|
رجع الوجع / رواية بحلقات / 19
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3528 - 2011 / 10 / 27 - 20:53
المحور:
الادب والفن
في اليوم التالي ، يذهب ضابط الأمن فهمي منير لمقر الشعبة الحزبية لجلب التقارير الأمنية الواردة إليها من المنظمات الحزبية التابعة لها ، فيجد خاله يباشر دوامه هناك . يسأله : لماذا يستمر بدوامه اليومي كحزبي متفرغ و هو في شهر العسل ؛ فيجيبه مسؤول الشعبة : - ألا تعرف طبائع خالك زيدان ؟ إنه مثلي تماماً . لم يأخذ إجازة من الحزب و لو يوماً واحداً منذ ساعة إستحداث هذه الشعبة الحزبية و حتى يومنا هذا. كل يوم يداوم من الساعة السابعة صباحاً و حتى الساعة السابعة مساءً . و هو يتناول غداءه معي هنا ! و كل هذا كي لا نسمح للأحزاب الهدامة بالعبث بأمن و استقرار هذا البلد العظيم الآمن ! حاشا لله ! نعم ! - بارك الله بكم ، رفاق ! سأنقل هذا الكلام بأمانة للرفيق صباح كردي ، لينقله بدوره للقيادة العليا للحزب ! - أشكرك جزيل الشكر ، رفيق ! - لا شكر على واجب ! في نفس اليوم ، يأخذ فهمي إجازة إعتيادية لليوم ألتالي . و في صباح اليوم التالي ، يدخل بيت خاله زيدان في الساعة الثامنة صباحاً ، و لا يخرج منه إلا في السادسة مساء ، و بجيبه عشرة آلاف دينار . يذهب من هناك لبيت صباح كردي . تستقبله زوجته ساهرة - و هي أرملة الحاج سالم التي ورثت ثُمْنَ ثروته الطائلة بفضل وفاته قبل إكمال إجراءات طلاقه منها ، فتزوجت بصباح . يسلمها رسالة لصباح حول تفاني المسؤولَين الحزبيَين في أداء و اجبهما الحزبي بكل جد و إخلاص في خدمة الحزب و الثورة ، مشفوعة بتوصيته تكريمهما بإيفاد على نفقة خزينة الدولة لمدة ثلاثة شهور للإستجمام في باريس ؛ و يطلب منها تسليمها لزوجها ، مع التوصية بدعمها إكراماً لذكرى الأيام الخوالي بينهما ، قائلاً لها أنه سينتظر زوجها هذه الليلة في فندق بغداد ، و يغادر . من هناك يذهب لثلاثة بيوت دعارة تشرف عليها أم إبراهيم في البتاوين و أم سارة في الكرّادة و أم أمل في زيّونة ، و يستلم إسبوعياته منهن ، و فوقها نكتة جديدة من كل منهن . و من زيّونة يذهب لفندق بغداد . يتناول عشاءه هناك ، ثم يطلب زجاجة الوسكي الفاخر "أولد پار". يكرع أول قدح ، فيأتي صباح كردي و معه ثلاثة من حماية السيد النائب : العشيق الجديد لزوجته ساهرة . يطلب فهمي زجاجة وسكي من نفس النوع ، مع المزّة ، لكل واحد من الأربعة . و على تكّات أنخاب كؤوس الوسكي ، يخططون لكيفية إستدراج أجمل طالبة في جامعة بغداد لمكتب السيد النائب لتتشرف بحضنه المقدس أولاً ، ثم يرميها للنصف المقدس صباح و زبانيته ، ليسلموها للمباغي بعد حين إن لم تقبل أن تصبح مسؤولة حزبية قيادية تتنقل من فِراش قيادي لآخر حتى تلتقي بعريس الغفلة . يستقر الرأي أخيراً على إستخدام المساعي الحميدة لأم فهمي ، مسؤولة تنظيم إتحاد نساء العراق ، لهذا الغرض . ثم يكلمه فهمي بخصوص رسالته التي تركها عند زوجته ساهرة ، فيعده خيراً بصددها . ينهي كل واحد منهم كرع كامل زجاجة الوسكي التي أمامه ، ثم يأمر لهم فهمي بطعام العشاء . تجلجل قهقهات الرجال الخمسة في أجواء بار الفندق عندما يسمعهم فهمي نكات المباغي التي وصلته اليوم . يلتهم الأربعة عشاءهم ، و يدفع فهمي الحساب . بعدها يذهب الجميع لبيت الدعارة الراقي لأم كرستي في المنصور ، لوجود "وُصَل جديدة" فيه حسب تعبير فهمي . و لا يكتفون بالمتعة المجانية عند أم كرستي ، بل يستلم فهمي منها أسبوعيته حسب الأصول ، مع نكتة جديدة حول التساؤل الإستنكاري لأحد شيوخ العشائر من رواد المبغى من البغي العارية التي إختارها بنفسه و هي تخلع له ملابسه فتبدأ طبعاً بعقاله : "ما هذا الذي تفعلينه بي ؟ ها ؟ تخلعين عقالي ؟ ألا يوجد هنا أي إحترام ؟" و من هناك يذهبون لتناول عشاءهم الثاني في مطعم پاچة الحاتي لتصريف الوسكي . في ليلة زواج هاجر بعبد الله ، تعامله هاجر بأسوأ من معاملتها لإبن عمها جمال يوم إستدراجها له للغرفة الفوقانية ، مع فارق إلإستسلام الكامل لعبد الله . و بعد مضي أربع و عشرين ساعة ، تحوّله بالعصا لعبد لها مثلما كان عبداً لأبيها . ثم تفرض عليه استصدار أمر إداري بنقل جمال من دهوك لبغداد لكونه "إبن عمها" ، فيفعل ذلك صاغراً . و بعد شهر ، تستقبل إبن عمها جمال في دارها ، و يصبح هو و زوجها عبدين لها . و بعد إنجابها لوليد ، يعيش الأربعة في بيت واحد معاً بعد أن يصبح جمال مرافقاً دائمياً لعبد الله . و ينتقلون معاً من محافظة لأخرى مع تنقلات ضابط الأمن عبد الله من مديرية أمن لأخرى في كركوك و السليمانية و البصرة و الناصرية ، و أخيراً الحلة . عندما ينهي جولته الليلية في القاطع المغلق لمديرية الأمن في مستشفى الحلة الجمهوري ، ينتقل الدكتور حسام مع الممرضة جنان – وهي مهندسة حديثة التعيين تمضي دورتها التمريضية الإجبارية – لردهة الكسور . و فيما هو جالس يشرب الشاي في غرفة الطبيب ليغالب النعاس ، يسمع أصوات دربكة . يخرج من غرفته إلى الممر ، فيشاهد رجلاً يرتدي بذلة أنيقة ، مع أربعة شبان باللباس المدني ، و إمرأة بلباس ريفي . أحد شبان المجموعة يحمل بين ذراعيه صبياً قدّر عمره بحوالي السبع سنين و هو يمد ذراعه إلى أمام . يتوجّه الدكتور حسام مسرعاً نحو الشاب الذي يحمل الصبي , و يسأله : - ما به هذا الطفل ؟ - أعتقد كسر باليد ، دكتور . - أين ؟ - في يده الممدودة . - أعطني إياه . يحمل الطبيب الطفل إلى غرفة الإسعافات ، و يمدده على سرير العمليات ، و يتفحص يده الممدودة إلى أمام : كسر في الرسغ يتطلب إعادة العظم المكسور لاستقامته . تلتحق به الممرضة جنان . - ست جنان ، لدينا حالة كسر رسغ ! إمسكي ساعد الطفل بثبات لطفاً . تمسك جنان ساعد الطفل ، و يمسك الطبيب باليد ، و يسحبها إليه . - آخ يمّه ! هوووو ! - خلصنا ، بابا . جيد . ست جنان : جبيرة لطفاً . - حاضر ، دكتور ! - لا تحرّك يدك ! ما أسمك ؟ - مروان ! - و بأي صف أنت ؟ - الصف الثاني الإبتدائي . - سبع ! أنت سبع أم لا ؟ - نعم ، سبع ! - ما دمت سبعاً ، فلا تحرك يدك أبداً . إتفقنا ؟ - إتفقنا ! - أنت سبع حقيقي ! كيف إنكسر رسغك ؟ - تدحرجت من الدرج ! - متى ؟ - قبل ربع ساعة . كنت ذاهباً من غرفتي للحمام . - غرفتك في الطابق الثاني ؟ - نعم . تأتي جنان و هي تدفع عربة مستلزمات التجبير . فيما يبقى الطبيب ممسكاً بيديه الرسغ المكسور . يخاطب الرجل الأنيق : - تفضل بالإقتراب مني أستاذ . نعم . أريدك أن تمسك الرسغ بدون حركة من تحته بالضبط مثلما أنا ماسك به الآن . هل تقدر ؟ - نعم . يمسك الرجل الأنيق اليد بالشكل المطلوب . - أحسنت ! يتلمس الطبيب إستقامة العظم . - جيد . يتولى الطبيب ، تساعده جنان ، تجبير الرسغ . و بعد حوالي خمسة دقائق ، ينهي الطبيب عمله . - ما رأيك يا مروان بيدك الآن ؟ - لقد أصبحت كبيرة ! - نعم ، كبيرة و حلوة . هل تحس بالوجع فيها الآن ؟ - لا ، لقد طابت ! - عظيم ! - أسمع مروان . أولاً عليك أن لا تمسك أو تحمل أي شيء بيدك هذه ، مفهوم ؟ - نعم ! - كما يجب أن تتحرك برويّة ، و ممنوع عليك منعاً تاماً الركض و لعب الرياضة مع أصحابك ، واضح ؟ - نعم ! - أين هو والدك ؟ - أنا والده ، دكتور . - أستاذ : يجب أن تبقى هذه الجبيرة خمساً و أربعين يوماً كي يلتحم العظم جيداً . - و متى يستطيع مروان الخروج من المستشفى ؟ - الآن ، إن أحببت ، أستاذ ! - و هل يحتاج لدواء ما ؟ - كلا . - هل تأمرونني بشيء ؟ - لا تدعوه يتحرك كثيراً ، و لا يصعد الدرج ، و لا يجب أن يسقط على يده المكسورة مرة أخرى أبداً . - طيب . هل تأمرون بشيء آخر ؟ - سلامتك . يؤشر الرجل الأنيق للشباب معه لحمل الصبي ، و هو يقول لهم : - انتظروني بالسيارة ، تحت . يحمل نفس الشاب الطفل ، و يخرج الجميع . يطلب الرجل الأنيق الإختلاء بالدكتور حسام ، فتخرج الممرضة جنان من الغرفة . يغلق الرجل الأنيق الباب . - دكتور ، إسمح لي بأن أسدد الأجور . - المستشفى حكومي ، أستاذ . - أقصد أجرة تعبك . - شكراً أستاذ . الخدمات الطبية هنا مجاناً مثلما تعلم ؛ و إن كنتَ أنت محتاجاً ، فأنا مستعد لأعطيك من جيبي الخاص ! - بارك الله فيك يا دكتور . أود أن أعرفك بنفسي : أنا أبو مروان ، مدير أمن محافظة بابل . إن عنّت لديك أية حاجة ، فلا تتردد بالإتصال بي مباشرة ؛ و هذا هي بطاقتي الشخصية . يستلم الدكتور حسام البطاقة و هو يقول : - صحيح ؟ لقد كان مساعدك هنا هذا المساء ، و زار القاطع الخاص . - مساعدي ؟ - نعم . الرائد عبد الله زيدان . - هل أنت متأكد ؟ - نعم بالتأكيد . لقد زار القاطع الأمني المغلق قبل حولي الساعتين فيما كنت أطبب الشاب المكسور الجمجمة و الساعدين و مشط القدم . - و ماذا أراد ؟ - أراد أن يعرف متى سيستفيق المتهم من غيبوبته . - صحيح ؟ و ما أسم المتهم ؟ - أعتقد "ميثم" ، و هو شاب مراهق في الخامسة أو السادسة عشرة من العمر . - و كيف عرفت كم هو عمره ؟ - من الطبلة العائدة له . - و بماذا أجبته ؟ - قلت له أن المتهم لديه كسر في الجمجمة ، مع نزيف داخلي في الدماغ ، عدا كسوره و رضوضه الأخرى ؛ و أنه قد لا يستيقظ أبداً ، أو قد يصبح ميتاً سريرياً ، كما يمكن أن تحصل لديه مضاعفات أخرى . - و هل أراد السيد المساعد شيئاً آخر ؟ - نعم . لقد طلب مني السماح له بعضّ أنف المتهم - الغائب عن الوعي و المصفد بالسرير - بقصد الإنتقام الشخصي منه ! - و هل سمحت له بذلك ؟ - لا ، طبعاً . - و لماذا ؟ - لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى قتل المريض إختناقاً . - هم . و هل طلب منك السيد المساعد شيئاً آخر ؟ - لا ! - شكراً جزيلاً ، دكتور ! بطاقتي هي الآن في جيبك ، فلا تتردد بالإتصال بخصوص أي شيء . سمعت ؟ أي شيء ! و ستجدني كفواً إنشاء الله . - شكراً جزيلاً . لا يوجد لدي أدنى شك في ذلك ! يخرج أبو مروان من المستشفى و هو يفكر : كيف السبيل لإزاحة مساعده هذا ؟ إنه مصيبة ، بل كارثة حقيقية حلت به ، و ليس مساعداً له . لقد بدأت شكوكه بإخلاصه بعد مضي ستة شهور من نقله من مديرية أمن ذي قار إلى بابل . لاحظ أن إيراداته الشهرية البرّانية الضخمة تتناقص باستمرار ، فيما يتضاعف عدد المعدومين بالمقارنة مع الشهور الستة السابقة . صارحه بالموضوع ، مبيناً له فداحة خسارته على وضعه المعاشي ، فأنحى مساعده باللائمة على تعقد إجراءات بيع المعامل و العمارات و الدور العائدة ملكيتها للمعدومين الأغنياء الذين تم الإتفاق على حشرهم في التنظيمات الوهمية لاستصدار القرار بتصفية أموالهم المنقولة و غير المنقولة و تقاسم الغنيمة حسب النسب المتفق عليها : 70% له ، و 30% للمساعد . ثم جاءت قضية العميد الركن صاحب فالح حسين . لم يعترف هذا بالتهمة الموجهة إليه ، و مات تحت التعذيب على يد المساعد . و كإجراء تقليدي متبع منذ أيام ناظم گزار بغية تفويت الفرصة على المقتولين تحت التعذيب من الإفلات من عقوبة مصادرة أموالهم المنقولة و غير المنقولة و التي تكسب المحققين الذهب ، فقد تم تدوين اعترافاته المزورة بعد وفاته ، و كذلك اعترافات المتهمين الآخرين عليه ، و تصديقها قضائياً ، و أعتبر منتحراً بسبب صحوة الضمير ، و صدر الحكم عليه بالإعدام بعد موته كما لو كان قد حضر المحاكمة بشخصه . و بسبب الحظ العاثر ، فقد كانت زوجة العميد المغدور قريبة لزوجة عزت الدوري ، فقدمت عن طريقها طلباً لإعادة النظر بقضية زوجها باعتباره عسكرياً محترفاً له تاريخ مجيد ، و لما هو معروف عنه من الإلتزام و الشجاعة و الإخلاص للحزب و الثورة . زارت مديريته لجنة تحقيق رئاسية بهذا الصدد ، فكشفت قضية التلاعب بإعترافات المتهمين لحشر الأثرياء فيها بقصد سلب أموالهم بعد صدور الأحكام عليهم ، لكون كل حكم لمحكمة الثورة بالسجن من ستة شهور و حتى الإعدام يستوجب مصادرة الأموال المنقولة و غير المنقولة للمحكوم عليهم . و للفلفة الموضوع ، فقد دفع هو من جيبه الخاص خمسة ملايين دينار لأعضاء اللجنة الرئاسية لكي تبرر الموضوع بكونه مجرد خطأ حاصل بسبب تشابه الأسماء . في حينها ، حذّره رئيس الهيئة التحقيقية - و هو يداعب نهد البغي التي جلبها له بيد ، و يمسك كأس الوسكي بيد - بأن أية شكوى جديدة ضده لحالات مشابهة تصل للرئاسة ستؤدي إلى نقله من بابل إلى تكريت أو الرمادي ، فتنقص أو تنعدم موارده البرانية الضخمة جداً لضآلة إمكانات تلبيس الأثرياء هناك بتهمة الإنتساب لأحزاب معادية لحزب البعث . كما نصحه بوضع صندوق للشكاوي ، و متابعة القضايا الواردة فيه أسبوعياً لغرض لفلفتها حسب الأصول ، و التحسب لعقابيلها قبل وصولها للجهات العليا . بعدها صدر قرار لمجلس قيادة الثورة باعتبار العميد الركن صاحب فالح حسين شهيداً ، مع إعادة كل أمواله المصادرة . و عندما إستدعى هو لمكتبه المشتري لدار العميد المصادر ، و سلمه صكاً بمبلغ ستة عشر ألف دينار ثمن مبيع الدار المثبت في إضبارة القضية ، لكي يعيد الدار لزوجة و أطفال العميد الشهيد ، أبلغه المشتري بأنه قد دفع لمساعده عبد الله زيدان مائة و خمسين ألف دينار ثمن الدار ، و ليس الستة عشر ألف دينار المثبتة في سجلاتهم الرسمية و المقيدة إيرادا لخزينة الدولة . الله أكبر على هذا الإعتداء الآثم على رزقه و رزق أطفاله ! يا أخي : قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق ! إستدعى مساعده لمكتبه حالاً ، و واجهه مع المشتري للدار ، فتنابزا أولاً . ثم حصحص الحق . فقد شهد شهود العيان للمشتري بأنه قد دفع المائة و الخمسين ألف دينار بيد شرطي الأمن جمال حسب طلب المساعد ، و أيد جمال استلامه للمبلغ المذكور ، و تسليمه لمساعده باليد . سدد المساعد النسبة المستحقة لمديره على مضضً بعد أن هدده الأخير برفع القضية إلى ألجهات العليا . عندها ، قرر مدير الأمن إجراء جرد للحالات المماثلة الحاصلة في القضايا التي حسمتها محكمة الثورة . و المحقق فيها من طرف مساعده ، فوجد نقصاً يزيد على العشرة ملايين دينار في مستحقاته . إستدعى مساعده لمكتبه ، و قدم له كشفاً مفصلاً بالنواقص ، و طالبه بتسديدها ، فطلب منه مهلة لذلك . نعم ، هذا المساعد كارثة حقيقية عليه ، و ليس مساعداً له . الوضع بات خطيراً ، و لا يجوز له السكوت عليه مطلقاً ، فخسائره فادحة : عشرة ملايين دينار ، أي ثلاثون مليون دولار أمريكي في بحر ستة شهور ؛ إنه مبلغ مهول . و إذا إستمر الحال على هذا المنوال ، فلن يكتمل تشييد بناية فندقه ذي الخمس و العشرين طابقاً في عمّان هذه السنة في الموعد المحدد ، و سيخسر الملايين كل شهر ! أفضل حل هو السعي لنقل مساعده عبد الله زيدان لمديرية الأمن في تكريت مثلاً أو الرمادي . كيف السبيل لتحقيق ذلك و مساعده مسنود من الجهات العليا ؟ فكر و فكر و فكر . و أخيراً إهتدى للحل المثالي : أحسن خيار أمامه هو أن يدفع قاضي التحقيق في المديرية لرفع شكوى لمدير الأمن العام ضد مساعده ، يتهمه فيها بمحاولة تظليل القضاء عبر فبركة الجرائم الأمنية ضد أناس أبرياء و مخلصين للحزب و الثورة في قضية ما تزال قيد التحقيق . في مثل هذه الحالة ، سيصبح هو خارج الموضوع لكون التحقيق في القضية مستمر ، و لم تتم إحالة أوراقها بتوقيعه لمحكمة الثورة . طيب ، أي قضية قيد التحقيق يمكنه إستثمارها لهذا الغرض ؟ كل القضايا ! تسع و تسعون بالمائة من المتهمين في القضايا الأمنية هم أبرياء ! و لكنه لا يسمح لنفسه بوقف التحقيق ضد أي شخص يرفع إليه تقرير أمني ضده أو يصعد إعتراف صادق أو كاذب عليه ، فقد ينفّذ هذا الشخص عملية إجرامية ضد الحزب إذا ما بقي حراً ، فيُتهم هو بالإهمال ، و تسجل نقطة ضده . و بالتالي فأن إعدام من قد يكون شخصاً بريئاً أمر مبرر تماماً ، لأن كل إبن آدم خطّاء ، و عليه ، فلا يمكن أبداً إستبعاد إحتمال أن لا يكون هذا الشخص بريئاً ، فيضر الحزب و الثورة ، ثم يقع وزره عليه كمدير للأمن لم يؤد واجبه بإلقاء القبض عليه و إعدامه . ثم أن إعدام أي شخص حتى عندما يكون موالياً للحزب و الثورة أمر لا يخلو من النفع العام للحزب و الثورة ، إذ إن من شان إنتشار خبر إعدامه على الملأ أن يزيد في هلع الصاغرين ، و أن يكبح غلواء المعادين ، و هم كثر . و من يدري ، فقد يحبط ثورة قيد التخطيط أو التنفيذ قوامها فيلق كامل التسليح ! ما يحتاجه هو قضية فيها شهود إثبات معتبرين ؛ نعم ، شهود إثبات محايدين علاوة على منتسبي مديرية الأمن و المتهمين ! هناك أولاً قاضي التحقيق ، و هو طبعاً شخصية عامة محل إعتبار . و لحسن الحظ ، فقد زوّده الدكتور حسام هذه الليلة بمبتغاه : شهادة ثانية محايدة تعزز الشهادة الأولى عن زيارة غير مصرح بها ، و سرية ، و خارج أوقات الدوام الرسمي ، للقاطع الأمني المغلق في المستشفى الجمهوري ؛ و محاولة قتل متهم مصاب بالغيبوبة و هو مصفد . و إذا ما صحت معلومات الطبيب ، فهناك أيضاً تهمة تزوير عمر المتهم ، و تحويله من قاصر إلى راشد لكي لا يُخفف الحكم عليه . أين المفر الآن يا مساعدي الخائن ؟ ها ؟ هذا ما جنته نفسك الحقيرة عليك ، و ليس أي شخص غيرك ! نعم ، عليه أن يذهب فوراً للمديرية ليدقق مجدداً كل أوراق قضية ميثم ، و يهيئ كل الأدلة القاطعة على إدانة مساعده الحقير هذا ، فيضعها تحت تصرف قاضي التحقيق بدون أدنى تأخير . ابتسم بفضول و هو يتخيل ردة فعل قاضي التحقيق عندما يكتشف قيامه بالمصادقة على إعترافات و على معلومات كاذبة ، و بضمنها تصديق إفادة متهم فارق الحياة بتاريخ سابق على تاريخ التصديق . سيشيب رأسه ، و ترتعد فرائصه ، و سيعمل كل شيء لتلبيس القضية كلها برأس الرائد عبد الله زيدان باعتباره ضابط التحقيق المسؤول عن القضية برمتها ، لكي يفلت هو منها بلا خسائر . يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 18
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 17
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 16
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 15
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 14
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 13
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 12
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 11
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 10
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 9
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 8
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 7
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 6
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 5
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 4
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 3
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 2
-
رجع الوجع / رواية بحلقات
-
كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
-
رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش
المزيد.....
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|