|
هل القبلية هي عملية ممنهجة في نظام العالم الجديد ؟
سونيا ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3958 - 2012 / 12 / 31 - 14:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كيف استطاعت حماس تحويل غزة إلى قبيلة تتكون من عائلات كثيرة ، يكره فيها الناس بعضهم بصمتٍ ، و ينتقمون ضد أنفسهم منها بالصمت أيضاً ؟
" الخوف ليس من البكاء ، الخوف يجب أن يكون من عدم قدرتك على البكاء "
كانت و ستظل الدول العربية تحتفل بانتمائها لقبائل كبيرة ، أو عائلات تحكم و يسود فيها التفرد بالآراء على العائلات الصغيرة ، أو الأفراد الذين ينتمون إليها . كنت متفاجئة عندما أخبرني صديق يعيش في البرازيل عن اليهود : أنهم مثل عصابة مافيا التي تكرر نفسها ، يوجد فيها عائلات كبيرة غنية ، يحصل أبناءهم على أفضل تعليم في أكثر الجامعات عراقة ، و يحصلون على أفضل فرص للعمل ، و إن كانوا فقراء فهناك برامج منح للدراسة تقدم لأبنائهم . و كانت مفاجئتي غير بعيدة عن تلك القصة التي قرأتها في إحدى الصحف الانجليزية عن شابة جامعية لم تملك النقود و هي في السنة الأولى من دراستها الجامعية ، لتجهض طفلها ؛ فتجد الممرضة تنظر إلى قلادتها " الرمز الديني اليهودي " و تعطيها خبراً سعيداً بأنها ستتلقى مساعدة مجانية من مجموعات نسوية يهودية .. و تنتهي القصة بسعادة الطالبة الجامعية اليهودية لحصولها على مساعدة طبية مجانية للتخلص من طفل سابق لأوانه في سنوات دراستها الأولى !
أما الفارق بين المنهجية في المجموعة الدينية اليهودية ، و القبلية في الدول العربية هو كبير جداً من حيث اعتناء الأغنياء برعاياهم ، على عكس ما يحصل في القبائل العربية ، التي تستغل الصغار ، و الشباب .. ما بالكم سيكون مصير هذه الشابة لو كانت في دولة عربية تحمل من علاقة خارج الزواج و هي في سنواتها الجامعية الأولى ؟؟
لست أحاول أن أوضح انحيازاً غير مرغوب فيه لليهود بشكل عام ، بل في الحقيقة ربما ما يزعج الآخرين منهم هو كونهم جشعين كما عرفهم الجميع تاريخياً و إن كان هذا يُسقطنا بالتعميم ، و هذا شئ مرفوض و لكنه حقيقي جداً في حالات كثيرة في هذا الواقع الذي نعيش فيه عالمنا اليوم ! ليست صفة الجشع هي حصرية على ديانة ، و لكنها تتعلق بمفهومهم للجماعة و ما هي أهمية و آلية الاختلاط بالجماعات الأخرى ، التي تلاحظ تحسنا مترقباً بين مصالحهما المشتركة . إذن الكل خاضع لهذه القوانين ، التي يحاول الجميع التملص منها بشكل أو بآخر ..
الطائفية التي تنتج عن القبلية ، هي أيضاً أحد رواسب التعصب الديني ، و الجهل بأهمية القيمة المعنوية للإنسان في بناء الحضارات . و هذه قضية نحن معروفون بها في الشرق الأوسط ، في كل دولة عربية هناك غالبية طائفية لا تتبعها بالضرورة كافة الفئات الخاضعة لنظام القوي السياسية المسيطرة على مصائر شعوبها ، و لكنها تعيش تحت وطأتها ، و تتجنب حدوث الصدام معها ، و يصبح هنا سؤالي : هل تتغلب الطائفية أم القبلية على مفهوم المجتمع الذكوري ؟ أم أن المقارنة خاطئة بينهما ؟ المجموعات المثقفة من هذه الشعوب - بطموحها و آمالها ، التي تنطوي عليها رغبات غير محققة في بلدان لا تتيح الكثير من الحقوق - في حال حلقت هذه القوى الشعبية ضد سرب الحكم السياسي ، عادة ستجد قمعاً متطرفاً أو اقصاءاً من كافة الدوائر الحكومية المسئولة في حال عدم وجود مجموعة مقربة من الحكومة السابقة أو الحالية تفيدها ، و تقرر مصيرها ، و ذلك بأن تُمنع مؤسسات المجتمع المدني من الإقرار بالحقيقة بقيامها بالدور الحيادي المطلوب كل حسب إطار عمله المقيد بأهدافها التي تخدم المجتمع ، و تكشف عيوبه ، بل تحرره أيضاً من الجهل المفيد لأنظمة الحكومات المستبدة !
الحل المفيد لكل قبيلة / عائلة كبيرة تحكم حياة شعب أكمله ، هي بتغذية الطائفية بين الأطراف المتنازعة على الحكم ، و إن كان باقي الأطراف من هذه العائلات الكبيرة لا يعيش حالة تنافس متناغمة طيلة الوقت ، و لكنها ستؤدي في النتيجة إلى التشتيت و التمزق كل حسب الدقة التي يعتمد عليه في خياله ، أو حتى تحليله العلمي إلى حد غير بعيد !
المؤسف في هذه الدول التي تحكمها القبلية الدينية ، و يغزوها التعصب الديني هو ازدياد حالة العصاب الذهني ، فستجدهم يسبوا حتى العلمانين الذين هم ضد كل معاني التطرف أو الانحياز لدين على مصلحة الانسان – في سياق معنوي آخر للعلمانية التي تدعو لفصل الدين عن الدولة – لأن العلمانية التي تحدد جيداً مسئوليات الدولة خارج نطاق الدين تشكل خطراً كبيراً للنقيض الذي يتمثل فيه كل المتعصبين أو المنحازين لفكر قبلي ، أو طائفي ، أو ديني بحت !
الديكتاتورية قد تندرج في شخصيات بعض الحكام العرب الذين يدعون أنهم يميلون إلى العلمانية ، و لكنها لا تخدم نفسها بشكل واضح بسبب التناقضات التي ينشأ عليها الشعب بمختلف مكوناته ، و التي تسمح له بالرضوخ لحكم رجل واحد ، و كأن رجل واحد و عائلته بيدها مصير هذه الفئات المختلفة من الشعوب ؛ و حينها تصبح الممارسة الخاطئة للديمقراطية لشعوب لم تنتفض على نفسها ، هي محاولة فاشلة و إن كان البعض قد يرجح استخدامها من أجل العدالة و الانفتاح على كافة أطياف الشعب بخياراته المتعددة التي يدرجها حسب مصالحه المشتركة مع الجهات التي تعارضه في تفويضها !
دراسة التاريخ العربي ، و مفهوم النزاع على السلطة من القبيلة / العائلة الحاكمة ، و أصحاب الأموال / الأراضي هو ما لا يفهمه إلا من يتقن فن التعامل مع أصول القبيلة / النظام التي يدرسونها ، أما ما هو مفيد جداً بالنسبة للمجموعات الأخرى التي تسيطر على قوى أخرى في أماكن متفرقة في العالم ؛ هو السيطرة على جنوح هذه القبلية التي لها مصلحة في : أن تمص دمائها ، و الاستفادة من ثوراتها – الدوافع الاقتصادية هي محرك دائم و أساسي في هذه العلاقات المتراكمة على بعضها في بعض الأنظمة المسيطرة حول العالم – عن طريق الوصول إلى نقطة تصبح فيها القبلية المنقذة هي أقل تطرفاً من قبلية جديدة تحكم العالم المخترق حولها ، و تسيره إلى حيث لا نخرج من هذا المأزق إلا بالتعويض عن خسارته بخسارة أخرى .. أقل أنواع الخسارة هي بناء حضارة مادية تطابق قواعدهم الرأسمالية ، و يحدث فيها تبادل ثقافي بين الجميع في مجتمع قد يكون غنياً جداً في ثرواته و لكنه عنصري جداً ، قديم جداً ، يهتم بالعادات و التقاليد المحافظة .. و لكنه يستيقظ كل يوم و هو يعيش من خيرات نظام يبيح له القدر الأكبر من العمالة .. الحكومة العميلة هي دائماً المنقذ من كل المصائب التي تخترق المنطقة المحيطة بهذه القبيلة .. و التي كونتها في الأساس هذه القبيلة التي تتبنى علومها الرأسمالية من جهة أخرى تستفيد من قبليتها على الدوام .
سؤالي الذي أطرحه في هذا المقال : هل المنقذ الوحيد لشعوب بعض هذه الأنظمة العربية هي هذه القبلية التي تسيطر فيها على أكثر المناطق الغنية من ناحية ثرواتها ، و مواردها ؟؟ هل تطعم بعض الدول العلمانية العربية - التي تدع الانفتاح الحضاري - أبناء شعبها من الجوع أم أنها تدفعهم للخروج منها إما للإيمان بالحاجة إلى نظام المُسيطِر أو المُسيطِر على المُسيطِر ؟ يبقى الجواب مجهولاً مسطراً على وجه كل فقراء العالم العربي الذين فقدوا معنى الكرامة بسبب الفقر و الاستغلال و الظلم .. "
#سونيا_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكراهية المدعية في وجه الريح
-
ما نحتاجه بعد المجزرة الانسانية في غزة!
-
أن تثق فيمن لا يثق بنفسه .. وهمٌ آخر في الأراضي المحتلة
-
هكذا يقول - الشعب - لحكام الفساد : كنت دائماً لوحدي !
-
هل يحب الآباء الفلسطينيون أبناءهم ؟
-
تحية مباركة و إغلاق مبكر
-
متلازمة ستوكهولم .. هل بعض الفلسطينيون مصابون بها ؟؟
-
العدوانية
-
من أجل رقي حركة حماس
-
الهوس الجنسي في غزة
-
صورة عن الشرق المرئي في غياب الحل الأوسط
-
حجة خروج
-
متعة الفراق المذّل
-
مشهدٌ لعمقِ امرأة كانت تعشق صوتَ النوم
-
ذكور ممتنعون عن الرجولة
-
نختارُ أن نحلم بوطن
-
حياة تسقط في الوجوه .. هنا غزة
-
مشاهدات في مدينة يحتقرها الإله .. غزة تحت أنقاض الحياة
-
العنف الأسري
-
صرخات أنثى غزية
المزيد.....
-
ترامب: تحدثت مع الرئيس المصري حول نقل الفلسطينيين من غزة
-
كوكا كولا تسحب منتجاتها من الأسواق الأوروبية بسبب مستويات ال
...
-
ترامب: سأوقع أمرا تنفيذيا لإنشاء -قبة حديدية- للدفاع الصاروخ
...
-
محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوج
...
-
الاحتلال يصعد عدوانه على الضفة ويهجر آلاف العائلات بجنين وطو
...
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|