|
رسالة مفتوحة إلى نائلة تويني
عبير حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 3966 - 2013 / 1 / 8 - 20:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتبت نائلة التويني في جريدة النهار عن العبء الفلسطيني والسوري النازح إلى لبنان منذ بداية الثورة في سوريا. وهي تتوقع عودة السوري النازح إلى بلده فور وقف الاقتتال وسقوط النظام والأسباب كما تراها نائلة تويني: "..لأن الحياة اللبنانية لا تناسبه في الغلاء، وفي الاستشفاء، وفي تعليم الابناء، وخصوصا اذا ما قرر النظام الجديد تعويض السوري الاضرار التي لحقت به." لا ترى تويني من مبررات لعودة النازح السوري إلى وطنه إلا أسباب العيش في لبنان غير المتوافقة مع قدارت السوري المادية. يغيب عن قاموس تويني أي مبررات أخرى للعودة والتي يفترض أن تخطر ببال أي إنسان يعيش في وطنه، وهي المشاعر الوطنية وانتماء السوري لبلده، التي يبذل الدم رخيصاً فداءً لحريتها والتي يجب أن تكون الحافز الأول والأساسي للعودة إلى سوريا، وليس بسبب الأسباب الأخرى الواهية التي عرضتها والتي تحمل حساً استعلائياً استعراضياً يملأه الادعاء بحالة الرخاء والترف والتقدم وهو أمر يعرف كل عالمٍ بالوضع الاقتصادي اللبناني أنه رخاءٌ مزيف وغير حقيقي. ولم يخطر في بال السيدة تويني أسباباً أخرى تدفع السوري المضطر أساساً للنزوح إلى ترقب فرصة مغادرته لبنان على أحر من الجمر كما تقول اللغة العربية، وذلك بسبب ما يعانيه النازح السوري من عنصرية و فوقية في تعامل اللبناني معه تاريخياً. لقد تدرجت النظرة اللبنانية العنصرية تجاه السوري عبر العقود الماضية، من تعامل استغلالي وعنصري للعمال السوريين الأجراء الذين تعرضوا لاستغلال عرقهم وعملهم، وأحياناً إلى القتل بحسب احتدام النزاع الداخلي في لبنان. وقد نمت هذه النظرة العنصرية تجاه السوريين مع الوجود العسكري السوري في منتصف السبعينيات، ليصبح كل سوري عند اللبنانيين جندياً في صفوف الجيش السوري أو عنصراً مخابراتياً يهيمن على لبنان واللبنانيين. ورغم خروج الجيش السوري من لبنان على إثر اغتيال الشهيد رفيق الحريري، لم يتمكن اللبناني التخلص من نظرته الاستعلائية تلك، ولهذا كان من الصعوبة على كثير من اللبنانيين حتى المتعاطفين مع الثورة السورية التعامل بمنطق إنساني صرف مع النازحين السوريين، وخصوصاً مع ظهور إنسان سوري عادي لا هو بعامل ولا بعسكري ولا برجل مخابرات. وإنما مواطن عادي قد يكون بمستوى مادي جيد يمكنه من الاستئجار بأماكن يصعب على اللبناني العادي أن يستأجر فيها، ولديه المقدرة أن يتحرك في شوارع بيروت بسيارته الخاصة أو يتواجد يومياً في أماكن السهر الليلية في بيروت. حيث بدأت تعلو الكثير من الأصوات اللبنانية المتأففة في الفترة الأخيرة من تواجد كثير من الشباب والبنات السوريين الذين يملأون مقاهي وبارات المدينة والجبل. وهذا مشهد لم يعتد اللبناني التعامل معه، فاللبناني في صراع ما بين تعاطف إنساني و شوفينية لبنانية جاء مقال السيدة تويني ليعبر عنها أفضل تعبير. أما عن كلامها حول الفلسطينيين وفكرة إمكانية تخلص السوري من الفلسطيني جراء التغيير الحاصل في سوريا، تقول تويني : "فقد تكون الفرصة سانحة أمام السوري للتخلص من عبئه، خصوصا ان شعارات القضية الفلسطينية لم تعد جذابة كما كانت بالأمس، والأنظمة ما عادت في هذه الحاجة إلى الاستمرار وخصوصا متى بلغت سدة الحكم بطريقة ديموقراطية." لا أدري إذا لدى تويني أي فكرة حول الوجود الفلسطيني في سوريا بأنه يعود للعام 1948، وأن حقوق الفلسطينيين ومساواتهم مع السوريين في كافة الحقوق والواجبات باستثناء حق الجنسية تعود لخمسينيات القرن الماضي في مرحلة الرئيس الراحل شكري القوتلي، أي قبل وصول حزب البعث وتسلمه السلطة في سوريا بعشرات السنين. فكيف تظن تويني بأن الفلسطيني الذي يعيش حقوقاً وواجبات مساوية للسوري، وله الحق في التملك والعمل في كافة المجالات من ضمنها الوظيفة العمومية، وهي حقوق مفتقدة في لبنان منذ 1948 وحتى الآن. هل تعتقد السيدة تويني أن الفلسطينيين السوريين الذين نزحوا أخيراً إلى لبنان قد يتخلون عن كل هذه الحقوق التي يتمتعون فيها في سوريا؛ من أجل البقاء والعيش في لبنان الذي يملك أسوأ قوانين عنصرية بين الدول العربية المضيفة للفلسطينيين، والتي لا يبررها الوضع الاقتصادي اللبناني. وإنما هي نتيجة لتجاذبات وصراعات سياسية تاريخية تتعلق بوضع لبنان الطائفي. والدليل أنه في حكم فؤاد الشهابي المتحالف مع جمال عبد الناصر نال الفلسطينيين اللاجئين في لبنان بعض الحقوق سرعان ما خسروها لاحقاً مع أفول تلك المرحلة. كيف سيتخلى الفلسطيني السوري عن حرية الحركة من داخل وخارج المخيمات التي تشكل أصلاً أحياءً مندمجة مع محيطها السوري في كل المدن، لأجل البقاء في مخيمات محاطة بجدران وأسلاك شائكة كما في مخيم "عين الحلوة" في صيدا، والتي لا تختلف عن جدار الفصل العنصري الذي أقامته دولة الاحتلال الاسرائيلي على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية. ولهذا ليس بغريب أن تستخدم تويني كلمة "مستوطنين جدد" لتطلقها على الفلسطينيين اللاجئين، مع أن هذه الكلمة لا تطلق عادة إلا على الإنسان الذي يهاجر إلى أرض غير بلده الأصلي بملء إرادته ويستقر فيها ويتخذها بديلاً عن وطنه الأصلي، وهي تستخدم في علم السياسة كمصطلح للدلالة على "المستعمرين". في حين أن الفلسطيني هو ضحية استعمار استيطاني هجره قسراً من أرضه، كما أنه لم يوجد فلسطيني واحد أكان لاجئاً في لبنان أو غيره تخلى عن حق عودته إلى فلسطين. حيث تقول تويني: "وبذلك ستزداد أعداد الفلسطينيين لنجد أنفسنا أمام واقع جديد، ومستوطنين جدد، وعبء جديد، يعيد إلى ذاكرتنا صورة الكابوس الفلسطيني في لبنان في السبعينات من القرن الماضي." وللتذكير، إن الوجود الفلسطيني في الحرب الأهلية كان تفصيلاً من تفاصيل عديدة غالبيتها لبنانية وإقليمية، فمن المعيب تحميلهم وحدهم وحصراً المسؤولية الأساسية عن الحرب الأهلية. فالفدائيون خرجوا من لبنان سنة 1982، ومازالت الخلافات اللبنانية موجودة ومايزال الانتماء لدى اللبناني لطائفته وزعيم طائفته ولا شيء آخر. ولنحرك ذاكرة السيدة تويني التي لم تكن قد ولدت بعد، عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية الثانية من سبعينيات القرن الماضي. أن سوريا فتحت أبوابها لكثير من اللبنانيين العاديين وأصحاب رؤوس الأموال الذين تعرضت مصالحهم في تلك الحرب و الذين هربوا من أتون الموت. لم يتذمر الشعب السوري آنذاك من الوجود اللبناني، رغم أن السوريين لم يعيشوا يوماً في بحبوحة العيش في ظل حكم الأسد الأب. وسوريا تحملت العب الأكبر من لجوء العراقيين خلال غزو العراق عام 2003، ولم يتذمر الشعب السوري. وقد فتح السوريون بيوتهم وقلوبهم لعشرات الآلاف من اللبنانيين الذين نزحوا إبان حرب تموز 2006. ولم ينصب الشعب السوري الخيام لهؤلاء النازحين ولم يتركوا في الشوارع وعلى الحدود يموتون من البرد كما هو حال السوريين الآن. لقد تقاسم السوريون مع إخوتهم اللبنانيين النازحين لقمة الخبز دون أن تظهر أي أصوات شوفينية وعنصرية بين السوريين ضد النازحين اللبنانيين أو العراقيين من قبلهم. نؤمن كسوريين يتطلعون إلى الحرية بحتمية انتصار الثورة السورية، وسيعود السوريون والفلسطينيون السوريون الذين نزحوا للبنان إلى سوريا الخالية منذ الأزل من أي نظرة عنصرية أو استعلائية. فلتطمئن السيدة تويني ولتهنأ باقتصاد لبنان وواحة الديمقراطية الطائفية إلى حين "ظهور" النفط على أرضه كما تقول.
#عبير_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|