فينوس فائق
الحوار المتمدن-العدد: 1075 - 2005 / 1 / 11 - 09:45
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
هل المشاركة السياسية للمرأة تحقق الديمقراطية أم الديمقراطية تحقق المشاركة السياسية للمرأء؟
تهميش دور المرأة إجتماعيا و سياسياً في المجتمع منذ بدأ التأريخ البشري و حتى يومنا الحاضر ، و حصر حركتها تحت ظل الرجل كتابع له في كل المجالات الإجتماعية ، و حرمانها من كسب القوت و إبقاءها تابعاً للرجل إقتصادياً ، و تجاهل دورها التربوي و إثبات دورها الحقيقي في تنشئة الأجيال و وضعها في الهامش دائماً إزاء المهام التي تتطلب منها مشاركة فعالة ، و حبسها في بوتقة الرجل ، و بالتالي حرمانها من ممارسة مهامها الوطنية و السياسية و مشاركتها في السلطة بحجج واهية ، كل هذه الأمور مجتمعة و غيرها من الأذى النفسي و الأخلاقي الملحق بها على طول التأريخ ، و بمختلف السبل هي من القضايا التي لا زالت تعاني منها المرأة و المجتمع على حد سواء ، و الأمر الذي ترتبت عليه نظرة إجتماعية متخلفة لمكانة المرأة و أفرزت واقعاً متخلفاً ضحيته الأولى و الأخيرة هي المرأة ، و الذي خلف ذلك الإرث الإجتماعي و الأخلاقي الذي هو وليد العادات الإجتماعية و الدينية المتحجرة المتخلفة الذي يتوارثة الأجيال عقداً بعد عقد ، و و بالرغم من أن هذا الموضوع يأخذ نصيباً لا بأس به من الكتابة و التحليل و الدراسة ، إلا أن النتائج المرجوة على خلفية تلك التحاليل و الدراسات لا تزال دون المستوى المطموح إليه.
لا داعي للخوض في السرد التأريخي لنضال المرأة و كفاحها من أجل نيل حقوقها ، غير أن من المهم الإشارة إلا أن التحصيل الدراسي (العالي على وجه الخصوص) و الإستقلال الإقتصادي و المشاركة في صنع القرار السياسي هي من أهم الحقوق التي تحقق للمرأة المكانة التي تطمح إليها في المجتمع ، و التي توفر الأرضية الملائمة لولادة طموحات تليق بالأجواء الديمقراطية لأي مجتمع كان ، فتلك الحقوق الثلاثة هي تحصيل حاصل لتحول المجتمع إلى الديمقراطية بطريقة طبيعية و ليس بطريقة مصطنعة غشاشة ، على طريقة النظم الدكتاتورية التي تنادي بشعارات في السماء لا تنزل إلى أرض الواقع خوفاً من آثار و نتائج بروز الوعي النسوي و نهوضهن بمستواهن الذي سيرافقه نهضة إجتماعية حضارية فكرية تغير الواقع الإجتماعي من الجذور و تفرز ثورات فكرية سياسية علمية ، تنير العقول و ترفض النظام الدكتاتوري و الواقع المرير المترتب عليه ، إذ ليس هناك مجتمع يرفض فيه الرجال فقط الواقع المرير الذي يصنعه الحكام المستبدين ، فليست هناك ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة تنجح مالم تشارك فيه المرأة ، ثم تنجح ، لكن هذه المشاركة كان نصيبها التهميش على الدوام ، و حتى الإنجازات التي حققتها المرأة في أي مجال كان طوال التأريخ كان نصيبها تاتهميش و الإهمال و عدم الإعتراف ، مما ترك آثارها السلبية على عقلية المرأة نفسها و نظرتها السلبية للحياة و المستقبل.
يقال أن السياسة فن الممكنات ، و بما أن الديمقراطية فن من الفنون السياسية و عملية من العمليات التي تتحقق مع أو إثر التغييرات السياسية ، و التحولات التي تمر بها المجتمعات من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ، و بناء مؤسسات ديمقراطية سليمة ، فإن السياسة و كونها فن الممكنات تتيح الأرضية المناسبة لإعادة التوازن للميزان الإجتماعي المختل من خلال تهيئة الضروف المناسبة لدخول المرأة فعلياً إلى معترك السياسة بإعتبارها الجزء الفعال في المجتمع و طاقة إنتاجية غير مستفاد منها ، و تخطي العقبات بإتجاه تفعيل قدراتها ديمقراطياً و الإستفادة من إمكاناتها السياسية ، من أجل تحيقيق المشاركة السياسية لها وعلى مستوى السلطة تحديداً . فلولا مشاركة المرأة في دفع دفة الحكم جنباً إلى جنب الرجل ، لن تكتمل المعادلة السياسية و الإجتماعية في المجتمع ، و لن يتوازن المجتمع سياسياً في عملية التحول الديمقراطي ، فمن غير الممكن تحول العالم الذكوري ديمقراطياً و تطبيق مباديء الديمقراطية فقط من قبل الذكور ، و أن يكون دور المرأة مقتصراً على الإستظلال بظل الرجل تحت شجرة الديمقراطية ، أي أن تنال نصيبها من الديمقراطية و هي جالسة في ظل رجل ، و إختفى الرجل غابت شمس الديمقراطية من حياتها ، و إنما عليها أن تنتقل بمكانتها إلى جانب الرجل و أن تنتزع حقوقها و واجباتها السياسية و الإجتماعية في ظل الديمقراطية بيدها ..
فلو أخذنا بالمقولة التي مفادها أن مستوى رقي المجتمعات تقاس بدرجة رقي المرأة في ذلك المجتمع ، فمن البديهي أن نضيف أن من أهم العوامل التي يجب أن تقاس بها درجة رقي و وعي المجتمعات هو قيام المرأة بمهامها السياسية و وظيفتها الوطنية بشكل فعال و مشاركتها في صنع القرار السياسي ، لذا يمكن القول أن أية حكومة في الدنيا لن تنجح في إقرار و تثبيت مباديء الديمقراطية ، في ظل تهميش دور المرأة ، و إذا لن تفسح المجال أما الكادر النسوي لأن تقتحم الميدان السياسي و المشاركة الفعالة في صنع القرار السياسي من مستويات عليا في المجتمع و السلطة و الحكم.
فلو أخذنا الأسرة مثالاً مصغراً لمفهوم السلطة و ممارسة السياسة، و لو مسحنا مفهوم المجتمع الأبوي و الذكوري من القواميس الفكرية المتخلفة ، و أخذنا في نظر الإعتبار أن الأسرة هي حكومة مصغرة ، فإذا إنعدم فيه دور الأم أو المرأة في إدارتها ، على إعتبارها الجزء المهم إلى جانب الرجل (و لا أقول بعد الرجل) ، ستكون للأسف أسرة غير صحية و بالمفهوم التقليدي أسرة قائمة على مبدأ السلطة الأبوية و الحكم الذكوري ، بالتالي سيتحول شكل الحكم فيها شيئاً فشيئاً نحو نوع من الدكتاتورية الأبوية ، التي تمارس سلطتها من داخل أسرة صغيرة ، و تُنشيء جيلاً إنغرست فيهم صورة الأسرة التي تنعدم فيها سلطة الأم و لا تؤمن بقدرات المأرة التي من المفترض أنها نصف المجتمع ، و ينشأ جيل لا يفهم معنى أن تكون المرأة نصف المجتمع ، إذ يقتصر دور المرأة أمام عينيه و في وجود رجل مستبد إلى مخلوق مهمته في الحياة إنجاب الأطفال و السهر على راحة الرجل و أطفالها ، و هكذا تأتي الأجيال اللاحقة التي تأخذ الحكمة من الجيل الذي قبله ..
و عليه فإن بناء السلطة في أجواء ديمقراطية مئة بالمئة تتيح للمرأة المشاركة الفعلية (وليس المشاركة الصورية) في صنع القرار السياسي ، هو الذي يهيء الأجواء المناسبة لولادة مجتمع قائم على العدالة و إحترام حقوق الإنسان . من هنا يجدر بنا أن نسأل هل يجب أن تشارك المرأة في صنع القرار السياسي لكي تتحول الدولة و معها المجتمع إلى دولة و مجتمع قائمين على أساس نظام ديمقراطي ؟ أم يجب أن تتحول الدولة أولا سياسياً إلى نظام ديمقراطي و من ثم تهيء هي الطريق السهل لولوج المرأة في عالم السياسة و المشاركة في صنع القرار السياسي ، أي أن تناول الدولة لقمة المشاركة السياسية للمرأة ، بمعنى آخر أن تنتظر المرأة قرار الرجل لكي تشارك في صنع القرار السياسي ، تلك الخطوة التي لا تأتي أبداً منجانب الرجل مالم تتحرك المرأة بنفسها . الأمران لازم و ملزم لبعضيهما ، لكن لو أن المرأة أجهدت نفسها و إقتحمت الميدان السياسي بنفسها ، و تفرض وجودها ، من ثم تخلق هي لنفسها الأرضية المناسبة التي تمارس عليها واجباتها السياسية التي تؤمن بها ، و تعمل على إكتساب ثقة المجتمع بها على أنها نصف و نصف مهم من جسد المجتمع ، و التي تهيئها لمرحلة صنع القرار السياسي ، لكان الأجدر و الأنفع. مع أن أي مشاركة سياسية فعلية للمرأة في صنع القرار السياسي هو تفعيل حقيقي لمباديء الديمقراطية ، و بالتالي التفعيل الحقيقي للديمقراطية لن يكتمل مالم تشارك المرأة سياسياً في صنع القرار السياسي في بلدها.
فينوس فائق
شاعرة و صحفية من كوردستان الجنوبية
#فينوس_فائق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟