أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - انجيل هيجل















المزيد.....

انجيل هيجل


وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 3550 - 2011 / 11 / 18 - 09:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الموضوع مأخوذ بتصرف من كتاب ( حياة يسوع ) لهيجل ترجمة جرجي يعقوب , ط 1 – 1984 , دار التنوير للطباعة و النشر , بيروت – لبنان . يمثل كتاب ( حياة يسوع ) مرحلة من الطريق التي اجتازها فكر هيجل بين عامي 1790 و 1800 . فقد كتبه في العام 1795 فكانت صياغته واقعة تحت التأثير المباشر لكتاب كانط عن الدين . لقد سعى إلى ان يظهر , بمثل عيني , الصراع بين دين خالص , هو مذهب يسوع , و بين دين وضعي متحجر في شكلية صارمة , دين خارجي تماما , هو الدين اليهودي . و يؤكد السيادة الخلقية للشخص بالنسبة إلى كل ناموس يريد ان يفرض عليه من الخارج . لقد تحدث عن العقل الحر الذي يملي على ذاته ناموس سلوكه الخلقي , و هو ناموس ( مقدس ) , ( ناموس تحرير يخضع له الإنسان ... بحرية ) و تحدث عن العقل ( الذي يفرض الخلقية كواجب ) . و عن عبادة الله المؤسسة على الناموس الخلقي . و حسب يسوع هيجل فان الاعتقاد بالعقل و طاعته وحدهما اللذين يمنحان الإنسان السلام و العظمة الحقيقية ( لان الإنسان لا يحقق مصيره السامي إلا بالعقل ) . تحت تأثير كانط شدد هيجل دائما على قدرة العقل البشري على ان يفرض ناموسه على نفسه . و لهذا السبب فقد اعتبر ان الخلقية مؤسسة في جوهر العقل . و في روايته للإنجيل اعتمد بصورة رئيسية على إنجيل لوقا و أضاف إليها الأحداث المهمة غير الموجودة فيه من الأناجيل الثلاث الأخرى و استنادا إلى تأثيرات كانط الذي يرى ان الإصلاح الحقيقي هو الغاية الحقيقية لكل دين عقلي , فقد حذف ببساطة المعزات التي ترويها الأناجيل . لقد كان هيجل في بداياته يفكر في تأسيس ديانة شعبية تقوم مقام المسيحية الوضعية التي يعتقد إنها دين سلطة و عقيدة . و إنها يجب ان تعود إلى مذهبها الأصلي , أي المبدأ الخلقي . كان يحلم بدين يرضي متطلبات العقل و العاطفة معا , دين خالق لحضارة أكثر تناغما و أكثر غنى . و لكن حتى يكون البناء ممكنا يجب تمهيد الأرض أولا. لذلك كان عليه الشروع في تفحص المسيحية و نقدها . و لكن هذا الأسلوب جعل المشكلة تتوسع حتى صارت مسالة تاريخية . و لكن المسالة التاريخية تحولت بدورها إلى مسالة في الفلسفة الخالصة , و بالتحديد في الفلسفة الصوفية و الحلولية . و هذه ستكون نهاية الطريق الطويل الذي اجتازه فكر هيجل بعد إجهاد كبير . و التعمق في هذا الطريق أوصل هيجل إلى اكبر اكتشافاته الفلسفية , تلك الاكتشافات التي ستتألف منها فيما بعد أحجار الزاوية لمذهبه . و لكن توسيع المشكلة أدى إلى تغيير المثل الأعلى من ( ديانة شعبية ) إلى فكرة ( الحياة ) . ان النقد الشديد و الجريء للمسيحية الوضعية , يشكل الهدف الذي دعا إليه هيجل . هذا النقد لم يقم به هيجل اللاهوتي بل هيجل الفيلسوف المتشرب بالبداية بأفكار ( حركة التنوير ) و أفكار كانط . و بعد عدة سنوات و بعد توسيع المسالة فان الذي يقوم بالنقد هو هيجل المؤرخ – الفيلسوف . المشكلة التي طرحها هيجل هي علاقة معطيات الفكر الكانطي بالدين , كما حمله إلينا التطور التاريخي , أي بالدين الوضعي . و هكذا تساءل : ما هو مصدر العنصر الوضعي في الدين المسيحي ؟ و هذه هي المشكلة التي سعى إلى حلها في كتابه ( نقد المسيحية الوضعية ) . و قد تحولت المسالة بين يدي هيجل إلى مسالة في التاريخ . فقد وصف لنا البيئة اليهودية التي نشا فيها الدين الجديد , و سعى إلى فهم ظهور المسيح تبعا لتلك البيئة . فالمسيح يمثل رد فعل بالنسبة إلى روح تلك البيئة , و تمردا من الطبيعة البشرية , الحرة في جوهرها , ضد الشكلية الصارمة للثيوقراطية اليهودية . بحث هيجل في تلك البيئة عن العناصر التي ضغطت على دين المسيح فجعلته وضعيا بالضرورة و كذلك تبيان تغيير البيئة بتشتت الأمة اليهودية ؟, صيرورة الدين المسيحي دين الدولة في إمبراطورية عظيمة ... و هكذا كان فكر هيجل يعمل عام 1795 فإننا نواجه مؤرخا – فيلسوفا أكثر مما نواجه فيلسوفا بالمعنى الخالص . لقد أراد هيجل حل التناقض الموجود بين حياة الفرد المحدودة و حياة الكون اللامتناهية . لذا أراد هيجل حل الأمور بواسطة مفهومين , هما فكرة ( الحياة ) و فكرة
( الحب ) . و قد لعب هذان المفهومان دورا أساسيا في كتاباته . و بالاستناد إلى هذين المفهومين للحياة و الحب عارض هيجل ( حركة التنوير ) و كانط و تجاوزهما . و بالاستناد إلى المفهومين نفسيهما نقد بخشونة الديانة اليهودية , و المسيحية التي تحدرت منها , من التأثير على فكر هيجل ( حركة التنوير ) . فهي انشات التمييز القاطع بين دين داخلي و دين تاريخي تحقق في المسيحية الوضعية , تحت اسمي ( الدين العقلي ) و ( الدين الوضعي ) . جاءت لتدعم شعور هيجل بالتنافر الذي يحسه بين هذه الوقائع .لقد كان ليسينج يحب التمييز بين العنصر الأزلي و العنصر التاريخي لكل دين و قد تبنى هيجل فكرة ليسينج بان الحقائق الأزلية لا يمكن ان تثبت بواسطة تقاليد تاريخية . و امن بان الحقائق الأزلية يجب ان تؤسس على العقل وحده . و لهذا لم يعلق أهمية على المعجزات , تقدم لنا ( حياة يسوع ) من غير معجزات . ألا ان عنده سببا أقوى لحذف المعجزات . هذا الدافع أملته عليه نزعته الصوفية لفكره و لذلك قال : ( المعجزة تمثل ما هو ابعد ما يكون عن الالوهة لأنها ما هو ابعد ما يكون عن الطبيعة , و لأنها تؤكد , عنفها المخيف , أقسى التنافر بين الروح و الجسد . العمل الإلهي هو تجديد الوحدة و إعادة تكوينها , أما المعجزة فهي أقصى التمزق ) . و لكن هيجل لا يؤمن ان الدين يمكن ان يكون مسالة خاضعة للاستدلال النظري . و هكذا نرى ان هيجل عارض ( حركة التنوير ) رغم تأثره بها .لقد تجاوز هيجل وجهة نظر كانط فيما يخص الدين . ففي ( روح المسيحية ) حارب هيجل كانط و ناموسه الخلقي و شرح دين المسيحية بطريقة مختلفة عما فعله في ( حياة يسوع ) , فاظهر ان خلقية يسوع ليست خلقية الناموس بل خلقية المحبة . ان الشريعة اليهودية , إذ تؤكد وجود علاقة خارجية تماما بين الله و الإنسان , إنما تؤكد وجود انفصام بينهما . و الناموس الخلقي لكانط ينشئ بدوره انفصاما بين الذات الفاعلة و بين الناموس الخلقي , فالأولى فردية أما الثاني فعام و كلي . لكن يسوع , بتأسيسه دين محبة , أبدل الناموس الخلقي بنمط من الشعور , أي بميل إلى العمل على هذا النحو . و هذا الميل أساسه من صلبه , و موضوعه المثالي في ذاته لا في شيء غريب ( أي في ناموس العقل الخلقي ) . ( الخلقية عند كانط هي بالأحرى إخضاع الفردي للكلي , و انتصار هذا على ذاك , أي على نقيضه , أكثر من كونها رفع الفردي إلى مستوى الكلي , و أكثر من وحدة المتناقضين أو حذفهما ) و الخلقية عند هيجل يجب ان تكون إلغاء هذا الانفصام الذي تظهره الحياة , فهي تخلق ذلك الانسجام بالمحبة التي تستبعد أي فكرة للواجب . ان كانط بتأكيده سيادة الناموس الخلقي على ميول الإنسان , يؤكد سيطرة المفهوم العقلي على الحياة . و الاختلاف بين الناموس الخلقي عند كانط و الشريعة اليهودية ليس إلا اختلافا شكليا , فكلاهما يقيمان انفصاما بدل ان يلغياه . و إذا كانت الشريعة اليهودية تنتصب معلما خارج الإنسان , فان ناموس كانط يدخل معلما في قلب الإنسان نفسه . و لهذا السبب ساوى هيجل بين ناموس كانط و الشريعة اليهودية . فناموس كانط يمزق الوحدة الحية للنفس , لأنه هو أيضا يقيم تناقضات . يكتب هيجل ( المحبة لا تعبر عن أي واجب . إنها ليست أمرا كليا يتعارض مع أمر خصوصي . و لا هي وحدة من عمل الفكر المجرد , إنما هي وحدة تخلقها الروح . إنها طريقة وجود إلهية . ان تحب الله يعني ان تشعر بنفسك عائشا في وحدة مع الكل . أما القول ( أحبب قريبك كنفسك ) فلا يعني ان تحب قريبك بقدر ما تحب ذاتك , لان محبتك لذاتك لا معنى لها , و لكنه يعني أحبب قريبك لأنه انت ). و هكذا تكون المحبة نوعا من الوعي الخارق لعمق وحدة الحياة . تصور هيجل ان العلاقة التي تربط الفرد بالكون , الذي هو حياة , علاقة عضوية بين الكل و جزئه . و هكذا , لا يمكن إثبات كون الأجزاء موجودة و معقولة ما لم نثبت الكل في الوقت نفسه و العكس صحيح أيضا . بادراك هذا النوع من العلاقة , و تطبيقها على الكائن بكامله , امتلك هيجل معنى الوحدة الحية و العضوية للعالم فهو سمة الواقع بمجمله إنها حياة . أما الرباط الذي يوحد و يجمع الكل و الأجزاء فيسمى المحبة .و هذان المفهومان كشفا لنا لغز شخصية المسيح و أوضح لنا المعنى العميق للمسيحية . و كان هيجل مقتنعا في تلك المرحلة ان الكون , أو الكل , لا يمكن ان يدرك بالفكر بل بالدين وحده . صحيح انه غير رأيه فيما بعد , و لكن في تلك الفترة كانت هذه هي الكلمة الأخيرة لحكمته .



#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارطة طريق نحو كركوك آمنة
- اشكالية وجود الله ومعرفته والاحساس به
- فرض الحجاب على الطالبات في مدارس العراق
- المسلمون اخوة يسوع
- سورية ... كيف الحل ؟
- اول مخالفة قانونية للمجلس الانتقالي الليبي
- تزييف التاريخ و المسكوت عنه في فتح الاندلس
- كركوك ... القنبلة الموقوتة
- ضوء على الاحداث في مصر
- الفرق بين تدين الانسان وانسانيته
- بسبس 000 ميو
- قانون الايمان المسيحي وثقافة الكراهية والاقصاء
- هل الله واحد ام ثلاثة في الاسلام و في المسيحية ؟
- بين السيجارة وقنينة العرق
- الى اخي عبد الرضا حمد جاسم ...
- ترييف بغداد و تصحرها
- ثقافة التصحر ام تصحر الثقافة ؟
- اهمية العقل النقدي في تطور المجتمع
- ملحمة جلجامش ج 2
- هل الكتاب المقدس محرف ؟


المزيد.....




- روبيو يحذر: على أمريكا التخلي عن جهودها إن لم تنته حرب أوكرا ...
- دولة جزرية نائية في المحيط الهادئ تحصل للتو على أول أجهزة صر ...
- بعد 4 أشهر من هجوم ماغديبورغ الدامي.. السلطات الألمانية تتبا ...
- أرمينيا تؤيد والولايات المتحدة ترفض قرارا في الجمعية العامة ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الأمريكية على منشأة رأس عيسى النف ...
- ميلوني تدعو ترامب إلى -إعادة العظمة- إلى الغرب
- أوزبكستان تناقش مع SpaceX إطلاق قمر صناعي خاص بها
- روبيو: الأيام المقبلة حاسمة لمسار السلام في أوكرانيا.. وإلا ...
- واشنطن تتهم شركة أقمار صناعية صينية بدعم هجمات الحوثيين على ...
- حماس ترفض -الصفقات الجزئية وتسليم السلاح-، ووزراء إسرائيليون ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - انجيل هيجل