شبح الاشتراكية يجوب أروقة البرلمان الألماني !

رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 3530 - 2011 / 10 / 29 - 23:29
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

انتهت في الرابع و العشرين من الشهر الحالي أعمال المرحلة الثانية من المؤتمر الثاني لحزب اليسار الألماني، بإقرار برنامج الحزب الأول، الذي جسد طبيعة الحزب كحزب مضاد للرأسمالية ويسعى لتجاوزها، وقد تضمن البرنامج، الذي اتسم بالاتساع و الشمولية ضمن محاور و مواقف عديدة الدعوة لتأميم الشركات الكبيرة، و كذلك الدعوة لبناء اشتراكية ديمقراطية، وقد رأت أحزاب التحالف اليميني الحاكم في ذلك فضيحة سياسية، وفرضت وضع مناقشة الموضوع على جدول أعمال البرلمان.

ما دام الأمر يتعلق بالعداء للشيوعية فلا خلاف يذكر بين أحزاب اليمين الثلاثة التي عانى تحالفها في الأشهر الأخيرة من الكثير من الخلافات ووجهات النظر المتقاطعة، وقد عكست مساهمات المعسكر الحاكم الست طبيعة التعبئة و التحشيد لإثارة الكراهية ضد حزب اليسار و برنامجه الجديد الذي يشكل نقلة نوعية في مسار الحزب الوليد.

لقد انتقد ممثل الحزب الديمقراطي المسيحي بغضب الاشتراكية مدعيا أنها لم تأت، عبر تاريخها بنجاح اقتصادي يذكر، سواء كان ذلك في ألمانيا الديمقراطية أو في الاتحاد السوفيتي أو الصين، و لم يراع في مساهمته الأعراف في البرلمانات الديمقراطية، مستخدما ألفاظا نابية تعكس حالة الضيق التي انتابته.

ممثل الحزب الليبرالي الحر جانب الموضوعية هو الآخر، وشن هجوما على المنظرة و المناضلة الأممية روزا لوكسبورغ، التي يعتبرها حزب اليسار من أهم الشخصيات في تاريخ الحركة العمالية الألمانية، واصفا إياها "بالانقلابية، وإنها وقفت بالضد من الديمقراطية الفتية حينذاك". احد أعضاء الاتحاد الاجتماعي المسيحي عبر عن الخوف الذي يتملك اليمين، عندما خاطب كتلة اليسار قائلا " انتم تريدون مصادرة باردة لممتلكاتنا التي ضمنها الدستور، ولهذا سيستمر جهاز المخابرات بمراقبتكم".

التحالف الحاكم تلقى دعما من الجناح الاقتصادي لحزب الخضر المعارض، فقد اتهمت المتحدثة باسمهم حزب اليسار، بسبب مطالبته بإعادة هيكلة البنوك الخاصة، بالتعصب للدولة مؤكدة " إن بنوك الولايات مارست المضاربة أيضا". الحزب الاجتماعي الديمقراطي (الاشتراكية الدولية) لم يرغب في المناقشات لذلك تخلى عن جزء من الوقت المخصص له، معتبرا إن المناقشة لا تستند إلى معايير المصلحة العامة للجمهور، إلا إن احد أعضاء كتلته النيابية تحدث لدقائق معبرا عن امتعاضه من حزب اليسار لأنه تبنى الاشتراكية الديمقراطية، التي يتبناها حزبه أحيانا، وبذلك فتح حزب اليسار الباب أمام المحافظين و الليبراليين " يستخدم المحافظون و الليبراليون هذا المفهوم لإعادة بناء صورة العدو القديمة أو إعادة إحيائها" على حد تعبيره.

المتحدثون باسم حزب اليسار ردوا على اتهامات خصومهم السياسيين، مذكرين بأن الحزب الاجتماعي الديمقراطي هو من تخلى عن الاشتراكية الديمقراطية وزعزع المصداقية فيها عندما اعتمد عام 1999 ورقة الليبرالية الجديدة التي قدمها المستشار الألماني السابق شرودر و رئيس الوزراء البريطاني بلير، وقد استشهد متحدث اليسار بفقرة من برنامج حزبه و التي تشير إلى أن" الحرية المنفلتة للشركات الكبيرة تعني اللا حرية بالنسبة للناس"، و أكد إن الاشتراكية الديمقراطية التي يعمل حزبه من اجل تحقيقها، ليس لها علاقة بالنموذج الاشتراكي الذي كان قائما في ألمانيا الديمقراطية السابقة.

إن رد فعل اليمين الرسمي وأصدقائه على إقرار برنامج حزب اليسار يستعيد ذهنية و مفردات معاداة الشيوعية التي سادت إبان سنوات الحرب الباردة، فالنواب "الديمقراطيون" عادوا سريعا إلى مفردات مثل "قتلة الجدار" و "الانقلابيون" و الإبادة الجماعية، لان المناقشة تدور حول برنامج اليسار و هدفه الاشتراكي المعلن، بالرغم من عدم إمكانية مقارنة حزب اليسار الألماني بالأحزاب التي قادت التجربة الاشتراكية السابقة، أما لماذا هذا الغضب من الأحزاب البرجوازية؟ فيعود ذلك، في المقام الأول، إلى إن الرأسمالية تعيش الآن واحدة من أصعب أزماتها، و إن قواها السياسية الحاكمة لا تملك إجابات على الأسئلة التي تثيرها الأزمة، ناهيك عن القدرة على تجاوزها، فاليمين الحاكم في ألمانيا يحاول إبراز وحدته في مواجهة خصومه السياسيين، و يسعى لتشويه سمعة كل من يشكك بأسس الليبرالية الجديدة، ومن يسعى لمجتمع ونظام اقتصادي بديل، وهم هنا ( اليمين الألماني) يلتقون مع القوى الحاكمة في البلدان الرأسمالية المتطورة، وربما ستجد حملة الحكومة الألمانية إذنا صاغية ما دام الناس في ألمانيا لا يتلمسون التأثيرات السلبية للازمة المالية ، بنفس القدر الذي يعش في ظله نظرائهم في البلدان الغربية الأخرى.

#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات