ابتهال محمود
الحوار المتمدن-العدد: 3799 - 2012 / 7 / 25 - 00:48
المحور:
كتابات ساخرة
خلال الأعوام الأربعة و العشرين التي قضيتها في العيش في بلاد بني يعرب، تردد على مسمعي بشكل شبه يومي ما مفاده بأن كل ما يعاني منه المواطن العربي من ظلم و استبداد و قهر، و أن الحالة التي يعيشها المجتمع العربي من الهمجية و التخلف، ما هي إلا نتيجة لغياب حكم الشريعة الإسلامية، و لأن الحكّام لا يحكمون بما أنزل الله، و لا يقيمون وزناً لشريعته، و أنهم لو طبقوها لتغير حال الأمة و ازدهرت، و لتلاشت جميع مظاهر الظلم و الفساد في البلاد.
و كان جل اهتمام هؤلاء ينصبّ في حال المرأة العربية، فالسبب الرئيسي في نظرهم لتخلفنا و فسادنا هو المرأة، و خروجها من المنزل و سفورها، مما ساهم في انتشار الزنا و انشغال الشباب بمطاردة الفتيات بدلاً من الاهتمام في تطوير البلاد. و أما قوانين الشريعة التي أرادوا تطبيقها فهي تتعلّق بحجاب المرأة و منع الاختلاط و منع المرأة من الخروج من المنزل. فتبّاً لهؤلاء الحكّام الذين لا يصدرون قوانينا تمنع السفور و الاختلاط و تأمر بتطبيق حد الجَلد و الرّجم على كل من تخالف ذلك.
و لم أستغرب أبداً ردّ فعل الكثير من المتدينين عندما صعد طالبان إلى السلطة في أواخر التسعينات، و أصدر قرارات بمنع النساء من الخروج و إلزامهن بالنقاب الأفغاني و إجبار الرجال على إطلاق اللحى و ما إلى ذلك من القوانين الإسلامية. لقد فرح المتديّنون جداً لرؤية مثل هذا النموذج على أرض الواقع، فهذا ما كانوا يحلمون برؤيته في مجتمعاتهم. و أخيراً، نظام إسلامي يطبّق شرع الله و يجبر النساء على ملازمة بيوتهن و يمنع خروجهن إلا متنقّبات.
لا أحد ينكر فساد الأنظمة العربية و عدم صلاحيتها لقيادة الشعوب، و لا يخفى على أحد بأنها أنظمة ديكتاتورية لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان و لا تضمن للمواطنين حقهم في العيش الكريم. لقد أطالت هذه الأنظمة بقاءها في السلطة بعد انتهاء مدة صلاحيتها بكثير.
و كان من الطبيعي أن تثور الشعوب على الأنظمة الديكتاتورية و لو بعد حين، و أن تطالب بحقوقها من الديمقراطية و الحرية و العدالة الاجتماعية، و هكذا كان، فقد قامت الثورات في بلادنا العربية و أسقط الشعب النظام الحاكم في كثيرٍ من البلدان العربية.
كم كنت سعيدةً لرؤية الشعب ينادي لصوته بأن يسمع أخيراً، و لكن حدث ما كنت أخشاه، و ارتمت الشعوب في أحضان الإسلاميين. لم تكن تلك مفاجأة بالنسبة لي، فكما قلت سابقاً، كان الشعب يحلم بدولة تقيم الشريعة الإسلامية، لأنها في نظرهم الطريقة المثلى لضمان حقوق الشعوب و إقامة العدل بين الناس. كيف لا و هي شريعة خالقهم و كلمة نبيهم؟ و الآن و بعد أن سقطت الأنظمة السابقة، فقد حانت اللحظة المثالية لبناء اليوتوبيا الإسلامية، الدولة المثالية التي ستجتثّ الفساد من جذوره، و ذلك بالتشديد على عفة المرأة التي هي أساس مشاكل المجتمعات العربية، كما سبق الذكر.
و أنشِئت الأنظمة الجديدة بأغلبية إسلامية، و ها هي دول مثل السودان و الصومال و ليبيا و تونس و مصر تتبنى حكم الشريعة الإسلامية. فماذا حصل؟
كانت النتيجة هرج و مرج، و حروب طائفية، و قوانين همجية، و انعدام للأمن و الاستقرار، و اعتداء على الحقوق المدنية للمواطنين، و تطبيق لأحكام الجلد و الرجم – خصوصا بحق النساء – و إنشاء هيئات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لملاحقة كل من تسول لها نفسها بالخروج من منزلها برفقة رجل أيّاً كان، حتى قريبها أو خطيبها. بل وحدث ما هو أفظع من ذلك، فنحن الآن في طريقنا للعودة إلى عصور ملك اليمين و الجواري. إنها الشريعة السمحة التي تريد التيسير على الرجال في إشباع رغباتهم الجنسية بالحلال، حتى يتفرّغوا بعد ذلك لبناء هذه الأمّة من جديد، بينما تقبع النساء في بيوتهن مؤديات لدورهن الوحيد و الأهم في هذه الحياة، ألا وهو الترفيه عن الرجل و إمتاعه جنسياً.
و خرج علينا بعض هؤلاء الإسلاميين للمناداة بإلغاء قوانين التحرش الجنسي. بالطبع، فكل المسؤولية تقع على كاهل المرأة لأنها هي التي اختارت الخروج من منزلها و لم تلتزم بالزي الإسلامي، فعليها أن تدفع ثمن هذا السفور الذي يتمثل في معظم الأحيان بكشف الوجه و الكفين.
و نادى آخرون برفع الحظر عن ختان الإناث، لأنه من السنة النبوية "المطهّرة"، و هو ضمان لعفة المرأة و امتناعها عن "الرذيلة".
و إنني لأتساءل، ما مدى التغيير و "التطور" الذي ستجنيه الأمة العربية من هذه "الإصلاحات" الفريدة من نوعها، و المنحصرة في المرأة و الجنس؟ ما الذي يمكن أن نجنيه من رجال يرفضون تحمّل مسؤولية فشلهم الذريع و يلقون باللوم كلّه على كاهل المرأة؟ فما زادهم الإحساس بالنقص و الضعف إلا بطشاً و جبروتاً و همجيةً و تخلفاً.
#ابتهال_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟