جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3761 - 2012 / 6 / 17 - 19:51
المحور:
كتابات ساخرة
يرحمها الله...كانت مثلاً أعلى في الأدب والأخلاق وفي التعامل بين الناس...كانت لغة أهل الجنة وأهل النار....ولكنها اليوم لم تعد لغة أي أحد ...لأنها قد ماتت ويجب أن نصدق هذا الخبر..ولم تمت نتيجة حادث سير أو نتيجة الغدر بها,بل ماتت لأن عمرها قد انتهى وأجلها قد انتهى ولم يعد لها بيننا شربة ماء أو ذرة أُوكسجين,وإن إكرام الميت دفنه فهيا بنا لنتعاون على دفنها..بعض الناس يموتون دون أن نشعر بذلك إلا متأخرا ونؤمن بأن الموت لا محالة منه ونستسلم للأمر الواقع ونقول :خلص انتهى أجلهم وبعض الناس حين يبلغون السبعين من العمر أو أكثر من ذلك نقول عنهم:لماذا لم يموتوا؟إلا اللغة العربية الفصحى التي عاشت كثيرا علما أنها مثل الأشجار تموتُ وهي واقفة..,واللغات كلها تموتُ كما يموت الناس والكائنات الحية ولكن اللغة العربية الفصحى هي الخبر الوحيد الذي لا يريدُ العربُ تصديقه إطلاقا.
وأنا أعترفُ أحيانا بأنني أخطئ حين أتكلم بالعربية الفصحى مع أمي أو أي فرد من أفراد عائلتنا ويظنني الجميع بأنني أسخر(أتهبل) منهم عندها أعتذر لهم وأعود للتحدث باللغة العامية أو باللهجة العامية عندها فقط يشعرون بأنني ما زلتُ أحترمهم جميعا من الألف إلى الياء وأقول لهم في النهاية بأن اللغة العربية الفصحى قد ماتت...وخلص..بح..انتهت...توفاها الله...الله يرحمها هي وكل اللغات الميتة والفاتحة على روحها الطاهرة...هيا بنا جميعاً نقرأ الفاتحة على روح اللغة العربية الفصحى...,وبإمكانك يا عزيزي القارئ أن تجرب هذا بنفسك وأن تقوم الآن من مكانك لتطلب من زوجتك فنجانا من القهوة على جناح السرعة وباللغة العربية الفصحى وأن تنظر إلى وجه زوجتك لتعرف بأن عليه علامات الاستغراب من عدم احترامك لها,ولكن حين تعود للهجة العامية فإنها فورا ستتأكد بأنك ما زلت تحترمها وتحبها.
والغريب في الموضوع أن هؤلاء الذين يظنون بأنني أسخر منهم حين أكلمهم بالفصحى ينفرون من مقاعدهم نفيرا إذا قلت لهم يجب أن نكتب كل شيء باللغة أو باللهجة العامية...هيا بنا جميعاً نحتفل بولادة لغةٍ جديدةٍ وعصرية مبتكرة...هيا بنا نحتفل بالعام الأول لذكرى ميلاد لغتنا الجديدة...,ويجب أن ينسى طلاب المدارس اللغة العربية الفصحى لأنها اليوم أصبحت في طي النسيان.
حسناً...إذا ما ذا لو غنى كل المطربين باللغة العربية الفصحى؟من الطبيعي أن المستمع سيظن بأن المطربين يسخرون منهم إلا في بعض القصائد فهنالك بعض الأغاني بالفصحى ولكنها من ناحية الكم والكيف قليلة جدا ونادرة والأغنية باللهجة العامية هي الأكثرُ شهرةً على الإطلاق,والمسلسلات والأفلام السينمائية والتلفزيونية هي الوحيدة التي نشاهدها ونستمعُ إليها باللهجة العامية ما عدى أفلام ومسلسلات التراث,أما بالنسبة للمسلسلات الحديثة فسوف نظن بأن الممثلين يسخرون منا حين نسمع لهم سيناريو حوار باللغة العربية الفصحى..على كل الميت لا تجوز عليه إلا الرحمة فرحمة الله عليها.
ولو دخلتُ أنا أو أنت متجرا للبيع مهما كانت المادة التي يبيعها صاحبها وتكلمت وتناقشت مع صاحب المتجر باللغة العربية الفصحى أو بلغة القرآن بالتحديد لظن البائع بأنني أسخرُ منه مع أنه سيموت دفاعا عن اللغة العربية الفصحى حين تقول له بأنها ماتت.
ولو تناقشت مع أستاذ جامعي مهما كان اختصاصه باللغة العربية الفصحى لظن بأنني أيضا أسخرُ منه.
حتى أساتذة النحو واللغة العربية الفصحى واللسانيات لو دخلت في نقاشٍ مع أي واحدٍ منهم باللغة العربية الفصحى لظن بأنني أسخر منه.
ولو ناقشني أي شخص آخر باللغة العربية الفصحى لظننتُ بأنه يسخر مني.
هذه حقيقة ثابتةٌ علميا ولا مجال لدحضها.
ولو شاهدنا على التلفزيون دعاية عن ماركة تجارية جديدة باللغة العربية الفصحى لظننا فورا بأن التلفزيون يسخر منا.
حتى أساتذة النحو أثناء المحاضرة يتكلمون باللغة العامية على الأغلب,وفي الشارع العام كل الناس تتكلم باللغة العامية,ولكن إذا قلنا لهؤلاء بأنكم تعترفون بأن اللغة العربية الفصحى قد توفاها الله واستبدلها باللغة العامية ومن الضروري أن نكتب ونقرأ بالعامية لثارت ثائرة الناس ولهاجوا وماجوا واتهمونا بالجنون وبالكفر وبالعمالة للدول الأجنبية وبالصهيونية وبالماسونية,ولكن سبحان الله وسبحان الرب وسبحان يهوى يشعر هؤلاء الناس بأنك تسخر منهم حين تتكلم معهم باللغة العربية الفصحى.
لماذا تتكلم الناس باللغة العامية في كل الميادين وبنفس الوقت يسحبون خناجرهم وأسلحتهم تتمددُ أمام أعينهم وأعيننا إذا قلنا لهم بأن اللغة العربية الفصحى قد نسيها الله ولم يعد يذكرُ منها شيئا؟وبأن لغة العلم اليوم هي اللغة الإنكليزية؟.
استغرب جدا حين أشاهد برنامجا تلفزيونيا لمتحدث يدعو لضرورة المحافظة على العربية الفصحى وبنفس الوقت يتخلل كلامه جملا كثيرة باللغة العامية!! وبعض أساتذة النحو حين ينهون محاضرتهم ويلحق بهم الطلاب إلى مكاتبهم تجدهم جميعا يتحدثون باللغة العامية مع غالبية الطلاب.
ولماذا الآن سيعترض على مقالي هذا أناسٌ كثر مدافعون عن اللغة العربية الفصحى وبنفس الوقت تتخلل عدة جمل عامية في مداخلاتهم وتعليقاتهم, وتخيلوا معي شيوخ المساجد وهم يحاضرون محاضرات دينية عن القرآن والحديث والسنة وبنفس الوقت في كثيرٍ من الوقائع لا يستطيعَ أي واحدٍ منهم أن يعبر تعبيرا دقيقا عن الذي يجول في خاطره إلا حين يستعمل الجُمل والكلمات العامية,وفي الفضائيات أستمع لها أحيانا بكثرة فأجد المحاضر لا يستطيع التعبير عن الذي بداخله إلا إذا تكلم بكلمات وبجمل عامية وأمثال شعبية باللهجة العامية.
وكل أولئك لو تحدثنا معهم بالعربية الفصحى لظنوا بأننا نسخر منهم,وكل أولئك يدعون للعربية الفصحى ويعتبرون اللغة العامية لهجةً وليست لغةً.
وبالمناسبة العرب قبل الإسلام وبعده لم يكن أحدٌ منهم يعرف اللغة العربية الفصحى ولا حتى القرآن نفسه كان يعرفها والمعلقات العشر أو السبع كُتبتْ ودونت بعد تاريخها ب200 سنة على الأقل, لقد كانت هنالك قبائل تنصب الفاعل وترفع المفعول ولم يكن هنالك أي قاعدة لغوية ثابتة وإنما كل ذلك حدث صدفة حين اجتهد ذلك بعض النحويين اجتهاداً, وبإمكان القارئ إن يرجع لمقالي المعنون ب(الأخطاء الإملائية في الرسائل النبوية) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=18479والحديث يطول لا أريد هنا الدخول في قضية الشعر الجاهلي أو قضاياه الست المتعارف عليها...وإلى لقاءٍ آخر.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟