أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 19















المزيد.....

رجع الوجع / رواية بحلقات / 19


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3528 - 2011 / 10 / 27 - 20:53
المحور: الادب والفن
    


في اليوم التالي ، يذهب ضابط الأمن فهمي منير لمقر الشعبة الحزبية لجلب التقارير الأمنية الواردة إليها من المنظمات الحزبية التابعة لها ، فيجد خاله يباشر دوامه هناك . يسأله : لماذا يستمر بدوامه اليومي كحزبي متفرغ و هو في شهر العسل ؛ فيجيبه مسؤول الشعبة :
- ألا تعرف طبائع خالك زيدان ؟ إنه مثلي تماماً . لم يأخذ إجازة من الحزب و لو يوماً واحداً منذ ساعة إستحداث هذه الشعبة الحزبية و حتى يومنا هذا. كل يوم يداوم من الساعة السابعة صباحاً و حتى الساعة السابعة مساءً . و هو يتناول غداءه معي هنا ! و كل هذا كي لا نسمح للأحزاب الهدامة بالعبث بأمن و استقرار هذا البلد العظيم الآمن ! حاشا لله ! نعم !
- بارك الله بكم ، رفاق ! سأنقل هذا الكلام بأمانة للرفيق صباح كردي ، لينقله بدوره للقيادة العليا للحزب !
- أشكرك جزيل الشكر ، رفيق !
- لا شكر على واجب !
في نفس اليوم ، يأخذ فهمي إجازة إعتيادية لليوم ألتالي . و في صباح اليوم التالي ، يدخل بيت خاله زيدان في الساعة الثامنة صباحاً ، و لا يخرج منه إلا في السادسة مساء ، و بجيبه عشرة آلاف دينار . يذهب من هناك لبيت صباح كردي . تستقبله زوجته ساهرة - و هي أرملة الحاج سالم التي ورثت ثُمْنَ ثروته الطائلة بفضل وفاته قبل إكمال إجراءات طلاقه منها ، فتزوجت بصباح . يسلمها رسالة لصباح حول تفاني المسؤولَين الحزبيَين في أداء و اجبهما الحزبي بكل جد و إخلاص في خدمة الحزب و الثورة ، مشفوعة بتوصيته تكريمهما بإيفاد على نفقة خزينة الدولة لمدة ثلاثة شهور للإستجمام في باريس ؛ و يطلب منها تسليمها لزوجها ، مع التوصية بدعمها إكراماً لذكرى الأيام الخوالي بينهما ، قائلاً لها أنه سينتظر زوجها هذه الليلة في فندق بغداد ، و يغادر . من هناك يذهب لثلاثة بيوت دعارة تشرف عليها أم إبراهيم في البتاوين و أم سارة في الكرّادة و أم أمل في زيّونة ، و يستلم إسبوعياته منهن ، و فوقها نكتة جديدة من كل منهن . و من زيّونة يذهب لفندق بغداد . يتناول عشاءه هناك ، ثم يطلب زجاجة الوسكي الفاخر "أولد پار". يكرع أول قدح ، فيأتي صباح كردي و معه ثلاثة من حماية السيد النائب : العشيق الجديد لزوجته ساهرة . يطلب فهمي زجاجة وسكي من نفس النوع ، مع المزّة ، لكل واحد من الأربعة . و على تكّات أنخاب كؤوس الوسكي ، يخططون لكيفية إستدراج أجمل طالبة في جامعة بغداد لمكتب السيد النائب لتتشرف بحضنه المقدس أولاً ، ثم يرميها للنصف المقدس صباح و زبانيته ، ليسلموها للمباغي بعد حين إن لم تقبل أن تصبح مسؤولة حزبية قيادية تتنقل من فِراش قيادي لآخر حتى تلتقي بعريس الغفلة . يستقر الرأي أخيراً على إستخدام المساعي الحميدة لأم فهمي ، مسؤولة تنظيم إتحاد نساء العراق ، لهذا الغرض . ثم يكلمه فهمي بخصوص رسالته التي تركها عند زوجته ساهرة ، فيعده خيراً بصددها . ينهي كل واحد منهم كرع كامل زجاجة الوسكي التي أمامه ، ثم يأمر لهم فهمي بطعام العشاء . تجلجل قهقهات الرجال الخمسة في أجواء بار الفندق عندما يسمعهم فهمي نكات المباغي التي وصلته اليوم . يلتهم الأربعة عشاءهم ، و يدفع فهمي الحساب . بعدها يذهب الجميع لبيت الدعارة الراقي لأم كرستي في المنصور ، لوجود "وُصَل جديدة" فيه حسب تعبير فهمي . و لا يكتفون بالمتعة المجانية عند أم كرستي ، بل يستلم فهمي منها أسبوعيته حسب الأصول ، مع نكتة جديدة حول التساؤل الإستنكاري لأحد شيوخ العشائر من رواد المبغى من البغي العارية التي إختارها بنفسه و هي تخلع له ملابسه فتبدأ طبعاً بعقاله : "ما هذا الذي تفعلينه بي ؟ ها ؟ تخلعين عقالي ؟ ألا يوجد هنا أي إحترام ؟" و من هناك يذهبون لتناول عشاءهم الثاني في مطعم پاچة الحاتي لتصريف الوسكي .
في ليلة زواج هاجر بعبد الله ، تعامله هاجر بأسوأ من معاملتها لإبن عمها جمال يوم إستدراجها له للغرفة الفوقانية ، مع فارق إلإستسلام الكامل لعبد الله . و بعد مضي أربع و عشرين ساعة ، تحوّله بالعصا لعبد لها مثلما كان عبداً لأبيها . ثم تفرض عليه استصدار أمر إداري بنقل جمال من دهوك لبغداد لكونه "إبن عمها" ، فيفعل ذلك صاغراً . و بعد شهر ، تستقبل إبن عمها جمال في دارها ، و يصبح هو و زوجها عبدين لها . و بعد إنجابها لوليد ، يعيش الأربعة في بيت واحد معاً بعد أن يصبح جمال مرافقاً دائمياً لعبد الله . و ينتقلون معاً من محافظة لأخرى مع تنقلات ضابط الأمن عبد الله من مديرية أمن لأخرى في كركوك و السليمانية و البصرة و الناصرية ، و أخيراً الحلة .
عندما ينهي جولته الليلية في القاطع المغلق لمديرية الأمن في مستشفى الحلة الجمهوري ، ينتقل الدكتور حسام مع الممرضة جنان – وهي مهندسة حديثة التعيين تمضي دورتها التمريضية الإجبارية – لردهة الكسور . و فيما هو جالس يشرب الشاي في غرفة الطبيب ليغالب النعاس ، يسمع أصوات دربكة . يخرج من غرفته إلى الممر ، فيشاهد رجلاً يرتدي بذلة أنيقة ، مع أربعة شبان باللباس المدني ، و إمرأة بلباس ريفي . أحد شبان المجموعة يحمل بين ذراعيه صبياً قدّر عمره بحوالي السبع سنين و هو يمد ذراعه إلى أمام . يتوجّه الدكتور حسام مسرعاً نحو الشاب الذي يحمل الصبي , و يسأله :
- ما به هذا الطفل ؟
- أعتقد كسر باليد ، دكتور .
- أين ؟
- في يده الممدودة .
- أعطني إياه .
يحمل الطبيب الطفل إلى غرفة الإسعافات ، و يمدده على سرير العمليات ، و يتفحص يده الممدودة إلى أمام : كسر في الرسغ يتطلب إعادة العظم المكسور لاستقامته . تلتحق به الممرضة جنان .
- ست جنان ، لدينا حالة كسر رسغ ! إمسكي ساعد الطفل بثبات لطفاً .
تمسك جنان ساعد الطفل ، و يمسك الطبيب باليد ، و يسحبها إليه .
- آخ يمّه ! هوووو !
- خلصنا ، بابا . جيد . ست جنان : جبيرة لطفاً .
- حاضر ، دكتور !
- لا تحرّك يدك ! ما أسمك ؟
- مروان !
- و بأي صف أنت ؟
- الصف الثاني الإبتدائي .
- سبع ! أنت سبع أم لا ؟
- نعم ، سبع !
- ما دمت سبعاً ، فلا تحرك يدك أبداً . إتفقنا ؟
- إتفقنا !
- أنت سبع حقيقي ! كيف إنكسر رسغك ؟
- تدحرجت من الدرج !
- متى ؟
- قبل ربع ساعة . كنت ذاهباً من غرفتي للحمام .
- غرفتك في الطابق الثاني ؟
- نعم .
تأتي جنان و هي تدفع عربة مستلزمات التجبير . فيما يبقى الطبيب ممسكاً بيديه الرسغ المكسور . يخاطب الرجل الأنيق :
- تفضل بالإقتراب مني أستاذ . نعم . أريدك أن تمسك الرسغ بدون حركة من تحته بالضبط مثلما أنا ماسك به الآن . هل تقدر ؟
- نعم .
يمسك الرجل الأنيق اليد بالشكل المطلوب .
- أحسنت !
يتلمس الطبيب إستقامة العظم .
- جيد .
يتولى الطبيب ، تساعده جنان ، تجبير الرسغ . و بعد حوالي خمسة دقائق ، ينهي الطبيب عمله .
- ما رأيك يا مروان بيدك الآن ؟
- لقد أصبحت كبيرة !
- نعم ، كبيرة و حلوة . هل تحس بالوجع فيها الآن ؟
- لا ، لقد طابت !
- عظيم !
- أسمع مروان . أولاً عليك أن لا تمسك أو تحمل أي شيء بيدك هذه ، مفهوم ؟
- نعم !
- كما يجب أن تتحرك برويّة ، و ممنوع عليك منعاً تاماً الركض و لعب الرياضة مع أصحابك ، واضح ؟
- نعم !
- أين هو والدك ؟
- أنا والده ، دكتور .
- أستاذ : يجب أن تبقى هذه الجبيرة خمساً و أربعين يوماً كي يلتحم العظم جيداً .
- و متى يستطيع مروان الخروج من المستشفى ؟
- الآن ، إن أحببت ، أستاذ !
- و هل يحتاج لدواء ما ؟
- كلا .
- هل تأمرونني بشيء ؟
- لا تدعوه يتحرك كثيراً ، و لا يصعد الدرج ، و لا يجب أن يسقط على يده المكسورة مرة أخرى أبداً .
- طيب . هل تأمرون بشيء آخر ؟
- سلامتك .
يؤشر الرجل الأنيق للشباب معه لحمل الصبي ، و هو يقول لهم :
- انتظروني بالسيارة ، تحت .
يحمل نفس الشاب الطفل ، و يخرج الجميع . يطلب الرجل الأنيق الإختلاء بالدكتور حسام ، فتخرج الممرضة جنان من الغرفة . يغلق الرجل الأنيق الباب .
- دكتور ، إسمح لي بأن أسدد الأجور .
- المستشفى حكومي ، أستاذ .
- أقصد أجرة تعبك .
- شكراً أستاذ . الخدمات الطبية هنا مجاناً مثلما تعلم ؛ و إن كنتَ أنت محتاجاً ، فأنا مستعد لأعطيك من جيبي الخاص !
- بارك الله فيك يا دكتور . أود أن أعرفك بنفسي : أنا أبو مروان ، مدير أمن محافظة بابل . إن عنّت لديك أية حاجة ، فلا تتردد بالإتصال بي مباشرة ؛ و هذا هي بطاقتي الشخصية .
يستلم الدكتور حسام البطاقة و هو يقول :
- صحيح ؟ لقد كان مساعدك هنا هذا المساء ، و زار القاطع الخاص .
- مساعدي ؟
- نعم . الرائد عبد الله زيدان .
- هل أنت متأكد ؟
- نعم بالتأكيد . لقد زار القاطع الأمني المغلق قبل حولي الساعتين فيما كنت أطبب الشاب المكسور الجمجمة و الساعدين و مشط القدم .
- و ماذا أراد ؟
- أراد أن يعرف متى سيستفيق المتهم من غيبوبته .
- صحيح ؟ و ما أسم المتهم ؟
- أعتقد "ميثم" ، و هو شاب مراهق في الخامسة أو السادسة عشرة من العمر .
- و كيف عرفت كم هو عمره ؟
- من الطبلة العائدة له .
- و بماذا أجبته ؟
- قلت له أن المتهم لديه كسر في الجمجمة ، مع نزيف داخلي في الدماغ ، عدا كسوره و رضوضه الأخرى ؛ و أنه قد لا يستيقظ أبداً ، أو قد يصبح ميتاً سريرياً ، كما يمكن أن تحصل لديه مضاعفات أخرى .
- و هل أراد السيد المساعد شيئاً آخر ؟
- نعم . لقد طلب مني السماح له بعضّ أنف المتهم - الغائب عن الوعي و المصفد بالسرير - بقصد الإنتقام الشخصي منه !
- و هل سمحت له بذلك ؟
- لا ، طبعاً .
- و لماذا ؟
- لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى قتل المريض إختناقاً .
- هم . و هل طلب منك السيد المساعد شيئاً آخر ؟
- لا !
- شكراً جزيلاً ، دكتور ! بطاقتي هي الآن في جيبك ، فلا تتردد بالإتصال بخصوص أي شيء . سمعت ؟ أي شيء ! و ستجدني كفواً إنشاء الله .
- شكراً جزيلاً . لا يوجد لدي أدنى شك في ذلك !
يخرج أبو مروان من المستشفى و هو يفكر : كيف السبيل لإزاحة مساعده هذا ؟ إنه مصيبة ، بل كارثة حقيقية حلت به ، و ليس مساعداً له . لقد بدأت شكوكه بإخلاصه بعد مضي ستة شهور من نقله من مديرية أمن ذي قار إلى بابل . لاحظ أن إيراداته الشهرية البرّانية الضخمة تتناقص باستمرار ، فيما يتضاعف عدد المعدومين بالمقارنة مع الشهور الستة السابقة . صارحه بالموضوع ، مبيناً له فداحة خسارته على وضعه المعاشي ، فأنحى مساعده باللائمة على تعقد إجراءات بيع المعامل و العمارات و الدور العائدة ملكيتها للمعدومين الأغنياء الذين تم الإتفاق على حشرهم في التنظيمات الوهمية لاستصدار القرار بتصفية أموالهم المنقولة و غير المنقولة و تقاسم الغنيمة حسب النسب المتفق عليها : 70% له ، و 30% للمساعد . ثم جاءت قضية العميد الركن صاحب فالح حسين . لم يعترف هذا بالتهمة الموجهة إليه ، و مات تحت التعذيب على يد المساعد . و كإجراء تقليدي متبع منذ أيام ناظم گزار بغية تفويت الفرصة على المقتولين تحت التعذيب من الإفلات من عقوبة مصادرة أموالهم المنقولة و غير المنقولة و التي تكسب المحققين الذهب ، فقد تم تدوين اعترافاته المزورة بعد وفاته ، و كذلك اعترافات المتهمين الآخرين عليه ، و تصديقها قضائياً ، و أعتبر منتحراً بسبب صحوة الضمير ، و صدر الحكم عليه بالإعدام بعد موته كما لو كان قد حضر المحاكمة بشخصه . و بسبب الحظ العاثر ، فقد كانت زوجة العميد المغدور قريبة لزوجة عزت الدوري ، فقدمت عن طريقها طلباً لإعادة النظر بقضية زوجها باعتباره عسكرياً محترفاً له تاريخ مجيد ، و لما هو معروف عنه من الإلتزام و الشجاعة و الإخلاص للحزب و الثورة . زارت مديريته لجنة تحقيق رئاسية بهذا الصدد ، فكشفت قضية التلاعب بإعترافات المتهمين لحشر الأثرياء فيها بقصد سلب أموالهم بعد صدور الأحكام عليهم ، لكون كل حكم لمحكمة الثورة بالسجن من ستة شهور و حتى الإعدام يستوجب مصادرة الأموال المنقولة و غير المنقولة للمحكوم عليهم . و للفلفة الموضوع ، فقد دفع هو من جيبه الخاص خمسة ملايين دينار لأعضاء اللجنة الرئاسية لكي تبرر الموضوع بكونه مجرد خطأ حاصل بسبب تشابه الأسماء . في حينها ، حذّره رئيس الهيئة التحقيقية - و هو يداعب نهد البغي التي جلبها له بيد ، و يمسك كأس الوسكي بيد - بأن أية شكوى جديدة ضده لحالات مشابهة تصل للرئاسة ستؤدي إلى نقله من بابل إلى تكريت أو الرمادي ، فتنقص أو تنعدم موارده البرانية الضخمة جداً لضآلة إمكانات تلبيس الأثرياء هناك بتهمة الإنتساب لأحزاب معادية لحزب البعث . كما نصحه بوضع صندوق للشكاوي ، و متابعة القضايا الواردة فيه أسبوعياً لغرض لفلفتها حسب الأصول ، و التحسب لعقابيلها قبل وصولها للجهات العليا .
بعدها صدر قرار لمجلس قيادة الثورة باعتبار العميد الركن صاحب فالح حسين شهيداً ، مع إعادة كل أمواله المصادرة . و عندما إستدعى هو لمكتبه المشتري لدار العميد المصادر ، و سلمه صكاً بمبلغ ستة عشر ألف دينار ثمن مبيع الدار المثبت في إضبارة القضية ، لكي يعيد الدار لزوجة و أطفال العميد الشهيد ، أبلغه المشتري بأنه قد دفع لمساعده عبد الله زيدان مائة و خمسين ألف دينار ثمن الدار ، و ليس الستة عشر ألف دينار المثبتة في سجلاتهم الرسمية و المقيدة إيرادا لخزينة الدولة . الله أكبر على هذا الإعتداء الآثم على رزقه و رزق أطفاله ! يا أخي : قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق ! إستدعى مساعده لمكتبه حالاً ، و واجهه مع المشتري للدار ، فتنابزا أولاً . ثم حصحص الحق . فقد شهد شهود العيان للمشتري بأنه قد دفع المائة و الخمسين ألف دينار بيد شرطي الأمن جمال حسب طلب المساعد ، و أيد جمال استلامه للمبلغ المذكور ، و تسليمه لمساعده باليد . سدد المساعد النسبة المستحقة لمديره على مضضً بعد أن هدده الأخير برفع القضية إلى ألجهات العليا . عندها ، قرر مدير الأمن إجراء جرد للحالات المماثلة الحاصلة في القضايا التي حسمتها محكمة الثورة . و المحقق فيها من طرف مساعده ، فوجد نقصاً يزيد على العشرة ملايين دينار في مستحقاته . إستدعى مساعده لمكتبه ، و قدم له كشفاً مفصلاً بالنواقص ، و طالبه بتسديدها ، فطلب منه مهلة لذلك . نعم ، هذا المساعد كارثة حقيقية عليه ، و ليس مساعداً له . الوضع بات خطيراً ، و لا يجوز له السكوت عليه مطلقاً ، فخسائره فادحة : عشرة ملايين دينار ، أي ثلاثون مليون دولار أمريكي في بحر ستة شهور ؛ إنه مبلغ مهول . و إذا إستمر الحال على هذا المنوال ، فلن يكتمل تشييد بناية فندقه ذي الخمس و العشرين طابقاً في عمّان هذه السنة في الموعد المحدد ، و سيخسر الملايين كل شهر ! أفضل حل هو السعي لنقل مساعده عبد الله زيدان لمديرية الأمن في تكريت مثلاً أو الرمادي . كيف السبيل لتحقيق ذلك و مساعده مسنود من الجهات العليا ؟
فكر و فكر و فكر . و أخيراً إهتدى للحل المثالي : أحسن خيار أمامه هو أن يدفع قاضي التحقيق في المديرية لرفع شكوى لمدير الأمن العام ضد مساعده ، يتهمه فيها بمحاولة تظليل القضاء عبر فبركة الجرائم الأمنية ضد أناس أبرياء و مخلصين للحزب و الثورة في قضية ما تزال قيد التحقيق . في مثل هذه الحالة ، سيصبح هو خارج الموضوع لكون التحقيق في القضية مستمر ، و لم تتم إحالة أوراقها بتوقيعه لمحكمة الثورة . طيب ، أي قضية قيد التحقيق يمكنه إستثمارها لهذا الغرض ؟ كل القضايا ! تسع و تسعون بالمائة من المتهمين في القضايا الأمنية هم أبرياء ! و لكنه لا يسمح لنفسه بوقف التحقيق ضد أي شخص يرفع إليه تقرير أمني ضده أو يصعد إعتراف صادق أو كاذب عليه ، فقد ينفّذ هذا الشخص عملية إجرامية ضد الحزب إذا ما بقي حراً ، فيُتهم هو بالإهمال ، و تسجل نقطة ضده . و بالتالي فأن إعدام من قد يكون شخصاً بريئاً أمر مبرر تماماً ، لأن كل إبن آدم خطّاء ، و عليه ، فلا يمكن أبداً إستبعاد إحتمال أن لا يكون هذا الشخص بريئاً ، فيضر الحزب و الثورة ، ثم يقع وزره عليه كمدير للأمن لم يؤد واجبه بإلقاء القبض عليه و إعدامه . ثم أن إعدام أي شخص حتى عندما يكون موالياً للحزب و الثورة أمر لا يخلو من النفع العام للحزب و الثورة ، إذ إن من شان إنتشار خبر إعدامه على الملأ أن يزيد في هلع الصاغرين ، و أن يكبح غلواء المعادين ، و هم كثر . و من يدري ، فقد يحبط ثورة قيد التخطيط أو التنفيذ قوامها فيلق كامل التسليح !
ما يحتاجه هو قضية فيها شهود إثبات معتبرين ؛ نعم ، شهود إثبات محايدين علاوة على منتسبي مديرية الأمن و المتهمين ! هناك أولاً قاضي التحقيق ، و هو طبعاً شخصية عامة محل إعتبار . و لحسن الحظ ، فقد زوّده الدكتور حسام هذه الليلة بمبتغاه : شهادة ثانية محايدة تعزز الشهادة الأولى عن زيارة غير مصرح بها ، و سرية ، و خارج أوقات الدوام الرسمي ، للقاطع الأمني المغلق في المستشفى الجمهوري ؛ و محاولة قتل متهم مصاب بالغيبوبة و هو مصفد . و إذا ما صحت معلومات الطبيب ، فهناك أيضاً تهمة تزوير عمر المتهم ، و تحويله من قاصر إلى راشد لكي لا يُخفف الحكم عليه . أين المفر الآن يا مساعدي الخائن ؟ ها ؟ هذا ما جنته نفسك الحقيرة عليك ، و ليس أي شخص غيرك ! نعم ، عليه أن يذهب فوراً للمديرية ليدقق مجدداً كل أوراق قضية ميثم ، و يهيئ كل الأدلة القاطعة على إدانة مساعده الحقير هذا ، فيضعها تحت تصرف قاضي التحقيق بدون أدنى تأخير . ابتسم بفضول و هو يتخيل ردة فعل قاضي التحقيق عندما يكتشف قيامه بالمصادقة على إعترافات و على معلومات كاذبة ، و بضمنها تصديق إفادة متهم فارق الحياة بتاريخ سابق على تاريخ التصديق . سيشيب رأسه ، و ترتعد فرائصه ، و سيعمل كل شيء لتلبيس القضية كلها برأس الرائد عبد الله زيدان باعتباره ضابط التحقيق المسؤول عن القضية برمتها ، لكي يفلت هو منها بلا خسائر .
يتبع ، لطفاً .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 18
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 17
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 16
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 15
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 14
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 13
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 12
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 11
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 10
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 9
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 8
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 7
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 6
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 5
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 4
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 3
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 2
- رجع الوجع / رواية بحلقات
- كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
- رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش


المزيد.....




- -المعرض الدولي للنشر والكتاب- بالرباط ينطلق الخميس بمشاركة ع ...
- اللغة العربية في طريقها الى مدارس نيشوبينغ كلغة حديثة
- بين الرواية الرسمية وإنكار الإخوان.. مغردون: ماذا يحدث بالأر ...
- المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية ...
- دول عربية تحظر فيلما بطلته إسرائيلية
- دول عربية تحظر فيلما بطلته الإسرائيلية
- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 19