|
هل نسي رافد ؟
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3550 - 2011 / 11 / 18 - 22:30
المحور:
الادب والفن
" مستحيل ! القبور المنبوشة لا تلفظ غير العظام . نعم ، سكان القبور لا ينطقون ، و لهذا نحن نرسل كل من لا نريده أن ينطق أو من لا يعرف كيفية النطق بما نريد إلى القبور ! " فكر أبو هيثم مدير أمن واسط و هو يخرج من غرفته مهرولاً و مرتعد الفرائص لاستقبال العميد روكان التكريتي ! ما الذي جاء به إليه في هذا الوقت بالذات ؟ أنه رسول الموت الأسود بعينه . هل جاء ليأخذه معه بالطائرة إلى الفضيلية ، كي يعدم هناك مثلما حصل لمدير أمن ذي قار قبل شهر واحد فقط عندما جاءه روكان و رجال حمايته ، و أقتادوه لساحة الإعدام بالطائرة السمتية مباشرة ؟ راح يستعرض في ذهنه كل تصرف سابق له يمكن أن يسيقه للإعدام الفوري . لا يوجد غير ذلك الموضوع القديم ، و قد أعدم صدّام عدنان الحمداني دون أن ينبس ببنت شفة عنه . و ها قد مضت سبع عشرة سنة عليه ، و لا يمكن أن يكون صدّام قد نبش قبر عدنان الحمداني ، و أستنطقه من جديد فأعترف له بشيء . سكان القبور يحبذون السكوت ، نعم . و من لم ينطق وهو حي ، لن ينطق وهو ميت ! شاهده يسير متبختراً نحوه ، و وراءه رجاله الجبّارين . إنه يبتسم له ؛ هل تلك هي بسمة : أنا لك ؟ وقف أمامه ، و أدى التحية بالإستعداد ، ثم صافحه . ها هو روكان يحتضنه و يقبله ، هل هي قبلة الموت ؟ - أهلاً و سهلاً سيدي ، حمداً لله على سلامتكم ، سيّدي ! - أسمع أبو هيثم ، أنا مستعجل ، كلمتين و أغادر ، فلدي مهمة مستعجلة في البصرة . هل غرفتك جاهزة ، و مؤمنة ؟ - نعم ، نعم ، سيدي ، تفضل ، تفضل ! زارتنا البركة ! يدخل روكان غرفة مدير الأمن , و يتربع على مكتب مدير الأمن . - أغلق الباب بسرعة ! - تؤمر سيدي ، لقد أغلقته ! - إجلس ! - تؤمر سيدي ! - شف أبو هيثم ، بعد ثلاثة أيام سيأتي فريق الأمم المتحدة لحقوق الأنسان و يزور هذه المديرية . هل قمت بتبييضها من المعتقلين السياسيين ؟ - نعم ، سيدي ، نعم ! لقد أعدمناهم كلهم . ألفين راس ، سيدي ! - ممتاز ، و هل لديك الآن موقوفين سياسيين جدد ؟ - خمسة فقط سيدي . - تخلّص منهم حالاً . أنا أعطيك صلاحية إصدار الأحكام الفورية عليهم ، مع صلاحية تنفيذها خلال أربع و عشرين ساعة لكي تبيّض الموقف عندك . مفهوم ؟ - مفهوم سيدي ، مفهوم . ساعتان و لن يبق أي منهم سيدي ! - جيد . - صار سيدي ، و إن كان الوقت غير مناسب . تعلمون سيدي أن موعد الزيارة الأربعينية آت بعد ثلاثة أيام ، و هذا موسم صيد مهم ننتظره بفارغ الصبر كل عام ، و لا يجوز تفويته لاصطياد المناوئين للحزب و الثورة ، سيدي ! - يمكنك اعتقال الناس الخطرين أمنياً في مديريات الأقضية و النواحي ، أما هنا ، فلا يجب أن تبقي أي شخص ، لأن مصادر معلوماتنا تؤكد بأن مديريتك ستكون المحطة الأولى لفرق التفتيش . - صار ، سيدي ! تؤمر ، سيدي ! - أودعناكم . - أين سيدي ؟ أرجوك : أشرب القهوة ! أرجوك ، سيدي ! - خلها غير وقت . أسلم عليك ! - بالسلامة ، سيدي . بعد أن يوصل روكان للطائرة السمتية ، و يودّعه ، يجلس أبو هيثم في غرفته . يخرج زجاجة الوسكي من الثلاجة ، و يشرب منها قليلا ، ثم يغلقها بالسدّادة ، و يعيدها للثلاجة . يدق الجرس ، فيأتيه ياوره عمار ، و يؤدي التحية . - نعم ، سيدي . - رح لرافد ، و قلوا يجيب الموقوفين الخمسي فوراً هين ، و يبقى ويقف بالباب دخشع أصيحو ! - تؤمر ، سيدي ! عند حضور الموقوفين المصفدة أيديهم إلى الخلف ، و المشدودة عيونهم في غرفته ، يخاطب أبو هيثم الموقوف الأول . - و ك عادل ، أنت عش تسب الريّس ، ها ؟ عجل إنت ما تعرف الريس إلو قدسيّة ؟ و الله بلاياه العراق ما يسوى قرش قلب ! عش تسبو ، و هوا سليل الدوحة المحمدية ، ها ؟ - سيدي ، شفت إبني جابوه شهيد بالقصف الأمريكي ، فزهگت ، و سبيته ! سيدي ، حتى الله دا ينسب يومياً ، و كلشي ما يصير على اللي يسبّه ، إي قابل صدام أحسن من الله ؟ - خرا بثمك ، يا حقير ! عجل أنت ما تعرف أنو صدام أقوى من الله ؟ ها ؟ الله بعيد بالسماء ، و صدام قريب في الأرض ؟ - لا و الله ، ما أعرف ! هاي أول مرة أسمع بيها أكو أنسان أقوى من رب العالمين . - تفوه . هيهيهي ! و انت ياللي أسمك فاضل ، وك عجل أنت عش ما عندك غيرة على بلدك العراق ؟ ها ؟ عش تنهزم من الجيش ؟ ها ؟ تقبل يجون الأمريكان ، و يخشون بدارك ، و نيچون خواتك و أمك ؟ ها ؟ - سيدي ، الآمر مال الوحدة مالتي عاداني ، و ما أعطاني أجازة زواج ، يريد مني أعطيه رشوة مليون دينار حتى يعطيني الإجازة ! آني شفت إذا ما اتزوج ، راح أموت بالجبهة بدون زواج ! گلت الأحسن أن أفر ، و أتزوج قبل ما أموت بصواريخ الأمريكان ! - و هوّي الزواج أهم من الوطن ؟ - و الله سيدي الوطن اللي الواحد ما يگدر يتزوج بيه لا خير فيه . - تفو . دحق أشّون لسانو طويل . و أنت ، يا ماجد ، عش تبيع البيض بالغالي للشعب ؟ - سيدي ، آني ما بايع البيض غالي ! هذا المسؤول الحزبي أكرم ، إللي جابني لهنا ، متزوج أربع نسوان ، و صار له عشر سنين كل شهر ياخذ مسواگة لكل نسوانه إبّلاش من محلي ، و طلعني كسر ! طگت روحي ! آخر يوم راد ياخذ مني صندوق بيض السحبة مالت العوائل الجوعانة ! تقبل أنت أعطيه الحصة التموينية مالت الناس الجوعانه ؟ - سد ثمك ، سدو ! كلب ! و أنت اللي أشسمك ، جاسم خرا ، أيه ، وك أنت عش ما تقبل تصير بعثي ، ها ؟ أشبينو حزب البعث ؟ ها ؟ - و أنت شلون تقبل واحد شيوعي يصير بعثي ؟ ها ؟ شنو حزبكم برميل مال صبغ ، و بكيفك تطبب بيه واحد أحمر ، و تطلعة بنزرگي ؟ - خليك راسك ناشف ! و أنت أبوعمامة ، هئهئهئ ، عش طالع بنص الليل ؟ ها ؟ ما تعرف أمر منع التجول بالليل قبل زيارة الأربعين ؟ ها ؟ جنابكم الكسيف رايد تروح مشي لكربلاء ؟ - أستغفر الله سيدي ، و الله كنت عايز پيكين عرگ عوازة ، گلت أطلع أروح أجيبهن من جيراننا بيت أبو آزاد ، أشو كمشوني الرفاق إبّاب بيتي ، و جابوني لهنا رأساً . - لا يا نجس ! أشّون معمم ، و تشرب خرا ؟ - سيدي ، هاي العمامة مالت أبويا ، موش مالتي ! گلت خلي ألبسها حتى الناس يحترموني ، و محّد يشك بيّا بالليل و آني طالع أشتري عوازة . - و انت يالجبان ، ليش ما تقبل تروح جيش شعبي ؟ ها ؟ - سيدي ، آني رجال معوق بالجبهة ، و ما أشوف بالليل ، و عندي درزن زعاطيط ، و أخاف يودّوني للجبهة بالشمال مرة ثانية ، و أموت هناك ، و يبقون جهالي بدون معيل ! - تقبل الناس تقول عليك جبان ؟ - و الله ، يا سيدي ، آني أديت واجبي من كنت غير معوق ، أما بعد العوق ، فهوايا أحسن يگولون علي ستين مرة جبان ، و لا يگولون عليّا مرة واحدة : " الله يرحمه " ! - تفو ! رافد ! رافد ! يدخل شاب ضخم جداً ، طوله متر و تسعين سنتمتر و عرضه نصف متر ، و يؤدي التحية العسكرية ، و يكاد يكسر كاشي الأرضية بضربة قدمه و هو يستعد مع التحية . - شف رافد : خذ ذولي المجرمين ، و داويهم حسب الأصول . هذا الشيوعي اللي متعّبنا ، و راسو ناشف : گص راسو . و هذا التاجر اللي صاير يبيع قوت الشعب بالغالي : گص إيدو . و هذا المنهزم من الجيش : گص إذانو . و هذا اللي يسب الريّس : گص لسانو . و هذا اللي ما عاجبو الجيش الشعبي : گص أنفو . و هذا أبوعمامة : نيچو ، و أطلق سراحو ! صار معلوم ؟ - نعم ، سيدي ! - نفّذ ، فوراً ! - صار ، سيدي ! يؤدي رافد التحية ، ثم يدفع بالرجال المصفدين الخمسة دفعاً خارج غرفة مدير الأمن . يسوقهم نحو زنزانة صغيرة جداً مصممة أصلاً كمرحاض ، و لا تسع شخصين بالكاد ، و يحشرهم فيها حشراً ، و هو يحاول بصعوبة دفع الباب لغلقها ، و قفلها عليهم . يحتج ماجد : - الله و أكبر ! سيدي ، الزنزانة لا تسع خمسة أشخاص ! - لا تخافوا ، سوف لن أبقيكم هنا طويلاُ . دقائق ، و أجلب العدّة ، و أجيكم أنا و الربع ! حضّروا رواحكم ! هنا يخاطب المعمم رافداً متضرعاً : - عيني ، عيني ، سيّد رافد ! - ها ولك ، أبو عمامة ، شتريد ؟ - حبيبي ، الله يخلّيك ، أرجوك لا تنسى ! - ما أنسى أيش ؟ - حبيبي ، ترى آني بس نيچة !
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ريما أم عظام
-
ليلة زيارة الموتى للمقابر
-
القتل و الإبتزاز و الدفن : مجرد تجارة ، ليس إلا
-
رجع الوجع / الحلقة الأخيرة للرواية / 20
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 19
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 18
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 17
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 16
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 15
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 14
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 13
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 12
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 11
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 10
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 9
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 8
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 7
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 6
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 5
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 4
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|