|
رغم أنف الارهاب
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1098 - 2005 / 2 / 3 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لن يكون 30/1/2005م عيداً وطنياً ويوماً تاريخياً للعراق وحده ، بل لجميع عشاق الحرية في العالم ، ولاسيما أولئك المبتلين بأنظمة شمولية استبدادية أكل الزمان عليها وسلح . ولمن يقرأ بعين صاحية وفكر نقدي وروح متحضرة أي ينشد الحرية لغيره كما لنفسه ويعتبر أن حرية الرأي الآخر والمختلف بوجه خاص هو دعم لحريته في التعبير عن رأيه هو بالذات ، أقول لأمثال هؤلاء يهيئ المستقبل بيته ونفسه ، وتعد الحضارة ذاتها ومعطياتها ، رغم أنف الإرهاب وقوى الظلام والعقائد البائدة على اختلاف أسمائها وادعاءاتها . لأول مرة في تاريخ هذه المنطقة الكئيبة والمقهورة بالحذاء العسكري تارة وبالإرهاب الديني وغير الديني طوراً ، تجري مثل هذه الانتخابات ويصدر عن الجهات الرسمية أن نسبة المنتخبين من مجموع المسجلين هي 72 بالمائة وليست 99.99 بالمائة وأن المنطقة الفلانية اقترعت أكثر من المنطقة الفلانية وإلخ من الحقائق الميدانية التي نقلها صحفيون ومراسلون حياديون وربما لبعضهم آراء مخالفة أو مختلفة أو أنهم متحفظون إلى هذه الدرجة أو تلك على العملية الانتخابية برمتها لكن الوقائع أشياء عنيدة ، حتى في وجه أكاذيب الجزيرة أو أرخبيل الزرقاويين واحتياطاته الكثيرة والمتعددة. لقد أعلن الظلامي الزرقاوي أنه سيفجر العرس ، وهذا أمر طبيعي وهل له مهمة ولأمثاله سوى قتل الفرح وإطفاء الأنوار وتخريب الزينات ونشر المآسي والموت ؟ إنه وصف دقيق فهو عرس العراق عرس غير العراق أيضا ولكنه أيضا مأتم الإرهاب وقبره وهو بشارة للناظرين نحو النجوم ونذير لقوى الاستبداد والظلام وخفافيش الإرهاب التي تفر من النور فرار الجعل من العطر. الشعب العراقي العظيم الذي مضى بقوة واندفاع بؤرتهما عشقه للحرية وما اختزنته أعماقه الواعية واللاواعية من نتائج حرمانه منها عبر عقود من الإرهاب والقمع والإلغاء الدموي لإنسانيته وكرامته وحتى لوجوده ، أعطى هذا اليوم حقه وكان جديرا به ، وليس ما قام به تسديدا عن استحقاقاته المهدورة ماضيا إنما تعبير صارخ عن الموقف مما يجري الآن ، فها هو صدام وزمرته بحجمهم الحقيقي ، بثيابهم الداخلية بلا أسلحة ولا نياشين ولا كلاب حراسة ولا غازات خردل أو غيره من سموم حيث كانت تلك أدوات الموت والإرهاب هي قوتهم الوحيدة ، وهاهم من الماضي ، لكن الشعب العراقي العظيم اليوم يسدد الصفعة لبقاياهم من زمر الإرهاب المدعومة إقليميا وعالميا من جهات معروفة ومجهولة تحت يافطات بات الشعب العراقي يعرفها جيدا. لا تحتاج المسألة إلى ذكاء خارق لمعرفة كم تخشى أنظمة الاستبداد أي تحول ديمقراطي ولو كان يبعد عنها آلاف العقد البحرية بل حتى الضوئية ، ودائما حكمتها الأثيرة الوقاية خير من العلاج ، وهي تتكاتف وتتحالف ولا تدخر وسيلة لإطفاء العرس، ولكن يبدو أن نجاحاتها فقدت الأسس المادية محليا وعالميا وبدأت طلائع هزيمتها بالصعود ، وسواء اعترفت بالوقائع الجديدة أو أبت الاعتراف فإن الواقع يقول بلسان فصيح إن العراق أقام عرسه وسيتابعه ولا عسل من دون إبر النحل . لقد دفع العالم المتحضر أثمانا باهظة من أجل عرسه الديمقراطي ، في المصانع عملوا حتى الموت وفي المزارع عرقوا حتى الاضمحلال وفي المدارس والجامعات درسوا وبحثوا وجربوا وتناقشوا وابتكروا وتظاهروا ، وكتبوا وحدّثوا أنفسهم وقوانينهم ومجتمعاتهم ، وخاضوا وتحملوا أهوال و مخاطر حروب أهلية وكونية ولم تنتصر الديمقراطية إلا بعد أن شبعت كل ساعة وكل ذرة تراب من دم وعرق الأجيال السابقة لتتابع الأجيال اللاحقة المسيرة الحضارية المستمرة رغم أنف النازية المدحورة والفاشية المقبورة وسائر الأنظمة الاستثنائية المعيقة للتطور الإنساني والحضاري ، وحتى الآن ما تزال الديمقراطية حتى في أعرق بلدانها تنمو وتزدهر وهي تتطور مادام الإنسان يتطور . أما بالنسبة للعراق فهذه هي الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل ولا يحق لمن لم يضع قدمه على الدرب أن ينبس بحرف واحد ، فالعراقيون ـ وربما لأول مرة أتمنى أن أكون عراقيا مع أنني أشعر اليوم أن انتصار العراق هو انتصاري الوطني والشخصي وأنني عراقي في الصميم ـ هم الأدرى بشعابهم بأنفسهم بمستقبلهم والعبيد لا يحق لهم إرشاد الأحرار وبالذات إلى الحرية ، إننا نتعلم الآن وبفخر ممن دفعوا وعبر أجيال ومازالوا ينزفون من دمهم ثمن عرسهم الآن. لن يتكتف ولن يتكيف أعداء الحرية مع وإزاء هذه المأثرة العظيمة وسيرسلون آلاف الزرقاويين أنياباً والسوداويين قلوباً وأفكاراً ومن كل الأشكال والألوان من مسوخ الحياة لإخماد المنارة التي يخشون وصول ضوئها إلى مضاربهم، ولكن فات الأوان كما أعتقد واليقظة العراقية لن تعود إلى النوم ، لقد تجاوزت نقطة الرجوع ولن تعود القهقرى وعلى كل عشاق الحرية أن يمدوها بالعون الذي لن يكون مجديا إلا باحتذاء حذوها في بلدانهم وبالضرورة لن تكون نسخة فوتوكوبية وإنما من حيث الجوهر فقط مماثلة وكل حسب شروطه الزمانية والمكانية الخاصة والملموسة. تحية إلى كل صندوق اقتراع ، وإلى كل يد اقترعت ، فهذه هي الحجارة الكريمة وهؤلاء هم البناؤون الحقيقيون للعراق الحديث ، نواة المنطقة الحديثة وقدوتها.
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حصان الغفلة
-
الدائرة المكتنزة
-
نبضات الخليوي
-
أغنية نورس جريح
-
كؤوس الغربة
-
رؤى الرغبات
-
وأخيراً... تمخضوا وولدوا
-
الطريق الشاق والخطر
-
الحرية تأنيث للعالم
-
مسرحية صامتة جداً
-
رعشات مشروطة
-
ليس مسيحاً
-
خوابي الضحك والدهشة
-
رماد الوصية
-
المشجب
-
العائلة المقدسة
-
عضة ورشفة
-
أنين الأسئلة
-
عود على بدء: في الانتماء لاجديد سوى الاسم
-
تماثيل أوجاعي
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|