|
في اغتيال ثورة 14 تموز دروس ،فاتّعظوا ايها الحكام !!!
خليل الفخري
الحوار المتمدن-العدد: 3835 - 2012 / 8 / 30 - 20:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يحدث اليوم على الساحة العراقية من معاناة تلفّ بأوجاعها نسبة كبيرة من العراقيين أبناء بيوت الطين والصفيح ومن هم في العراء ، وما أصاب الوطن من خراب و دمار و تخلّف ، وما لحق البيئة و النخيل من عسف و حقد يعود في جوهر أسبابه الى يوم واحد ، حين اغتال الطغاة من فرسان العروبة و القوميين و السماسرة والتجار و رجال دين مرموقين فجر الرابع عشر من تموز ، فتوالت المصائب والنكبات تصبّ حممها على رؤوسنا دون تمييز . ان ما حدث يوم الرابع عشر من رمضان 1963 يكشف أحد القوانين الأنسانية والأخلاقية في العمل السياسي ، فهو تجربة كبرى تمنح الحكام فرصة الأعتماد على المقهورين والفقراء والمسحوقين ضحاياهم ، ضحايا سياستهم لا على الوزراء والمنتفعين و سارقي قوت الشعب من الحيتان الكبيرة ، وعلى سطوح المنازل لا على سطوح الدبابات ، لكن أغلب الحكام لا تمتدّ قوة الأبصار عندهم الى أكثر من لوحة الوظيفة أو المنصب وتحية الشرطي او البواب و عبارة ( نعم سيدي ) . على الحكام اليوم وكل المسؤولين من صنّاع القرار و كذلك البرلمانيين الأتعاظ بدروس ثورة 14 تموز و مسلسل النكبات و الهزّات التي نتجت عنها . كانت تجربة غنية كشفت للشعب و للعالم ضرورة الأنحياز للجماهير والأعتماد عليها عند كتابة التاريخ ، فالجماهير هي التي تهدم وتبني . هدم تركة الماضي بما فيه من عسف ومن جور ، وبناء المستقبل الذي يؤمّن الحماية لجيل الطفولة ، لا على جيل الأنتهازيين و سارقي رغيف الشعب و قوت يومه وابتسامة أطفاله . في ساعة اغتيال ثورة 14 تموز انفرط عقد الأنتهازيين و الوصوليين ومن اطلقوا على أنفسهم لقب ( القاسميين ) وكان الشعب بأغلبيته وفقرائه وجنوده وفلاّحيه ومن لا يملكون سوى الثوب الذي عليهم ولا شروى نقير مع الزعيم دون تردد .فلم يكن القاسميون أنصارا لعبد الكريم قاسم ، بل هم من الموالين له ، والفرق بين النصير والموالي خيط الدم والرصاصة التي تخترق الصدر او الرأس او القلب و موت تحت جنازير الدبابات ، و لهذا فأن مقارنة سريعة بين القاسميين و الشيوعيين الذين ألهبوا الشارع و سدّوا طرقات ومنافذ بغداد و مدن العراق الأخرى بأجسادهم في اللحظات الحاسمة والأخيرة لقاسم تكشف للعيان و بصدق عما يفعله الأنصار وما يحملون و يتحمّلون ، وما يتصرّف به الموالون في اللحظات الحاسمة الصعبة والحرجة في معركة .. أكون أو لا أكون . لقد انفض عقد القاسميين عن الزعيم في ساعة الحاجة اليهم . فلم يتحرّك مسؤول او وزير او قائد فرقة او عسكري او صحفي أو رئيس جمعية فلاحية . لقد هربوا جميعا واختفوا في بيوتهم وغرف نومهم و تذرّعوا انه يوم جمعة ، وهو عطلة رسمية ، وفي العطلة يتعطّل كل شيئ ، الشرف و الكرامة والمسؤولية والألتزام والأخلاق والدين وحق الدفاع عن الوطن وعن النفس ، وعن المنجزات التي غيّرت نمط حياة الناس لما هو أفضل . بينما نزل الشيوعيون وقود الثورة وماكنتها الى الشارع بهراواتهم وما وقعت عليه ايديهم في بيوتهم الخالية من كل شيئ سوى الفقر نزلوا بالأغاني والأناشيد انتصارا لقاسم و بيد كل واحد منهم بيان الحزب الصادر صبيحة يوم 8 شباط الأسود !!!( ... ان مكتسبات الثورة أمام خطر مؤكد أيها الرفاق ...) . لم يدافع عن قاسم وزراؤه ، بل سجناؤه ضحايا المجالس العرفية ، ضحايا شمس الدين عبد الله و نافع بطّه و عيد الرزاق الجدّه . ولم يمت من اجله قادة الفرق والوزراء بل عمال الشيخ عمر و فقراء خلف السدّة ، والمسحوقون فقراء مدينة الثورة ، مدينة الصدر حاليا لأجلهم تخفيفا لمعاناتهم ووزّعها مجانا عليهم ، وكل احياء بغداد الفقيرة ، شارع الكفاح و الشيخ معروف و الكاظميه . لقد استسلم العسكريون لبنادق صدئة كانت مع الأنقلابيين بينما تصدّى حي الأكراد لدبابات الجيش فقتل دفاعا عن عبد الكريم قاسم من حي الأكراد وحده اكثر مما قتل من رجال الحكومة والمحافظين و الوزراء ورجال الشرطة والأمن اضعافا مضاعفة , لم يدافع الأنتهازيون و القاسميون من رجال الحكومة عن الزعيم لشعورهم أنه سيفقد الحكومة ، و دافع الحفاة و العراة والعمال والطلاب لشعورهم أنه سيفقد الثورة ، وبهذا الفقدان سيضيع كل شيئ وأن الخسارة ستلحق الجميع . بارك علماء النجف وعلى رأسهم السيد محسن الحكيم مؤامرة 8 شباط مباركة مطلقة وقد مهّد لها بفتاوى ( الشيوعية كفر و الحاد ) ، وعدم التعامل مع القصاب الذي يبيع اللحم اذا كان شيوعيا و بائع الخضار كذلك . فكانت تلك الفتاوى انعطافا حادا وواضحا في مجرى الأحداث . اذ أخذ القوميون يتبنون الفتوى و يعلقون صور الحكيم على واجهات المحلات و في الشوارع لا ايمانا والتزاما بموقفه الشرعي و انما للأختفاء وراءه الى حين وهذا ما حدث , وصل عبد الكريم قاسم الى قيادة العراق عن طريق ثورة وطنية تقدمية ، خطط لها و حمل اسرارها في ضميره و وجدانه وقام بتفجيرها بناء على موعدة مع نفسه . فهو لم يصل الى السلطة عبر المساومات و الأنقلاب على الشرعية كما حدث لدينا في الأنتخابات البرلمانية الأخيرة و التآمر او عبر طرق انتهازية و ميكافيلية ، او دبابة انكليزية او امريكية ، كما لم يكن بائع خواتم نكرة على أرصفة منآكلة في السيدة زينب فيصاب بسبب ذلك بالغرور ، لأن عقلية كهذه لا تحتمل موقعا سلطويا تحت قيادته اكثر من 30 مليونا من البشر . كان عبد الكريم قاسم برتبة عميد ركن مرشحا لآمر لواء ركن ، وهي رتبة يسمى حاملها في العرف العسكري داخل المؤسسة العسكرية ( باشا )وكان في سن النضوج الكامل بعد الأربعين حين استلم قيادة البلد . وكان قد دخل عددا من الدورات الأكاديمية خارج العراق . وكان من ىالممكن ان يصطنع لنفسه طقوسا برجوازية خاصة كما يفعل حكام اليوم لكن ذلك لم يحدث . فلم تكن له منطقة خضراء او بيضاء يتحصّن بها بعيدا عن الشعب الذي احبه و كان يستمع الى أنينه و شكواه حتى اللحظات الأخيرة من حياته ، فكانت كلمته الأخيرة قبل رشّه بالرصاص ( لا اخاف الموت ، لكن من لهذا الشعب بعدي ؟؟؟ أي عشق كان يحمله هذا الرجل بين جنبيه لهذا الشعب الذي يعذب اليوم و تستباح حرمته ؟ و أي حب لم يضق به صدره؟ كان صوفيا ، ناكرا لذاته عصاميا ، بموته رحل الفرح عنا و غادرنا الخير ، فقدناه ولم نرع حقه .كما لم تكن للرجل عادة غدائية يعرف بها ، فقد ظلّ سائقه ينتظر أمام دار اخيه حامد حتى تجهّز أم عدنان غداء الزعيم . ان اغتيال ثورة 14 تموز صرخة بوجه الحكام ، كل الحكام الذين يتنكرون لشعوبهم وينكرون دورها في كتابة التاريخ و يبتعدون عنها فراسخ و يحيطون أنفسهم بجدار من العزلة كجدار العزلة الفلسطيني الأسرائيلي ، وذلك قصور في الرؤيا ، ظنا منهم ان حكمهم سوف يدوم ، وان الأعتماد على الذيول و بطانة تلهم من السحت ما تلهم اكثر ضمانة من شعوبهم . اذا كانت الرؤى هكذا كما يتصورون ، اذن فليسقط التاريخ .!!! الناصرية - خليل الفخري
#خليل_الفخري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجريف بساتين النخيل في كربلاء: اغتيال للبيئة والأنسان ..!!!
-
بلا عنوان ... !!!
-
سقوط الأحزاب الدينية سبب الأزمات رهن بيد الناخب ليس غير !!
-
ثورة 14 تموز ألق في عيون الشعب وعمى بعيون الحكام
-
وهب الأمير بما لا يملك !!!!!
-
عبد الكريم قاسم , حرر العراق فأطلقنا الرصاص على صدره .
-
وزيرة المرأة: رجل في ثياب امرأة!!!
-
أيّةُ ثقافة نريد ؟؟؟
-
كفى نقيقاً ايها الضفادع !!!
-
تراجيدية جسر الناصرية الخشبي
-
المقاومة ...! لا الحداد
-
لكي لا نحرث في البحر .!
-
لم يعد التاريخ مطيّة نركبها !!!
-
أيها الجهلةُ والاميون ! أعيدوا للعراق وجهه الحضاري
-
الشهيد عبدالكريم قاسم حضور دائم في الذاكرة وفي الضمير
-
العراق في ظل حكومتي المالكي وعبدالكريم قاسم
-
ولاية الفقيه , الوجهُ الاخرُ للاوتوقراطية !
-
الحصاد المرّ
-
العراق . طواحين الأزمات ما زالت تدور !
-
الرهان الخاسر، مَن يلوم مَن !!!
المزيد.....
-
شاهد.. رئيسة المكسيك تكشف تفاصيل مكالمتها مع ترامب التي أدت
...
-
-لم يتبق لها سوى أيام معدودة للعيش-.. رضيعة نٌقلت من غزة لتل
...
-
وزير الخارجية الأمريكي يتولى إدارة وكالة التنمية الدولية، وت
...
-
شهادات مرضى تناولوا عقار باركنسون -ريكويب-: هوس جنسي وإدمان
...
-
شاهد: الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع يؤدي مناسك العمرة ف
...
-
باريس تُسلِّم آخر قاعدة عسكرية لها في تشاد.. هل ولّى عصر -إف
...
-
أول رئيس ألماني يزور السعودية: بن سلمان يستقبل شتاينماير
-
لماذا تخشى إسرائيل تسليح الجيش المصري؟
-
-فايننشال تايمز-: بريطانيا تستعد للرد على الولايات المتحدة إ
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يصدر بيانا إثر مغادرته السعودية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|