أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون جرجي - مناقشةُ ردّ الحكيم البابليّ على الملاحظات في مقاله -الكلمات النابية الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة-















المزيد.....


مناقشةُ ردّ الحكيم البابليّ على الملاحظات في مقاله -الكلمات النابية الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة-


سيمون جرجي

الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 08:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أتناولُ في مقالي هذا، كما هو واضحٌ من العنوان، ردَّ البابلي على مقالةٍ لي سابقة أشرتُ فيها إلى بعضِ الهفوات التي وقعت في بحثه المختصر "الكلمات النابية الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة". ولعلّه من المفيد هنا أن أثبتَ الروابطَ لتيسير المتابعة قبل الردِّ المتسلسل على النقاطِ التي أوردَها في الاحتجاجِ على مقالتي:

الكلمات النابية الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة، للحكيم البابلي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=290340

قراءة في مقال الحكيم البابليّ "الكلمات النابية الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة"، لسيمون جرجي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=290622

نقد النقد ، حول مقال السيد سيمون جرجي الناقد لمقال الحكيم البابلي، للحكيم البابلي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=291958

1.
يرفضُ الحكيمُ البابليّ اقتراحي حول عنوان المقال ومدى دقّة اختيار الألفاظ فيه، وقد كنتُ اقترحتُ عليه أن يستبدلَ "اللهجات العربيّة المحكيّة في العراق" بعبارة "اللهجة العراقيّة الدّارجة" فقابل اقتراحي بقوله:
"مما إستدعى السيد جرجي أن يقترح عليَ تسجيلها بصيغة الجمع : ( اللهجات العراقية الدارجة )"! وقولُه هذا دليلٌ على أنّه لم يتبيّن المقصود من العنوان البديل، لأنّي لم أقترح عليه تسجيلها بصيغة الجمع فقط، بل أن يضيفَ إليها كلمة "العربيّة" فبدونها يبقى العنوان ناقصًا، ونحن نعلم أنّ العراقَ يضمّ العديد من اللهجات الدّارجة غير العربيّة، وإضافة اسم اللغة المعنيّة بدراسته تنبع من العنوان عينه، فهو يكتب "الدّخيلة" دون أن يذكر اللغة التي دخلت منها تلك الألفاظ إلى اللهجات العراقية!
ويضيف معلّلًا اختياره صيغة المفرد: "كل الكتب والدراسات والبحوث التي تم نشرها لحد اليوم حول مواضيع كهذه لم تلجأ لصيغة الجمع ( اللهجات العراقية الدارجة ) ، بل إستخدمت صيغة المفرد والتي إستخدَمتُها أنا أيضاً في قولي : (( اللهجة العراقية الدارجة ))".
وفي قوله هذا يريد أنني أخطأت حين اقترحت عليه فكرة جمع اللهجة على لهجات في العنوان، ولكنه لم يلاحظْ أنَّ هناك فرقًا بين أن يقول: "اللهجة العراقيّة الدّارجة" وبين "لهجات العربيّة الدّارجة في العراق". إنَّ الدّراسات الغربيّة للهجات المتداولة في بلدانها تسجّلها بصيغة الجمع، نحو: "اللهجات الإنجليزيّة"، "اللهجات الإيطاليّة"، "اللهجات الفرنسيّة"... إلخ، لأن اللهجات في هذه البلدان كثيرة كما هي في البلدان العربية. فإذا كانت الدّراسات الشرقيّة لا تستخدم صيغة الجمع فهذا لأنّها لم تتوفّر إلا على دراسة لهجة واحدة من اللهجات السائدة في بيئتها، ومثل هذه الدراسة التي تقتصر على لهجة واحدة لا يمكن أن تكون وافية.
ولم ينتبه إلى أن قوله: "لكل هذا فعندما نقول (( اللهجة العراقية الدارجة )) فهنا يكون المقصود بها : تلك اللهجة التي يتحدثها عموم العراقيون مع بعضهم أينما توجهوا عبر جغرافية العراق ، وهي لهجة العاصمة بغداد" يصبُّ في صالحِ اقتراحي. وتفسير ذلك أنه لو صحّ ما يقوله هنا، لصحّ أن نستبدل "اللهجة البغداديّة العراقيّة" بعنوان "اللهجة العراقيّة الدّارجة"، وواضح أن هذا لا يصحّ، فلهجة أهل بغداد لا تشتمل على جميع الألفاظ بخصائصها الموجودة في اللهجات العراقية كالموصلية والبصرية... إلخ.

2.
يوافقُ البابليُّ على أنّ العربيّة لم تحتك "احتكاكًا تاريخيًّا عميقًا" بالسومريّة، لكنّه يرفض جزءًا من اعتراضي فيقول: "أما الأكدية ، فلا أوافقك في الإعتراض عليها كونها لم تنقرض في وقتٍ مُبكر كالسومرية ، بل عاشت بعدها بقرون من خلال تفرعها إلى : البابلية والآشورية ، وكلتاهما إحتكتا مع العربية في زمن وجودهما تأريخياً ، ولا تنسى أن أول ذِكْرٍ للعرب تأريخياً ووثائقياً جاء في مصادر حوليات ملوك الإمبراطورية الآشورية خلال القرن التاسع ق . م".
الجوابُ على هذا الاعتراض يقعُ في شقّين، أوّلهما هو أنّي سألتُه عن الدّلائل التاريخيّة والأثريّة (وأضيف هنا اللغويّة) التي تثبت حديثَه عن احتكاك اللغة العربيّة بالأكّاديّة، إلّا أنّه لم يقدّم شيئًا للقارئ، اعترضَ واكتفى باعتراضه دون تقديم الأدلّة، وبدل ذلك قدّم لنا أن ذكرَ العرب ورد في حوليّات الإمبراطوريّة الآشوريّة! وأتساءل: هل يعلمُ صديقنا البابليّ ما معنى كلمة "العرب" في تلك الحوليّات؟ وهل يستطيع أن يثبت أنّ "العرب" المذكورين في حوليّات الآشوريّين هم عربُ الجزيرة العربيّة الذين حملوا إلينا عربيّة اليوم؟ هل لديه الدّليل على أنّ اللغة العربيّة احتكّت بالأكاديّة تاريخيًّا؟ لأنه لا يكفي أن يُذكر العرب في أثرٍ قديم لنستنتج من ذلك أنّ اللغة العربيّة احتكّت بلغة أصحاب الأثر؟
لسنا نملك دليلا حتّى الآن أثريًّا كان أو لغويًّا على أن اللغة العربيّة في تلك الأزمنة احتكّت بالأكادية! ولهذا فسيبقى كلام البابلي كلامًا يعوزه البرهان، إلى أن يعثر علماء الآثار والتاريخ على وثيقة أو رقيم أو لوح.
فأمّا الشقّ الثّاني، وهو الأهمّ، فهو افتراضنا مع الكاتب الحكيم أنّ اللغة العربيّة احتكّت في أحد أزمنتها بالأكّاديّة، ولكن هذا الافتراض يمكن أن يعترض عليه بالقول التالي: إن عربيّة اليوم هي عربيّة قريش عربية القرآن، وهي تختلف عن عربيّة القبائل التي انتشرت في الألف الأوّل قبل الميلاد في مناطق الفرات ودجلة؟ ولهذا فليس من الدقة أن يزعم البابليّ أنّ العربيّة في العراق اليوم "احتكّت تاريخيًّا وبعمق" وفي أحد أزمنتها بالأكاديّة، بل يُستحسن أن يقول إنها متأثّرة برواسب أو بقايا هذه اللغة القديمة إذ لا دليلَ على كلامه ولا رابط تاريخيًّا وأثريًّا يربط عربيّة اليوم بأكّاديّة الأمس سوى ما نعلمه من اشتراكهما بجذرٍ واحد ومن انتمائهما إلى أمٍّ واحدة.

3.
أن تتّفق معي حول الملاحظة الثّالثة أو لا تتّفق فلن أكترث بذلك مالم تقدم الدّليل على حجّتك! النّقاشُ محاججة، وبدون حجّة يفقد النقاشُ قيمتَه. أنت نفيت الملاحظة دون أن تقدم حجة لذلك أو أيّ برهان. تريد أن توهمَ أنّي سألتُك بحثًا تاريخيًّا يُحدّد الزمان والمكان الذي أصبحت فيه اللغة العربيّة لغة البلاد الرسميّة، لأخرجك عن صلب موضوعك اللغويّ، فقلت: "لم أكن بصدد كتابة موضوع عن ( متى وكيف ولماذا وأين أصبحت اللغة العربية لُغة رسمية في البلاد المغزوة أو المفتوحة... "! وبدوري أقول لك: هل قرأتَ الملاحظة بتمعّن؟ إن كنتَ فعلتَ ذلك فعلامَ هذا الكلام؟
لنعدْ إلى نصّك وإلى ملاحظتي فأنقلها إليك مرّة أخرى. أنت ذكرت هذا القول: "اللغة العربية الفصحى التي أصبحت لُغة منطقة وادي الرافدين الرسمية منذ دخول العرب والإسلام إلى العراق وبقية أقطار المشرق" فكان تعليقي عليه: "إنّ الرّبط بين "أصبحت" و"منذ" في هذه الجملة ربطٌ غير دقيق"! وما جاءَ عندي بعد ذلك لم يكن إلّا برهانًا على عدم صحّة هذا الرّبط! فأين قرأت إذًا طلبي إليك في استطراد يختصّ بهذه المسألة تاريخيًّا؟! كنتَ تستطيع بكلّ بساطة أن تتجاوز هذه المسألة بإضافة كلمة واحدة أو كلمتين إلى نصّك تبعد عنه هذا اللبس، كأن تقول: "اللغة العربيّة الفصحى التي بدأت تصبح... منذ"، أو: "اللغة العربيّة الفصحى التي أصبحت شيئًا فشيئًا... منذ"، لا "التي أصبحت... منذ" فيفهم القارئ أنّها أصبحت كذلك فور دخول العرب المسلمين هذه البلاد.
أنتَ تكتبُ بالعربيّة وعليك إذًا أن تلتزم أصولها، وألّا تطلب إلى القارئ أن يقرأ أفكارك، لأنّ النصّ المكتوب قد كُتبَ ولا يسع القارئ أو النّاقد سوى الاستناد إلى النصّ المكتوب، وليس إلى المعاني التي في رأسك.
تقول أيضًا ردًّا على هذه الملاحظة: "وإقتراحك هذا كان سيثقل كاهل مقالي ويخرج بيَ عن موضوعي إلى موضوع آخر قد لا يكون من إختصاصي"، فإذا افترضتُ أنّي فعلتُ ذلك (تبعًا لقراءتك الخاطئة)، وأنا لم أقدّم لك هذا الاقتراح قط، فلماذا تبيح لنفسك أن تستطرد في أحد عشر سطرًا من أصل أربعة وستّين سطرًا (أي ما يتجاوز سدس المقدّمة) فتتناول التّوراة اليهودية التي لا صلةَ لها قريبة بموضوع المقال اللغويّ، الذي ليس من اختصاصِك كما تقول، وترفض أن تقدّم كلمتين أو حتّى سطرين توضح للقارئ فيهما مسألة انتشار اللغة العربيّة إثر الغزو العربيّ الإسلاميّ؟! ومع ذلك أكرّر أنّي لم أرغب إليك ذلك ولا أطلبُه الآن، ولكن ليتّضح للقارئ استطرادات الكاتب المنتقاة!

4.
يذكر البابليّ أن لا حاجة إلى الملاحظة الرّابعة، لأنّه من البديهيّ أن يعرف القارئ أو النّاقد أنّ "اللغات المحليّة القديمة" هي اللغات الساميّة! وأسأله: هل اللغات المحلية القديمة في بلاد الرافدين جميعها سامية؟ ألم توجد في العراق القديم لغات محلية قديمة لا علاقة لها بالساميّة؟ فعلامَ اعتراضك على هذه الملاحظة، والملاحظة لا تبغي أكثر من تقويم التّعبير غير الدّقيق ووضعه في موضعه الصّحيح؟
ألم يكن حريًّا بكَ بدل كل هذا الحشو الذي جاء في اعتراضك هذا (حول النّقد) أن تنقل تعبيرك الـمُشار إليه من الغموض إلى الوضوح؟ ألا تجد أنّ تعبير "اللغات الساميّة" يفي ويكفي ويعبر بدقة عما أردتَ قوله؟
وعلى كل حال فمن المفيد هنا أن تعلم أن عدم رغبتك في هذا الاستعمال شيء ودقّة الاستعمال وصحّته شيءٌ آخر.

5.
يعتقدُ البابليّ أنّه قدّم لي أو للقارئ في ردّه على الملاحظة الخامسة شرحًا صحيحًا وتفسيرًا سليمًا إذ وصف ثقافة "التّوراة" بالاعتباطيّة الكيديّة! ولكن هل يمكن الوثوق بما قدمه؟ ما هو المقياس أو المبدأ الذي اعتمده البابلي للبرهان على أن التوراة وغيرها من الكتب "اعتباطية كيدية"؟
فلنرَ معًا هذا المقياس: يتحدث الكاتب عن ثقافة التّوراة اليهوديّة فيقول إنّها ثقافة "اعتباطيّة كيديّة" اعتباطيّة لأنّها ثقافة لم تنضج، ولأنها لا تعتمد على حقائق واقعية عقلية يركن إليها، وكيديّة لأنّها ثقافة مسروقة من الثّقافات المجاورة! هذا هو مقياس البابليّ الذي قاسَ به ثقافة التّوراة والذي توصّل به إلى حكمه عليها بأنّها ثقافة "اعتباطيّة كيديّة"! وهو مقياس ضعيف لا يصحُّ اعتماده لأنّنا إذا اتخذنا هذا المقياس لقياس ثقافات العالم الأخرى، سننتهي إلى النتيجة نفسها التي انتهى إليها البابلي في حكمه على ثقافة التوراة، سيتبين لنا أنّ جميع هذه الثقافات"اعتباطيّة كيديّة" لأن الثّقافات القديمة جميعًا لم تكن غير حلقات في سلسلة الثّقافة الإنسانيّة الواحدة تتقاطع وتتمازج وتتثاقف وتأخذ إحداها من الأخرى كما أخذت التوراة من ثقافة بلاد ما بين النهرين القديمة. إن الثّقافة البابليّة على سبيل المثال هي ثقافة مؤسّسة على قواعد الثّقافة السومريّة (غير الساميّة) فهل يحقّ لنا - بناءً على مقياسه - أن نصف الثّقافة البابليّة بأنّها ثقافة اعتباطيّة كيديّة إذ أخذت من ثقافة السومريين؟ هل يحق لنا أن نصفها بهذه الأوصاف وهي الأخرى مليئة بالأساطير المناقضة للحقائق العلميّة؟ إذا صحّ ذلك، فقد صحّ وصف البابليّ، وإن لم يصحّ فقد عبر البابلي عن شخصية فكرية تحركها الأهواء والانفعالات ويستبد بها التعصّب بعيدًا عن النزاهة العلمية والروح الموضوعية.
نحن نعلم أنّ تسمية اللغات التي نحن بصددها بالساميّة تحققت ودرجت بناءً على نصٍّ توراتيّ، ونعلم أيضًا أنّ جميع اللغويّين وعلماء اللسانيّات في كلّ مكان وزمان يستخدمونها وما يزالون يستخدمونها ولم يجدوا ضرورة لاطلاق تسمية أخرى عليها مع علمهم بأنّها تسمية غير مؤسّسة على شواهد تاريخيّة أو أثريّة، ولذلك فما تطرقتَ إليه مما يتعلق بهذه المسألة لا أفهم له معنى ولا أرى له هدفًا. إننا سنظلّ نستخدم مصطلح اللغات السامية، ما دام العلماء متفقين على هذا المصطلح. أما أنت البابلي فإذا لم يرضك هذا المصطلح بسبب موقفك العدائي من اليهود فقم بتغييره، فلك الحق في أن تغير ما بدا لك أنه لا يتفق مع ميولك وأهوائك.
يقول الحكيمُ البابليّ: "كلامي عن اللغات واللهجات والألفاظ والمصطلحات قادني بصورة مباشرة جداً وكضرورة معرفية للقارئ .. للكلام عن التسمية التوراتية العنصرية المُحتَكَرَة لليهود فقط ( اللغات السامية ) ، وهنا تَحَتَمَ عليَ الخوض في بعض التفاصيل الدقيقة عن مدى مصداقية هذه التسمية ، وكل هذا سيؤدي بصورة منطقية للكلام عن الدين اليهودي لشرح المُلابسات والظروف ، لِذا طرحتُ فكري ورأيي دون خشية من أن يخل إستطرادي هذا بسياق الحديث"!
يا للعجب! حين يتعلّق الأمر بانتشار اللغة العربيّة رسميًّا بعد دخول العرب المسلمين بلاد الرّافدين يعتذر الكاتب عن الخوض في شرح يناسب حديثه حتّى وإن كان الشّرح في كلمتين فقط متذرّعًا بأنّ هذا الحديث استطرادٌ يخرجه عن موضوعه وليسَ من اختصاصِه، وحين يتعلّق الأمر بالتّوراة اليهوديّة يستطردُ بما يقارب سدس المقدّمة استطرادًا بعيدًا عن موضوع المقال اللغويّ، وهو كذلك ليس من اختصاصه! تُرى بأيّ معيارٍ يكتب البابليّ مقاله؟!

6.
ينكر البابليّ أنّه يخلط بين اللغة والمذهب الدينيّ – القوميّ ويقول: "وأعرف بأن كل اللهجات المحلية لمسيحيي العراق ( كلدانية وسريانية وآشورية ) هي في الأصل متحدرة من أصل واحد وهو اللغة الآرامية". وسؤالي هنا: لماذا ينكر الخلط، ما دام يعرف أنّ لهجة قومه كلدان اليوم هي لهجة آراميّة؟ لماذا يسميها كلدانيّة وهي لهجة آرامية؟! ولماذا أكون مخطئًا حين أسمع منه هذه التسمية إن أنا اتهمته (بتعمد) التسمية لغاية في نفسه؟
يسطر البابليّ ستّة وثلاثين سطرًا دون أن يجيب على الملاحظة السّادسة! ويحاول أن يتهرّب من الاعتراف بأنّ لهجة بني قومه لهجة آراميّة. ومن خلال اتّهامات ودعوات متطرّفة يصوّبها نحو السّريان والآشوريّين، يثبت عنصريّته القومية أو المذهبية التي سيكون لها تأثير سلبي على أحكامه النّقدية.

8.
يعودُ البابليّ هنا إلى المراوغة تهرّبًا من الإجابة، وبدلَ أن يقرّ بصحّة رأينا في أنّ الكلدانيّة والمندائيّة والإيزيديّة مذاهب دينيّة، لا لغات أو لهجات؛ يحاول أن يثبت عكس ذلك ببعض الأقوال البعيدة عن العلم والمنطق. يقول إنّ كلدانيّة اليوم قوميّة قديمة لا مذهب دينيّ، ونحن لا نعترض على تبنّي الكلدان القوميّة الكلدانيّة فهذا شأنهم والمرء حرّ في اختيار قوميّته وانتماءاته، إنّما نوجّه إليه سؤالًا فنقول: "هاتِ لنا من التّاريخ ما يثبت استعمال تسمية "الكلدان" وصفًا للنساطرة قبلَ القرن الخامس عشر؟
كأن الحكيم البابليّ نسي أنّ "الكلدانيّة" اليوم أصبحت وصفًا لمذهبٍ دينيّ بعد أن كانت في قديم الزّمان قوميّةً كسائر القوميّات، ودليلنا على هذا الكثير من الأقوام المنضوين تحت لواء الكنيسة الكلدانيّة الذين يحملون اسم "الكلدان"، ومن هؤلاء كرد وآشوريّين وسريان وأرمن... إلخ! فإذا كان هؤلاء من مختلف القوميّات ويُسمّون كلدانًا فكيف تكون هذه التّسمية تسميةً قوميّة؟!
وينسى البابليّ أنّ "الكلدانيّة" اليوم في الأعراف الأكّاديميّة ليست سوى مذهبٍ دينيّ عقائديّ! فأمّا لهجة المندائيّين فهي لهجة آراميّة، ولا يعني لنا شيئًا إن كانَ أهلها لا يعلمون ذلك، يكفي علمنا جميعًا بأنّها آراميّة. لكن وللأمانة فإنّ عددًا من الصّابئة الذين التقيتُ بهم في السويد يعرفون أنّ لهجتهم لهجة آراميّة ولا يخجلون من قول هذا.
يقول الحكيم في هذا: "نحنُ نكتب ما يفهمهُ الناس ونُسمي الأشياء بمسمياتها التي يتعامل بها مجتمعنا يومياً ، ولا نُحبذ أن نشارك في ( لخبطة ) وتعقيد تلك المسميات ، بل إستعمالها كما يستعملها الشارع العراقي لتوصيل الفكرة للقارئ". فتأمّلوا في هذا القول يا رعاكم الله! تأملوا كيف يواجه البابلي قراءه بهذا المنطق الأعوج الضعيف!!
هل إذا بيّن أحدهم للنّاس أنّ السّورث واللهجة المندائيّة ليستا سوى لهجتين آراميّتين، اعتبر الناس محاولته هذه لخبطةً وتعقيدًا؟

9.
يؤكّد لنا البابليّ مرّات ومرّات أنّه يقرأ ويجيد القراءة ولكنه لا يريد أن يفهم ما يقرأ على حقيقته!
فقد جاء في نقدي له قولي التالي: "وهذا ما يفسّر أنّ الكثير من معاني الألفاظ العاميّة مستنبطة لا صلة لها بمعاني الألفاظ في لغاتها الأصليّة (الفصحى)". فماذا فعلَ البابليّ؟ لقد نقل قولي هذا بعدَ أن قصّ بدايته: "الكثير من... "! وراحَ يجيب على هذا قائلًا:
"وبرأيي هذا الكلام أو الرأي مغلوط جداً وفيه شطحة تكسر القدم ، فاللغة العامية لا تحوي فقط على كلمات غير فصيحة، وليست كل كلماتها "مُستنبطة" كما تقول أخي ، بل اللغة العامية هي تحوير للفصيح مع دخول الكثير من الصفات والأسماء والألفاظ المنحولة والغريبة والأجنبية فيها ، وبعضها مُحورة من الفصحى بتبديل وقلب الحروف أحياناً ، ومع هذا تبقى فيها كمية لا حصر لها من الفصيح الذي يُلفظ ويُكتب كما الفصيح الأصلي ، فمن أين أتيت لنا ببدعة "الألفاظ العامية مستنبطة لا صلة لها بمعاني الألفاظ في لغاتها الأصلية .. الفصحى".
ماذا نفهم من هذا الرد؟ أنا تحدّثتُ عن "معاني" الألفاظ العاميّة واستنباطاتها، فجاء الحكيمُ ليحدّثنا عن "الكلمات" العاميّة... إلخ! فهل نفهم من حديثه شيئًا مفيدًا؟ إذا كان الحكيم لا يفرق بين كلمتي "المعنى" و"اللفظ" فهو معذور، أما إن كان يعرف الفرق فنسأله: ما علاقة شعبان برمضان؟
ويقولُ أيضًا: "ولعلم السيد جرجي أن كلمة عبيط وكما قلتُ في السابق ليست عامية ، بل فصحى ، ولم تُذكر في القواميس بمعنى : أثول أو أبله أو مغفل ، بل جاءت بمعاني مختلفة". ويبدو أنّ البابلي يُعلِمنا بما لا يعلمه هو بالذّات! ألعلّه اطّلع على المعجم الوسيط وعلى ما جاء تحت لفظة "عبيط" فيه واكتفى به؟
إنّ إصرار البابلي هنا على أنّ العبيط معنى مولّد من اللحم غير النّاضج هو قول مجمع اللغة العربيّة في القاهرة وقد صدر في المعجم الوسيط، وكان حريًّا به أن يبيّن للقارئ من أين أخذ هذا المعنى، لا أن يورده وكأنّه يعود إليه. فأمّا تفسيري فهو تفسير خاصّ بي مستند إلى معنىً فصيح وإلى واقع العبيط بصورته وهيئته وحركاته المعروفة. وقد أشارَ لنا الأستاذ نعيم إيليّا إلى البحث عن معنى هذه الكلمة في اللغة القبطيّة، لأن لفظة العبيط على هذا المعنى لا وجود لها إلا في مصر، ولأنّ الكثير من كلماتنا هو بقية من لغات كانت منتشرة في منطقتنا قبل انتشار العربية فيها.

11.
نعودُ في هذه النقطة إلى تذكير البابليّ بأنّه يكتبُ باللغة العربيّة، فمن واجبه إذن أن يراعي أصولها ويتفهم قواعدها. إن اعتراضه على ملاحظتي هنا اعتراض بلا سند نحوي ولا حجّة لغوية، لأنّ الكلمة (حصرًا) ليست جملة اعتراضية، بل هي لفظ يؤكد أن استعمال اللفظ بهذا المعنى محصور بمنطقة جغرافية هي العراق.

فأمّا عن اتّهام الأستاذ نعيم إيليّا بانتحال شخصيّة سيمون جرجي فهو اتهام ساذج جدًّا، وليسَ فيه من روح المثقّف شيء، للفرق البيّن بين الشخصيّتين فكرًا وثقافةً وسنًّا. يقول البابليّ في هذا: "وللسيد نعيم إيليا أعتقد سبعة أو ثمانية مقالات ، واحدة منها فقط ليست في نقد مقالات كاتبات وكتاب الحوار المتمدن". يبدو أنّ تسرّعه أفقده الصّواب! فللصّديق نعيم، حتّى كتابة ردّ البابليّ، أربعة وعشرين مقالًا، لا ثمانية كما ادّعى البابليّ. وبالطّبع سيكون منهجها الغالب هو النّقد، لأنّ الأستاذ نعيم ناقد رفيع على درجة عالية من الفكر والثّقافة، وهذا ليسَ عيبًا بل وسامًا يوضع على صدره. وأنت تذكر أهمية النقد، ولكن النقد حين يطالك يفقد أهميته ويصبح تجريحًا أو شيئًا مقيتًا. وإذا بدأتُ مسيرتي في الحوار المتمدّن بالنّقد فهل هذا يعني أنّي نعيم إيليّا؟! هل حاولتَ أن تتابع بعضًا من كتاباتي في ما سبق لتعرف إن كنتُ نعيمًا أو كان نعيمُ سيمونَ؟! من المعيب يا أستاذنا البابليّ أن تلجأ إلى هذا الأسلوب للنّيل من شخصيّة كاتب قدير كنعيم، وأنصحُ لكَ بأن تعتذرَ إليه رسميًّا بدلَ إصرارك على اتّهامك البشع، وتذكّر أنّ الاعتراف بالخطأ فضيلة.
تقولُ ضمن براهينك على انتحال نعيم شخصية سيمون: "ثالثاً : كلاكما عندهُ عادة التشبث في نقاشه بإمور صغيرة... خامساً : كلاكما تعتقدان ان كسب أي نقاش عابر هو من الأهمية بمكان ، بحيث يُلجئكم ذلك لمحاولات قد تُعاب عليكم ، والحق النقاش لم يُخلق لغاية الكسب والتفاخر ، بل للمعرفة ومحاولة الوصول لأقرب نقطة للحقيقة ، وهنا لا أنكر أن أي إنسان يسره أن يربح النقاش ، ولكن بطريقة عادلة ونزيهة"!
كتبتُ مقالتي النقدية ردًّا على مقالة سابقة لك، وكانت الأولى، لم يجر نقاشٌ بيني وبينك من قبلها، ومع ذلك تسمح لنفسك بأن تتّهمني "بالتشبّث في النّقاش" وبمحاولة كسب أيّ نقاش. كيف علمت أنني أتشبث بالنقاش؟

تقول في أحد تعليقاتك: "لو لم يكن أي أنسان يمتلك الوقت الكافي للرد والدفاع عن آرائهِ وأفكاره وكتاباته ، فليس هناك من سبب يدعوهُ للكتابة والتورط مع بقية الرؤوس هنا أو في أي مكان آخر"! برغم معرفتك بظروفي الصّعبة التي نقلها إليك الصّديق نعيم. على الكاتب المثقّف أن يكون متسامحًا لطيفًا رؤوفًا بظروف الآخرين، لا متجهّمًا فظًّا قاسيًا كما أظهرتَ في تعليقك هذا وغيره من التعليقات ردًّا على نعيم. لستَ أنت مسؤولًا عن المعرفة أو الكتابة لتضع مقاييس "الكتابة والتورّط مع رؤوس الموقع"! لا تستطيع أن تمنعَ أحدًا من الكتابة أنّى ومتى شاء، فهذا شأن كلّ إنسان ويعود إلى حريته، لا شأنك أنت!



#سيمون_جرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في مقال الحكيم البابليّ -الكلمات النابية الدخيلة في ال ...
- مجتمعٌ ذكوريّ... امرأة تُعجز نفسَها: ردًّا على أسماء صباح!


المزيد.....




- الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا ...
- شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
- استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر ...
- لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ ...
- ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
- قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط ...
- رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج ...
- -حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
- قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
- استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون جرجي - مناقشةُ ردّ الحكيم البابليّ على الملاحظات في مقاله -الكلمات النابية الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة-