رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3544 - 2011 / 11 / 12 - 21:21
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
هذهِ من المرّات القليلة , التي يُثمر فيها الحوار الى تَفهّم أحد طرفيهِ للطرف الآخر . سأوضح قصدي كي لا اُربك القاريء الكريم .
حواري المُستمر مع المُعلّم الشيوعي / فؤاد النمري , جعلني أقترب كثيراً من فهم أفكارهِ وإطروحاتهِ ( وربّما أقول نظريتهِ ) للعمل الشيوعي كما يراه .
ورغم أنّي لم أكن يوماً ماركسياً , ولا حتى مثقفاً شيوعياً , وجُلّ معلوماتي لاتتعدى ثقافة الرجل العادي بهذا الخصوص .
فأنا أعترف بكراهيتي لمصطلحات الأدلجة والتنظير , وخلطي بينها الى درجة لاتفرق عندي البلشفيّة عن المنشفيّة , ولا أوتوقراطيّة عن بلوتوقراطيّة أو بيروقراطيّة , ولا حتى ستالين عن لينين .. إلاّ قليلاً .
ومؤخراً فقط سمعتُ عن المانيفيستو , وفهمتُ أنّ السوفيت أصلها السافيت , وتعني النصيحة , وأنّ الكومنتيرن , هي قيادة الأممية الثالثة . وسعدتُ بالإصغاء الى النشيد الاممي , بعد أن كنتُ أعرف يا عمّال العالم إتحدوا .. وبس ! كما سعدتُ بتعليقات الزيرجاوي وعمر علي وغيرهم من الرائعين !
أوّل إهتمام لي بتلك المصطلحات وتركَ اثراً في نفسي ( كمثلِ علامة فأس في جذع ) كان على يد اُستاذي في السياسة / د. عبد الخالق حسين , عندما أوضح لي بالتفصيل معنى البريسترويكا والغلاسنوت , وما يقودان إليه من إصلاح في الفكر الشيوعي عموماً . وهذا هو الجزء المُفضّل عندي في هذا المجال .
وبهذهِ المناسبة , سأنسخ فكرتهِ عن ( بعض ) الماركسيين , ذكرها في مقالٍ لهُ بمناسبة ذكرى ثورة إكتوبر ,حيث قال :
{ يفتخرُ بعض الماركسيين مع الأسف الشديد، بإصرارهم على عدم تغيير أفكارهم وقناعاتهم والتباهي بالثبات على المبدأ، وخاصة الشيوعيون المخضرمون الذين دخلوا الحركة الشيوعية في أربعينات القرن الماضي عندما كانوا في سن المراهقة , ودون توفر مصادر المعرفة الكافية لهم آنذاك، فحكموا على أنفسهم بالثبات والسجن في شرنقة الأيديولوجيا التي إعتنقوها في تلك الظروف , وأصروا على عدم التغيير لحد الآن، ويكيلون النقد الجارح ضد كل مَنْ إستجاب لمتطلبات العصر وطوّر أفكاره وغيَّر مواقفه. فالحياة تتغير ومعها الأفكار.
إذ كما يقول الروائي الفرنسي الخالد ( فكتور هيجو ) في هذا الصدد
(( إنّهُ لثناء باطل أن يُقال عن رجل إنّ اعتقاده السياسي لم يتغيَّر منذ أربعين سنة… فهذا يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير والتعمق الفكري في الأحداث , إنّه كمثلِ الثناء على الماء لركوده , وعلى الشجرة لموتها )) !
**********
أعود لموضوع اليوم , وسؤالي المُتكرر للأستاذ النمّري عن / كيفية تمييزهِ , بخطٍ فاصل واضح المعالم , بين العمال والبرجوازية الوضيعة (حسب تسميتهِ)
والتي هي .. خدميّة إستهلاكيّة متطفلة , تسرق من وتقتات على , جهدِ البروليتاريا !
ثمّ كيف يُميّز بين العمّال أنفسهم / مُنتجين ؟ أم خدميين ؟
فأنا أرى الأمور متداخلة ( في عالم اليوم ) الى حدّ يتداخل فيهِ العامل المنتج مع الخدمي , بل مع صاحب المصنع ( الرأسمالي ) أحياناً !
كتبتُ مقال في هذا الخصوص عن مثال واضح عشته شخصياً في معمل لتعليب الأسماك وبعض المقبلاّت , وكان بعنوان / البرجوازية الوضيعة عند فؤاد النمري , وكان أوّل مقال حواري معهُ , وهذا رابطهِ
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265177
ذكرتُ فيه تداخل العمل والعمال , ( أنا شخصياً ) أتحوّل من خط الإنتاج الى التعليب , الى التسويق , بل الى التنظيف أحياناً .
حتى مُدير المصنع الذي يملك هو وإختيه 50% من أسهمهِ , وشريكهم الذي يملك ال 50 % الأخرى يقومون بمثل أعمالي , و أحياناً أكثر ,كصيانة المكائن , دون أن ينسوا جدولهم فيما يخّص التنظيف !
***********
كان الاستاذ النمري يُجيبني بصدرٍ رحب وطول بال ( أزعجت بعض المؤدلجين ,فخاطبوه مؤخراً , كيف تجعل العامة يقودونك ؟ ) أو بهذا المعنى .
قال لي عموماً / أنّ الحقّ و الفضل هو للعامل المُنتج فقط ,فهو الممثل لطبقة البروليتاريا !
بينما صاحب رأس المال هو ( نقيضه ) الرأسمالي الجشع المُستغِل .
وبينهما توجد البرجوازية الوضيعة التي تشمل معظم المجتمعات الحديثة في كل الخدمات والتعليم والسياحة والعسكر , وربّما حتى الطبّ !
أخيراً سألتهُ برسالة خاصة ما يلي :
يا اُستاذي العزيز / كيف تكون القيمة الفُضلى للعامل البروليتاري , الذي قد يكون تقني أو مهندس مثلاً ؟
لكن من جهة اُخرى المعلم الذي علمّهم والمدرس والاُستاذ الذي دربّهم ونقل لهم الخبرة النظرية وجربّها أمامهم في المختبرات العمليّة ليتخرجوا
عمّال بروليتاريين أكفّاء , كيف يكون ذلك الشخص برجوازي وضيع ؟
{ملاحظة : النمري لايستثني نفسهُ من تلك الصفة , وأفترض أنّهُ لايحتقر البرجوازية الوضيعة , لأنّهُ منها }.
دعنا من الوفاء والمعاني الإنسانيّة والديمقراطيّة والمساواة المطلوبة ؟
لكن منطقياً لولا المعلّم والطبيب والباحث والعالم وحتى الصحافي وسائق القطار او الأوتوبيس , ومقدّم نشرة الأخبار والفلاح الذي يزرع , والسياسي والإقتصادي الذين يسيرون الحكومة ,والجندي الذي يحمي البلد وغيرهم من الجنود المجهولين , لولا كلّ هؤلاء لما كان عامل بروليتاري واحد في الوجود !
أجابني بتواضع , فرحاً بسؤالي الذي يعني لهُ بداية فهمي وتفريقي بين المصطلحات ومعانيها , وإقترح عليّ قراءة مقالة الموسوم
العمل البرجوازي والعامل البرجوازي , المنشور في 17 / 6 / 2009
وهذا رابطه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265177
************
وها أنذا أفعل , وأقرأ معكم .
والآن سأضع مقطع واحد , ثمّ أسئلتي عليه , أعود لاحقاً في مقال آخر لو تطلّب الأمر .ربّما عن فائض القيمة ومعانيها .
المقطع الاوّل / يقول فيه
{ قد يفجأ الكثيرين ممن لم يقرأوا ماركس كما يتوجب ,فيتساءلوا .. كيف يكون عاملاً وبورجوازياً بذات الوقت ؟
كارل ماركس ميّز بين العامل البروليتاري الذي يبيع جهده محسوباً بعدد ساعات الشغل إلى الرأسمالي تحديداً، والعامل الآخر الذي يبيع إنتاجه بغضّ النظر عمّا يقتضيه من عدد ساعات الشغل إلى أي مشترٍ !
في الحالة الأولى هناك فصل تام بين العامل وإنتاجه، أي أن العامل لم يعد له أيّ علاقة بالمنتوج بعد أن يتم إنتاجه .
وفي الحالة الثانية ليس هناك أي فصل ويظل الإنتاج مُلك العامل ليبيعه كما في شكل إنتاجه.
وللإيضاح يمكن إعتبار الكنّاس الذي يكنس الشارع المُحدد المساحة يومياً مقابل أجر شهري معيّن , عاملاً بورجوازياً . حيث يمكنه أن ينجز الشغل المطلوب خلال وقت قصير نسبياً دون أن يترتب عليه أية مسؤوليات أخرى، فهو يبيع الإنتاج لصالحه مباشرة وليس الجهد . مثل هذا التمايز بين العامل البروليتاري والعامل البورجوازي , أمر جوهري لدى البحث في قيمة العمل وفي الصراع الطبقي، وهو ذو صلة وثيقة بموضوعنا الحالي } إنتهى المقطع
**********
وسؤال هو :
لو كان العمّال (في السويد ) يبيعون جهدهم محسوباً بعدد الساعات , فهل سترضى أن نُطلق عليهم لقب البروليتاري ؟
كما قال ماركس , وكما جاء في مقالك المحترم ؟
لو وافقت , فيتعيّن عليّ القول أنّ اغلب العمّال هنا , هم بروليتاريون الى حدّ النخاع . فهم يحصلون على إجورهم مقابل الساعة , والى حدّ الدقيقة !
هذهِ النتيجة هي جهد الشعب عموماً والأحزاب الإشتراكيّة الديمقراطيّة خصوصاً , ومنها حزبي الذي أنتمي إليه / السوسيال ديموكراتك .
أيّ عامل بدءاً بعامل النظافة والخدمة , و العامل المُنتج والموّزع وصولاً الى الوظائف بأنواعها , حتى الطبيب والبروفيسور وعضو البرلمان والوزير , كلّهم يأخذون إجورهم مقابل ساعات عملهم ودوامهم . { وليسمع أعضاء البرلمان العراقي وأياد علاوي بالذات } !
وبالطبع هناك إختلاف بين سعر الساعة بين عامل النظافة والطبيب .
لكن ما هو أكيد ولا يقبل الجدل هنا في هذا المجال , انّ عاملة النظافة في مدرسة اللغة التي كنتُ فيها في السنة الأولى , كانت تملك ( لا.. ترث ) فلّة فاخرة وسيارة فولفو موديل السنة الماضية وتصطحب كلبها معها بسلسلتهِ المميّزة , وتقف لتشتري من نفس المحل الذي يرتاده الطبيب والمهندس وعمدة المدينة . هذا ليس وهم ولا مبالغة يصفني بها إبراهامي , بل هو الواقع !
والعجب كلّ العجب من السادة الشيوعيين الذين يعيشون في السويد ويعلمون بهذه الحالة , بينما لم يخبروا الاستاذ النمّري بها يوماً !
وأتسائل علناً / لماذا ولمصلحة مَنْ , إخفاء تلكَ الحقيقة ؟
أنا بالطبع لا أدعو الى تجاهل دور الطبقة العاملة , بل العكس هو الصحيح , فالجميع في ظنّي تحوّل في السويد الى بروليتاريا .. أو يكاد !
امّا بخصوص التسميّات / شيوعيّة أوإشتراكيّة , أو ليبرالية أو رأسماليّة فهي آخر ما يهمنّي .
وبحكم دراستي للمحاسبة والإقتصاد أجد مستوى معيشة الناس ومستقبل الإنسانيّة والسلام هو الجوهر , في مجتمعات إختلط فيها الإنتاج الفردي مع الجمعي , نتيجة الضرائب من جهة والضمان الإجتماعي (( للجميع )) من جهة اُخرى .
تصوّروا معي لو قلنا لاضرورة للبرجوازية الصغيرة التي أنتجت مثلاً الإنترنت والساتلايت والموبايل وتفرعاتها , ألن تكون حياة لاطعم لها , وربّما حتى ثورات الربيع العربي لم تكن لتبدأ ,ولبقي الطغاة والبغاة على رؤوسنا وأكتافنا يستنسرون !
************
وبخصوص المقطع التالي من قول النمري
{ .. والعامل الآخر الذي يبيع إنتاجه بغضّ النظر عمّا يقتضيه من عدد ساعات الشغل إلى أي مشتر.. }
الحقيقة الاخرى المعروفة هنا , بهذا الخصوص , أنّ المهاجرين , والمهاجرين فقط هم الذين يضطّرون عمّالهم لهذهِ الطريقة ويفرضوها عليهم
( يسموها العمل الاسود )
حيث يدفعون لهم راتب محدود أو يشترون ساعات عملهم بربع قيمتها في سوق العمل , وفوق هذا لايدفعون الضرائب , ولا يسجلون مدخولاتهم في الكاشيرة اصلاً , وأي محل شرقي تدخلوه ستفهمون قصدي !
إذن القضيّة / أنّ قوانين البلد الاصلية تجعل من كلّ العمال بروليتاريا تبيع ساعة عملها مقابل ثمن معلوم .
ناهيك طبعاً عن الحقوق التي تبدأ ولا تنتهي للعامل , والتأمينات والضمانات في شتى الأحوال والمفاجئات من ترك العمل الى الإصابة الى المرض الفجائي !
**************
ملاحظة
تحيّة من الأعماق للشعب السوري البطل وثوّارهِ الأحرار , مباركٌ لكم هذا اليوم وخطوة الجامعة العربية ( رغم بؤسها وتأخرّها ) بتعليق عضوية نظام الجرذ بشار .
ها هو شعاع الامل يبدو خارج النفق الأسدي المُرعب , فإلى هناك في اللاذقيّة ( مسقط راسهِ ) إنتظروه وإجلبوه الى المحاكمة الشعبية العادلة , ولا تقتلوه كالقذافي لنفهم منهُ فقط , كيف كان هو بطل الممانعة ؟ أموت وافهم معنى الممانعة !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
12 نوفمبر 2011
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟