|
فلتسقط الرأسمالية
مكارم ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3519 - 2011 / 10 / 18 - 10:53
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يتصور بعض الكتاب العرب بان النظام الرأسمالي إنهار منذ سبعينات القرن الماضي لصالح تمدد الطبقة الوسطى واتساعها المتسارع المترافق مع انقلاب الإقتصاد الرأسمالي إلى الإقتصاد الإستهلاكي وحلول دولة الرفاه محل دولة الرأسمالية حتى بلغ اتساعها في أقوى قلاع الرأسمالية وهي الولايات المتحدة إلى أكثر من 80% من الحجم الكلي للمجتمع. مع أدوات الإنتاج الرأسمالية الحديثة التي تعمل بالطاقة الحرارية والكهربائية والذرية وبالأتمتة الرفيعة المستخدمة لم يعد للإنتاج اليدوي الصغير دور يلعبه في السوق. اندثر نهائياً دون أدنى احتمال لأن يُبعث من جديد. وهكذا، فبعد أن تحررت الدول المحيطية خلال الفترة ما بين 1946 و 1972 وفكت روابطها مع مراكز الرأسمالية، اضطر زعماء الدول الرأسمالية الخمس الكبرى (G5)، التي فقدت أسواقها وواجهت بذلك أزمة قاتلة، إلى عقد مؤتمر لهم في قلعة رامبوييه في باريس نوفمبر 1975 اتخذوا فيه قرارات تؤدي إلى التخلي عن نظام الإنتاج الرأسمالي والتحول إلى "نظام" الإقتصاد الإستهلاكي حيث يزداد استهلاك الناس للبضائع الرأسمالية من جهة، ويتم تقليص الإنتاج الرأسمالي من جهة أخرى وبهذا فان النظام الرأسمالي صار إلى انحلال ولن يعود إلى ثورة.وصار إلى الإقتصاد الإستهلاكي المغاير". هذا هو تحليل احد الكتاب العرب.
في الحقيقة ان اي كاتب يصدق هذا التحليل فانه لايدرك مطلقا حقيقة جوهرية وهي ان الاقتصاد الاستهلاكي نشأ مع بداية الثورة الصناعية حيث كانت الدولة تنتج السلعة التي تغطي احتياجات مواطنيها ولاتصنع سلعة ليست بحاجة لها. ومع نمو االراسمالية بدات الدولة بتصنيع السلع التي لايحتاجها مواطنيها لانها اساسا قد غطت جميع احتياجاته ولهذا كان على الدولة مهمة اقناع مواطنيها اي المستهلك من خلال الاعلام والدعايات باهمية شراء هذه السلعة الجديدة التي انتجتها .
وعلى نفس الاساس يتم بيع الاسلحة التي تنتجها المصانع الامبريالية الى دول لاتحتاج هذه الاسلحة ولكن يمكن اجبارها على شراء هذه الاسلحة من خلال خلق اعداء لها واشعال فتن طائفية وحروب وغزوات .
وعلى سبيل المثال اي مواطن يمتلك موبايل تليفون خلوي يغطي احتياجاته وباسعار زهيدة ولكن باعتبار ان الدولة راسمالية تهدف دوما لجني ارباح كبيرة يتم تصنيع موبايل جديد وتبدا عملية اقناع المستهلك بالدعايات بشراء هذا الموبايل ماركة اي فون بسعر 900 دولار في حين انه يمكن شراء موبايل ماركة نوكيا او سامسون بسعر 50 دولار يغطي احتياجاته . فالنظام الاستهلاكي موجود منذ بداية الثورة الصناعية, ولكن الهدف من انتاج السلعة لم يعد بهدف تغطية حاجة المستهلك بل بهدف جني ارباح اكثر مهما كانت النتائج حتى لو تضررت البيئة وتم استغلال ايدي عاملة فقيرة في الدول النامية. كما هو الحال في صناعات مناجم الذهب والمعادن والفحم التي تكون في الشرق الاوسط والدول الفقيرة والتلوث بهذه الحالة يكون بعيدا عن الدول الاوروبية وماوراء الاطلسي وهذه الاعمال الخطرة للعامل تكون في تلك الدول حيث لاتبالي شركات الاستثمار الغربية بصحة العامل و مقدار التلوث البيئي للمنطقة و تعويض العامل . وقد كانت هناك اعتصامات كثيرة لعمال المناجم في تلك الدول بغرض رفع اجورهم والحصول على تعويضات بسبب الاضرار الصحية ولكن لم يحصلوا على شئ . ومنذ فترة بسيطة قتل ثلاث عمال في اكبر مناجم الذهب العالمية في شرق اندنوسيا اثناء فترة اعتصامهم ولااحد يعلم من قتلهم.
ان النظام الراسمالي المعولم تعرض لازمات عديدة لكنه كتن ينجو منها مرارا وينمو من جديد. ولكن مع بداية الازمة الاخيرة عام 2007 ظهرت احتجاجات شعبية عارمة في فرنسا وايرلندا قبل اندلاع الثورات في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين. ولكن تم اخماد هذه الاحتجاجات من خلال قرض البنوك المفلسة اموالا . ولقد كانت هذه الازمات بالاخص في دول الاتحاد الاوروبي التي تمتاز بضعف عملة اليورو لديها كاليونان واسبانيا وفعلا قامت احتجاجات ثورية كبيرة مستمرة في اليونان واسبانيا وكذلك في مدن عديدة في انكلترا وتم اعتقال اعداد كبيرة من المتظاهرين الشباب المتمردين حيث لم يعد لديهم اي قدرة على تحمل الفقر والتهميش الذي يمارس عليهم من قبل الحكومات الليبرالية الجديدة في العالم. واليوم تمتد هذه الاحتجاجات والاعتصامات لتتسع رقعتها في 951 مدينة في العالم منها فرنسا, المانيا, روما وكينيا وجنوب افريقيا وحتى اليابان حيث تساند هذه المدن الاحتجاجات التي اندلعت في شوارع وول ستريت في نيويورك منذ شهر من قبل مجموعة اسمها احتلوا وول ستريت ( occupy Wall street ) . تساندها مجموعة شباب في انكلترا اسمها احتلوا بورصة لندن. وقد القى مؤسس الويكيليكس جوليان اسانج في لندن كلمة للمتظاهرين البالغ عددهم 800 تضامنا مع هذه الاحتجاجات. كما اندلعت احتجاجات في كوبنهاكن من قبل مجموعة اسمها المجموعة التروتسكية وهي جزء من حزب القائمة الموحدة رفعت شعارات سقوط الراسمالية وبناء مجتمع جديد تضامنا مع مجموعة احتلوا وول ستريت . لقد ابتدات هذه الاحتجاجات في الغرب من قبل العاطلين برفع شعارات ضد المصرفيين على اساس انهم سبب الازمة المالية العالمية وسبب استفحال البطالة والفقر حيث ينهبون الاموال لصالحهم رغم الديون التي تعاني منها الدولة. الا ان هذه الشعارات بدات تتعمق لترفع شعارات جديدة جوهرها ماركسي مثل تسقط الراسمالية ومعا لازالة الطبقات والقضاء على الفقر بعد مشاركة تنظيمات يسارية ماركسية في هذه الاحتجاجات. ولكن مايثير الاستغراب هو ان جميع هذه الدول تحمل حكوماتها النيوليبرالية مسؤولية الازمة المالية والاقتصادية بسبب نظامها الراسمالي ما عدا دول اوربا الشرقية التي كانت سابقا دول شيوعية مثل هنغاريا وبلغاريا والشيك فهي لاتحمل حكوماتها مسؤولية الفقر والبطالة التي انتشرت في بلادهم بعد سقوط انظمتهم الشيوعية بل يعتبرون ان سبب الفقر والبطالة في دولهم هم الغجر الرومان الكسالى المتطفلون على المساعدات حسب تعبيرهم . ويعتقدون ان حل أزمتهم هذه هي برمي الرومان الغجر خارج بلادهم او ايجاد دولة لهم على شاكلة اسرائيل . لقد جعلوا الرومان الغجر كبش الفداء لازمتهم الاقتصادية ولم يستوعبوا ان النظام الراسمالي هو المسؤول عن الازمة العالمية. وهذا يعني ان هناك بالفعل مجموعات مازالت لاتدرك دور النظام الراسمالي في هذه الازمة المالية والاقتصادية العالمية وارتفاع معدل عدد الفقراء واستفحال البطالة. وهذا يعني انهم لن يحققوا اي تغيرات حقيقية في اوضاعهم مادام التشخيص هو خاطئ ولايمت للحقيقة باية صلة . ولكن من جهة اخرى فان تضامن احتجاجات الشباب في 951 مدينة في العالم اليوم دليل على وعيهم العميق لاسباب هذه الازمة وشعاراتهم بسقوط الراسمالية دليل على وعيهم للحل الجذري لهذه الازمة. فلتسقط الراسمالية وليتضامن الجميع تحت هذا الشعار علينا بناء مجتمع جديد نقضي فيه على الفقر والاستغلال ونحاول الحفاظ على الارض من اجل الاجيال القادمة . فلتستمر هذه الثورات والاصوات حتى تقتلع الانظمة الاستغلالية البشعة في كل بقاع الارض في الشرق الاوسط وماوراء الاطلسي. مكارم ابراهيم
#مكارم_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة ماركس!
-
دولة فلسطين, كردستان, الصحراء الغربية
-
إعتقال الدنماركي انطون نيلسن لتضامنه مع حركات المقاومة !
-
مفهوم التحرر عند المرأة!
-
أسباب إنهيار الشيوعية السوفيتية من مناظير مختلفة !
-
دعوة الى التعايش السلمي !
-
الاسلام فقط وماذا عن بقية الاديان؟
-
اليسار الالماني يواجه حربا شرسة
-
اليسار والاسترايتيجية الفلسطينية
-
حكومة نسائية يسارية للدنمارك
-
محرقة اليهود أسطورة أم حقيقة؟
-
العراق بحاجة الى ثورة فكرية
-
أمريكا وحقوق الانسان/شِعاروتطبيق
-
الصراع الطبقي في الدول الاسكندنافية
-
المجد لأبطال مريرت في المغرب
-
الإغتصاب في الغرب بالأرقام
-
العولمة وتسونامي الازمة المالية
-
وأخيرا اليساريون كانوا على حق!
-
الدعم الغربي الى ليبيا وافريقيا
-
الى نوري المالكي
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|