|
حكم الاسلاميين في تونس واستمرار اللاشرعية
علي قيداره
الحوار المتمدن-العدد: 3966 - 2013 / 1 / 8 - 06:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إثر انهيار الديكتاتورية بتاريخ 14 يناير 2011 و حتى انتخابات 23 أكتوبر 2011، نالت تونس تعاطف دولي غير مسبوق في التاريخ، حيث أظهر شعبها أنه قادر على الاطاحة بالنظام وذلك لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية التي لم تعرف سوى الانقلابات و حكم العصابات. و كان السبب الرئيسي لهذا التعاطف العالمي و التقدير هو الأسلوب الحضاري و السلمي الذي إتسمت به الثورة التونسية و لاقت حفاوة بالغة حتى من قبل الكونغرس الأميركي. ما حصل أيضا بعد فترة وجيزة وساهم في تعزيز الصورة الإيجابية والحضارية التي تعكسها تونس عبر العالم، امكانية تونس و شعبها استقبال مئات الآلاف من اللاجئين جراء الحرب في ليبيا ﺂنذاك والتحكم و ادارة هذا التدفق في ظروف استثنائية و بوازع تضامني غير مسبوق. كل هذا جعل التونسيون يثقون في مستقبل بلدهم و يحلمون ببناء دولة جديدة عصرية، ديمقراطية، تعددية ومنفتحة أكثر على العالم و على القيم الكونية.
و لكن هذا الحلم لم يستغرق، للأسف، سوى بضعة أشهر حيث جرت الرياح بما لا تشتهي السفن بالرغم من الاحتياطات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة لفترة ما بعد الثورة. تمت انتخابات حصل خلالها حزب النهضة الاسلامي على 37% من الاصوات و تكون فيما بعد مجلس تأسيسي مهمته كتابة دستور جديد للبلد خلال سنة ينتهي بعدها دور هذا المجلس ليفسح المجال لانتخابات جديدة و ذلك قبل موعد 23 أكتوبر 2012. ولكن قرر هذا المجلس الذي هيمنت عليه النهضة و حلفاءها من اليساريين تشكيل حكومة ائتلاف ثلاثي متكونة أساسا من الاسلاميين الذين لم يتباطؤا للاستيلاء على السلطة من أجل التمركز و مصادرة الحكم بدون تحديد فترة حكمهم و بدون تحديد أي تاريخ للانتخابات المقبلة. كان هذا في الواقع بداية كابوس جديد للبلاد، نظرا لعدم قدرة الاسلاميين و حلفاءهم على إدارة بلد في حاجة ماسة لسياسات جديدة تتأقلم مع وضع عالمي حرج و مع احتياجات الشعب بعد سنوات من الديكتاتورية و القمع حيث تفاقمت الفوضى في ظل غياب مشروع حقيقي لفترة ما بعد الثورة و ازداد الوضع الاقتصادي سوءًا. وبالرغم من قيام الثورة من أجل الحرية و الكرامة و الديمقراطية و ليس من أجل تأسيس نظام ديني شعبوي لا يتلاءم و العقلية التونسية السائدة منذ عشرات السنين، لم يهتم مسؤولو النهضة الا ببرنامجهم العقائدي في ظل تأزم الوضع و معاناة الطبقة الكادحة من الفقر وعدم الاستقرار. ولقد استفاد الإسلاميون من الفوضى و عدم الاستقرار وانعدام الرؤيا و استخدموهم لتعزيز قبضتهم على الحكم و على مؤسسات الدولة دون محاسبة أو مساءلة من طرف المجلس التأسيسي.
أما ما تسمى بالمعارضة في المجلس التأسيسي، فأداءها رديء جدا و هي لا تلعب أي دور بناء للتصدي للنهضة و حلفاءها بطريقة ايجابية، حيث ان مشاركتها لا تكون غالبا الا للنقد أو النقاشات العقيمة حتى أنها ضيعت فرصة انتهاء الفترة الانتقالية لتقديم لائحة لوم ضد الحكومة مثلاً، وان كان ذلك فقط لتعزيز مكانتها على الخارطة السياسية. لقد كان موعد 23 أكتوبر 2012 فرصة تاريخية لنزع الشرعية النسبية التي تتمتع بها الحكومة الحالية ولإحداث تغيير، ولو بسيط، في أداء الحكومة أو المجلس التأسيسي الذي لم يحقق بعد أي إنجاز في كتابة الدستور. أخيرا، لا أحد يعلم إن كانت هذه المعارضة تريد حقا أن تلعب دورا في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي أو أنها تسعى فقط للحصول على بعض المناصب أو الامتيازات. وهذا يبدو ما فهمته حكومة حزب النهضة الإسلامي، حيث أنها تلمح أكثر من أي وقت مضى أنها مقبلة على تغيير في التشكيلة الوزارية و مستعدة لتوسيع الائتلاف الثلاثي ودمج بعض رموز المعارضة. إن حدث ذلك، فهو سيكون مكسبا لحزب النهضة و خسارة فادحة لأولئك الذين هم على استعداد للدخول في ائتلاف جديد مع الحزب الإسلامي، حيث في الواقع، سيتم استعمالهم في حكومة تهيمن عليها النهضة من أجل البقاء في الحكم وإضفاء صبغة شبه ديمقراطية لهذه الحكومة، أي بعبارة أخرى استمرار اللاشرعية و تأجيل أي انتخابات مقبلة إلى أجل غير مسمى، اذا كانت أصلا هناك نية لتنظيم انتخابات في المستقبل. والأهم من ذلك، فإن كل من يقبل بهذه الحلول التي تزيد من تمركز حزب النهضة في الحكم على حساب الانتقال الديمقراطي، سيتحمل مسؤولية فشل هذه الفترة و يعزز مكانة النهضة التي ستلقي باللوم على حلفاءها من أجل تهميشهم سياسيا أو حتى القضاء عليهم و إبعادهم كليا من المشهد السياسي التونسي.
#علي_قيداره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكم الاسلاميين في تونس واستمرار اللاشرعية
المزيد.....
-
حاول تثبيتها فسقطت منه في البحر.. شاهد ما التقطته كاميرا تحت
...
-
علماء يكتشفون سببًا محتملًا لإعادة بناء نصب -ستونهنج- قبل آل
...
-
أحبّها بعمق.. قد يصدمك ما فعله رجل ليبقى بقرب حبيبته
-
فيديو يظهر محاولة اقتحام سجن مكسيكي بعد أعمال شغب دامية.. شا
...
-
-العنف الطائفي بعد الإطاحة بنظام الأسد أقل حدة مما كان متوقع
...
-
آلاف السوريين يحتشدون في ساحة الأمويين في الجمعة الثانية بعد
...
-
إل ألتو البوليفية: -المنازل الانتحارية- مهددة بالانهيار والس
...
-
فنلندا تجدد رفضها فتح الحدود مع روسيا
-
ليبيا.. ضبط شبكة نشطت في تصنيع وبيع الخمور المغشوشة في بنغاز
...
-
مصر تدين اعتداء الدهس في ألمانيا وتؤكد رفضها كل أشكال الإرها
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|