أحمد أبو مطر
الحوار المتمدن-العدد: 1100 - 2005 / 2 / 5 - 13:04
المحور:
القضية الكردية
د.أحمد أبو مطر ، أوسلو
إن القراءة الموضوعية لبرنامج الحزب المقدمة لمؤتمره الخامس ، تثبت أنه برنامج واقعي و منطقي ، يستدعي الدعم والمؤازرة من كل التقدميين العرب ، الذين يؤمنون بوجود قومية ثانية في سوريا هي القومية الكردية ، وقد إعترف بذلك علنا الرئيس بشار الأسد في مقابلته مع قناة العربية قبل شهور قليلة ، لكن التلفزيون السوري حذف هذه الفقرة عند إعادة بثه للمقابلة . ويمكن ملاحظة نقطتين في البرنامج ، من المفترض أن تشجع الديمقراطيين العرب غير الشوفينيين على دعم هذا البرنامج صراحة و دون مواربة ، وهما :
الأولى : إعلان الحزب الصريح الواضح عن تبنيه الوسائل السلمية اللاعنفيه في نضاله من أجل تحقيق العدالة والمساواة والحقوق المشروعة للشعب الكردي في سوريا ، وهذه الوسائل السلمية هي المطلوب تجذيرها في الأقطار العربية ، حيث الغلبة للتيارات الأصولية التي خطفت الإسلام وجيّرته لخدمة مصالح ليست قومية فقط ، ولكن طائفية تصادر حقوق بعض العرب ، كما تصادر حق الشعب الكردي ، أو التيارات القومية العربية التي أخذت الطابع الشوفيني العنصري ، بكل تجلياته ضد الشعب الكردي في سوريا والعراق ، حيث حكم حزب البعث القطرين مشيعا عنصرية كريهة ، عشت أنا شخصيا تطبيقاتها اللاإنسانية ضد الشعب الكردي في سوريا بين عامي 1982 و 1990 ، حيث أقمت في دمشق ، وكنت أزور المدن والبلدات الكردية مع أصدقاء أكراد ، ولمست التفرقة والعنصرية والظلم ومحاولات طمس الهوية الكردية ، بشكل أتجرأ على القول : أن السلطات الإسرائيلية لم تمارسه ضد العرب الفلسطينيين ، بدليل مدارسهم وكلياتهم وجامعاتهم باللغة العربية ، ومسارحهم وفرق فنونهم الشعبية الفلسطينية التي تضاهي الفرق العربية .
الثانية : تأكيد برنامج الحزب على وحدة التراب السوري ، وهذا يعني أن نضاله مشروع ضمن القطر الواحد الموحد ، فقط لرفع الظلم والإضطهاد عن الشعب الكردي الذي يشكل القومية الثانية في سورية مع القومية العربية ، وتعمدت القول : ( مع القومية العربية ) ، كي لا أكرر التعبير الفوقي الذي يستعمله بعض الكتاب بحسن نية ، عندما يقولون ( بعد القومية العربية )...فهذا يعني ضمنا هناك قومية أولى لها السيادة ،وقومية ثانية تأتي ملحقة بها...وإذا تذكرنا أن غالبية العرب من المسلمين ، فلماذا يقفزون عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ) ، وفي التطبيق الحياتي في سورية والعراق ، ينبغي القول : لا فرق بين عربي و كردي إلا بإخلاصه في خدمة الوطن ) .
إلا أن موضوعية ومنطقية البرنامج السياسي لحزب الوحدة الديمراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ) ، لا تعني أن نضاله السلمي اللاعنفي سيكون سهلا ، وذلك لأسباب أهمها :
1. إن مدرسة البعث ونهجه قائمان على العنف ، بدليل ما يحصل في سورية والعراق في العقود الأربعة الماضية ، حيث السجون أكثر من المستشفيات و دور حضانة الأطفال ، وحيث فروع الأمن والمخابرات لا يمكن إحصاءها ، فعندما كنت مقيما في سورية ، كان المواطن الكردي أو السوري أو الفلسطيني الذي يعتقل ، يكون أهله محظوظين إذا عرفوا خلال ثلاثة شهور من إعتقاله ، الفرع الذي إعتقله والسجن الذي أودعوه فيه .
2. إن ثقافة البعث وتربيته السائدة طوال النصف الأخير من القرن الماضي ، غرست عنصرية كريهة إزاء الشعب الكردي ، ويعتمد عليها النظام لإيجاد غطاء شعبي لقمعه الموجه للشعب الكردي ، و أبشع مثال ما افتعله النظام القمعي في أحداث القامشلي في الثاني عشر من آذار 2004 .
3. إن أجهزة النظام الدعائية السرية و طوابيره من المخبرين ، يشيعون في أوساط الشعب السوري العربية أن الأكراد يريدون الإستقلال وتفتيت البلاد ، ويجهد النظام في إشاعة ذلك بكل إمكانياته ، ليغطي ويلهي العرب السوريين عن تنازله الرسمي لتركيا عن لواء الإسكندرونة ، وترسيمه الحدود معها على هذا الأساس ، تماما بعد صفقة إبعاد وتسليم المناضل الكردي عبدالله أوجلان . وكذلك لإلهاء الشعب السوري عربا وأكرادا عن سكوته التام طوال أربعين عاما على إحتلال الجولان ، وعدم تنظيمه إية مقاومة فيها : سلمية أم مسلحة .
لكن هذه الصعوبات لا تعني أن يجبن الحزب وقواه الشعبية الكردية عن النضال السلمي المشار إليه في برنامج الحزب ، لأن رياح الحرية هبت على المنطقة بعد سقوط النظام البعثي الديكتاتوري في العراق ، ولن يستطيع نظيره السوري الإستمرار طويلا في مصادرة حقوق الشعب الكردي ، وقمعه ومنعه من ممارسة أبسط الحقوق الإنسانية . وهذا يستدعي من الحزب مسؤوليات منها : 1. التعريف الواسع في الأقطار العربية والعالم بكافة أنواع القمع و مصادرة الحريات ومحو الهوية التي يتعرض لها الشعب الكردي في سوريا ، والمذكورة في برنامج الحزب ، لأن الغالبية العظمى في كافة الأقطار تجهل ذلك نتيجة سياسة الإنغلاق والتعتيم التي كان وما يزال ينتهجها النظام . 2. تصعيد النضال السلمي اللاعنفي في المناسبات القومية الكردية ، بشكل علني وبكافة المظاهر الكردية من ملابس فولكلورية وعادات وتقاليد ، وبكثافة بشرية ، مع الإخبار المسبق لمنظمات حقوق الإنسان في العالم ، كي تستعد لمراقبة ردود فعل النظام ...في أية مناسبة كردية ، إن خروج مئات الآلآف من الشعب الكردي في تظاهرات أو مسيرات أو تجمعات سلمية ، سوف تفقد النظام القمعي صوابه ، مع شرط عدم الرد على قوات النظام ومخابراته ، لا بكلمة ولا حجر...إفترشوا الأرض أمام المستبدين ، مهما قتلوا منكم ، فلا يغيظ القتلة إلا سكون وسكوت ضحاياهم ، ومع وجود مراقبين دوليين ، يراقبون ولو عن بعد ، لن تستمر جرائم النظام العنصري مستورة، ولن يستطيع الإستمرار في جرائمه ، لأن منطق العصر ، هو حرية الشعوب وكرامتها ، فليستغل الشعب الكردي في سوريا هذه اللحظة التاريخية ، فلا بد له من الحصول على كافة حقوقة كقومية ثانية على قدم المساواة مع القومية الأخرى العربية .
* كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو
#أحمد_أبو_مطر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟