أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - جاذبية المشنقة














المزيد.....


جاذبية المشنقة


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 3739 - 2012 / 5 / 26 - 17:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من بين كل الأسئلة الفلسفية قاطبة، لا وجود إلا لسؤال جدي واحد: الانتحار. عندما لا يعود المرء يرى في حياته شيئا آخر أكثر من كونها كهفا مظلما، ولا يأتي عليه يوم جديد إلا ويُحمِّله بأعباء وعذابات لا تطاق، عندئذ لا يصبح هذا المرء يرى في أي حبل أو سكين، يقع عليها بصره، إلا وسيلة للخلاص. لحد الآن لم تتوصل أية ميتافيزيقا أو لاهوت إلى حجة مفندة للميول الانتحارية التي تسكن كل واحد منا. الشر يملأ زوايا الوجود وكل إنسان يستبطن في قلبه قدرا من الغم والمرارة. أمّا كل محاولة للقضاء على هذا الشر فمعناها اجتثاث كل شيء من جذوره.
من أين لك أن تقنع شخصا بالاستمرار في الوجود بجسد ينهشه المرض؟ من يستطيع السير قدما في الحياة بذاكرة مثخنة بالتجارب الأليمة والجراح الغائرة؟ أي عزاء يمكن أن تقدمه كل الأناجيل والآلهة لشاب ظلمته الأقدار وصُدت في وجهه كل الأبواب؟ ماذا أقول، لا احد يستطيع أن يضع عنه أحماله ليستبدلها بأحمال أخيه.
كل حياة منظور إليها من الداخل تبدو مطلقة وغير قابلة للتعويض، وهكذا، بالفعل، ينظر كل واحد منا إلى حياته؛ ولكن عندما يُنظر إلى هذه الحياة من الخارج تتبدّى كسخافة لا تطاق. أحيانا تجمعك الصدفة بشخص مقعد أو مريض ميئوس منه، فيحكي لك كل ما تنطوي عليه حياته من الأهوال والكوابيس؛ وعندما تتركه، أول سؤال يتبادر إلى ذهنك هو: لماذا لا يلعن اليوم الذي وُلد فيه وينتحر؟
أنا أيضا كانت تمر بي بعض الليالي التي كانت تستهويني فيها فكرة الانتحار إلى الحد الذي يصبح فيه مجرد بقائي حيا إلى صباح اليوم الموالي معجزة ما بعدها معجزة. و الحق أن كل من لم تستهويه المشنقة، ولو لمرة واحدة في حياته، لا يعرف شيئا عن ذلك الشعور بالعظمة الذي يحس به الإنسان عندما يتعالى على الحياة ويتحرر من غريزة حفظ النوع؛ إنه ليس بأكثر من دولاب أصم في النسق الميكانيكي للحياة؛ بل إنه في انجرافه الساذج مع الحياة يبرهن على انه لم يتجاوز في كينونته السقف الوجودي للكلاب والحمير.
في الواقع، ينطوي فعل الانتحار على مفارقات لا حل لها. ففي الوقت الذي يكون فيه هذا الفعل، بالنسبة للبعض، خلاصا من الحياة، يكون هذا الفعل ذاته، بالنسبة للبعض الآخر، تضخيما للحجم الحقيقي للحياة وأخذها بجدية لا لزوم لها. والحق أن تفاهة الحياة و ضحالتها هي ما منعني من أن أقتل نفسي. فعل القتل يتطلب موضوع قتل، ولكن ماذا سأقتل أنا ؟ إنني لا أرى في نفسي إلا بنية من الغبار، لِمَ أموت من أجل عالم لم يعد يهمني أمره في شيء؟ ! في الحقيقة، من يفكر في الانتحار هو شخص لازال تحت تأثير هوى الحياة.
) لقد عدَلت عن فكرة الانتحار لأن شرور الحياة لم تعد تفاجئني، بل إنني لا أتصور الحياة إلا وهي سوداء. وأغلب الذين انتحروا ما فعلوا ذلك إلا لسذاجتهم وأحكامهم المسبقة؛ لقد توهموا بأن الحياة قصة سعيدة، ولكن "الحياة السعيدة" مقولة متهافتة، والبشر مُنحوا الحياة ليفهموها فيتجاوزوها وليس ليعيشوها فيغرقوا فيها.)



#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا و العالم
- تأملات في الضجر
- إنسان السطوح
- منافع المرض
- مصادر الصلاة
- تمارين في الزهد
- البعد الميتافيزيقي للأرق
- حول الزواج
- مائة عام من العزلة
- عبادة الأنا
- فينومينولوجيا الموت
- بؤس الفلسفة
- الإنسان المنفصل
- تهافت الآلهة
- الحيوان الرومانسي
- شهوة التسلط
- على أجنحة الموسيقى
- الإنسان الأخير
- فكر و وجود
- مدح الصمت


المزيد.....




- بالصور: بي بي سي ترصد أجواء أول يوم من رمضان في غزة
- معلومات عن سعي موسكو للاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين بسوريا
- نتنياهو: هناك 59 رهينة لدى -حماس- واحتمال مقتل 35 منهم على ا ...
- وزيرا خارجية الجزائر والسعودية يبحثان هاتفيا مستجدات القضية ...
- هنغاريا تقترح على الاتحاد الأوروبي بدء المحادثات مع روسيا عل ...
- مصر تعلن اكتمال خطة لإعادة إعمار غزة قبل عرضها أمام القمة ال ...
- ابتلاع غزة ولبنان وسوريا.. ما تفاصيل حلم إسرائيل الإمبراطوري ...
- هل تعوض قناة السويس خسائرها بعد انتهاء الحرب في غزة؟
- كيف صمدت مقار الجيش السوداني أمام حصار 20 شهرا؟
- بعد اتهامها بخيانة القيم وإغلاقها.. طالبان تسمح بإعادة بث قن ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - جاذبية المشنقة