم إن لم يكن الأفضل ضمن قائمة المرشحين. وتصبح العشائرية هي البوصلة الأهم وهي التي تحدد الخيارات السياسية للناس. وكأن ما يهم هو مصلحة القبيلة وليس مصلحة المجتمع أو الوطن. فناخبو المرشح القبلي يصطفون طويلاً وفيهم المتعلم وحامل الشهادة الجامعية العليا ومدير الشركة ومتحدث اللغات، كلهم يدعمون مرشح القبيلة لا لشيء إلا لأنه ابن القبيلة. ومؤهلاته الأهم هي علاقة الدم والقرابة. وعندما تـأخذ الممارسة الانتخابية هذا الشكل من التأييد لمرشح الطائفة أو القبيلة عندها نغرق في مستنقع من الأمية الانتخابية الذي يسبح فيه الجميع .

إن الأمية الانتخابية تحبط أي عملية ديمقراطية وتحيلها إلى ممارسة كاريكاتورية لا تحافظ على الشكل التقليدي المتخلف للمجتمع القديم فحسب، بل تعيد إنتاجه بشكل جديد وتعطيه وجهاً حديثاً وبراقاً. وبمعنى آخر، يتبلور جزء كبير من الأحزاب والتجمعات السياسية المتنافسة في أي انتخابات في سيرورة محورها إعادة إنتاج للتجمعات الطائفية ولكن تحت مسميات جديدة. وذلك كله لا ينتج إلا مزيداً من المراوحة في نفس المكان، بعيداً عن التقدم نحو بناء مجتمعات مدنية، وبعيداً عن إنجاز أي من القيم والمبادئ المؤسسة للمساواة الدستورية والاقتراب من العدالة والتوزيع العادل للثروة والمسؤولية.

والدولة العربية الاستقلالية لم تساعد لا على محو الأمية الانتخابية، ولا على تأسيس مجتمعات قائمة على قاعدة المواطنة، بل كانت هذه الدولة أحد أهم أسباب استمرار العشائرية والطائفية. لم تدخل الدولة العربية الاستقلالية مرحلة الحداثة السياسية على الضد من كل مظاهر التحديث الخارجي، إذ ما زالت وعلى رغم عقود طويلة من الاستقلال وتحقيق السيادة عن المستعمر تغرق في الأشكال القديمة من الولاءات وتعتمد عليها. وأحد أهم الأسباب وراء ذلك هو استبداد النخب التي حكمت تلك الدولة بعيداً عن أية شرعية دستورية أو ديمقراطية، وحيث كان جل همها الحفاظ على الحكم بكل أنواع السياسات والوسائل، ومن ضمنها العنف والقوة. ومن أهم تلك السياسات كما هو معروف كانت سياسة الاعتماد على القبلية والطائفية وتحالف الحكم مع أي منهما، أو أجزاء منها. وما نراه اليوم في دول «الربيع العربي» من استشراء لكل أنواع القبلية (في ليبيا واليمن مثلاً)، والطائفية والتعصب الديني (في مصر وتونس) هو الإرث الطبيعي لسنوات طويلة من «الاستثمار» الذي قامت به النخب الحاكمة. ولا يعني هذا أن بعض الدول الأخرى تتمتع بوضع أفضل فالكل في الهم شرق، من لبنان «الحديث» في الشكل الخارجي والقائم في نظامه السياسي والاجتماعي على أشد أنواع الطائفية، إلى دول المغرب العربي والانشطار العمودي بين العرب والأمازيغ، وهكذا.

لقد عملت الدولة الحديثة (مظهراً وشكلاً فقط) على تعزيز العشائرية وشرعنت وجودها. فمن ناحية أولى ومركزية لم تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة ولم تحفظ للأفراد حقوقهم وتدافع عنهم بحيث يشعر المواطن بأن هذه الدولة هي سنده الأول والأخير. بل على العكس من ذلك ظلمته وانتهكت حقوقه بما اضطر ذلك الفرد إلى الهرب بعيداً عن الدولة والاحتماء بالولاءات الأخرى، الطائفة والدين. ومن ناحية ثانية وفي أكثر من بلد عربي هناك ازدواجية حيث إلى جانب القانون والتشريعات النابعة من الدستور هناك ما يُسمى بـ«القانون العشائري»، بما يعني أن النظام القانوني والدستوري نفسه يستسلم للعشائرية ويقر بوجودها في أعلى التراتبية الهرمية لإدارة المجتمع. ويتدخل القانون العشائري في حياة الأفراد وأحياناً كثيرة يوقف «القانون العادي» ويتصرف بسيادة. كيف يمكننا أن نبني دولاً حديثة تدخل التاريخ الحديث ونحن نحمل على أكتافنا كل ذلك العبء من العشائريات والطائفيات والعصبويات الدموية وغيرها؟



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازدواجية معايير المقاطعة الشعبية!
- كارثة تسييس الدين وتديين السياسة
- جائزة -البوكر- للرواية العربية: توسيع فضاءات الحرية
- ضمير الناس يهزم «الفتاوى المتأسلمة» ... ولكن!
- مسلمو الدنمارك وفن صناعة العنصرية
- عين إيران على الأردن، فأين الخليج؟
- عنف اللغة... ولغة العنف!
- متى سيهرب السفير الروسي من دمشق؟
- مشعل في غزة: تكريس المصالحة
- مآزق الأيديولوجيات الأممية
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة التنظيمية (3)
- -دسْترة- الشريعة... ضرورة أم ذريعة؟!
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة الإقليمية والدولية (2)
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة الوطنية (1)
- -ملالا- إيقونة الحرية... تهزم -طالبان--!
- الإسلاميون والحكم: الانحياز للماضي أو الانفتاح على المستقبل
- الإسلاميون والانزياح المخيف
- فيلم تافه وتطرف مرعب
- الدستور المصري الجديد بين الدولة المدنية والدولة الدينية
- ثقافة الدم... -الأسدية- نموذجاً


المزيد.....




- روبيو يحذر: على أمريكا التخلي عن جهودها إن لم تنته حرب أوكرا ...
- دولة جزرية نائية في المحيط الهادئ تحصل للتو على أول أجهزة صر ...
- بعد 4 أشهر من هجوم ماغديبورغ الدامي.. السلطات الألمانية تتبا ...
- أرمينيا تؤيد والولايات المتحدة ترفض قرارا في الجمعية العامة ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الأمريكية على منشأة رأس عيسى النف ...
- ميلوني تدعو ترامب إلى -إعادة العظمة- إلى الغرب
- أوزبكستان تناقش مع SpaceX إطلاق قمر صناعي خاص بها
- روبيو: الأيام المقبلة حاسمة لمسار السلام في أوكرانيا.. وإلا ...
- واشنطن تتهم شركة أقمار صناعية صينية بدعم هجمات الحوثيين على ...
- حماس ترفض -الصفقات الجزئية وتسليم السلاح-، ووزراء إسرائيليون ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - العشائرية والطائفية... والأمية الانتخابية