سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3803 - 2012 / 7 / 29 - 09:10
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
القراءة وسيلة أساسية تحتل مكان الصدارة لإثراء المعرفة وبناء الصروح الثقافية ، بها تصبح العلاقة بالعالم المحيط أكثر عمقا ،بها تنتشر الثقافة بشتى مجالاتها ، وتعمم التجارب ، وتتجلى رحابة الحياة واتساعها … بالقراءة يشكل الانسان افكاره وسلوكه ، ويفتح ذهنه على كل ما يستجد في مجالات العلوم والاداب والفنون المختلفة ، مما يزيد من قدرته على التعبير والتفسير والتفكير ، وعلى بناء شخصية سليمة مستقلة فعالة … كما يمكن بالقراءة إخصاب نتاجات العلماء والادباء والشعراء بافكار وخبرات مختلفة تنعكس بدورها على جعل نتاجاتهم أرقى وأنضج .
القراءة تدفع الانسان الى مزيد من الثقافة ، والى مزيد من التنوير ، تعطيه الثقافة جزءا من سحرها ...تجعله يتحدث كلاما مفيدا ، ويكتب في مواضيع تثير في الاخرين حب المعرفة ، واحترام المبادئ الجوهرية في الحياة اكثر من تقدير المبادئ الشكلية والافكار الضيقة المحدودة البعيدة عن الوعي وروح العصر .
لهذا يصح القول أن الذي لا يقرأ يدير وجهه للثقافة والفكر ولكل ما يستجد في العالم المحيط ، يحكم على نفسه بالنفي والاستسلام داخل صومعة معزولة عن كل ما يجري حوله ، حتى و بعيدة عن الوجود الحقيقي للانسان … يبقى فيها طيلة عمره بدون نافذة على رحابة العالم ، وعلى الثقافة الانسانية التي تتواصل فيها مستجداتها المتلاحقة في كل لحظة يوما بعد يوم ... تتزايد بتراكمات هائلةتؤثر تأثيرا حاسما على كل مجريات الحياة .
ويصح القول ايضا أن الذي لا يقرأ يسير في الدنيا بمصباح لا يضيء ، لا يرى ما حوله رؤية صحيحة … يدرك حقائق الحياة ببساطة وسذاجة . ويتشبث بالتقاليد والافكار التقليدية البالية ، ويصعب عليه بناء مستقبل أفضل يحمل مفهوما جديدا للحياة .
لن أطيل في هذه المقدمة … أختصر لأقول أن ثمة اجماع مفاده ان العرب لا يقرأون ومن السخف أن لا نعترف بهذه الحقيقة المُرة ، نعم نحن لا نقرأ … ثمة دراسات وتقارير كثيرة اهتمت بهذه الظاهرة ، منها من تطرق لها بحذر شديد ، ومنها من بحثها باسلوب نقدي علمي مباشر ، وتوصل الى نتائج رقمية مخجلة ، تبين واقع عربي مؤلم في مجال القراءة والثقافة واكتساب المعرفة في كل الدول العربية بدون استثناء ، واهم التقارير التي تستحق الذكر في هذا السياق تقارير التنمية الانسانية العربية التي أصدرها البرنامج الانمائي للامم المتحدة واعدها نخبة من الخبراء عرب ، وذلك لأنها أجادت تحليل ودراسة الجوانب المختلفة لظاهرة عدم القراءة عند العرب من كل جوانبها ، وتمكنت من فتح الأذهان على ما بتصل بهامن تفاعلات ثقافية وتعليمية بما في ذلك من تردي في أنظمة التعليم وتزايد غير مقبول في تزايد معدلات الامية .
من تلك التقارير نتبين ضعف إنتاج الكتب في الدول العربية ،" إذ لا يتجاوز عدد الكتب المنتجة 1.1 % من الانتاج العالمي ، رغم ان العرب يشكلون نحو 5 % من سكان العالم ، ولايتجاوز عدد الكتب الادبية والفنية 0.8 من الانتاج العالمي ، وهو أقل مما تنتجه دولة مثل تركيا التي لا يتعدى سكانها ربع سكان الدول د العربية "، ويبين في هذا الشان التفرير العربي الاول للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي ، بان نصيب المواطن العربي من اصدارات الكتب يساوي 4 % من نصيب المواطن الانجليزي ، و5 % من نصيب المواطن الاسباني ، و هذه الحالة الكارثية تدلنا على ارقام اخرى مخجلة مفادها انه يتوفر كتاب واحد لكل 12 الف عربي ، بينما يتوفر كتاب واحد لكل 500 انجليزي ،وأن معدل قراءة العربي لا يزيد عن 4 % من قراءة الانجليزي ، ما يعني ان القراءة عند العربي اّخذة في الاضمحلال والتداعي لان ثمة مصدادر كثيرة تبين انه لا يقرأ بالمتوسط اكثر من ربع صفحة في السنة بينما يقرأ الاوروبي 35 كتابا ، ويبلغ المعدل العالمي السنوي للقراءة اربعة كتب … كما انه حسب تقاريركثيرة لا تزيد المدة الزمنية التي يقرأ فيها العربي عن ست دقائق في السنة يخصص اغلبها لقراءة الكتب الدينية .
وعلى أي حال فإن مسألة عدم القراءة عند العرب لا تقف عند حد هذه الارقام الغريبة فحسب ، إذ تتسع هذه الظاهرة وتشمل حقائق اخرى مؤلمة تتصل بمشاكل كثيرة معقدة صعبة في مجال اكتساب المعرفة، تحتل فيها مشاكل التعليم مركز الصدارة ، والأمثلة في هذا المجال تفوق الحصر ، تؤكد على تخلف التعليم في الدول العربية بالمقارنة بالمناطق الاخرى في العالم ، ويمكن تفسير هذا التخلف بأمثلة وأدلة كثيرة ، منه الاعتماد على أساليب تعليمية تقليدية قائمة على الحفظ والتلقين وجمود المناهج ، لا تسمح للفكر او التساؤل ، و لا تعطي اهمية للابداع ، كما لا تهتم بصقل شخصيية الطالب واكسابه المعرفة التي يحتاجها في زمنه المعاصر .
ومن الحقائق الخالية من اي مغالاة في هذا الجانب تدني نوعية وجودة التعليم المتاح في الدول العربية ،اضافة الى عدم انخراط اعداد كبيرة من الاولاد في سلك التعليم ، نحو 40 % ممن تتراوح اعمارهم بين السادسة والخامسة عشرة، وكذلك إنخفاض نسب الالتحاق بالمراحل العليا من التعليم النظامي مقارنة بالدول المتقدمة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر يلاحظ تدني معدلات القيد في التعليم الجامعي العربي حتى في أعلاها ، حيث يلاحظ ان أعلى معدل لا يتجاوز 30 % ، مقارنة بمعدل 80 % في كندا ، و70 % في الولايات المتحدة ، و70 % في كوريا الجنوبية.
وهناك أدلة أخرى كثيرة تعكس تواضع إنجاز التعليم في الدول العربية ، منها ارتفاع معدل الامية حتى الان ، وتشير احدث البيانات المتاحة في تقارير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) الى ان نسبة الامية بين البالغين (15 سنة فما فوق ) قد بلغت في عام 2008 نحو 30 % ، وهي بذلك تفوق مثيلاتها في جميع اقاليم العالم ، باستثناء اقليمي جنوب اسيا وافريقيا جنوب الصحراء حيث بلغت في كل منهما 38 % .
وبهذا بلغ عدد الاميين العرب لدى الفئات العمرية التي تزيد عن 15 عاما قرابة 100 مليون نسمة (ضعف ما كانت عليه الامية في عام 1950) 75 مليونا منهم تتراوح اعمارهم بين15 و45 عاما ، ويترتب على هذه الارقام نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة ، كما تعبر عن فجوة بنيوية عميقة تؤثر على تطور المجتمع العربي ، خاصة وان معدل الامية يزيد بين النساء ، وان قرابة نصفهن من الاميات ، وهذه النسبة أعلى من معدل الدول النامية البالغ 23 %.
ويتبن في ضوء كل هذا ، أن هناك حاجة ماسة الى إجراء مراجعة جذرية لكل ما يتعلق باكتساب المعرفة في الدول العربية ، على مستوى المؤسسات والسياسات ، وخاصة في مجال الاسس والنظم التي يقوم عليها نظام التعليم في كل المراحل الدراسية من الابتدائي حتى الجامعي ، وذلك بهدف تطوير المناهج والمقررات الدراسية وطرق التدريس ، بتوفير مناهج عصرية تحفز على البحث و تطوير مهارات الحوار والبحث والقراءة والمطالعة الحرة خارج نطاق المقررات المدرسية ، بما يتلائم وعصر تطور المعرفة وانتشار الحاسوب وتقانة المعلومات .
كما لابد لحل مشاكل القراءة لدى الكبار من اهتمام وزارات الثقافة في الدول العربية باقامة المكتبات العامة ، وتوزيع الكتب باسعارمخفضة ، واعتماد برامج ترويجية لتشجيع القراءة المكتوبة ، كوسيلة اساسية للتوعية والمعرفة وزيادة المخزون الثقافي ، وادراك الأمور وفهمها على أفضل ما يكون .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟