جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3894 - 2012 / 10 / 28 - 09:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
صديقتي أميره : سلام ونعمة ومحبة من الجميع, سلام من الذين أوصيتني على توصيل السلام إليهم وسلام من أشجار عجلون وزيتون إربد سأقصُ عليك رحلتي ومشواري مع عالم الثقافة هذا العالم الذي يظنه الناس أنه أرقى عالم على وجه الأرض وبأنه من الداخل عالم مليئ بالمتعة, هكذا يتخيل القارئ الذي يستمتع بما نكتبه ولكن القارئ لا يعلم بأن الكاتب يعيش في هم وغم ونكد حتى يحقق المتعة للقارئ في حين يعيش الكاتب نفسه على حافة الهاوية ويلعب بالنار ويتألم كثيرا حتى يكتب كلمة تجعل القارئ منتشيا بالسعادة هذا العالم الذي يدخله من الداخل يجد أنه من كما يقول المثل:(من برى هالله هالله ومن جوى يعلم الله).وكلما قطعت واديا كلما ظهر لي واديا أعمق منه,وكلما صعدتُ جبلا كلما ظهر لي جبلا أكبر منه حجما..وشاهدتُ أناسا لديهم الجرأة ولكن مثل جرأتك لم أرَ أحدا في الأردن ...كنتُ أعتقد يا (أميره) بأن المشوار قريبٌ جدا أقرب من فركة كعب أو أقربُ من بياض العين إلى سوادها,ولكن المشوار في كل يوم يزداد طولا وبعدا مع مرور الأيام والأشهر والسنوات وكنتُ أعتقد يا(نبيل) بأنني بعد عدة ساعات من النوم سأكون هنالك ولكن كل يوم يزداد الشارع عرضا وطولا وفي كل يوم أدخل بمتاهات جديدة ومتعددة,المشوار ليس سهلا واللعبة فيها كثير من الخداع والغش وتتسم أحيانا بالضبابية وبالصورة الرمادية التي ليست سوداء بالكامل أو بيضاء بالكامل, أريد في هذه اللحظة تسجيل كلمة وداع لكم على أنغام الدرب الذي مشيته والطريق التي بدأتها منذ عشرين عامٍ وكنتُ أعتقد بأن المشوار بسيطٌ جدا وكنتُ أعتقد بأن المسألة سهلة جدا أسهلُ مما أتصوره أو أتخيله من خلال مخيلتي الواسعة ولكن قواعد اللعبة في كل يوم تتغير وفي كل يوم تتبدل على حسب رغبة المنسقين للعبة,وفي كل يوم أعتقد بأن الدرب الطويل سوف يقصر جدا وإذ به يطول أكثر وأكثر,وكنتُ أعتقد بأن حرارة الشمس سيخف وهجها ولهيبها ولكن الحرارة في ازدياد متواصل وأنا بالنسبة لي حملت كل أمتعتي للسفر بعيدا عن هذا المكان ولكن أينما أذهب أجد بأن الروتين القاتل يلاحقني في كل مكان وفي كل زمان, كنت أعتقد يا (أميره) بأن اللعبة تعتمد على الذكاء والعبقرية والموهبة ولكن هذه الأمور ليس لها أصول ثابتة في بلادي ثم أحسستُ أنها لعبة حظ وحتى لعبة الحظ ليست صحيحة لأن هنالك من يتدخل في الحظ والنصيب وكأنه آلهة يحدد للناس أعمالهم وما يجب أن يعملوه ,كنتُ أعتقد بأن المشوار يا (أميره) عبارة عن لعبة وتسلية ولكن مشواري أخذ بعدا أكثر من ذلك كنت أعتقد بأنه سيتوقف على قراءة بعض الأشعار العاطفية والسياسية ولكن الموضوع أخذ بعدا أكبر من ذلك كله لقد أصبح الموضوع متحولا من الشعر والقصة والرواية إلى النضال والكفاح والبطولة والجوع هو السلاح الأكبر الذي يسيطر عليه أعدائي أعداء الكلمة الحرة والصادقة والشجاعة,لقد بدأتُ مشواري وأنا أعتقد بأنه موهبة فطرية ولكنه سرعان ما تحول من الهواية إلى الاحتراف الحقيقي فأصبحتُ محترفا في المشي بين الأشواك.. وكنتُ أعتقد بأن العملية كلها عبارة عن مهرجان عام في نهايته سيأخذ المجتهدون شهادات التقدير وهم يوزعون الابتسامات على الجمهور المصفق لهم ولكن المسألة كانت وما زالت أكبر من مهرجان صيفي أو شتوي والرحلة أصعب من شواء دجاجة على حافة صخرية أو بين ثلاثة أحجار كبيرة أو صغيرة, كنتُ أعتقد بأن الموضوع كله مثله مثل شرب فنجان من القهوة العربية الطيبة السمعة أو كوبٍ من الشاي الساخن,كنت وما زلت أحسب المسألة بحسابات خاطئة جدا أضعتُ فيها عمري وأنا أتبع هواي,هوايَّ الذي تلبد كالغيوم فوق رأسي وأتعبني وتسبب لي بالصداع,هواي وعشقي الذي خدعني من خلال أحاسيسي وأوهامي والتي كلها عبارة عن أكاذيب كذبتها على نفسي, فقد قلت لنفسي بأن الدرب قصير وبأن المسألة عبارة عن رحلة شتوية إلى المواقع الدافئة كنتُ أكذب على نفسي وأعرف أنني أكذب ولكن ما أجمل أكاذيبي حين تخفف عني آلام السنين.. كانت ستنتهي الوقفة على شاطئ البحر ولكنها امتدت إلى أعماق البحر, وكنتُ أعتقد بأن المشوار سأفرغُ منه بمجرد نهوضي من النوم لأخلع قميص النوم وأرتدي قميص الركض والهرولة نحو المعلوم ولكن أحلام الشباب التي ما زالت في مخيلتي ما زالت أيضا تضللني وتزيد من حيرتي وكانت وما زالت أوهامي أكبر جدا من الواقع المُر الذي نعيشه جميعا,وفي النهاية اكتشفتُ بأن المشوار الصعب أكبرُ من كل إمكانياتي المادية والروحية وأعصابي أضعف من أن تحتمل كل هذا الاحتمال وقلبي أضعف من أن يحتمل كل هذا الوجع وكل هذا الألم ورغم أنني شجاع إلاّ أنني بحاجة إلى قلب أشجع من قلبي مثل قلب (أميره) أنت بجد كنت شجاعة جدا ولا تستحي من قول كلمة الحق وخصوصا مع بائع الحلوى هذا الموقف الذي أضحكني وآلمني جدا, كنتُ أحسب بأن تلك الأمور تافهة جدا ولم أكن أحسب للحسد حسابا ولم أكن أحسب للعين حسابا ولكن كنت مخطئا في ذلك فأعدائي يزدادون كل يوم وأكتشف ذلك من نجاحاتي المتعددة فكلما ازداد أعدائي كلما عرفت أنني على الطريق الصحيح والصعب جدا, أنا واحدٌ من الناس الذين نذروا عمرهم من أجل غيرهم وأنا واحد من الناس الذين يبكون من أتفه الأسباب وكأنني ما زلتُ طفلا بحاجةٍ إلى من يؤمن له المحبة والعاطفة والحنان والسلام الأبدي والحماية, نحن نعيش في بيئة جديرة بالاحترام من خلال ما تقدمه من كراهيةٍ للطرف الآخر فهذه أفضل صناعة تجيدها مجتمعاتنا العربية وهي سهلة جدا بما أوتينا من موروثاتٍ دينية وعاداتٍ بدوية.. وأنا واحدٌ من الناس الذين يشعرون بآلام الآخرين قبل أن يشعروا هم فيها,وأنا أتذوق طعم الدم النازف من الآخرين قبل أن يتذوقوه هم,وأنا سريع التأثر بالناس وبمشاكلهم فما زلت حتى اللحظة أتوجع لوجعك يا (نبيل) قبل أن تشعر به والرصاصة المتوجهة نحوك تصيبني في رأسي قبل أن تصيبك, كنت أعتقد بأن المشوار قصير ولكن المفاجأة الكبرى أن المشوار يزداد صعوبة وطولا وبُعدا عن الواقع المُعاش وفي كل يوم صحتي تتدهور بدل أن تتحسن, فلم يبق موقعٌ في داخل جسمي وخارجه للحس وللشعور إلا وأصابته السهام أو الطلقات وليس في جسمي موقع للشعور إلا وأصابه ما أصابه من التلف, لقد كبرت جدا وتجاوزت سن الأربعين وأنا ما زلتُ طفلا صغيرا أبحثُ عن لعبة شيقةٍ ألعب فيها دون أن يأخذها مني أحد,وما زلت أبحث في وطني عن أصدقاء لطفاء وظرفاء مثلك أنتِ ونبيل.
كنتُ أعتقد بأن الوقت لن يتأخر أبدا كنتُ أراقب كل شيء من حولي وخصوصا ساعة اليد التي تشير إلى أن الليل قد أصبح في نهايته ولكن طال ليلي وطال وقوفي وطال انتظاري وطلُع في رأسي قرنين من كثرة انتظاري واكتشفتُ بأن الكل يكذب عليّ وبأن ساعة اليد أكبر كاذب لأن النهار لم يطلع بعد, وكنتُ أعتقد بأن السهرة ستكون عبارة عن أمسية رومانسية وبأن مشواري الثقافي عبارة عن سهرة وستنتهي بسرعة,كنت أعيش في أحلامي الطويلة وأحلامي القصيرة وكان الليل مدلهما جدا والظلام دامس والرياح شديدة والعواصف تقلع أظافر الذئب من الأرض والبرقُ يحرقُ الأرض من تحت أقدامي والقمر غائبا عني,حين بدأت مشواري يا أستاذ(نبيل)كنتُ أعتقد بأنني ذاهبُ في رحلة استجمام فلم أحمل معي إلا منديل أمي المبلل بالدموع,كان شكلي من البداية سياحيا جدا ويشجع الآخرين على زيارتي واليوم أصبح شكلي سياحيا أكثر من أي وقتٍ مضى والناس يأتون من الأماكن البعيدة ليقرءوا في وجهي أحزاني وآلامي وليتذوقوا طعم المتعة وهم ينظرون إلى هذا الكائن الذي أصبح مع طول المشوار عبارة عن فحمة محترقة وعبارة عن زجاجة مكسرة والشظايا تطايرت مني هنا وهناك وجرحت بعض المتطوعين الذين تطوعي للم الشظايا مثلك أنت يا (أميره), لم أكن أحسبُ يوما أن الآخرين يعيشوا بنعيمٍ دائم على حساب أخطائي وعثراتي كنت مزهوا بنفسي وأمشي مثل الطاووس وكنتُ أبتزُ الآخرين بثقافتي الملعونة والتي بسببها حلت عليّ اللعنة أينما ذهبت, كنتُ أحسب بأن الوقت لن يتأخر وسأعود قبل ولوج الفجر وقبل صياح الديك ولكن كما قالت أمي: أنت يا ولدي أحضرت الدب إلى كرمك المغرورق بالعسل الصافي,وأنا فعلا من نزع الحراشف عن جلده وأنا فعلا من تسبب لقلبه بالنزيف ولعيونه بالدموع, كنتُ أعتقد بأن الأمر كله عبارة عن واحد زائد واحد أو زائد أثنين ولكن الأرقام تراكمت وأصبحت المسألة بالملايين, كنت وما زلت أعتقد بأنني قوي جدا وبأن قدماي مصنوعتان من الفولاذ المحسن ولكن أثبتت حساسيتي بالتعب أنني مخلوق ضعيف جدا ومجنون فعلا وليس تمثيلا أو دعاية سياسية يطلقها أعدائي ضدي, فعلا أنا مجنون لأنني فكرت بتغيير العالم الشرقي وإعادة رسم الخريطة في منطقة الشرق الأوسط ولإعادة النظر في مفهوم الثقافة الشمولية, أنا فعلا مهووس ودفعني هوسي لأكون مجنونا جدا يريد للفراشات الجميلة والعصافير والأمهات الحنونات أن يحلقن بسماء الوطن في وسط أعمدت الدخان المتصاعدة, لقد فقدت كل شيء ولم يبقَ إلا العسل الذي يخرج من رأس لساني وهو رأس مالي المتبقي معي بعد دفع الحساب.. لقد طار النوم من عيني ولم أعد اليوم قادرا على النوم بسهولة وإنني أصبحتُ أتناول كثيرا من الحبوب المهدئة لكي تساعدني على النوم, لقد طلبت من البيئة المحيطة بي أن تساعدني على النوم ولكنها عجزت عن ذلك, عجزت زوجتي على أن تساعدني على النوم وعجزت أمي وعجز أولادي وجيراني وكل الذين أعرفهم , عجزوا كل هؤلاء بأن يساعدوني على النوم وتألمتُ كثيرا لهذا السبب وما زلت أطلب منهم قليلا من الصمت وأن يكفوا عن الثرثرة لكي أتعلم على النوم الهادئ في بيئة هادئة,أنا كل ما أريده هو أن أعود طفلا صغيرا يتعلم على الأكل من جديد وعلى الشرب من جديد وعلى النوم من جديد,فهل تستطيعين مساعدتي يا (أميره) هذا اليوم على النوم.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟