هجار عبدالله الشكاكي
الحوار المتمدن-العدد: 3641 - 2012 / 2 / 17 - 22:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- الاغتصاب - مقاربة فنكلوزية للثورة السورية - 2
الشاعر الفذ و الحقيقي هو من تغتصِبه القصيدة .
العالم الحقيقي هو من تغتصبه الفكرة فيبحث لها عن سرير .
العاشق الصادق يترك الباب مفتوحا لحبيبته قبل أن ينام. وهي تنام عارية تنتظره في حلمها .
الأرض تفتح فخذيها للمطر المنهمر ليتغلغل إلى رحمها فتزهر حياة وبهجة .
أسماء في الذاكرة المغتصبة:
أحمد بن بيلا قام بالتصويت لصدام حسين عام 2002 ليستمر كرئيس للعراق , حدث هذا قبل العمليات العسكرية بعدة شهور فقط , شاركه نيلسون مانديلا وجورج غالاوي , و معن بشور .
ستالين قتل مئات الآلاف و الملايين من الشعوب السوفيتية وقام بدعم معظم الدكتاتوريات في العالم وجعل الاتحاد السوفييتي جارية لأفكاره ونزواته , لا يشفع له انه مات فقيرا فقد كان شغفه أن يتسلط ويصنع من نفسه إلها فقط.
ارنستو تشي غيفارا : صنع ثورة فاغتصبته ثورته الجميلة وأخذته إلى ما يريد وهو أن يستريح في حضن ثورته إلى الأبد, ولو انه نهض من غفوته الآن , لقتل كاسترو وشافيز , وقد يقتل نفسه بعد أن يفجر البيت الأبيض بمن فيه .
مصر: ثورة مصر تغتصب الآن من خلفاء المسلمين و أصحاب النجوم و الياقات, والاهم قي الموضوع أن الثورة تستباح مفاصل جسدها في محكمة الشغب و الكاميرات, وحتى العاهرات يدافعون عن حسني مبارك.
قبل البدء : هذه المقالة ليست لأصحاب العقول الضعيفة التي تعيش استلابها الفكري بلا حرج أو خجل , وانصح كل من يقرأها أن لا يتوقف على عدد مرات تكرار نفس الكلمة ليحاول تأكيد سطحية التناول للموضوع , ولا يجوز قراءة هذه المقالة من الإخوة المتدينين على مبدأ بل نؤمن بما امن به آباؤنا , أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا هم أنفسهم يعلمون ,فليس من خالق يرفض حرية لمخلوقات هو صانعها , ولا إبداعا لعقل مهمته الإبداع .إن هذا المقال يشبه شريط الفيديو في فيلم الخاتم أو الحلقة , حيث تستطيع الفتاة أن تخرج من التلفزيون لتقبض على أرواح المشاهدين , وكلمات المقال ستبقى تلاحق قارئها في صحوته ومنامه , لتجعله يشعر كم هو ضروري أن لا يكون الإنسان ضحية اغتصاب إلا لثورة عقله وفكره .
نداء عاجل للثوار : الرجاء لا تغتصبوا الثورة السورية بل اتركوها تغتصبكم كما تشتهي هي , كما أنبه الثوار بعدم السماح لأي شخص يعيش مرارة اغتصابه الفكري منذ عبد الناصر مرورا بالأسد وبشار وحسن نصر الله وصدام حسين ومشعان الجبوري, راضيا ,مهما كان موقعه وموقفه , أن يكون صوتا يعلو على فعل التحرر .
ثوار يغتصبون ثوراتهم : الكثير من الثورات ماتت أو بقيت شبه ميتة حتى دفنوها , و السبب يعود إلى أن الثوار الذين قادوا الثورة قاموا باغتصاب ثورتهم فأصبحت الثورة تتبعهم وتنفذ رغباتهم وصارت الثورة ملعبا لنزواتهم , الثورة البلشفية ماتت عندما اغتصبها ستالين ليقوم هو بتوجيه الثورة حسبما يريد وليس حسبما يفترض أن تأخذه الثورة من مدى. الثورة الجزائرية ماتت بعد سنوات عندما اغتصبها مجموعة من ثوار جبهة التحرير الجزائرية, فلم يكتمل تحرير الإنسان الجزائري ولم يتم التخلص من الاستعمار و التبعية الفرنسية لحد الآن.
تاريخ الاغتصاب : الإنسان في بدايات إدراكه لوجوده اغتصب فكرة الحرية المطلقة فخلق لنفسه طوطما يحدد مساحة حريته المتاحة , ثم جاء من البشر من منح نفسه حقا إلهيا ليغتصب حرية الآخرين , وفي مسيرة تاريخ الإنسان قام البشر بالتنازل عن أجزاء كبيرة من حريتهم إلى الإله الذي ارتضوه لأنفسهم خالقا ومسيرا ومالكا لأمرهم , وذهب بعض البشر إلى الحد الذي فرضوا فيه طريقة عبوديتهم للإله على الآخرين , فاليهود استطاعوا أن يجعلوا من رب موسى مجموعة من التابوهات , و العقائد الشكليائية التي تحدد حركة الإنسان وقدرته على الإبداع , واستطاع بعض اليهود أن يعيدوا صياغة هذه العبودية عبر رسالة المسيح ليخلقوا فكرة الخلاص بالعبودية المطلقة للرب الذي مسح عن البشر خطاياهم , وعندما جاءت الرسالة المحمدية وخلقت مجتمعا متماسكا من شتات القبائل المتناحرة , امتطى أهل قريش ومكة و المدينة ظهر الرسالة ليغتصبوا كل أفكار البشر و حتى عقائد الديانات(( السماوية)) الأخرى خدمة لمشروع إمبراطورية تستعبد الناس باسم الله الأحد لصالح فئة من قادة الجيش و التجار الكبار ورجال الدين , وكانت كل محاولات العقل البشري للتحرر من هذه العبودية , تبوء بالفشل ولذلك تم حرق كتب ابن رشد وقامت محاكم التفتيش وتم الإعلان عن إغلاق باب الاجتهاد و الاعتماد فقط على النقل و القياس ,إذ ليس من المعقول أن يكون الخلف أكثر قدرة على الفهم من السلف , وعندما استطاع الأوربيون تحرير العقائد من عبودية الإله الذي خلقه رجال الدين استطاع البشر وبعد تضحيات كبيرة أن يحرروا العقل لينتقل من غيبية التفكير إلى علمية الإبداع و التطوير .
الجيش السوري المغتصب : لماذا نقول أن الجيش الوطني السوري يقوم باقتحام المدن وقتل السوريين , أليس من يقوم بذلك هم مجموعات من العسكريين المغتصبين من الفرقة الرابعة والشبيحة , وكيف يكون جيشا وطنيا وهو يضم في تركيبته عناصر من دول أخرى و يقتل مواطني البلد غير المسلحين , كما أن الجيش الوطني الحقيقي يجب ألا ينفذ تعليمات عناصر الأمن والشبيحة .
ثقب في الذاكرة المغتصبة : هناك بعض السوريين الذين يعتبرون أنفسهم أحرارا لكنهم يتعهدون منذ الآن بأنهم سيبقون على دعمهم للمقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله في لبنان , لماذا ثقوب الذاكرة السورية سريعة التشكل وترفض الفكاك من مغتصبيها , ميليشيات نصر الله تقتلنا بالرصاص الحي وقادتهم يقتلون إسرائيل بالكلام , وقد يخطفون جنديا ليدفعوا ثمنه عشرة مليارات دولار من اجل الانتصار وكتابة مقالات النصر الإلهي المليء بدماء الناس وخيبات الفقراء الحالمين برغيف خبز ونشوة بعض الذين يرتضون أن يدوم اغتصابهم الفكري إلى الأبد.
الوطن المغتصب : اغتصب البعث سوريا ثم قام الضباط باغتصاب البعث وسوريا و بعدها حافظ الأسد اغتصب سوريا و البعث و الضباط , وبقي الشعب المغتصب , بفتح الصاد , يهلل لمغتصبه لأنه لا يريد أن يكتشف العالم كله هذا الاغتصاب , بل وصل الأمر بالشعب السوري في لحظات تاريخية إلى درجة التصفيق للمجرم و شتم الضحية , بالله عليكم كيف نفسر سكوت السوريين على بيع الجولان و قتل الفلسطينيين , وتدمير لبنان , وقتل 40 ألفا في حماه , وتأليه مهندس مجزرة سجن تدمر , وكيف نبرر لأنفسنا السكوت على جرائم بشار الأسد بحق العراقيين , وسرقة النفط السوري , وبيع لواء اسكندرونة , أليس كل ذلك دليلا على أن ضحية الاغتصاب تتعلق وتعشق مغتصبها في كوميديا سوداء , تجمل في داخلها رغبة في قتل الجاني إن توقف عن الاغتصاب(تناذر ستوكهولم)) .
تقاسيم على مقام الاغتصاب : العروبويون مغتصبون , بفتح الصاد , من فكرة العروبة وكنتم خير امة أخرجت للناس , الإسلامويون مغتصبون , بفتح الصاد , من فكرة لتكن منكم امة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المهتدون , و اليساريون مغتصبون , بفتح الصاد , من فكرة منع سيطرة قوى السوق الحرة و الامبريالية , أما الليبراليون فهم مغتصبون من فكرة الصراع بين ما يريدون وبين مورثوهم الشرقي الديني , و الأكراد تغتصبهم فكرة أن يبقى الإنسان منتميا إلى أقلية في مجتمع تتنازعه فكرة العرق النقي و الشعب المختار ولغة أهل الجنة الأخيار .
اما المعارضون السوريون فمازالوا يبحثون عن شيء يغتصبونه , فبعضهم يريد اغتصاب السلطة وبعضهم يريد اغتصاب الثورة , و القلة منهم يريدون ان تغتصبهم الثورة , وهم رغم قلتهم , مازالوا يحاولون.
الكاتب
د.هجار عبدالله الشكاكي
#هجار_عبدالله_الشكاكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟