أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أ:سمر أبوركبة - حقوق الانسان والديمقرطية















المزيد.....



حقوق الانسان والديمقرطية


أ:سمر أبوركبة

الحوار المتمدن-العدد: 3514 - 2011 / 10 / 12 - 20:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حقوق الإنسان والديمقراطية
بقلم: أ سمر أبور كبة
إن حقوق الإنسان وحريته الأساسية تمكننا أن نطور ونستعمل على نحو كامل خصالنا الإنسانية وقدراتنا العقلية ومواهبنا ووليدة نظام قانوني معين، إنما هي تتميز بوحدتها وتشابهها، باعتبارها ذات الحقوق التي يجب الاعتراف بها واحترامها وحمايتها، لأنها جوهر ولب كرامة الإنسان ، ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل ، فكلاهما سواء أمام القانون وأمام الله .
من ضمن الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، أي حق الإنسان في حياته، الأمان الشخصي حق الإنسان في حريته الشخصية، حفظ الكرامة ، المحاكمة العادلة ، سواء كمدعي أو مدعى عليه أمام محكمة ، تكفل له حق الدفاع عن نفسه ، وإذا لم يستطع ماديا ، فتقوم المحكمة بتخصيص محام يدافع عنه على نفقتها. كذلك أن يكون استئناف الحكم مكفولا.
مشكلة الدراسة:
الإشكاليات الرئيسية للدراسة ليست إيجاد تعريفا لحقوق الإنسان كونها تلك الحقوق الأصلية في طبيعتها، والتي بدونها لا يستطيع الإنسان العيش كبشر.
وتتناول المشكلة العديد من التساؤلات وهي كالأتي :-
1-ماهي حقوق الانسان ؟
2-ماهي اطوار حقوق الانسان ؟
3-ماهي اهمية حقوق الانسان؟
4-ما اهم المنظمات الاساسية لحقوق الانسان؟
5-ماهي اسس حقوق الانسان؟
6- ما هي اللجان والمنظمات والهيئات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان ؟
فرضية الدراسة :
حقوق الإنسان ركيزة أساسية، وقاعدة عظمى تستند عليها الحياة البشرية، ودعامة كبرى ترتكز عليها المقومات الإنسانية في بناء المجتمع؛ والمتتبع لحركة المجتمعات المعاصرة وما آلت إليه فهل حقوق الانسان ستساعد في مجتمع يسوده السلام والاطمئنان ...
والاهتمام بموضوع حقوق الإنسان على المستوى العالمي هو موضوع السَّاعة وعلى كافة المستويات، ويوجد العدد من المنظمات والمراكز التي تعتني بهذا الجانب هل تستطيع جميع المؤسسات ان تفي بواجبها المطلوب
حقوق الانسان مشتقة من الاسلام بل من روحه

أهمية الدراسة
تكمن أهمية هذه البحث في دراسة حقوق الإنسان كفكرة , فحقوق الإنسان وحريته الأساسية تمكننا أن نطور ونستعمل على نحو كامل خصالنا الإنسانية وقدراتنا العقلية ومواهبنا ووليدة نظام قانوني معين، إنما هي تتميز بوحدتها وتشابهها، باعتبارها ذات الحقوق التي يجب الاعتراف بها واحترامها وحمايتها، لأنها جوهر ولب كرامة الإنسان ، ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل ، فكلاهما سواء أمام القانون وأمام الله .
من ضمن الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، أي حق الإنسان في حياته، الأمان الشخصي حق الإنسان في حريته الشخصية، حفظ الكرامة ، المحاكمة العادلة ، سواء كمدعي أو مدعى عليه أمام محكمة ، تكفل له حق الدفاع عن نفسه ، وإذا لم يستطع ماديا ، فتقوم المحكمة بتخصيص محام يدافع عنه على نفقتها. كذلك أن يكون استئناف الحكم مكفولا.

أهداف الدراسة :
تهدف الدراسة إلى بيان مدي نجاح الديمقراطية ونجاح بالاشتراك مع حقوق الانسان في تحقيق العدل والسلام الشامل للجميع .
منهج الدراسة :
سنعتمد في دراستنا لموضوع هذا البحث على المنهج الوصفي الذي سنستخدمه في التعريف حقوق الانسان والديمقراطية كآلية لنشر السلام في العالم والتقدم والرقي ، بالطرق السلمية، وذلك من خلال أبراز مضمونها في إطار القانون الدولي وبيان أهم أنواعها.
وأما المنهج الثاني الذي سنعتمد عليه أيضا هو المنهج التاريخي التحليلي الذي سنستخدمه في إلقاء نظرة تقييميه على تطبيق هذه الآلية السلمية في بعض المنظمات الدولية والإقليمية وكيف عالجت وتندخلت في حل العديد من القضايا .


تقسيمات الدراسة :
الفصل الاول :-وهو ينقسم الي مبحثين المبحث الاول :- المراحل التي مرت بها حقوق الانسان
المبحث الثاني : نبذة عن الديمقراطية
الفصل الثاني الديمقراطية وحقوق الانسان
حقوق الإنسان
حقوق الإنسان، هي الحقوق والحريات المستحقة لكل شخص. ويستند مفهوم حقوق الإنسان على الإقرار بما لجميع أفراد الأسرة البشرية من قيمة وكرامة أصيلة فيهم، فهم يستحقون التمتع بحريات أساسية معينة. وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته.
وتكفل القوانين وتضمن الأنظمة التشريعية في معظم بلاد العالم صيانة حقوق الإنسان. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الأنظمة لا تكون، دائماً، فعالة، وتعجز معظمها عن إقرار بعض حقوق الإنسان. إلا أن المعايير العالمية تضمن إقرار هذه الحقوق عندما تعجز الحكومات عن حمايتها.
وكانت منظمة الأمم المتحدة التي تعمل للمحافظة على الأمن والسلام الدوليين قد سنت معظم القوانين الدولية التي تقر حقوق الإنسان وتكفل صيانتها. يذكر أن كافة دول العالم المستقلة تقريباً لها مقاعد بالأمم المتحدة.
تتواصل المجتمعات البشرية بعضها ببعض من خلال تفاعل الثقافات والتجارة ووسائل الإعلام كالصحف وشبكات الإنترنت والتلفاز. ويساعد هذا الاتصال الذي يعرف باسم العولمة على نشر الوعي بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وتقوم الأمم المتحدة وبعض المنظمات الأخرى بالكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، وتعمل على وقف هذه الانتهاكات.

فحقوق الإنسان (وتسمى أيضا الحقوق الطبيعية)، وهي تلك الحقوق الأصلية في طبيعتها، والتي بدونها لا يستطيع الإنسان العيش كبشر.
إن حقوق الإنسان وحريته الأساسية تمكننا أن نطور ونستعمل على نحو كامل خصالنا الإنسانية وقدراتنا العقلية ومواهبنا ووليدة نظام قانوني معين، إنما هي تتميز بوحدتها وتشابهها، باعتبارها ذات الحقوق التي يجب الاعتراف بها واحترامها وحمايتها، لأنها جوهر ولب كرامة الإنسان ، ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل ، فكلاهما سواء أمام القانون وأمام الله .
من ضمن الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، أي حق الإنسان في حياته، الأمان الشخصي حق الإنسان في حريته الشخصية، حفظ الكرامة ، المحاكمة العادلة ، سواء كمدعي أو مدعى عليه أمام محكمة ، تكفل له حق الدفاع عن نفسه ، وإذا لم يستطع ماديا ، فتقوم المحكمة بتخصيص محام يدافع عنه على نفقتها. كذلك أن يكون استئناف الحكم مكفولا.
المراحل التي مرت بها حقوق الانسان :
عصر الفلاسفة والأنبياء
لا يمكن القول إن هناك لحظة زمنية معينة بدأت عندها الأصول الأولى لفكرة حقوق الإنسان. وأغلب الظن أن هذه الأصول إنما تعود إلى الوقت الذي بدأ فيه الناس يعيشون حياة مشتركة. فالفكرة قديمة قدم الحياة وقد عني المفكرون والفلاسفة على مر العصور بالتنظير لحقوق الإنسان والمطالبة بصونها، والواقع أن الفرد كان يخضع للجماعة في كل شيء بلا حدود أو قيود إلى أن سادت الفكرة بضرورة عدم إطلاق يد الدولة بالتدخل في شؤون الأفراد. فاليونانيون في مآثرهم الشهيرة تناولوا حق الإنسان في الحياة وفي حرية التعبير والمساواة أمام السلطة وغير ذلك من الحقوق الطبيعية التي عدها مفكروهم اللبنة الأساسية في بناء المجتمع السياسي.
كذلك اهتم بوذا والفلسفة الهندية بالأخطار المحدقة بالحريات الأساسية للإنسان جراء العنف والفاقة والاستغلال ونقض العهود. وتضمن قانون «مانو» الذي ذاع صيته في العام الألف قبل الميلاد عدداً من المبادئ الهادفة لصيانة الإنسان من هذه الأخطار.
ووقفت الفلسفة الصينية وقفة طويلة أمام واجبات الإنسان تجاه أخيه الإنسان بما يكفل حقوقه الأساسية في الحياة والسعادة وحرية التعبير عن الذات. وينسب إلى كونفوشيوس القول الشهير:«الإنسان لا يتعلم المدنية إلا عندما يطعم ويكسى بشكل لائق». وأكدت المسيحية كرامة الإنسان والمساواة بين الجميع بوصفهم عيال الله. أما الشريعة الإسلامية فقد أولت حقوق الإنسان جلّ اهتمامها بدءاً من القرآن الكريم حتى كتابات الفقهاء المتأخرين. فيقول الله تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾ (الإسـراء 70). وقال الله تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحـسن تقويم﴾ (التين4).
عصر التشريعات
ولقد انتقلت الدعوة إلى حماية حقوق الإنسان من ألسنة الأنبياء والفلاسفة إلى الحكام، فشهدت أوربا خاصة نصوصاً مكتوبة مَنَّ بها الملوك السادة على شعوبهم استجابة للنقمة التي كانت تشتعل في النفوس نتيجة إهدار حقوق الإنسان في شتى الصور. يذكر من ذلك، على سبيل المثال، العهد العظيم المعروف ماگنا كارتا الذي أصدره جون ملك الإنجليز في مطلع القرن الثالث عشر ثم قانون الحقوق الإنكليزي المعروف باسم Bill of Rights الذي صدر في أواخر القرن السابع عشر، ونص على ضمانات الفرد في التقاضي.
لكن المتفق عليه أن اهتمام التشريع الوضعي بحقوق الإنسان، بدأ فعلاً بصورة منتظمة مع الثورتين الكبيرتين في أمريكا وفرنسا.
وفعلت الأفكار الثورية التي أطلقتها الإعلانات فعلها فتفجرت ثورات الشعوب وتهاوت العروش والأنظمة الاستبدادية في أوربا وأمريكا اللاتينية. وجاءت التشريعات الداخلية وعدد من الأنظمة الدولية بنصوص تجعل من احترام حرية الإنسان وحقوقه جوهر وجود المجتمع السياسي وسبب استمراره. من ذلك مثلاً اتفاقية برلين لعام 1855 واتفاقية بروكسل عام 1890 بتحريم الاتجار بالرقيق واتفاقية باريس لعام 1904 بمكافحة الاتجار بالرقيق الأبيض واتفاقية لاهاي عام 1912 بمكافحة المخدرات، واتفاقية باريس لعام 1903 بالعناية بصحة الفرد ومكافحة الأوبئة الضارة بالصحة العامة واتفاقية لندن عام 1914 بتنظيم الإنقاذ البحري واتفاقية برن لعام 1886 بحماية حقوق المؤلف الأدبية والفنية وغير ذلك.
وعرف القانون الدولي العرفي بعض المبادئ التي يمكن الركون إليها في مجال حماية الإنسان وصيانة حقوقه منها مبدأ التدخل لأغراض إنسانية ومسؤولية الدولة. ومع أن النظام الأول قد طبق من قبل بعض الدول الأوربية ضد الدول الضعيفة خارج القارة لحماية طائفة معينة من الناس مما حمل ميثاق الأمم المتحدة على منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول بشتى أنواعه إلا أن التدخل لأغراض إنسانية عاد للبروز مجدداً. من ذلك تدخل الأمم المتحدة إنسانياً في الصومال ثم في البوسنة بين عدد من الحالات.
أما عهد عصبة الأمم فلم يتضمن نصوصاً خاصة بتقرير الصيغة الدولية لحماية حقوق الإنسان، باستثناء ما جاء من التزام أعضاء العصبة أن يعاملوا بصورة عادلة الشعوب التي تقطن أقاليم خاضعة لإدارتهم سواء في حماية أو انتداب. وكذلك التزام حماية حقوق الأقليات. واهتمت منظمة العمل الدولية[ر] بموضوع توفير الأجر المجزي للعامل ورعاية شؤونه وتحسين أحواله. لكن الحرب العالمية اندلعت ثانية بصورة وحشية لم يشهد لها الناس مثيلاً من قبل. لقد تسببت الحرب العالمية الثانية للناس في كل مكان بآلام «يعجز عنها الوصف». بل لقد صدق هنري كاسان عندما وصفها بأنها كانت في جوهرها «حرباً صليبية على حقوق الإنسان».
حقوق الإنسان في عصر التنظيم الدولي الراهن
ورد ذكر حقوق الإنسان في سبعة مواضع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعد دستور العلاقات الدولية في العصر الحاضر.
وعلى الرغم مما أخذ على نصوص الميثاق حول حقوق الإنسان، سواء لغموضها وعدم دقة عبارتها أم لكونها تتعارض مع نص المادة الثانية (ف7) التي تمنع تدخل المنظمة الدولية أو أعضائها فيما يعد من الشؤون الداخلية للدول، ومنها في رأي بعضهم حقوق الإنسان، ومع ذلك باشرت المنظمة الدولية نشاطها في التفريع على الأصول التي جاء بها الميثاق، فأصدرت في العاشر من كانون الأول 1948 «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي صاغته لجنة حقوق الإنسان على مدى ثلاث سنوات ويزيد بموجب قرارها رقم 217 (3) وكانت بقرارها الصادر في 9/12/1948 أقرت مشروع اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس. ويقع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمة وثلاثين مادة.
بعد المقدمة ينتقل الإعلان إلى مواد غير مسلسلة يمكن ردها إلى أربع فئات:
1ـ الفئة الأولى وتتناول الحقوق الفردية والشخصية.
2ـ الفئة الثانية وتتناول علاقات الفرد بالمجموع أو بالدولة.
3ـ الفئة الثالثة وتشمل الحريات العامة والحقوق الأساسية.
4ـ الفئة الرابعة وتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأعطى إيڤات رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها عام 1948 فكرة عن القيمة المعنوية لهذا الإعلان حين قال: «هذه أول مرة تقوم فيها جماعة منظمة من الدول بإعلان حقوق وحريات أساسية للإنسان تؤيدها الأمم المتحدة جميعاً برأي جماعي، كما يؤيدها الملايين من الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم إذ إنهم مهما كانوا على مسافات متباعدة من نيويورك أو من باريس خليقون بأن يتجهوا إلى هذه الوثيقة يستلهمون منها العون والنصح».
لقد اقتبس كثير من الدساتير الوطنية الصادرة بعد عام 1948 أحكامها العامة في تعداد حقوق المواطنين وتحديد مفاهيمها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من هذه الدساتير دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 1973 الذي خصص في بابه الأول، المواد من 25 إلى 40 لبيان الحقوق والحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد وسبل حمايتها، إضافة إلى الأحكام الواردة في الأبواب الأخرى من الدستور التي تقرر المبادئ المتعلقة بحياة الأفراد وحرياتهم وملكياتهم.
أما القيمة القانونية للإعلان فقد كانت محل جدل وحوار سياسي وفقهي لا أول له ولا آخر، إذ ذهب بعض أرباب الإعلان (مثل شارك مالك من لبنان) إلى أنه ملزم قانوناً وشايعه في هذا فقهاء معروفون مثل «تشيركوفيتش» في حين أصرت السيدة «اليانور روزفلت» (الولايات المتحدة) وهي من اللاتي أسهمن في صوغ الإعلان إلى أنه قرار صادر عن الجمعية العامة وليس معاهدة ولا اتفاقاً دولياً بل ولا يهدف إلى إنشاء قانون أو التزام قانوني إنه مجرد إعلان لمبادئ معينة تتصل بحقوق الإنسان وحرياته.. فهو .. نموذج مشترك لما حققته شعوب كل الدول» وكان الاتجاه ذاته لفقهاء معروفين مثل «أوبنهايم» و«مهاجان». واتخذ فقهاء آخرون موقفاً وسطاً فالإعلان عندهم ليس قانوناً بل له صفة أدبية عظيمة، كما يقول إيزبجيوفور، وصفته ترقى به إلى مكان الالتزامات التي لا مندوحة عنها للدول كما قال آزارا وفيرون.
وأياً كان رأي هؤلاء وأولئك فإن قيمة هذه المحاورات، أصبحت محدودة إلى حد كبير بعد انقضاء خمسة وأربعين عاماً على صدور الإعلان وإصرار الدول باطراد على اعتماد المبادئ التي جاء بها في دساتيرها الوطنية، مما يضفي عليها طابع القانون الدولي العرفي ويجعلها واجبة النفاذ تحت طائلة المساءلة الدولية.
حقوق الإنسان في المواثيق الدولية بعد الإعلان العالمي
لم تكتف توصية الجمعية العامة رقم 217 لعام 1948 بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل تضمنت تصميم الأمم المتحدة على إعداد ميثاق أو مواثيق تضم في جنباتها التزامات قانونية واضحة مع الدول ووسائل تنفيذ، أو نظام دولي من شأنه ضمان الاعتراف الفعلي بحقوق الإنسان واحترامها. وفي عام 1952 قررت الجمعية العامة أن يكون هناك ميثاقان أو عهدان أحدهما يعالج حقوق الإنسان السياسية والمدنية والآخر حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسارعت لجنة حقوق الإنسان إلى العمل الجاد فأنهت عملها في العام 1954 ورفعت مشروعين للجمعية العامة.
وبعد اثني عشر عاماً من النقاش والجدل استقر الرأي الإجماعي للدول الأعضاء على الميثاقين في صيغتهما الأخيرة، وقد صدرا جنباً إلى جنب مع بروتوكول اختياري ملحق بالاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وذلك بقرار الجمعية العامة رقم 2106 (الدورة20) في ديسمبر 1966 وعرضت هذه المستندات الثلاث على الدول الأعضاء لتصديقها أو الانضمام إليها ودخلت حيز التنفيذ الفعلي فيما بين الدول المصدقة أو المنضمة عام 1976. والقطر العربي السوري طرف في الميثاقين مع مئة وثلاثين دولة ونيف (حتى نهاية عام 1994).
تعهدت كل دولة صدقت على العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بحماية شعبها عن طريق القانون من المعاملة القاسية أو غير الإنسانية والمهينة. وتعترف بحق كل إنسان في الحياة والحرية والأمن والحرمة والكرامة، كما أنها تحرم الرق وتكفل الحق في المحاكمة العادلة للجميع وتحمي الأشخاص من الاعتقال والإيقاف التعسفيين، كما يقر العهد المذكور بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وحرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وبحرية المشاركة في الحياة السياسية والعامة. ونص كذلك على حرية الرضا في الزواج وعلى حماية الأطفال ويكفل المحافظة على التراث الثقافي والديني واللغوي للأقليات. والواقع أن الحقوق المبينة من هذا العهد مستوحاة في مجملها من الإعلان العالمي، لكن جاءت خلواً من النص على حق الملكية وحق اللجوء.
في حين تقر كل دولة صدقت على العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمسؤوليتها عن العمل نحو ضمان شرط معيشة أفضل لشعبها، كما تقر بحق كل فرد في العمل والأجر العادل والضمان الاجتماعي وفي توفير مستويات معيشية مناسبة وفي التحرر من الفاقة، كما تقر بحق الفرد في الصحة والثقافة وتتعهد أيضاً ضمان حق كل فرد بتأليف النقابات والانضمام إليها. وقد جاءت الحقوق الواردة في هذا العهد أطول وأشمل من مثيلاتها في الإعلان العالمي، لكنها في الوقت نفسه جاءت أعم وأقل تحديداً مما جاء به الإعلان.ويتصدر العهدان مادة واحدة في معناها وميثاقها تقر الدول بموجبها بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وتوجد مجموعتان من الإجراءات وآليات التطبيق في العهدين اللذين يحتويان كثيراً من النصوص المشابهة.
فقد انتخبت الدول المرتبطة بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية «لجنة للحقوق الإنسانية» مؤلفة من ثمانية عشر شخصاً يعملون بصفتهم الفردية ويكونون طبقاً للاتفاقية من ذوي الأخلاق العالية المعترف لهم بالدراية في مجال حقوق الإنسان. وتقوم هذه اللجنة بالنظر في التقارير التي تعرضها عليها الدول الأطراف، وللجنة أن توجه تعليقات عامة لهذه الدول وكذلك إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة[ر]. وطبقاً لنصوص اختيارية تضمنها العهد المشار إليه (لم تتجاوز الدول المرتبطة به 70 دولة حتى نهاية 1994) يجوز للجنة الحقوق الإنسانية أن تنظر أيضاً بتبليغات دولة طرف بعدم وفاء دولة طرف أخرى بالتزاماتها طبقاً للاتفاقية. وتعمل اللجنة كهيئة تقصي حقائق ويمكن إنشاء لجان توفيق خاصة بالموافقة المسبقة للدول المعنية من أجل عرض مساعيها الحميدة بغية التوصل إلى حلول ودية على أساس احترام الحقوق الإنسانية. ويجوز للجنة حقوق الإنسانية بموجب البروتوكول الاختياري ذاته أن تنظر إضافة لما تقدم من شكاوى الأفراد الذين يدّعون بأنهم ضحايا خرق دولة طرف في بروتوكول لأي من الحقوق المدونة في الاتفاقية وترسل تقارير اللجنة إلى الدول الأطراف المعنية كما تقوم اللجنة بعرض تقارير سنوية عن نشاطاتها السابقة على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما الدول المبرمة للعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتتعهد عرض تقارير دورية على المجلس الاقتصادي والاجتماعي بخصوص الإجراءات التي اتخذتها والتقدم الذي أحرزته من أجل حماية هذه الحقوق وللمجلس حق النظر في هذه التقارير، بالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. الوكالات المتخصصة والوظيفية]. وأن يسعى على اتخاذ إجراء دولي مناسب لمساعدة الدول والأطراف في هذه المجالات.
إلى جانب هذه الوثائق الدستورية الدولية العامة تبنت الأمم المتحدة عدداً من الاتفاقيات والإعلانات ذات الصلة الوثيقة بالإنسان: أهمها
1ـ الاتفاقية الدولية لإزالة التمييز العنصري وأشكاله كافة. وقد أقرتها الجمعية العامة في ديسمبر 1965 بقرارها 2106 (الدورة 21) ودخلت حيز التنفيذ وبلغ عدد الدول المنضمة إليها حتى نهاية 1993 (94) دولة.
2ـ الإعلان الخاص بإزالة كل أشكال عدم التسامح والتمييز القائم على الدين أو المنفعة. وقد صدرت الجمعية العامة بتوافق الآراء في نوفمبر 1981.
3ـ الاتفاقية الخاصة بإزالة كل أشكال التمييز ضد النساء، وقد أقرتها الجمعية العامة في ديسمبر 1979 ودخلت حيز النفاذ في سبتمبر 1981 وانضمت إليها دول تربو على المئة حتى نهاية 1994.
4ـ الاتفاقية الخاصة بمكافحة التعذيب والمعاملة أو العقاب القاسي واللاإنساني أو المحّط من الكرامة وقد تبنتها الجمعية العامة بالتوافق في 10 ديسمبر 1984 ودخلت حيز النفاذ منذ 26 يوليو 1987 بين سبعين دولة ونيف.
5ـ الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل وقد تبنتها الجمعية العامة في 20 نوفمبر 1989 ودخلت حيز النفاذ بين مئة دولة تقريباً بدءاً من 2 سبتمبر 1990.
6ـ الإعلان الخاص بالحق في التنمية وقد أقرته الجمعية العامة في 4 ديسمبر 1986 بقرارها رقم 128 للدورة 44.
7ـ الاتفاقية الخاصة بالسكان الأصليين والقبليين في البلدان المستقلة. وقد أقرته الجمعية العامة لمنظمة العمل الدولية في اجتماعها السنوي عام 1989 وانضمت إليه حتى الآن بوليفيا وكولومبيا، والمكسيك والنروج.
8ـ الاتفاقية الخاصة بمركز اللاجئين وقد دخلت حيز النفاذ من 22 نيسان 1954 وكذلك الاتفاقية الخاصة بعديمي الجنسية وقد انضمت إلى الأولى أكثر من مئة وخمسين دولة.
9ـ الإعلان الخاص باللجوء الإقليمي الذي أقرته الجمعية العامة في 14/12/1967 بموجب قرارها رقم 2312 (الدورة 22).
10ـ الاتفاقية الخاصة بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وقد أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 158 (الدورة 45) في 25 فبراير 1991 وما زال قيد النظر من الدول الأعضاء.
وقد أنشئ مؤخراً منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان (بعد المؤتمر العالمي المنعقد عام 1993).
أنواع حقوق الإنسان

تم تصنيف حقوق الإنسان إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1- حقوق السلامة الشخصية
2- الحريات المدنية
3- الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وتكفل حقوق السلامة الشخصية أمن الإنسان وحريته. فلكل مرء حق في الحياة والحرية وفي التمتع بالأمان على شخصه، كما لايجوز استرقاق أحد أو تعذيبه أو اعتقاله تعسفاً. أما الحريات المدنية فإنها تقر حرية التعبير عن المعتقدات بالأقوال والممارسة؛ فهي تكفل لكل شخص حرية الرأي والتعبير والوجدان والدين والتجمع. ومن الحريات المدنية الأخرى: حق الاقتراع في الانتخابات، وفي تقلد الوظائف العامة وفي التزوج وتأسيس أسرة. وتنطوي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية على حصول الشخص على الحاجات الإنسانية الأساسية، وحقه في الرقي الاجتماعي. فلكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة خاصة على صعيد المأكل والمسكن والملبس والعناية الطبية والتعليم. كما تنطوي على حق الشخص في العمل وإنشاء النقابات والانضمام إليها.

تطور حقوق الإنسان
بذلت جهود حثيثة لإقرار الحقوق الأساسية للإنسان منذ مئات بل آلاف السنين. ومن هذه الجهود إعلان وثيقة الماجنا كارتا أو العهد الأعظم عام 1215م، التي منحت حقوقاً للأفراد. وأخضعت ملك إنجلترا لحكم القانون. وأضحت الماجتا كارتا نموذجاً احتذت به كافة الوثائق التي صدرت لاحقاً مثل سان الحقوق الأمريكي الذي صدر عام 1791م. وقد اقترح بيان الحقوق فكرة إقرار الحقوق العالمية غير أنه استثنى، عملياً، الرقيق ومجموعات أخرى من التمتع بها. فبيان الحقوق لم يكن في حقيقته عالمياً إذ قصر عن التعبير عن حقوق الإنسان كما نفهمها الآن. ومع إطلالة القرن العشرين الميلادي بدأت الشعوب في إنشاء منظمات دولية متعددة، فتكونت في عام 1919م منظمة العمل الدولية التي ظلت تسعى لإقرار الحقوق الأساسية في جميع أنحاء العالم.
تبلورت مفاهيم حقوق الإنسان الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م). فبعد أن وضعت الحرب أوزارها، كونت الدول المستقلة منظمة الأمم المتحدة. وأصدرت هذه المنظمة ميثاقها الذي أصبح واحداً من أولى وثائق حقوق الإنسان العالمية. وقد نص ميثاق الأمم المتحدة على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء. ولما خلا الميثاق من قائمة تتناول بالتفصيل حقوق الإنسان فقد أصدرت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948م، الذي تضمن المبادئ الرئيسية للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحريات الفردية. انظر: حقوق الإنسان، الإعلان العالمي لـ
دور الأمم المتحدة في صيانة حقوق الإنسان


تبنت الأمم المتحدة من المبادئ ما ساعدت على تشريع القوانين التي تكفل حقوق الإنسان في كل دولة على حدة. وأبرمت الأمم المتحدة بعض المعاهدات التي أضفت شرعيته على هذه القوانين. وتضطلع لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بإعداد مسودات هذه المعاهدات وتوافق عليها الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وكانت الأمم المتحدة قد تبنت عام 1966م المعاهدة العالمية للحقوق المدنية والسياسية، والمعاهدة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقد وفرت هذه المعاهدات الغطاء والحماية القانونية للكثير من الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتبنت معاهدات أخرى، منذ ذلك الوقت، قضايا مختلفة مثل معاملة السجناء، ووضع اللاجئيين، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل.

تعجز بعض الدول، أحياناً، عن تقديم ما يكفل حقوق الإنسان الأساسية لمواطنيها، فتعمل الأمم المتحدة على تزويدهم بالغذاء والمسكن والإعدادات الطبية وغيرها من المساعدات.
وكانت لجنة حقوق الإنسان قد اهتمت في أيامها الأولى بالتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان. أما اليوم فإن اللجنة تعمل على الارتقاء بالتعليم وغيره من الوسائل المساعدة لإيجاد بنيات حكومية تتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان. وتستفيد، هذه الأيام، دول كثيرة من المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة في شكل برنامج تعليمية واختصاصيي تقنية. كما ترسل خبراء في القانون لمراقبة الانتخابات، وتقديم التدريبات اللازمة لمسؤولي السجون وضباط الشرطة.
الرقابة
تراقب لجان دولية تابعة للأمم المتحدة تعرف باسم هيئات المعاهدة تنفيذ معاهدات حقوق الإنسان. وإذا ساور الأمم المتحدة شك في حدوث انتهاك لحقوق الإنسان فإنها تعمل على تعيين فريق أو شخص لدراسة الأمر وتلزمه بتقديم تقرير بشأن هذا الأمر. وقد تكشف تقارير الأمم المتحدة عن مشاكل معينة تطلب ممارسة ضغط دولي على حكومة ما حتى ترضخ وتقوم بحل هذه المشكلة بمساعدة الأمم المتحدة.
التدابير التجارية والدبلوماسية
تنتهك بعض الحكومات بانتظام ومع سبق الإصرار حقوق الإنسان. وقد ترفض هذه الحكومات التعاون مع جهود الأمم المتحدة الدبلوماسية لضمان صيانة هذه الحقوق. عندها تبادر الأمم المتحدة وتوصي بفرض عقوبات على الدولة الآثمة، إلا أن ذلك لم يحدث إلا في حالات قليلة جداً. وخلال فترة العقوبات تحظر الدول الأخرى القيام بأي نشاط تجاري مع هذا البلد، وتقطع علاقاتها الدبلوماسية معه. وغالباً ما تكون العقوبات رادعة وفعّالة إلا أن أثرها يأخذ وقتاً طويلاً. ففي عام 1962م، أوصت الأمم المتحدة بفرض عقوبات على النظام العنصري في جنوب إفريقيا جراء تبنيه سياسة الفصل العنصري أو الأبارتيد. وفي عام 1991م، وبعد سنوات طويلة من العقوبات وغيرها من الضغوط ألغت حكومة إفريقيا قوانين الأبارتيد. وقد وجهت انتقادات حادة لسياسة فرض العقوبات لأنها تجر الويلات على الشعوب دون تحقيق التغييرات الجوهرية المنشودة من جانب الحكومة المعنية.
حفظ السلام
تتسب الاضرابات المدنية والصراعات المسلحة في انتهاكات صريحة لحقوق الإنسان. وعندما تعجز بعض الحكومات عن بسط النظام في منطقة ما فإن الأمم المتحدة ترسل قواتها إلى هذه المنطقة لفرض النظام. ولا تبادر الأمم المتحدة بإرسال قواتها لحفظ السلام إلا بعد موافقة أطراف النزاع. وفي هذا السياق نذكر أن تيمور الشرقية قد نالت استقلالها عام 1999م بعد إجراء استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة. وعندما اعترضت ميلشيات مناوئة للاستقلال على نتيجة الاستفتاء ومارست أعمال عنف ضد شعب تيمور الشرقية أرسلت الأمم المتحدة، بعد الموافقة الإندونسية، قوات لبسط النظام في المنطقة.
محاكم جرائم الحرب
ينتهك كثير من القادة العسكريين أثناء الصراعات المحلية حقوق الإنسان بل يتخذ ذلك استراتيجية لتحقيق انتصارات ميدانية. يذكر أن الأمم المتحدة كانت قد عقدت محاكمات لمجرمي الحرب الذين انتهكوا حقوق الإنسان في رواندا وبعض مناطق يوغوسلافيا السابقة.
منظمات حقوق الإنسان الأخرى
المنظمات الحكومية
الإقليمية تنشط في صيانة حقوق الإنسان في مناطق متفرقة من العالم. ومن أبرز هذه المنظمات جامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومنظمة الدول الأمريكية.
المنظمات المستقلة
تعمل لجعل الرأي العام مؤثراً وناقداً، كما تسعى لحماية القانون من أي خروقات. ومن هذه المنظمات: منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيرمن رايتس ووتش). وتؤدي هذه المنظمات دوراً مهماً للفت الانتباه إلى أنها انتهاك حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، كشفت تحقيقات منظمة العفو الدولية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين النقاب عن مشكلة اختفاء آلاف المعارضين للحكومة العسكرية في الأرجنتين. وقد أشارت التحقيقات إلى أن الحكومة قامت بتصفية معارضيها وقتلتهم، مما جعل الأمم المتحدة تقوم بمزيد من الدراسات والتحقيقات حول هذه المشكلة.
حقوق الإنسان والاختلافات الثقافية
يدعي بعض منتهكي حقوق الإنسان أن المقاييس العالمية لهذه الحقوق تتعارض مع السمات التقليدية الأصيلة لثقافاتهم. وتؤكد الأمم المتحدة بدورها أنها تحمي الحقوق الثقافية كافة إلا أنها لا تحمي المارسات التي تنتهك الحقوق الإنسانية لشخص آخر. ومن جهة أخرى لا يرى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان تعارضاً في سمات ثقافاتهم ومعايير حقوق الإنسان العالمية، فهم لا يناوؤن القادة والقوانين التي تجيز انتهاك حقوق الإنسان. فهم يرون أن التقاليد والسمات الثقافية لأية ثقافة تستطيع أن تستوعب مبادئ حقوق الإنسان.
الإعلان العالمي لحقـوق الإنسان
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح. ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها. ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد. فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم،
حقوق الإنسان في النطاق الإقليمي
كانت أوربا أسرع القارات في التجاوب مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصاً وعملاً. ففي 4/11/1950 وقعت في روما الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 3/9/1953. وتضم اليوم 25 دولة وبلداً(أي دولة ناقصة السيادة بالحماية ليتشناستاين وسان سيمونمارينو. تتألف الاتفاقية من نص رئيس وعشرة ملاحق تفصيلية أو تفسيرية أو تعديلية.
لقد كانت الغاية من هذه الاتفاقية التي تعد بحق أكثر تقدماً من الاتفاقيات ذات الطابع العالمي وإيجاد السبل الفعلية لحماية ما جاء فيها من حقوق وحريات أساسية أكثر تواضعاً مما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كونها تركز على الحريات التقليدية وليس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
فقد تضمنت الاتفاقية الأوربية (وتعرف أحياناً باتفاقية روما) لحقوق الإنسان إنشاء هيئتين دوليتين لضمان حقوق الإنسان الأوربي وهي:
ـ لجنة حقوق الإنسان.
ـ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. وقد جرى تعديل الاتفاقية الأوربية مؤخراً، لتفسح لجنة حقوق الإنسان مكانها للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان مما يدعم من حماية هذه الحقوق.
ومن صلاحيات المحكمة الأوربية البت بحكم قضائي ملزم فيما يحال عليها من موضوعات من دولة المضرور أو الدولة المشكو منها أو إحدى الدول المتعاقدة الأخرى.
وقد تضمن إعلان هلسنكي الصادر في 1/8/1975 فقرات خاصة بحقوق الإنسان الأوربي.
أما في القارة الأمريكية فقد صدر بمدينة بوغوتا الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته في 2 أيار 1948.
وفي سان خوزيه بكوستاريكا صدرت في 22/11/1969 الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ودخلت حيز النفاذ بدءاً من 18/7/1978 بين ست وعشرين دولة هي غالبية الدول الأمريكية. وحاولت هذه الاتفاقية الأوربية، وبقي انتهاك حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية هو الأصل على خلاف الحال في الدول الأوربية.
أما في القارة الإفريقية فقد أصدر مؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في 30/7/1979 قرار رقم 115 (16) بشأن إعداد مشروع أولي لميثاق إفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وعلى الأثر تقدمت لجنة من الخبراء لرؤساء الدول والحكومات الإفريقية المنعقد في نيروبي في 26/6/1981 وقد دخل الميثاق حيز النفاذ في 26/10/1986 بعد تصديق ست وعشرين دولة إفريقية عليه (الأغلبية المطلقة).
كرر الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان الحقوق التقليدية كما وردت في ما سبقه من مواثيق وإعلانات لكنه خلافاً لما سبق خصّ بعض الحقوق ذات الصفة الجماعية بنصوص معينة (المواد 18-26) مثل حق المساواة بين الشعوب وحق تقرير المصير وحق الشعوب المستعمرة في الكفاح المسلح لتحرير نفسها كما تفرد الميثاق الإفريقي بإدراج التزامات على الأفراد احتراماً لحقوق غيرهم كواجب المحافظة على تطور الأسرة وانسجامها وخدمة المجتمع الوطني والعمل بأقصى القدرات ودفع الضرائب(م 27-29).
هنا أيضاً بقي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان أدنى كثيراً من طموحات شعوب القارة التي شهدت وتشهد خروقات فاضحة لأبسط حقوق الإنسان. بل وشهدت مؤخراً (94-95) حروب الإبادة الجماعية Genocide في رواندة وبوروندي والصومال وسواها.
أما في الوطن العربي فقد جاء ميثاق جامعة الدول العربية الموقع في 22 آذار 1945 خلواً من أي نص عن حقوق الإنسان، غير أن مجلس الجـامعة وافق في 3/9/1968 (القرار2443/48) إلى إنشاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي عهد إليها إعداد مقترحات وأبحاث وتوصيات ومشروعات اتفاقات يتعين أن تحظى بموافقة مجلس الجامعة. وتتألف هذه اللجنة مندوبي الحكومات العربية وليس من أشخاص أكفاء يؤدون واجبهم بصفتهم الشخصية، لذا ظل دور الجنة هامشياً.
وبناء على توصية المؤتمر الإقليمي العربي لحقوق الإنسان الذي انعقد في بيروت بين 2و10/10/1968 أنشأ مجلس الجامعة لجنة خبراء عهد إليها إعداد مشروع إعلان عربي لحقوق الإنسان (القرار 3668/30 في 10/9/1971 وقد أعدت اللجنة بالفعل هذا المشروع المستمد في جلّه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع مراعاة خصوصية الوطن وحضارته، لكن المشروع لقي طريقه إلى الإهمال.
وعندما انتقلت الجامعة إلى تونس توصلت في 11/11/1982 إلى اعتماد مشروع جديد أسمته الميثاق العربي لحقوق الإنسان، غير أن مجلس الجامعة قرر في دورته التاسعة والسبعين (1983) إحالة المشروع على الدول الأعضاء في الجامعة لوضع ملاحظاتها عليه وما زالت الدول الأعضاء بصدد ذلك حتى نهاية 1995، مع أن المشروع العتيد لا يصل في أهدافه إلى أي من الإعلانات والمواثيق المقرّة عالمياً أو إقليمياً.
لكن الوطن العربي شهد ويشهد ولادة معاهد ومؤسسات تعنى بحقوق الإنسان العربي فعلاً لا قولاً من دون أن يقترن عملها بتصرف حكومي جماعي عربي.
إن موضوع حقوق الإنسان غدا الشغل الشاغل للمحافل الدولية العالمية والإقليمية، وقد أوصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم[ر] UNESCO. أن تدرس حقوق الإنسان مادة مستقلة في شتى مراحل التدريس وعلى أثر ذلك تقرر إدخال مقرر خاص من متطلبات التخرج الجامعي في كل الكليات في عدد من الجامعات العربية كما أنه يدرس في نطاق الثقافة القومية أو القانون الدستوري والدولي في جامعات أخرى. والقصد من ذلك كله تثبيت مقولة أن الأصل ترسيخ الفكرة في ذهن الناس حتى يسهموا هم في تطويرها من حُلُم أو هدف نظري إلى حقيقة واقعة مؤيدة بالثواب والعقاب.
إن حماية إنسانية الإنسان، هو مقصد الشريعة وغايتها، ذلك أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، وأن مصالحهم لا تتحقق إلا بحماية الضروريات الخمس (الدِّين، والنَّفس، والعقل، والعِّرْض، والمال)، والتي عني بها العلماء أيما عناية .
والاهتمام بموضوع حقوق الإنسان على المستوى العالمي هو موضوع السَّاعة وعلى كافة المستويات، ويوجد العدد من المنظمات والمراكز التي تعتني بهذا الجانب.
ويسعدنا في الشبكة الإسلامية إجراء هذا الحوار مع صاحب الفضيلة الدكتورعبد اللطيف بن إبراهيم الحسين، رئيس قسم الشريعة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية :
حقوق الإنسان تحمل معنى واسعا؛ إذ هي مركبة من مفهومين هما : (حقوق) في صيغة الجمع، و(الإنسان) في صيغة المفرد، وهي بهذا تأخذ صيغة تجريدية؛ لانتمائها إلى كل المجتمعات البشرية، منذ أن أوجد المولى عز وجل الإنسان على البسيطة ، وإلى يوم يرثها وما عليها .
وقد اختلف علماء الشريعة والقانون على تعريف الحق، ونأخذ منها بأنه:"مصلحة تثبت لإنسان، أو لشخص طبيعي أو اعتباري، أو لجهة على أخرى، والمصلحة هي المنفعة، ولا يعتبر الحق إلا إذا قرره الشرع والدِّين، أو القانون والنظام والعرف" كما عرفه د. محمد الزحيلي في "حقوق الإنسان في الإسلام" وغيره .
حقوق الإنسان ركيزة أساسية، وقاعدة عظمى تستند عليها الحياة البشرية، ودعامة كبرى ترتكز عليها المقومات الإنسانية في بناء المجتمع؛ والمتتبع لحركة المجتمعات المعاصرة وما آلت إليه، يلاحظ أن لحقوق الإنسان أهمية كبرى في الواقع الراهن فهي محور التطور البشري، فبدون حقوق الإنسان لا يمكن أن تكون هناك تنمية حضارية صحيحة، والبديل السلبي عنها امتهان كرامة الإنسان والتخلف والفوضى والاضطراب والفقر والجوع والجريمة .
فالعالم اليوم يعيش في قرية عالمية واحدة بل في كيان واحد مشاهد ومسموع، فالفضاءات مفتوحة بعضها على بعض، من حيث سرعة الاتصال والحصول على المعلومة الصحيحة، فهامش الأسرار أصبح شبه معدوم في هذا العصر، والتطور والنزوع نحو تحقيق حقوق الإنسان أصبح سمة أساسية من سمات هذا العصر، والعجلة تدور بأسرع ما يمكن في هذا الاتجاه .
أولا : التكريم الإلهي للإنسان : كَرَّمَ الله تعالى الإنسان بالعقل، وجعله مناط التكليف الذي يحاسب عليه العبد من لأعماله إن خير فخير وإن شرا فشر، فالعقل هو أداة التفكير في الإنسان، وهو من أدعى الحقوق التي أراد الإسلام بالمحافظة عليه، وتنميته بالعلم النافع، وتزويده بالخبرات اللازمة للعيش بكرامة وأمان .
ويتجلى في عدة أمور منها :
1- الإنسان خليفة في الأرض :
يقول المولى عز وجل : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (30) سورة البقرة ، فالإنسان هو خليفة الله تعالى في الأرض لإقامة شرع الله ودينه، وتطبيق أحكامه، والسير على منهجه، ومن ذلك "إقامة الحق، والحكم بالعدل، والقضاء بالقسط، فالإنسان هو المكلف في إمضاء أحكام الله تعالى وأوامره"، يقول ابن جرير الطبري : "إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي، وذلك الخليفة هو آدم، ومن قام مقامه في طاعة الله تعالى، والحكم بالعدل بين خلقه" .
ويفسر ذلك آية أخرى، وهي قوله تعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (26) سورة ص. أي خليفة في الملك، والحكم بين الناس..
2- تفضيل الإنسان على سائر المخلوقات :
كَرَّمَ اللهُ تعالى الإنسان وفضله على كثير من المخلوقات، فقال : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (70) سورة الإسراء، ومن مظاهر هذا التفضيل : أن هَيَّأَهُ لحملِ الأمانةِ وخَلَقَهُ بأحسنِ صورة.
3- تكريم الإنسان بالعقل :
فالله تعالى زود الإنسان بنور الفطرة، وأعطاه نعمة العقل، وجعل خلقته قابلة للتكليف، قال تعالى : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (70) سورة الإسراء ، قال القرطبي : "الصحيح الذي يُعَوَّلُ عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يُعرف الله، ويُفهم كلامه، ويُوصل إلى نعيمه، وتصديق رسله؛ إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بُعثت الرسل، وأنزلت الكتب".
ثانيا : حفظ الضروريات :
الضروريات هي : "الأمور التي لا بد منها في قيام مصالح الدِّين والدُنْيَا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة. وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين". كما عرفها الشاطبي.
وجاءت الشـرائع لتحقيق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، وأن مصالحهم لا تتحقق إلا بحماية الضروريات الخمس : حفظ الدِّين، وحفظ النَّفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل أو العرض أو النسب، وحفظ المال .
إن قضايا حقوق الإنسان موجودة بالفطرة، ومع دعوة الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام، وفي الشرائع السماوية التي قدرت كرامة الإنسان، وما يستحقه من حقوق وواجبات.
وقد شغلت نظريات حقوق الإنسان عقول الفلاسفة والمفكرين كأفلاطون، وأرسطو، وسيسرون، وميكيافيلي، وسبينوزا، ولوك، وروسو، ومونتسكيو؛ الذين أقاموا نظرتهم على أساس الواقع، أو على أساس المنطق .
ففي العصور القديمة، كان المجتمع مبنيا على أساس أن الحق تابع للقوة .
وعند اليونان، كان دستور أثينا قاصرا على مشاركة بعض الأفراد في إدارة شؤون الدولة، وبقية الناس عليهم الخضوع التام .
وعند الرومان، كان ينظرون إلى غيرهم من الشعوب نظرة ازدراء، وعلى الشعوب أن تخدم الامبراطورية الرومانية .
وعند الهنود، كانوا أشد امتهانا في ظل الديانة البرهمية التي قسمت المجتمع إلى طبقات متفاوتة..
كما أسلفت بأن حقوق الإنسان موجودة بالفطرة، ومع دعوة الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام، وفي الشرائع السماوية التي قدرت كرامة الإنسان، وما يستحقه من حقوق وواجبات .
ويأتي سبق الإسلام كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناوله لحقوق الإنسان وتأصيله لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما جاء في الشريعة الإسلامية الغراء.
وبرزت فكرة حقوق الإنسان جزئياً بشكل رسمي في القرن الثالث عشر الميلادي. وذلك نتيجة ثورات طبقية وشعبية في أوروبا، ثم في القرن الثامن عشر في أمريكا، لمقاومة التمييز الطبقي، أو التسلط السياسي، أو الظلم الاجتماعي .
وفي عام (1215م) صدرت في إنجلترا وثيقة الحقوق والحريات.
وفي عام (1627م) أصدر الملك شارل الأول، قانون إعلان الحقوق.
وفي سنة (1679) أصدر الملك جان الثاني، القانون المعروف باسم : قانون تحرير الجسد.
وفي 1776م ظهرت فكرةُ حقوق الإنسان خلال إعلان الاستقلال الأمريكي.
وفي عام (1787م)صدر إعلان (الدستور الأمريكي).
ثم برزت حقوق الإنسان نظامًا : في ظل الثورة الفرنسية، ومناداة كُتّاب الثورة بذلك، أمثال: جان روسو صاحب: (العقد الاجتماعي)، ومونتسكيو،وديدور.. وغيرهم، وصدرت في 26/8/1789م، وثيقة حقوق الإنسان والمواطن، ووضع في مقدمة الدستور الفرنسي الصادر عام (1791م) .
وفي القرن العشرين جاءت المؤسسات الدولية، فأعلنت حقوق الإنسان في مواثيقها في عصبة الأمم(1919م) في جنيف، وفي ميثاق الأطلسي-الاطلنطيك-(1941م)، ثم في اقتراحات (دميراتون أوكس) في واشنطن سنة (1944م)، ثم في ميثاق الأمم المتحدة (United Nation Organization)في نيويورك بتاريخ (15/11/1365هـ) الموافق (24/10/1945م)، وقد نصت ديباجته على إيمان الموقعين من الدول بالحقوق الأساسية، وفي عام (1946م) تشكَّلت لجنة من هيئة الأمم المتحدة خاصة، فعملت على صياغتها. فأعلنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 18/6/ 1948م من قبل هيئة الأمم المتحدة في ثلاثين مادة.
وجاء التنظير المعاصر في الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان: في21/11/1401هـ الموافق (19سبتمبر 1981م)، ثم صدرت شرعة حقوق الإنسان في الإسلام من منظمة المؤتمر الإسلامي في اجتماع عام 1409هـ/1989م، بحضور علماء الشريعة والدِّين من مختلف البلدان، وتم إقرار الإعلان في خمس وعشرين مادة .
ولا- الأساس الإسلامي لحقوق الإنسان :
فحقوق الإنسان جاء بها الإسلام صريحة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، فمن ذلك :
قوله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (58) سورة النساء، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع : ((إنَّ دِمَاءَكُم وأَمْوَالَكُم حَرَامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كُلُّ شيءٍ من أمرِ الجاهليةِ تحتَ قَدَمَيَّ موضوعٌ، ودماءُ الجاهليةِ موضوعةٌ، ورِبَا الجاهلية موضوعٌ، فَاتَّقُوا الله في النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، واسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بكلمةِ الله، وَلَكُم عَلَيهن أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غيرَ مُبَرِّحٍ،ولهن عليكم رزقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروف..)) رواه مسلم .
ثانيا- أثر الإيمان في حقوق الإنسان :
من آمن بالله تعالى ربا، وخالقا، ومعبودا ، ومشرِّعا عرف حقوقه، والتزم بها، وحرص عليها، وامتنع من التنازل عنها، وجاهد في سبيلها؛ لأنها منحة إلهية، وأمانة وضعها الله جل جلاله في عنقه. ومن آمن بالله ربا للعالمين، وخالقا للبشر أجمعين أدرك حق الله عز وجل على العباد، وحق العباد على الله سبحانه، كما جاء في حديث معاذ بن جبل (( فَإِنَّ حَقَّ الله على العِبادِ أن يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وحَقُّ العِبادِ على اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذلك أن لا يُعَذِّبَهُمْ)) متفق عليه .
ثالثا- الأساس الفلسفي والفكري لحقوق الإنسان :
الذي يقوم على ثلاثة مبادئ: العدل والحرية ونظرية العقد الاجتماعي.
هناك عديد من اللجان والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، ومنها الآتي :
أ- لجنة حقوق الإنسان : أنشئت في عام (1365هـ الموافق 1945م)، وهي إحدى اللجان المختصة بهيئة الأمم المتحدة(United Nation Organization).
ب- هيئة اليونسكو : انبثقت من الأمم المتحدة في (7/12/1366هـ الموافق 4/11/1946م)، وموقعها الرئيس في باريس، وهي إحدى المنظمات المتخصصة التي تهدف إلى صيانة السلام العالمي عن طريق التعاون بين الأمم من خلال التربية والثقافة والعلوم بما يتفق مع مبادئ الأمم المتحدة وحقوق الإنسان . وقد استحدثت –اليونسكو- مؤخرا قسما لتدريس مادة حقوق الإنسان في الجامعات.
ج- منظمة العفو الدولية : أسست في عام 1382هـ/1962م، في لندن .
د- منظمة المؤتمر الإسلامي : أصدرت الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان في عام (1409هـ/1989م)، بحضور علماء الشريعة والدِّين من مختلف البلدان، وتم إقرار الإعلان في خمس وعشرين مادة .


المبحث الثاني : نبذة مختصرة عن الديمقراطية :
الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيرا ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبرالية لأنها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ "الديمقراطية" لوصف الديمقراطية الليبرالية خلطا شائعا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة بينما الليبرالية تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعى بالديمقراطيات اللاليبرالية، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في اُخرى يظهر في العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية كما قد تختلف العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية باختلاف رأي الأغلبية.
وتحت نظام الديمقراطية الليبرالية أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتين والهند وأنحاء أخرَى. بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّة (كالصين التي تدعي الديمقراطية الشعبية).
ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على معنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية.
أمّا لغويّاً، فالديمقراطيّة كلمةٌ مركبة مِن كلمتين: الأولى مشتقة من الكلمة اليونانية Δήμος أو Demos وتعني عامة الناس، والثانية Κρατία أو kratia وتعني حكم. وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تَعني لغةً حكم الشعب أو حكم الشعب لِنفسهِ.
مفاهيم وقِيَم الديمقراطية
الديمقراطية هي حُكمُ الأكثريّة لكن النوع الشائع منها (أي الديمقراطية الليبرالية) يوفر حمايةُ حقوق الأقليات والأفراد عن طريق تثبيت قوانين بهذا الخصوص بالدستور، ويتجلّى كلّ ركنٍ في عدَدٍ من المفاهيم والمبادِئ سوف نبسُطها تالياً. ويندرُ أن تحوذَ دولةٌ أو مجتمعٌ ما علَى هذه المفاهيم كلها كاملةً غير منقوصة، بل أنّ عدَداً من هذه المفاهيم خِلافِيّ لا يَلقَى إِجماعاً بَين دعاة الديمقراطية المتمرّسين.
مبادئ تحكيم حكم الأكثرية ومفاهيمه
وهي مفاهيم ومبادِئ مصممةٌ حتَّى تحافظ الأكثريّة علَى قدرتها علَى الحكم الفعّال والأستقرار والسلم الأهلي والخارجي ولمنع الأقليّات من تعطيل الدولة وشلّها:
• مبدأ حكم الأكثرية
• مبدأ فصل السلطات ومفهوم تجزيء الصلاحيات
• مبدأ التمثيل والانتخاب
• مفهوم المعارضة الوفية
• مفهوم سيادة القانون
• مفهوم اللامركزية
• مبدأ تداول السلطات سلميا
مفهوم التوازن
تبدأُ فكرة التوازن من أنّ مصالح الأكثريّة قد تتعَأرضُ مع مصالح الأقليّات والأفراد بشكلٍ عام، وأنّهُ لا بد من تحقيق توازن دقيق ومستدام بينهما (ومن هنا فكرة الديمقراطية الليبرالية). وتتمدَّد هذه الفكرة لتشملَ التوازن بيَن السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائِيّة، وبين المناطق والقبائِل والأعراق (ومن هنا فكرة اللامركزيّة)، وبين السلطات الدينيّة والدنيوِيّة (ومن هنا فكرة العلمانية).


مفهوم الشرعية السياسية والثقافة الديمقراطية


تعتمد كل أشكال الحكومات على شرعيتها السياسية، أي على مدى قبول الشعب بها، لانها من دون ذلك القبول لا تعدو كونها مجرد طرف في حرب أهلية، طالما ان سياساتها وقراراتها ستلقى معارضة ربما تكون مسلحة. وباستثناء من لديهم اعتراضات على مفهوم الدولة كالفوضويين والمتحررين (Libertarians) فإن معظم الناس مستعدون للقبول بحكوماتهم إذا دعت الضرورة. والفشل في تحقيق الشرعية السياسية في الدول الحديثة عادة ما يرتبط بالانفصالية والنزاعات العرقية والدينية أو بالاضطهاد وليس بالاختلافات السياسية، إلا أن ذلك لا ينفي وجود أمثلة على الاختلافات السياسية كالحرب الأهلية الإسبانية وفيها إنقسم الإسبان إلى معسكرين سياسيَيْن متخاصمَيْن.
تتطلب الديمقراطية وجود درجة عالية من الشرعية السياسية لأن العملية الانتخابية الدورية تقسم السكان إلى معسكرين "خاسر" و"رابح". لذا فإن الثقافة الديمقراطية الناجحة تتضمن قبول الحزب الخاسر ومؤيديه بحكم الناخبين وسماحهم بالانتقال السلمي للسلطة وبمفهوم "المعارضة الموالية" أو "المعارضة الوفيّة". فقد يختلف المتنافسون السياسيون ولكن لابد أن يعترف كل طرف للآخر بدوره الشرعي، ومن الناحية المثالية يشجع المجتمع على التسامح والكياسة في إدارة النقاش بين المواطنين. وهذا الشكل من أشكال الشرعية السياسية ينطوي بداهةً على أن كافة الأطراف تتشارك في القيم الأساسية الشائعة. وعلى الناخبين أن يعلموا بأن الحكومة الجديدة لن تتبع سياسات قد يجدونها بغيضة، لأن القيم المشتركة ناهيك عن الديمقراطية تضمن عدم حدوث ذلك.
إن الانتخابات الحرة لوحدها ليست كافية لكي يصبح بلد ما ديمقراطياً: فثقافة المؤسسات السياسية والخدمات المدنية فيه يجب أن تتغير أيضاً، وهي نقلة ثقافية يصعب تحقيقها خاصة في الدول التي إعتادت تاريخياً أن يكون انتقال السلطة فيها عبر العنف. وهناك العديد من الأمثلة المتنوعة كفرنسا الثورية وأوغندا الحالية وإيران التي إستطاعت الاستمرار على نهج الديمقراطية بصورة محدودة حتى حدثت تغييرات ثقافية أوسع وفتحت المجال لظهور حكم الأغلبية.

الديمقراطيات القديمة
إن مصطلح الديمقراطية بشكله الإغريقي القديم- تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد والديمقراطية الأثينية عموماً يُنظر إليها على أنها من أولى الأمثلة التي تنطبق عليها المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي. كان نصف أو ربع سكان أثينا الذكور فقط لهم حق التصويت، ولكن هذا الحاجز لم يكن حاجزاً قومياً ولا علاقة له بالمكانة الاقتصادية فبغض النظر عن درجة فقرهم كان كل مواطني أثنيا أحرار في التصويت والتحدث في الجمعية العمومية. وكان مواطنو أثينا القديمة يتخذون قراراتهم مباشرة بدلاً من التصويت على اختيار نواب ينوبون عنهم في إتخاذها. وهذا الشكل من الحكم الديمقراطي الذي كان معمولاً به في أثينا القديمة يسمى بالديمقراطية المباشرة أو الديمقراطية النقية. وبمرور الزمن تغير معنى "الديمقراطية" وإرتقى تعريفها الحديث كثيراً منذ القرن الثامن عشر مع ظهور الأنظمة "الديمقراطية" المتعاقبة في العديد من دول العالم.
أولى أشكال الديمقراطية ظهرت في جمهوريات الهند القديمة والتي تواجدت في فترة القرن السادس قبل الميلاد وقبل ميلاد بوذا. وكانت تلك الجمهوريات تعرف بالـ ماها جاناباداس، ومن بين هذه الجمهوريات فايشالي التي كانت تحكم فيما يعرف اليوم ببيهار في الهند والتي تعتبر أول حكومة جمهورية في تاريخ البشرية. وبعد ذلك في عهد الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد كتب الإغريق عن دولتي ساباركايي وسامباستايي، اللتين كانت تحكمان فيما يعرف اليوم بباكستان وأفغانستان، " وفقاً للمؤرخين اليونانيين الذين كتبوا عنهما في حينه فإن شكل الحكومة فيهما كان ديمقراطياً ولم يكن ملكياً"
تطوّر القيم الديمقراطية في العصور الوسطى
معظم الديمقراطيّات القديمة نمت في مُدنٍ صغيرة ذات ديانات محليّة أو ما يسمَّى ب المدينة-الدولة. وهكذا فإِنّ قيام الإِمبراطوريات والدول الكبرى مثل الإِمبراطورية الفارسيّة والإِمبراطورية الهلّينية-الرومانيّة والإِمبراطورية الصينية والإِمبراطورية العربيّة-الإِسلامية والإِمبراطورية المغولية في العصور الوسطى وفي معظم البلاد التي كانت تضمُّ الديمقراطيات الأولى قد قضى علَى هذه الدويلات الديمقراطية بل علَى فُرص قيامها أيضاً. لكنَّ هذا لا يعني أنَّ تطَوّراً بٱتجاهِ الديمقراطية لم يحصل في العصور الوسطى. ولكنّ معظم هذا التطوّر حصل علَى مُستوَى القِيَم وحقوق الأفراد الذي نتج عن قِيَم الليبرالية التي نشأت مع فلاسفة التنوير توماس هوبز وجون لوك وإيمانويل كانط قبل تحقيق تقدم ملموس في الديمقراطية وهو الذي أدى إلى ازدهار نموذج الديمقراطية الليبرالية دون غيرها من الديمقراطيات في الغرب.
وقد ساهمت الدياناتُ الكبرَى كالمسيحية والبوذية والإسلام في تَوطيد قِيَمٍ وثقافاتٍ ساعدت علَى ازدهار الديمقراطية فيما بعد. ومن هذه القيم:
• فكرة شرعيّة الدَولة.
• فكرَة المساواة الكاملة بَين القبائِل والأعراق بشكلٍ عام.
• فكرَة المساواة ولو جُزئيّةً بَين الأفراد ولا سيّما بَين الجنسَين وبين الأسياد والعبيد.
• أفكار عن المسؤُوليّة والمسَاءَلة والتعاون والشورَى.
• الدفاع عن حقوقٍ عديدة مثل افتراض البراءة وحرية التنقل وحقوق الملكية وحق العمل.

الديمقراطيات الحديثة
لم يكن يوجد في عام 1900 نظام ديمقراطي ليبرالي واحد يضمن حق التصويت وفق المعايير الدولية، ولكن في العام 2000 كانت 120 دولة من دول العالم أو ما يوازي 60% من مجموعها تعد ديمقراطيات ليبرالية. استنادا على تقارير مؤسسة بيت الحرية وهي مؤسسة أمريكية يزيد عمرها عن 64 عاما، هدفها الذي يعبر عنه الاسم والشعار هو نشر "الحرية" في كل مكان، كانت هناك 25 دولة في عام 1900 أو ما يعادل 19% منها كانت تطبق "ممارسات ديمقراطية محدودة"، و 16 أو 8% من دول العالم اليوم.
إن تقييم بيت الحرية في هذا المجال لا زال مثاراً للجدل فنيوزلندا مثلاً تطبق المعايير الدولية لحقوق التصويت منذ عام 1893 (رغم وجود بعض الجدل حول قيود معينة مفروضة على حقوق شعب الماوري في التصويت). ويتجاهل بيت الحرية بأن نيوزيلندا لم تكن دولة مستقلة تماماً. كما إن بعض الدول غيّرت أنظمة حكمها بعد عام 2000 كالنيبال مثلاً والتي صارت غير ديمقراطية بعد أن فرضت الحكومة قانون الطواريء عقب الهزائم التي لحقت بها في الحرب الأهلية النيبالية.
موجات الديمقراطية في القرن العشرين
لم يتخذ توسع الديمقراطية في القرن العشرين شكل الانتقال البطيء في كل بلد على حدة، بل شكل "موجات ديمقراطية" متعاقبة، صاحب بعضها حروب وثورات. وفي بعض الدول تم فرض الديمقراطية من قبل قوى عسكرية خارجية. ويرى البعض ذلك تحريراً للشعوب. لقد أنتجت الحرب العالمية الأولى الدول القومية في أوروبا والتي كان معظمها ديمقراطياً بالاسم فقط كمجمهورية فايمار مثلاً. في البداية لم يؤثر ظهور هذه الدول على الديمقراطيات التي كانت موجودة حينها كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وسويسرا التي إحتفظت بأشكال حكوماتها. إلا أن تصاعد مد الفاشية في ألمانيا النازية وإيطاليا موسوليني ونظام الجنرالف فرانكو في أسبانيا ونظام أنطونيو دي أوليفيرا سالازار في البرتغال ساهمت كلها في تضييق نطاق الديمقراطية في ثلاثينيات القرن الماضي وأعطت الانطباع بانه "عصر الحكام الدكتاتوريين" بينما ظلت معظم الدول المستعمرة على حالها لقد تسببت الحرب العالمية الثانية بحدوث انتكاسة شديدة للتوجه الديمقراطي في أوروبا الشرقية. فاحتلال ألمانيا ودمقرطتها الناجحة من قبل قوة الحلفاء العليا خدمت كنموذج للنظرية التي تلت والخاصة بتغيير النظام، ولكن نصف أوروبا الشرقية أرغم على الدخول في الكتلة السوفيتية غير الديمقراطية. وتبع الحرب إزالة الاستعمار، ومرة أخرى سادت في معظم الدول المستقلة الحديثة دساتير لا تحمل من الديمقراطية سوى التسمية فقط. في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية إمتلكت معظم الدول الديمقراطية الغربية اقتصاديات السوق الحرة والتي نجم عنها دول الرفاهية وهو ما عكس إجماعاً عاماً بين الناخبين والأحزاب السياسية في تلك الدول أما في الخمسينات والستينات فقد كان النمو الاقتصادي مرتفعاً في الدول الغربية والشيوعية على حد سواء، ومن ثم تناقص ذلك النمو في الدول الشيوعية. وبحلول عام 1960 كانت الغالبية العظمى من الدول أنظمة ديمقراطية بالاسم فقط، وهكذا فإن غالبية سكان العالم كانت تعيش في دول شهدت انتخابات معيبة وأشكالاً أخرى من التحايل (وخاصة في الدول الشيوعية).
لقد أسهمت الموجات المتعاقبة من الدمقرطة في تسجيل نقاط إضافية للديمقراطية الليبرالية للعديد من الشعوب. أما الضائقة الاقتصادية في ثمانينات القرن الماضي فقد ساهمت إلى جانب الامتعاض من قمع الأنظمة الشيوعية في انهيار الإتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة ودمقرطة وتحرر دول الكتلة السوفيتية السابقة. وأكثر الديمقراطيات الجديدة نجاحاً كانت تلك القريبة جغرافياً وثقافياً من دول أوروبا الغربية، وهي الآن إما دول أعضاء أو مرشحة للانتماء إلى الإتحاد الأوروبي.
معظم دول أمريكا الاتينية وجنوب شرق آسيا مثل تايوان وكوريا الجنوبية وبعض الدول العربية والأفريقية مثل لبنان والسلطة الفلسطينية – فقد تحركت نحو تحقيق المزيد من الديمقراطية الليبرالية خلال عقد التسعينات وعام 2000. إن عدد الأنظمة الديمقراطية الليبرالية الآن أكثر من أي وقت مضى وهو يتزايد منذ مدة دون توقف. ولهذا يتوقع البعض بأن هذا التوجه سيستمر في المستقبل إلى الحد الذي ستصبح فيه الدول الديمقراطية الليبرالية المقياس العالمي لشكل المجتمع البشري. وهذا التنبوء يمثل جوهر نظرية فرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ"
التجربة الديمقراطية الأمريكية تأتي في مقدمة التجارب الديمقراطية في العصر الحديث، حيث بدأت مع قيام الثورة الأمريكية عام 1776 والتي وضعت نهاية للاستعمار البريطاني ولعقود من الاستبداد وضمنت المشاركة في الثروة والسلطة انطلاقا من مقولة "لاضرائب بدون تمثيل" كما تضمنت الثورة الكثير من القيم والمبادىء والمؤسسات مثل، إعلان الاستقلال، وثيقة الحقوق، الدستور.

أشكال الحكم الديمقراطي


اللون الأزرق يشير إلى الدول التي تدعي الديمقراطية وتسمح نشاط المعارضة, اللون الأخضر يشير إلى الدول التي تدعي الديمقراطية لكنها لاتسمح بنشاط المعارضة واللون الأحمر هي الدول التي لاتدعي الديمقراطية استنادا إلى مؤسسة بيت الحرية
• الديمقراطية المباشرة وتسمى عادة بالديمقراطية النقية وهي الأقل شيوعا وتمثل النظام الذي يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها وتسمى بالديمقراطية المباشرة لأن الناس يمارسون بشكل مباشر سلطة صنع القرار من دون وسطاء أو نواب ينوبون عنهم. وتاريخياً كان هذا الشكل من أشكال الحكم نادراً نظراً لصعوبة جمع كل الأفراد المعنيين في مكان واحد من أجل عملية التصويت على القرارات. ولهذا فإن كل الديمقراطيات المباشرة كانت على شكل مجتمعات صغيرة نسبياً وعادة ما كانت على شكل دول المدن، وأشهر هذه الديمقراطيات كانت أثينا القديمة، وفي العصر الحالي سويسرا هي أقرب دولة إلى هذا النظام.
• الديمقراطية النيابية وهي نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين. وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة بل ينتخب نواباً يقررون عنهم. وقد شاع هذا الشكل من الحكم الديمقراطي في العصور الأخيرة وشهد القرن العشرين تزايداً كبيراً في اعداد نظم الحكم هذه ولهذا صار غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات ديمقراطية نيابية (وأحياناً يُطلق عليها "الجمهوريات").
وبالإمكان تقسيم الديمقراطيات إلى ديمقراطيات ليبرالية (حرة) وغير ليبرالية (غير حرة). فالديمقراطية الليبرالية شكل من أشكال الديمقراطية تكون فيها السلطة الحاكمة خاضعة لسلطة القانون ومبدأ فصل السلطات، ويضمن دستور الدولة للمواطنين (وبالتالي للأقليات أيضا) حقوقاً لا يمكن انتهاكها. أما الديمقراطية غير الليبرالية (غير الحرة) فهي شكل من أشكال الديمقراطية لا توجد فيها حدود تحد من سلطات النواب المنتخبين ليحكموا كيفما شاؤوا.

انتقادات شائعة ضد الديمقراطية
منتقدو الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم يدعون بأنها تتميز بمساويء متأصلة بطبيعتها وكذلك في تطبيقها. وبعض هذه المساوئ موجودة في بعض أو كل أشكال الحكم الأخرى بينما بعضها الآخر قد يكونة خاصاً بالديمقراطية
• الصراعات الدينية والعرقية: الديمقراطية وخاصة الليبرالية تفترض بالضرورة وجود حس بالقيم المشتركة بين أفراد الشعب، لانه بخلاف ذلك ستسقط الشرعية السياسية. أو بمعنى آخر أنها تفترض بان الشعب وحدة واحدة. ولأسباب تاريخية تفتقر العديد من الدول إلى الوحدة الثقافية والعرقية للدولة القومية. فقد تكون هناك فوارق قومية ولغوية ودينية وثقافية عميقة. وفي الحقيقة فقد تكون بعض الجماعات معادية للأخرى بشكل فاعل. فالديمقراطية والتي كما يظهر من تعريفها تتيح المشاركة الجماهيرية في صنع القرارات، من تعريفها أيضاً تتيح استخدام العملية السياسية ضد العدو. وهو ما يظهر جلياً خلال عملية الدمقرطة وخاصة إذا كان نظام الحكم غير الديمقراطي السابق قد كبت هذا التنافس الداخلى ومنعه من البروز إلى السطح. ولكن مع ذلك تظهر هذه الخلافات في الديمقراطيات العريقة وذلك على شكل جماعات معاداة المهاجرين. إن انهيار الإتحاد السوفيتي ودمقرطة دول الكتلة السوفيتية السابقة أديا إلى حدوث حروب وحروب اهلية في يوغسلافيا السابقة وفي القوقاز ومولدوفا كما حدثت هناك حروب في أفريقيا وأماكن أخرى من العالم الثالث. ولكن مع ذلك تظهر النتائج الإحصائية بان سقوط الشيوعية والزيادة الحاصلة في عدد الدول الديمقراطية صاحبها تناقص مفاجيء وعنيف في عدد الحروب والحروب الأهلية والعرقية والثورية وفي أعداد اللاجئين والمشردين
• البيروقراطية: أحد الانتقادات الدائمية التي يوجهها المتحررون والملكيين إلى الديمقراطية هو الإدعاء بأنها تشجع النواب المنتخبين على تغيير القوانين من دون ضرورة تدعو إلى ذلك والى الإتيان بسيل من القوانين الجديدة. وهو ما يُرى على أنه أمر ضار من عدة نواح. فالقوانين الجديدة تحد من مدى ما كان في السابق حريات خاصة. كما أن التغيير المتسارع للقواينن يجعل من الصعب على الراغبين من غير المختصين البقاء ملتزمين بالقوانين. وبالنتيجة قد تكون تلك دعوة إلى مؤسسات تطبيق القوانين كي تسيء استخدام سلطاتها. وهذا التعقيد المستمر المزعوم في القوانين قد يكون متناقضاً مع القانون الطبيعي البسيط والخالد المزعوم – رغم عدم وجود إجماع حول ماهية هذا القانون الطبيعي حتى بين مؤيديه. أما مؤيدو الديمقراطية فيشيرون إلى البيروقراطية والأنظمة التي ظهرت أثناء فترات الحكم الدكتاتوري كما في العديد من الدول الشيوعية. والنقد الآخر الموجه إلى الديمقراطيات هو بطؤها المزعوم والتعقيد الملازم لعملية صنع القرارات فيها
• التركيز قصير المدى: إن الديمقراطيات الليبرالية المعاصرة من تعريفها تسمح بالتغييرات الدورية في الحكومات. وقد جعلها ذلك تتعرض إلى النقد المألوف بأنها أنظمة ذات تركيز قصير المدى. فبعد أربعة أو خمسة سنوات ستواجه الحكومة فيها انتخابات جيدة وعليها لذلك ان تفكر في كيفية الفوز في تلك الانتخابات. وهو ما سيشجع بدوره تفضيل السياسات التي ستعود بالفائدة على الناخبين (أو على السياسيين الانتهازيين) على المدى القصير قبل موعد الانتخابات المقبلة، بدلاً من تفضيل السياسات غير المحبوبة التي ستعود بالفائدة على المدى الطويل. وهذا الانتقاد يفترض بإمكانية الخروج بتوقعات طويلة المدى فيما يخص المجتمع وهو أمر إنتقده كارل بروبر واصفاً إياه بالتاريخية (Historicism).إضافة إلى المراجعة المنتظمة للكيانات الحاكمة فإن التركيز قصير المدى في الديمقراطية قد ينجم أيضاً عن التفكير الجماعي قصير المدى. فتأمل مثلاً حملة ترويج لسياسات تهدف إلى تقليل الأضرار التي تلحق بالبيئة في نفس الوقت الذي تتسبب فيه بزيادة مؤقتة في البطالة. ومع كل ما سبق فإن هذه المخاطرة تنطبق كذلك على الأنظمة السياسية الأخرى
• نظرية الاختيار الشعبي: تعد نظرية الاختيار الشعبي جزأً فرعاً من علم الاقتصاد يختص بدراسة سلوك إتخاذ القرارات لدى الناخبين والساسة والمسؤولين الحكوميين من منظور النظرية الاقتصادية. وأحد المشاكل موضع الدراسة هي أن كل ناخب لا يمكلك إلا القليل من التأثير فيظهر لديه نتيجة لذلك إهمال معقول للقضايا السياسية. وهذا قد يتيح لمجموعات المصالح الخاصة الحصول على إعانات مالية وأنظمة تكون مفيدة لهم ومضرة بالمجتمع.
• حكومة الأثرياء: إن كلفة الحملات السياسية في الديمقراطيات النيابية قد يعني بالنتيجة بأن هذا النظام السياسي يفضل الأثرياء، أو شكل من حكومة الأثرياء والتي قد تكون في صورة قلة قليلة من الناخبين. ففي الديمقراطية الأثينية كانت بعض المناصب الحكومية تخصص بشكل عشوائي للمواطنين وذلك بهدف الحد من تأثيرات حكومة الأثرياء. أما الديمقراطية المعاصرة فقد يعتبرها البعض مسرحية هزلية غير نزيهة تهدف إلى تهدئة الجماهير، أو يعتبرونها مؤامرة لإثارة الجماهير وفقاً لأجندة سياسية معينة. وقد يشجع النظام المرشحين على عقد الصفقات مع الاغنياء من مؤيديهم وأن يقدمو لهم قوانين يفضلونها في حال فوز المرشح في الانتخابات – أو ما يعرف بسياسات الاستمرار في الحفاظ على المناطق الرئيسية.
• فلسفة حكم الأغلبية: من أكثر الانتقادات شيوعاً والتي توجه إلى الديمقراطية هو خطر "طغيان الأغلبية".
محاسن الديمقراطية
• الاستقرار السياسي: من النقاط التي تُحسب للديمقراطية هو أن خلق نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم، تهدف من خلاله الديمقراطية إلى تقليل الغموض وعدم الاستقرار السياسي، وطمأنة المواطنين بأنه مع كل امتعاضهم من السياسات الحالية فإنهم سيحصلون على فرص منتظمة لتغيير حكامهم أو تغيير السياسات التي لا تتفق وآرائهم. وهذا نظام أفضل من الذي تحدث فيه التغييرات عبر اللجوء إلى العنف. البعض يعتقد بأن الاستقرار السياسي أمر مفرط إذا ما بقيت المجموعة الحاكمة في مدة طويلة على سدة الحكم. ومن ناحية أخرى هذا امر شائع في الأنظمة غير الديمقراطية.
• التجاوب الفعال في أوقات الحروب: إن الديمقراطية التعددية كما يظهر من تعريفها تعني أن السلطة ليست مركزة. ومن الانتقادات التي توجه إلى الديمقراطية أن عدم تركز السلطة هذا في الديمقراطية قد يكون من السيئات إذا كانت الدولة في حالة حرب حيث يتطلب الأمر رداً سريعاً وموحداً. فعادة يتعين على البرلمان إطاء موافقته قبل الشروع بعملية عسكرية هجومية، رغم أن بإمكان الفرع التنفيذي أي الحكومة في بعض الأحيان القيام بذلك بقرار خاص وإطلاع البرلمان على ذلك. ولكن إذا ما تعرض البلد الديمقراطي إلى هجوم عسكري فالموافقة البرلمانية لن تكون ضرورية للشروع بالعمليات الدفاعية عن البلاد. بإمكان الشعب أن يصوت قرار بتجنيد الناس للخدمة في الجيش. أما الأنظمة ملكية ودكتاتورية فتستطيع من الناحية النظرية في حالات الحرب التصرف فوراً وبقوة. ولكن مع ذلك تشير البحوث الواقعية إلى أن الديمقراطيات مهيأة أكثر للانتصار في الحروب من الأنظمة غير الديمقراطية. وتفسير ذلك أن السبب الرئيس يعود إلى "شفافية نظام الحكم واستقرار سياساتها حال تبنيها" وهو السبب وراء كون "الديمقراطيات قادرة أكثر على التعاون مع شركائها في خوض الحروب". هذا فيما تُرجع دراسات أخرى سبب هذا النجاح في خوض الحروب إلى التجنيد الأمثل للموارد أو اختيار الحروب التي فيها فرص الانتصار كبيرة.
• انخفاض مستوى الفساد: الدراسات التي أجراها البنك الدولي توحي بأن نوع المؤسسات السياسية الموجودة مهم جداً في تحديد مدى انتشار الفساد: ديمقراطية، أنظمة برلمانية، استقرار سياسي، حرية الصحافة كلها عوامل ترتبط بإنفاض مستويات الفساد.
• انخفاض مستوى الإرهاب: تشير البحوث إلى ان الإرهاب أكثر انتشاراً في الدول ذات مستوى متوسط حريات سياسية. وأقل الدول معاناة من الإرهاب هي أكثرها ديمقراطية.
• انخفاض الفقر والمجاعة: بحسب الإحصائيات هناك علاقة تبادلية بين ازدياد الديمقراطية وارتفاع معدلات إجمالي الناتج القومي للفرد وازدياد الاحترام لحقوق الإنسان وانخفاض معدلات الفقر. ولكن هناك مع ذلك جدل دائر حول مدى ما يمكن أن يُنسب من فضل للديمقراطية في ذلك. وهناك العديد من النظريات التي طُرحت في هذا المجال وكلها موضع جدال. إحدى هذه النظريات هو أن الديمقراطية لم تنتشر إلا بعد قيام الثورة الصناعية والرأسمالية. وما يبدو للعيان من ادلة من خلال مراجعة الدراسات الإحصائية تدعم النظرية القائلة بأن ازدياد جرعة الرأسمالية – إذا ما قيست على سبيل المثال بواحد من المؤشرات العديدة للحرية الاقتصادية والتي إستخدمها محللون مستقلون في مئات من الدراسات التي أجروها – يزيد من النمو الاقتصادي والذي يزيد بدوره من الرفاهية العامة وتقلل الفقر وتؤدي إلى الدمقرطة. هذا من الناحية الإحصائية، وهناك استثناءات معينة مثل الهند التي هي دولة ديمقراطية ولكنها ليست مزدهرة، أو دولة بورنيو التي تمتلك معدلاً عالياً في إجمالي الناتج القومي ولكنها لم تكن قط ديمقراطية. وهناك أيضاً دراسات أخرى توحي بأن زيادة جرعة الديمقراطية تزيد الحرية الاقتصادية برغم أن البعض يرى وجود آثار سلبية قليلة جداً أو معدومة لذلك.
• نظرية السلام الديمقراطي: إن نتائج العديد من الدراسات المستندة إلى معطيات وتعريفات وتحليلات إحصائية متنوعة كلها أظهرت نتائج تدعم نظرية السلام الديمقراطي. فالديمقراطيات الليبرالية بحسب تلك الإحصائيات لم تدخل قط في حروب مع بعضها. والبحوث الأحدث وجدت بأن الديمقراطيات شهدت حروباً أهلية أقل أيضاً أو ما يطلق عليها الصراعات العسكرية داخل الدولة، ولم ينجم عن تلك الحروب أكثر من (1000) قتيل، أي ما معناه بأن الحروب التي حدثت بين الديمقراطيات بحالت قتل أقل وبأن الديمقراطيات شهدت حروباً أهلية أقل. قد توجه انتقادات عديدة لنظرية السلام الديمقراطي بما فيها الإشارة إلى العديد من الحروب التاريخية ومن أن عدم وقوع الحروب ليس سبباً مرتبطاً بنجاحها.
• انخفاض نسبة قتل الشعب: تشير البحوث إلى أن الأمم الأكثر ديمقراطية تتعرض إلى القتل بدرجة أقل من قبل حكوماتها.
• السعادة: كلما إزدادت جرعة الديمقراطية في دولة ما إرتفع معدل سعادة الشعب.
] من الانتقادات الموجهة إلى نقطة انخفاض الفقر والمجاعة في الدول الديمقراطية هي انه هناك دول مثل السويد وكندا تأتي بعد دول مثل تشيلي وإستونيا في سجل الحريات الاقتصادية ولكن معدلات إجمالي الناتج القومي للفرد فيهما أعلى من تلك الدول بكثير. ولكن مع هذا يبرز هنا سوء فهم في الموضوع، فالدراسات تشير إلى وجود تأثير للحريات الاقتصادية على مستوى نمو إجمالي الناتج القومي بالنسبة للفرد ما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع معدلاته مع ازدياد الحريات الاقتصادية. كما يجب أن لا يفوتنا بأن السويد وكندا تاتي ضمن قائمة أكثر الدول رأسمالية حسب مؤشر الحريات الاقتصادية المشار اليه أعلاه، وذلك بسبب عوامل من قبيل سيادة القانون القوية ووجود حقوق الملكية الراسخة ووجود القليل من القيود على التجارة الحرة. وقد يقول المنتقدون بان مؤشر الحرية الاقتصادية والأساليب الأخرى المستخدمة لا تنفع في قياس درجة الرأسمالية وأن يفضلوا لذلك اختيار تعريف آخر.
يجب أن لا يفوتنا ملاحظة أن هذه العلاقة التبادلية بين الديمقراطية والنمو والازدهار الاقتصادي ليست علاقة سبب ونتيجة – أو بمعنى آخر إذا ما وقع حدثان في وقت واحد كالديمقراطية وانعدام المجاعة، فهذا لا يعني بالضرورة بان أحدهما يعتبر سبباً لحدوث الآخر. ولكن مع ذلك فقد تجد مثل هذه النظرة من السببية في بعض الدراسات المتعلقة بمؤشر الحرية الاقتصادية والديمقراطية كما لاحظنا فيما سبق. وحتى لو كان النمو الاقتصادي قد حقق الدمقرطة في الماضي، فقد لا يحدث ذلك في المستقبل. فبعض الأدلة تشير إلى أن بعض الطغاة الأذكياء تعلموا أن يقطعوا الحبل الواصل بين النمو الاقتصادي والحرية متمتعين بذلك بفوائد النمو من دون التعرض لأخطار الحريات. يشير أمارتيا سن الاقتصادي البارز بانه لاتوجد هناك ديمقراطية عاملة عانت من مجاعة واسعة الانتشار، وهذا يشمل الديمقراطيات التي لم تكن مزدهرة جداً كالهند التي شهدت آخر مجاعة كبيرة في عام 1943 والعديد من كوارث المجاعة الأخرى قبل هذا التاريخ في أواخر القرن التاسع عشر وكلها في ظل الحكم البريطاني. ورغم ذلك ينسب البعض المجاعة التي حدثت في البنغال في عام 1943 إلى تأثيرات الحرب العالمية الثانية. فحكومة الهند كانت تزداد ديمقراطية بمرور السنين وحكومات أقاليمها صارت كلها حكومات ديمقراطية منذ صدور قانون حكومة الهند عام 1935.

الفصل الثاني الديمقراطية وحقوق الانسان:-
إنّ حقوق الإنسان، حكم القانون، والحكم الرّشيد من أُسس السّلام والديمقراطيّة. قلّة هم الّذين يعارضون الحاجة لهذه المقادير الجوهريّة الثلاث. مع ذلك، الاختلافات حول تعريف هذه المبادئ الثلاث والأولويّة التي يجب إيلاؤها لكلّ مبدأ دائمة الوجود حتى بين مؤيّدي الديمقراطيّة. فضلاً عن ذلك، هنالك مقدار رابع ضروري لتحقيق حقوق الإنسان، حكم القانون، والحكم الرّشيد، ألا وهو المحاسبة والعدل، اللّذان غالباً ما يتم وضعهما خارج المزيج. تتميز هذه العناصر باتصالها ببعضها البعض وبخلقها لطاقة تشكّل أساساً الديمقراطية.
فمن الصعب الفصل بين الديمقراطية و حقوق الإنسان، فالفكرتان مترابطتان و قد لعبت فكرة الحقوق الإنسانية دورا كبيرا و مركزيا في فلسفة الديمقراطية، فالنظام الديمقراطي خير حامٍ لحقوق الإنسان، و الأخيرة هي التربة الخصبة التي تنمو فيها الديمقراطية و تتعزز.
إن الديمقراطية و حقوق الإنسان "كثقافة" حاجة أساسية لمجتمعنا اليوم، فبدون الإيمان بهما كثقافة لن نستطيع تحقيق فعالية "الذات الإنسانية الواعية" و أيضا تجاوز أزمتنا الحقيقية ألا وهى التخلف
إن مُركّب التخلف في مجتمعنا و المتمثل بهيمنة قوى تقليدية و التي تجهد لإرساء قيم تتنافى و جدلية حركة التاريخ، و بالتالي فإن هذه القيم تتنافى مع منهجية التفكير العلمي، فالتفكير العلمي هو أولا إخراج الوعي المزيف من ساحة الممارسة الاجتماعية، و ثانيا إخراج الفرد و المجتمع من إطار الوعي المزيف و إدخالهما في إطار وعي الذات كذات فاعلة و قادرة على صنع القرار الواعي و القادر بدوره على تغيير الواقع و خلق المستقبل الأفضل.
إن المشروع الديمقراطي يتطلب اعتماد بناء معرفي قائم على قيم علمية إنسانية، حيث أن التفكير العلمي يبقى المدخل الأساسي للعقلانية، و العقلانية هي المدخل المعرفي الأساسي للديمقراطية، فالديمقراطية التي لا تُمارس على أساس عقلاني هدفها الإنسان الفرد بالدرجة الأولى تبقى ناقصة و مزيفة و مشوهة، لأن الديمقراطية القائمة على العلم و الوعي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق العدالة و المساواة في كافة أشكالها "السياسية و الحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية" للفرد، و بالتالي للمجتمع ككل، أي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق التوازن في بنية المجتمع دون النظر إلى اعتبارات أخرى "مذهبية، قبلية، أثنية، عشائرية"، وهذا جوهر العلاقة بين الديمقراطية و حقوق الإنسان، لأن الديمقراطية تنظر إلى العمل و العقل كمحددين أساسيين من محددات التقدم، و ذلك على اعتبار "إن ما هو جذري و ذو قيمة أساسية و حاسمة في عالم الإنسان هو الإنسان نفسه، فهو إنسان العمل و الإنتاج و المعرفة، إنسان الخلق و الإبداع و الحضارة، ضد إنسان التواكل و التسليم".
الديمقراطية لم تشكل مع مرور الأيام تراثا أو تقليدا ينضم إلى ثقافتنا، بل بقيت مواقف ذهنية ترتبط بشخصية أو شخصيات معينة، و لم تصل إلى مرحلة وعي قائم بذاته يُمارس كعنصر ثقافي، و هذا يعود برأيي إلى عوامل التخلف السائدة في ثقافتنا "كإقصاء الآخر لمجرد معتقداته" و هذا ما سيتم استيعابه و الخروج منه من خلال الإيمان أولا بالإنسان و حقوقه التي نصت عليها المعاهدات و الإعلانات و المواثيق الدولية.
إن حالة التشوه الفكري في مجتمعنا تتبين من خلال الخلل السائد في العلاقات الإنسانية، و هذا ما ينعكس سلبا على كافة العلاقات القائمة في المجتمع و على جميع الأصعدة.
إن الفقر بالمفاهيم الإنسانية و الديمقراطية في إيديولوجيات ثقافتنا و مثقفينا أسهم في القفز فوق الإنسان الفرد "المواطن"، فالخطابات السياسية المعاصرة "كمؤشر" لم تعط هذا الفرد أو تؤمّن له ما قالت أنه يستحق من كرامة و رعاية و احترام،
إن الوصفة الجاهزة التي يقدمها الخطاب السياسي بمختلف تعبيراته -القائم على الأهداف الكبيرة و الشعارات النارية - لم و لن تكون ظروف ملائمة لولادة مجتمع يتمتع بثقافة الديمقراطية و حقوق الإنسان فكرا و ممارسة.
إن السعي إلى تحقيق تراكم أولي لثقافة الديمقراطية و حقوق الإنسان يعتمد و بالدرجة الأولى على إيمان ذاتي بهذه الثقافة، و على إيجاد الوسائل و الآليات اللازمة و العقلانية لنشرها و ترسيخها في المجتمع ".
إن كانت الديمقراطية من حيث الممارسة الفعلية هي حكم الأغلبية وفرض إرادتها على دفة الحكم، فإن إعلان حقوق الإنسان هو الطرف الآخر في معادلة التساوي بين المواطنين والحفاظ على كرامتهم والدفاع عن حقوق الأقليات التي لن تشارك في الحكم. ميثاق حقوق الإنسان يضع حدودا لسيطرة الأغلبية التي قد تجنح إلى التسلط والاستبداد باسم شرعية الأغلبية الدستورية.
الديمقراطية هي أسلوب في الحكم وهي جزء من حقوق الإنسان وليست القيمة الأولى في هذه الحقوق. الديمقراطية ليست غاية في ذاتها بل هي"وسيلة" أفضل من غيرها لتسيير دفة الحكم والعيش بسلام ضمن حدود معقولة. الغاية هي في حياة وكرامة الإنسان وحرياته. الحرية غاية في ذاتها نابعة من وجود الإنسان كانسان. الحرية هي ركيزة كل سياسة وكل نظام إنساني. على الديمقراطية أن تتيح للحريات، مثل حرية العقيدة وحرية الفكر، أجواء واسعة للتعايش مع حرية الآخرين بأقل ما يمكن من الصراعات والتناقضات. طريق الحرية متمم للديمقراطية وهو طريق شاق وصعب من الناحية التطبيقية لشعوب لم يتيسر لها السير فيه. طريق الحرية والديمقراطية هو أطول طريق بين نقطتين لأنه يحتاج إلى وقت ونقاش وتنازلات للوصول إلى حلول معقولة وعادلة لجميع المواطنين.

على كل دولة، كما أوصت هيئة الأمم المتحدة، أن تشرع إعلانا مفصلا لحقوق الإنسان يوضح ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيرها من الإعلانات العالمية. تلحق هذه المواثيق بالدستور وتصبح جزأ منه، وبهذا يكون المرجع الأول لكل القوانين اللاحقة في الدولة.
لكي تنمو مفاهيم الديمقراطية في عقول الشبيبة يجب تعليم ، في كل مراحل الدراسة، مواثيق حقوق الإنسان ودراسات مقارنة لأهم الديمقراطيات في تطورها التاريخي، لتكون مرجعا أساسيا في السلوك الاجتماعي للأجيال القادمة في وطننا العربي.

حقوق الإنسان و النضال الديمقراطي اليوم من خلال نشطاء وعاملين حقوق الانسان

في بداية الثمانينات، دخل عدد كبير من السياسيين والمثقفين حركة حقوق الإنسان في البلدان العربية التي تصورتها أغلبية المنضمين إلى لواء الحركة الصيغة الجبهوية التي تجمع الحزبيين والمستقلين للعودة إلى شرعية عمل منعته السلطات التسلطية ونقطة لقاء بين القوى ذات البرنامج الديمقراطي من اجل تدعيم عملية الانتقال إلى وضع ديمقراطي طال انتظاره. وليس من الغريب والحالة كذلك أن نرى غيابا واضحا للتخوم بين السياسي والحقوقي وبين المهمات والبرامج. وأذكر أننا أجرينا في 1989 مقارنة بين البرنامج السياسي لعدة أحزاب في الأردن واليمن ومصر وسورية وتونس والجزائر والسودان مع برنامج عمل أكثر من منظمة محلية لحقوق الإنسان فلم نجد فارقا يذكر. ولا يعود ذلك فحسب إلى ضعف عملية الوعي المجتمعية والسياسية وإنما أيضا إلى حقيقة أن العديد من المهمات كانت بالفعل تتقاطع وأن من هموم الحركة السياسية وحركة حقوق الإنسان كلاهما مثلا رفع حالة الطوارئ وإقرار دستور تعددي ودمقرطة الحياة السياسية والنقابية كذلك الإفراج عن كافة معتقلي الرأي الخ.
يوجد تكامل و تداخل واضح في النضال الثقافي لتعزيز الوعي الديمقراطي، ولا غرابة في أن ينظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مؤتمرا عربيا لدراسة أسباب تعثر الديمقراطية وأن يصدر أكثر من كتاب في الموضوع . أو أن يقدم منصف المرزوقي كتاب " الاستقلال الثاني: من أجل الدولة العربية الديمقراطية الحديثة ". أو أن تولد جماعة تنمية الديمقراطية من رحم المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. إلا أن الخروج من عالم الصراع الثقافي والفكري إلى المهمات وتقسيم العمل وتحديد المواقع يعيدنا باستمرار إلى ضرورة تخطي الحقبة العفوية إلى حالة نضج مدنية وسياسية يتحدد فيها من يعمل ماذا ؟
لقد اكتسبت حركة حقوق الإنسان مصداقية في مرحلة عاشت فيها الأحزاب السياسية أزمة هوية و شقاق مع مجتمعاتها. وتكاد نقاط الاهتمام الجماهيرية تنحسر في عدة بلدان بين الحزب الحاكم بالترهيب والحركة الإسلامية بخطاب الترغيب. ومن هنا توجهت الأنظار لنشطاء حقوق الإنسان كتعبير عن رفض مزدوج في الغالب أو ملجأ حماية أخلاقية. ومن من رموز الحركة لم يعرض عليه وزارة أو منصب قيادي في حزب أو جبهة، وقد خاض في هذا الخيار عدد من النشطاء في أكثر من بلد. و كانت النتائج كارثية على أصحابها وعلى حركة حقوق الإنسان و الديمقراطية .
نشطاء حقوق الإنسان دور أساسي في عملية الوعي وفي النضال ولكن برأينا ضمن ثلاثة منارات أساسية
المنارة الأولى ، هي اعتبار حقوق الإنسان ، وليس البرنامج الديمقراطي السياسي الناظم الأساسي لعمل النشطاء. ناظم باعتبارها مرجعية قانونية دولية لمراقبة قوانين وإجراءات الحكومة، أية حكومة، والحركة السياسية أينما كان خندقها. فهي ليست رهينة تصويت الأغلبية، أية أغلبية. ولا يكفي اجتماع 90 % من الجزائريين على العقوبات الجسدية لتقبل بها ولا يكفي وجود أغلبية أمريكية مع حكم الإعدام لتسلم فيه.
وهي قاسم مشترك : باعتبارها تدعم كل معركة سياسية ديمقراطية في المجتمع تهدف إلى دمقرطة الأوضاع الدولانية والمجتمعية وحماية حقوق الأفراد والمجتمعات السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. من هنا ستتقاطع حينا مع قوى ليبرالية تطالب بحقوق سياسية محددة ومع قوى اشتراكية تصر على حق التعليم والصحة والتنمية ومع قوى نقابية تؤكد على حق العمل وأنسنة العمل ومع مصلحين إسلاميين يعتبرون الأخلاق منظما أساسيا للعلاقات السياسية والتضامن حقا أساسيا من حقوق الإنسان . سنتقاطع بالتأكيد مع قوى متعددة تشاركنا نقاط أساسية من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ولكن واجبنا هو الإصرار على تحديد نقاط التقاطع والتخوم بيننا بوضوح ودون مجاملة.
وأخيرا كسلطة مضادة : بالإصرار على رفض الاندماج في الجسم السياسي الحزبي مهما كانت الغاية نبيلة. فلا مجال للخلط بين أهدافها ووظائف السياسيين باعتبارهم مرشحين تلقائيين للسلطتين التشريعية والتنفيذية. في حين تشكل عملية البناء المدنية للقوى الاجتماعية من نقابات و جمعيات وأشكال تضامن واندماج أهليين ومبادرات قاعدية الهدف الأسمى لنشطاء حقوق الإنسان الذين يهمهم الإنتاج الواسع للإنسان السياسي والمدني اكثر مما يهمهم قيادته.
و أظن أن هذا الفصل واضح إلا لمن لا يشاء أن يراه بين العمل السياسي الحزبي وعمل المدافعين عن حقوق الانسان. ففي كل حزب أوربي ديمقراطي مسؤول أو لجنة مختصة بحقوق الإنسان ولكن لم نسمع بواحدة منها تتجاوز سقفا محدودا هو سقف الحزب وحساباته. وللأسف في البلدان العربية، فان وجود عناصر خلطت بين الاثنين قد خلق إشكاليات كثيرة. ومثل المنظمة العربية غني عن التعبير ونحن نعتقد أن عدم تحديد التخوم والانتقال من موقع لآخر كان من أسباب تمزق الرابطة التونسية لحقوق الإنسان التي أعطت بن علي وزيرين من رؤسائها وأكثر من نائب ؟ وكم تراجعت مصداقية الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان مع ترشيح رئيسها نفسه لانتخابات نيابية في ظروف غير ديمقراطية. وقد خلق تعيين رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الأستاذ علي يحيي عبد النور الناطق الرسمي لاجتماع روما السياسي مع احتفاظه بمنصبه إشكالية للنشطاء
1-لأن هناك أطرافا في اتفاقية روما لم تتخل عن العمل المسلح، ما يمكن أن يخلقه ذلك من خلط بين حقوق الإنسان واستعمال العنف.
2-لأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت تتطلب منظمات غير حكومية قوية ومستقلة للدفاع عن الضحايا.
وكان جديرا بالزميل علي يحيي أن يتحول إلى رئيس فخري للرابطة، تجنبا لجمع المهمتين، أو أن يتوقف دوره عند منسق في المؤتمر وموجه لخطه السياسي فيما ينسجم مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان..
إن عدم لعب دور حزبي لا يعني أن النشطاء مجموعة من الأغبياء سياسيا، بل على العكس فهم بحاجة إلى درجة نضج سياسي و مدني جد متقدمة لفهم الخارطة السياسية في البلد و تحديد الأولويات و إبصار موقعهم في المعارك الديمقراطية الأساسية
حقوق الإنسان والمنظمات العربية غير الحكومية أساس البناء الديمقراطي

يمكن ملاحقة ظاهرة التنظيمات والشخصيات الاعتبارية Charismatic غير الدولانية بعيدا في التاريخ المشرقي. وقد لعبت أكثر من فرقة دينية مسيحية دورا متمايزا في خلق هامش مستقل عن الدولة ومستقطب لعب دورا كبيرا في نشر المعرفة والثقافة الدنيوية والدينية كالنساطرة واليعاقبة. كذلك كان لبعض الحركات الدينية دور الحماية الاجتماعية بوجه الدولة أو المحتل حيث لعب جهازها دور الوسيط المنظم لهذه العلاقة أو الصوت المعبر عن مصلحة المجموع أو دور "كاظم الغيظ" الجماعي. وقد بدأت نويات أشكال أكثر تقدما تنشأ مع ولادة المدن الجديدة والانتشار الأفقي الواسع للإمبراطورية العربية-الإسلامية مع ما حمله من اختلاط بشري وثقافي هائل. بعض هذه التعبيرات كانت حول شخصية فرد وبعضها الآخر محلي الطابع والبعض ذو طموح عالمي: ولعل ظاهرة الحسن البصري (642-728م/ 21-110 للهجرة) ومدرسته التعبير الأبرز في القرنين الأول والثاني للإسلام أولا كرغبة واضحة في الاستقلال عن السلطة السياسية، وثانيا كرغبة في الاستقلال عن التعبيرات السياسية-الدينية المعارضة، وباستعارة تعبيرات عصرنا، كسلطة مضادة Contre-pouvoir . فقد رفض أن يكون قاضيا بأجر حتى لا يرتهن للسلطة السياسية بمرتب وأصر على حقه في أن يكون الصوت النقدي لمن لا صوت لهم. وقد وقف ضد العنف والفتنة ومشهور رأيه حين سئل عن الخيار في الفتنة والقتال:
"-لا تكن مع هؤلاء، ولا مع هؤلاء . فسئل: ولا مع أمير المؤمنين؟ فغضب وقال: نعم ولا مع أمير المؤمنين" ونجد في مدرسة الحسن البصري أيوب السخياتي وفرقد السبخي ومالك بن دينار ومحمد بن واسع.. وقد دافع هذا الاتجاه عن حق العالم والمثقف والفقيه في الاستقلال التام عن السلطة وضرورة وجود سلطة اعتبارية أخلاقية تدافع عن المجتمع من جنوحات الحاكم.
منذ نهاية القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) بدأ ينتشر تقليد جديد يجمع أصحاب المهنة الواحدة في سوق خاص بهم وخلال قرن من الزمن نجحت الروابط المهنية الجديدة في انتزاع اعتراف القاضي والمحتسب بالسنة والعرف التي تعمل بها (أي الاعتراف بنهج عملها كمرجع قانوني للتنظيم و المحاسبة). وباختلاف الحقب كانت الخلافة تقر من ينتخبه الحرفيون شيخا للحرفة أو تفرض في الفترات الاستبدادية على الحرفة شخصا تسميه من أهل المهنة. وقد نظم أصحاب المهن أشكالا للتضامن تؤمن سوية مقبولة للمهنة وإقرار مستوى أسعار الصناعة وحماية أصحابها بأساليب سلمية بشكل عام. وانتشرت هذه الظاهرة في فلسطين وسورية والعراق ومصر وفارس والمغرب والأندلس وحتى قلب آسيا. ثم تراجعت مع سقوط بغداد والاضطراب السياسي الذي تبعه.
أما الصيغة الثانية للتنظيمات غير الحكومية فقد تمثلت في تجمعات مختلفة على أساس سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو أكثر من هدف، ويقع في هذا المثل الحركة الإسماعيلية والعيارون والشطار ومجموعة أخوان الصفا وتجمعات الوقف الخيري الصحي والتعليمي والمعاشي.
لقد وجدت من الضروري التعريج قليلا على التاريخ للرد على كل من يقول بأن التجمع غير الحكومي ظاهرة غريبة عن مجتمعاتنا، خاصة أصحاب الأطروحات الشمولية الإسلامية، كالباكستاني أبو الأعلى المودودي الذي يربط كل شئ بالخلافة أو التسلطية العلمانية في كل مدارس الحزب القائد الذي يفرخ منظمات شعبية على مقاسه ولخدمته. فمن الواجب التذكير بأن معركة أسلافنا لم تكن أسهل من معركتنا اليوم حيث حاول أكثر من خليفة شراء ذاك الاسم أو تلك الرابطة وعندما كان يفشل كان ينكد عيش الحريص على استقلاله. وإن كان من تساؤل هام حول سبب عصور انحطاط العرب والمسلمين، فلا شك بأن للخيار الاستبدادي والأحادي الرؤية وقمع التعبيرات المستقلة فكرية كانت أو اجتماعية دورا حاسما في غياب هذا الجزء من العالم عن التاريخ لقرون.
مع عودة طموح النهضة في القرن التاسع عشر عادت فكرة المنظمات غير الحكومية إلى الوجود في العالم العربي، حيث فتحت مصر ولبنان الباب منذ النصف الأول في ولادة جمعيات دينية وخيرية. وقد بدأت الجمعيات ذات الدور الثقافي التنويري بالتواجد، علنا أو سرا، في النصف الثاني من القرن الماضي، في سورية وفلسطين وتونس والعراق. ولعل أول من دافع عن فكرة المجتمع المدني وامتلاكه تعبيراته المستقلة في العالم العربي عبد الله النديم (1845-1896م). فهو أول عربي أعطى الأولوية للجمعيات غير الحكومية على العمل السياسي بالمعنى الحزبي أو المباشر واعتبر الشارع والقرية المدرسة الأولى للإصلاح والنهضة وآثر السياسة كفن، بالمعنى اليوناني النبيل للكلمة، على ما أسماه "السياسة العملية الإدارية".. زرع عبد الله النديم بذور أفكاره في مصر وفي منفاه في يافا وفي مجلة "الأستاذ" التي كانت مرجعا لجيلها.
أنهى إضراب عمال التبغ في مصر القرن الماضي بالحصول على حقهم في نقابة مستقلة. وبعدها بأشهر صدر كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" (1899)، وافتتح فرح أنطون هذا القرن بترجمة إعلان حقوق الإنسان والمواطن إلى العربية مطالبا بتعليم حقوق الإنسان في المدارس. وإن بدأت طلائع الديمقراطية في مصر وتركيا والعراق وسورية ولبنان وإيران تتحدث عن الحقوق الطبيعية للإنسان خاصة في صفوف الاتجاهات الدستورية الناشئة، فقد بقيت قضية حقوق الإنسان محصورة بأقلام متنورة أكثر منه اتجاها ثقافيا أو اجتماعيا عاما. في هذا الوقت، كانت نشأة الجمعيات المستقلة مستمرة في كل بلدان المشرق. وفي حين قبلت الإدارة الإنجليزية في مصر فكرة حق الناس في تشكيل جمعيات مهنية وثقافية وفنية مبكرا، علينا انتظار 24 أبريل/نيسان 1912 لمطالعة نص القانون العثماني لتنظيم عمل نقابات الحرف والصنائع والذي بقي ساري المفعول في بلدان الانتداب الفرنسي (سورية ولبنان) والإنجليزي (كفلسطين وشرقي الأردن). يقرر هذا القانون في مادته الأولى إلغاء جميع النقابات القديمة وحق كل حرفة وصنعة في تشكيل نقابة مستقلة. من جهة ثانية، كان لإقرار الدستور في تونس عام 1861 أثره في تعزيز فكرة حرية التنظيم الأهلي في هذا البلد ولو أن هذا الدستور لم يعش طويلا. كذلك كان الأمر بالنسبة للدستور العثماني من بعده في 1876 والإيراني في 1906 وإعداد المتنورين في المغرب الأقصى لدستور أكتوبر/تشرين الأول 1908.
النشأة ومشكلات الولادة
أصدر جميل معلوف كتابه " حقوق الإنسان و تركيا الجديدة " في ساو باولو عام 1910 في حين نجد في "الجريدة" التي رأس تحريرها لطفي السيد (1907-1914) ومجلة السفور المطبوعة في مصر أثناء الحرب العالمية الأولى دفاعا عن حقوق أساسية للأفراد والجنسين والحقوق المدنية والسياسية في إشارات خاطفة هنا وهناك لإعلان حقوق الإنسان والمواطن. وفي العشرينات والثلاثينات نقرأ اكثر من مقالة لإسماعيل مظهر وسلامة موسى ومي زياده تتعرض للحريات الأساسية وحقوق الإنسان. وقد تناولت نبوية موسى ومنيرة ثابت في مصر حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في نفس الحقبة. وفي الثلاثينات صدر أول كتاب باللغة العربية عن حقوق الإنسان لمؤلفه رئيف خوري في دمشق. وتشكلت في القاهرة والدار البيضاء لجنتان لحقوق الإنسان وفي أهم المدن العربية لجانا لمناهضة الفاشية. في 1944 تشكل اتحاد المحامين العرب بطموحات وطنية ديمقراطية كأول تعبير عربي حقوقي للدفاع عن مبادئ الحق والعدالة. كذلك برزت أسماء عربية للدفاع عن حقوق الإنسان مثل محمد مندور ومحمود عزمي ورياض شمس الدين في مصر، ادمون رباط وسامي الكيالي ونجاة قصاب حسن في سورية، وشارل مالك ورئيف خوري وسليم خياطه في لبنان وعلي الوردي في العراق.
وبعكس منطق الأشياء، كان عام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العالم العربي عام النكبة بولادة دولة إسرائيل مع ما رافق ذلك من خلق حالة شك عامة بالأمم المتحدة ومؤسساتها في الشارع العربي. وفي حين كان العالم يعاود اكتشاف روابط حقوق الإنسان لم تتشكل أية منظمة عربية حتى بداية الستينات. وبقيت دعوة رئيف خوري في 1949 للمثقفين اللبنانيين إلى تشكيل جمعية مستقلة لحقوق الإنسان دستورها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دون استجابة.
لم تنضج إذن فكرة منظمة غير حكومية مرخص بها لحقوق الإنسان في بلد عربي حتى عام 1962 أي قرابة قرن بعد أول دستور في هذا الجزء من العالم وقرن ونصف على ولادة أول جمعية خيرية في الأزمنة العربية الحديثة. وهو زمن متأخر نسبيا، ولا شك أن عدم إعطاء الحقوق الأساسية للشعوب حقها في الإعلان العالمي قد أخر الثقة بدور لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وقد غطت المسألة الوطنية تماما على المسألة المواطنية في هموم جيل الاستقلال فيما جعلنا نتحدث اليوم عن استقلالين.
كان ظهور الجيل الثاني من المدافعين (باعتبار أن الجيل الأول كان حالات فردية ومبادرات معزولة) محاولة لإعادة طرح التوازن بين الوطن والمواطن والديمقراطية وقضية التحرر الوطني. إلا أن هذا الجيل الذي شكل الرابطة السورية لحقوق الإنسان في 1962 والجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الفترة نفسها واللجنة القومية لحقوق الإنسان في السودان (1967) والعصبة المغربية لحقوق الإنسان (1972) لم يستطع الوقوف في وجه تيار، بل يمكن القول جيل، ضحى بقضية الحرية باسم التحرر و المواطنة باسم الوطن. وقد قامت الاتجاهات القومية بتهميشه وقمعه في سورية والعراق والسودان وحصره في إطار حزب الاستقلال في التجربة المغربية إلى حين ولادة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في 1979.
إن المحاصرة التي عاشتها التجارب الأولى لمنظمات حقوق الإنسان لم تلبث مع تصاعد العسف وتعزز الدولة التسلطية العربية أن دفعت بالضحايا إلى هذه الحقوق للدفاع عن النفس والأهل والمحيط. وكانت عودة حركة حقوق الإنسان بقوة ابنة تصاعد الحاجة إليها أكثر منه زواج الوعي والعقل. ولا ضير في ذلك، فقد ولد الجيل الثالث لنشطاء حقوق الإنسان في بحر حالة تسلطية عربية حطمت المكونات المستقلة للمجتمع حرصا على أمن السلطات السائدة. وطبعت ظروف النشأة هذا الجيل الذي تلفق حقوق الإنسان كوعاء جبهوي يجمع من استثناهم النظام السائد من قلعة الشرعية التي أممها لبطانته، وانطبعت بهلامية النشأة هذه طموحات سياسية للبعض، تسلقية شخصية للبعض الآخر، أو مجرد معبر إلى ما يفتح الله أمام عباده . وبرزت معظم السلبيات التي طبعت هذا الجيل يوم تشكلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في 1983 بمبادرة لعدد من المثقفين العرب وبكل حساباتهم السياسية. ومما يـشهد له أن المنظمة العربية لم تخض معركة كبيرة هامة مع أحد، بل كانت اكثر من مرة ضحية المسار القمعي العام الأعمى الذي لم يقبل حتى هذه الصيغة المحدودة الفعالية للعمل الإقليمي من أجل حقوق الإنسان.
رغم قصورها التنظيمي و التكويني وعدم تصديها لمهمات مركزية للنضال في العالم العربي، كانت المنظمة ابنة حقبتها من جهة ومحل استقطاب وتأييد للعديد من الطاقات العربية الصاعدة ومصدر أمل. ومن قمقمها ولدت اكثر من منظمة محلية لم تلبث أن تجاوزت المنظمة الأم كما هو الحال في مصر. إلا أن حركة حقوق الإنسان لم تكن أسيرة هذا الشكل العلائقي. فقبل ولادتها، كان هناك اكثر من تجربة إقليمية. وبسبب سياساتها المهادنة، نشأت اكثر من تجربة عربية خارج نطاقها. وتطورت أكثر من تجربة محلية بشكل مستقل تماما عنها مثل منظمة "الحق" الفلسطينية وتجربتي سورية والبحرين.
بكلمة ، لم تنح الحركة العربية في السنوات الخمسة عشر الأخيرة منحى واحدا و لم يكن هناك أنموذجا ممتازا يتبع. فقد اختلفت أساليب النشأة ومراحل التطور بشكل غريب. وضمت الحركة منظمات متأثرة بأحزاب معينة أو طوائف محددة وأخرى مفتوحة العضوية تعددية التركيب. كذلك بدأت قضية المهنية تطرح هيكلة جديدة محدودة العضوية ومحصورة المشاركة. ولم تلبث حركة حقوق الإنسان أن برزت، بالرغم من كل مشاكلها وأساليب الحصار المختلفة التي تعاني منها، كقوة مؤثرة في المجتمع وطبيعة الدولة ولو اختلف هذا التأثير بين بلد وآخر، إلا أنه موجود. فعندما يتمكن مجموعة من البشر لا يزيد عددهم عن عشرين شخصا من كسر الطوق في قضية الاعتقال التعسفي في بلدهم أو فتح ملف المفقودين على مصراعيه أو إجبار حكومة تسلطية على التراجع عن إجراءات غير ديمقراطية، يكتسب هذا النضال ثقة المجتمع بسرعة ويعاد الاعتبار للعمل العام بعد كل الهزائم المبكرة التي عاشتها المنطقة العربية ويفتح أمام الناس حق التفكير في احتمالات متعددة لوجودهم لا يغيب عنها الحق في مجتمع متمدن يحترم حقوق الأفراد والجماعات ويعتبر احترام حق الآخر في الوجود جزءا لا يتجزأ من كرامة الذات.
أزمة ذاتية وحصار خارجي
من مآسي العرب المعاصرة أننا ما زلنا حتى اللحظة بحاجة إلى إقناع هذه الحكومة أو تلك بحق المنظمة غير الحكومية في الوجود والنشاط. أقول مأساة، لأن المنظمات غير الحكومية قد نجحت على الصعيد العالمي في تحقيق أهم ثورة سلمية وهادئة ذات آثار لا تحصى على البشرية في القرن العشرين. فقد اتسع نطاق هذه الظاهرة بشكل كبير وصل إلى 105 ضعف من عام 1909 إلى عام 1984. وغطت نشاطاتها ميادين عديدة سبقت فيها السلطة التنفيذية متجاوزة العديد من جوانب قصور السلطة السياسية. هناك أكثر من 35 دولة في العالم لا يحتاج فيها المرء إلى أي إجراء لنيل حقه في تشكيل جمعية حتى ولو انحصر الأمر بطابع مالي بقيمة عشرين فلسا. وفي أكثر من خمسين بلدا يقوم قانون الجمعيات على مبدأ "علم وخبر"، أي إعطاء العلم بوجود الجمعية لمديرية المحافظة التي لا تملك سوى حق نشر الخبر في الجريدة الرسمية وإعلام مؤسسي الجمعية باستلام بريدهم مع رسم مالي يقل بكثير عن رسم الانتساب لمنظمة عالمية. وفي مقارنة أجريتها بين وضع الجمعيات في بوركينا فاسو (وهي ليست واحة للديمقراطية) وسورية كان أول استنتاج هو أن سورية تعيش في حالة تخلف على صعيد العمل الأهلي وحقوق الجمعيات غير الحكومية بالمقارنة مع هذا البلد الإفريقي. ولو قارنا قوانين الجمعيات في الأربعينات والتسعينات في مصر وسورية ولبنان وتونس والجزائر والعراق لوجدنا تراجعا في جملة البلدان المذكورة، فأين نحن وماذا نناقش وأين منا العالم اليوم؟
كحركة ومنظمات وأفراد، لنا سلبياتنا وعيوبنا. وتقييمنا الذاتي ونقدنا لما هو سلبي في مسيرتنا جزء أساسي من شروط تقدم الحركة العربية لحقوق الإنسان. لكن ما يحدث، هو استعمال بعض هذه السلبيات أو العيوب وتوظيفها لضرب فكرة لم يعد بإمكان المجتمع البشري التقدم بدونها اليوم. من هنا، وقبل مناقشة أوضاع القوانين العربية، يحق لنا أن نطرح سؤالا بسيطا على كل عربي في موقع المسئولية السياسية : أي مجتمع نريد؟ هل نريد مجتمعا تعدديا وديمقراطيا؟ إن كان الجواب نعم، فإن من بديهيات العمل السياسي والعلوم السياسية اليوم أن لا ديمقراطية دون امتلاك المجتمع لوسائل مستقلة لرصد ممارسات التعبيرات المختلفة للسلطة في الدولة والمجتمع. ولا وسيط من أجل اقتصاد العنف يفوق في أهميته المنظمات غير الحكومية.
في تقييم نقدي لتجربة المنظمة المصرية، يركز الدكتور محمد السيد سعيد على خمس محطات للصراع الداخلي: الجدال حول الشرعية، الجدال حول المهنية، الجدال حول التمويل الأجنبي، الجدال حول شبكة العلاقات الدولية، الجدال حول التطور المستقبليدون الدخول في تفاصيل المواضيع المذكورة، نلاحظ أنه وباستثناء المحطة الخامسة، فإن القانون السائد والعسف والأحكام المسبقة والمواقف السياسية كانت تكبل جهود المنظمات العربية غير الحكومية وتستهلك الأهم من طاقات أعضائها في الوقت نفسه نجد الجمعية الهندية أو الفرنسية لا تصرف للموضوع الأول أي وقت يذكر ذلك لوجود قانون غير قمعي للجمعيات والحد الأدنى المطلوب من الحريات الأساسية. وعندما تناقش مسألة المهنية يكون منطلق ذلك الحاجيات الفعلية والمقاربة الخاصة لمفهوم المنظمة، مفتوحة أو مغلقة العضوية. في حين أصبح من عاديات الأمور وجود شبكة تضامن وتعاون وحوار إقليمية وعالمية. وتنص مادة "موارد الجمعية" في النظام الداخلي الذي يقره مؤتمر الجمعية أو مجلسها على ما يتفق عليه الأعضاء -وليس وزير الداخلية- بشأن السياسة الاقتصادية للمنظمة.
ليست السلطة السياسية مسؤولة وحدها عن هذا الوضع. فهناك مشكلات ثقافية بنيوية تركت آثارها في التعبيرات الأهلية. وهناك الخلفية السياسية للأعضاء وضغوط الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة. إلا أن إجبار حركة حقوق الإنسان العربية على إعطاء جهد كهذا يعود إلى كون وزير الداخلية التونسي قد رفض إعطاء ترخيص للمجلس الوطني للحريات في تونس في مارس 1999 (وبالتالي فتح النقاش هل يستمر الأعضاء أو يتوقفون؟) ولأن القانون المصري والسوري والعراقي قبل الاحتلال يمنع تلقي أية مساعدة خارجية ويشمل الأمر في الأنموذج البعثي أفراد العائلة الذين يعيشون في الخارج، فإن التمويل موضوع نقاش مركزي ومصيري كونه قد سبب اعتقال 21 مناضلا لحقوق الإنسان في سورية في 1991-1992 حكموا بالسجن من 3 إلى 10 سنوات لمجرد قبول مبلغ لا يكفي لشراء آلة كاتبة من فرع الخارج لنفس المنظمة التي ينتمون إليها؟ ويشكل التعاون غير الاقتصادي مع طرف أجنبي في عدة بلدان عربية جريمة باسم الوطنية ويمكن إخراج هذه القوانين التي أكل الدهر عليها وشرب في كل مرة تحتاج فيها السلطة السياسية لردع نقادها.
ويمكن القول أن التسعينات تحمل خطابا أكثر خطورة يقوم على التبني الاسمي لحقوق الإنسان وفكرة المنظمات غير الحكومية والضرب الفعلي لها عبر المحاصرة لإمكانية العطاء والتقدم لهذه الظاهرة.
ودّع انقلاب البشير الثمانينات بضرب قانون الجمعيات وإلغاء حق المنظمة السودانية لحقوق الإنسان في الوجود. وباشرت تونس أولى التقييدات بصدور القانون الأساسي المنقح لقانون الجمعيات في 2 إبريل 1992 الذي منع الجمعيات من رفض انخراط أي شخص. وبالتالي سمح للحزب الحاكم بالدخول الكمي إلى الجمعيات والسيطرة التدريجية عليها. وثانيها إدخال مجلة الصحافة والمجلة الجنائية كطرف في التعامل مع العمل الأهلي، حيث أصبح إعطاء الرأي في انتهاك لحقوق الإنسان يعاقب عليه في "قضايا الثلب ونشر الأخبار الزائفة". وهكذا أمضى خميس قسيلة سنتين في سجن العاصمة التونسية ويلاحق قرابة عشرين محاميا ونشيطا لحقوق الإنسان في مشاكل قضائية. أما في المثل الجزائري، فقد توافقت الفترة نفسها بإعلان حالة الطوارئ والحرب الأهلية مع ما رافق ذلك من خناق في حق تشكيل الجمعيات وتلقيها للمساعدات المالية وحق المرخص منها في تنظيم الندوات والاجتماعات العامة. وكان آخرها منع اجتماع دعت له الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان للمنظمات الإفريقية غير الحكومية على هامش القمة الإفريقية في شهر يوليو الماضي. أما المغرب، ورغم وجود أحد مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء، فقد صدر قبل ثلاثة أشهر قرار بمنع الجمعيات غير الحكومية من استعمال الصالات العامة. القرار الذي يعني ضرب الجمعيات الصغيرة غير القادرة على استئجار الصالات الخاصة والفنادق وبالتالي النيل من البنية التحتية الفعلية للجمعيات في المغرب. ولو انتقلنا للمشرق، لوجدنا تراجعا عن قانون الجمعيات في لبنان (القائم على علم وخبر) حيث أصبحت موافقة وزير الداخلية شرطا في الترخيص للمنظمة غير الحكومية. وليس في قانون "حماية الثورة" الذي مازال ساري المفعول منذ 1965 ما يعطي المنظمات غير الحكومية في سورية أي مجال للوجود. ويمكن القول أن الوضع في العراق كان مشابها مع القبول الشكلي بالجمعية العراقية لحقوق الإنسان التي حرصت عبر تركيزها على قضايا الحصار، على عدم التبعيث الكامل أو الموت الفعلي.
المثال المصري
مع الأهمية البالغة لكل تجربة عربية، فإن أهم معارك قانون الجمعيات هي تلك التي تحدث في مصر. أولا لما لهذا البلد من أهمية مرجعية بالنسبة للعديد من البلدان العربية، وثانيا للوقع النفسي-المجتمعي لهذا البلد على العالم العربي حكومات وشعوب. فضمن المعطيات العربية الحديثة، إذا عطست مصر، أصيب العالم العربي بالزكام. وليس من الزملاء في فلسطين والعالم العربي، من يعترض على هذه العلاقة الجدلية وقد رأيناها واضحة في قضية قانون الجمعيات.
دفعت مصرغاليا ثمن التراجع الأهلي مع تقدم أنموذج بيروقراطي وطني للحكم. وبعد تفكك هذا النمط بنهج كامب دافيد وتعفن الهياكل الضرورية لاستمراره، بدأت سياسة انفراج نسبية في وضع الجمعيات متقدمة بالتأكيد على القانون 32 لسنة 1964. إلا أن الحركة المصرية لحقوق الإنسان شهدت نموا واسعا وتأثيرا متصاعدا في المجتمع المصري يفوق سقف القانون والتصور الحكومي للعلاقة بالمنظمات الأهلية. وصارت مع الوقت قوة أمر واقع. الأمر الذي يعني في أي بلد يقرأ المشرع فيه حاجيات المجتمع، تغيير القانون ليضع الحالات الأهلية المتقدمة عليه في وضع شرعي عصري وجديد. لقد سعت حركة حقوق الإنسان في مصر لفتح حوار جاد مع الحكومة منذ ثمان سنوات، أي منذ قيام الحكومة بحل جمعية تضامن المرأة العربية في عام 1990، وأعدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في ذلك الوقت - ثم تلاها عدد من منظمات حقوق الإنسان الناشئة، مذكرات ودراسات قانونية متعددة بقي ذلك دون أدنى استجابة من الحكومة، بل على العكس، شرعت الحكومة في فرض قيود جديدة على منظمات حقوق الإنسان منذ عام 1995.
منذ ديسمبر/ك2 1996 بدأت تتسارع خطى منظمات حقوق الإنسان من أجل التقدم ببدائل قانونية جديدة، فعقدت عددا من ورش العمل وحلقات المناقشة بمشاركة عدد من أبرز الخبراء القانونيين المختصين في مصر استقرت من خلالها على ضرورة العودة في هذا الشأن إلى القانون المدني الذي كان ساريا في مصر حتى يوليو 1952.
في 29 فبراير/شباط 1998 وضع تحالف منظمات حقوق الإنسان مشروعا بقانون بديل، تبناه أربعة نواب بمجلس الشعب يمثلون أحزاب الوفد والعمل والتجمع. وبادرت منظمات حقوق الإنسان بإرسال مشروع القانون إلى كل أعضاء مجلس الشعب والشورى وإلى السادة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزيرة الشئون الاجتماعية، داعية إلى عقد اجتماعات عمل مع ممن يفوضونه، ولكن للآسف لم تتلق هذه المنظمات أي رد.
وفى أوائل مايو/أيار بعثت وزارة الشئون الاجتماعية ببيان إلى الصحف، تعلن فيه عن انتهائها من إعداد مشروع القانون وتعرض فيه عدد من أبرز ملامحه. ثم تلتها تصريحات حكومية متتالية في الصحف تعلن بأن القانون أمام السيد رئيس الوزراء تمهيدا لإحالته إلى مجلس الشعب لاستصداره قبل انتهاء دورته هذا الشهر.
وأمام انسداد كل أبواب الحوار مع الحكومة واتضاح المستقبل المشئوم الذي يعده للمجتمع المدني، مشروع القانون الحكومي، فقد وجدت منظمات حقوق الإنسان أن واجبها يحتم عليها إبلاغ الرأي العام على أوسع نطاق ممكن بموقفها، خاصة وأن الدراسة المدققة كشفت عن أن المشروع الجديد الذي يحمل تاريخ 29 أبريل كان أسوأ من سابقة والذي أعد في فبراير 1998، بل جاء في بعض مواده أسوأ حتى من القانون 32 لسنة 1964 سيئ الصيت. والأسوأ منه، هو الطريقة التي جرى إقراره في مجلس الوزراء في 13/5/1999 وتحويله إلى مجلس الشعب في موعد متأخر مساء الأحد 16/5/1999 ومن ثم تصديق المجلس ورئيس الجمهورية في زمن قياسي عليه.
تكفي قراءة المواد 34 و16 و75 و 42 و 75 و 11 لأخذ فكرة عن مأساة هذا القانون الذي خلق دون شك حالة فصام بين الواقع والنص لا يمكن تجاوزها إلا بسحب النص أو اغتيال القوى الحية في الواقع.
وكما يشير تقرير مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان، ينتقص النص من الحق الدستوري نفسه بتقزيمه لما أعطى الدستور فكيف الأمر إذا ما تحدثنا عن التزامات مصر الدولية، ويتجلى ذلك في ثلاثة أوجه:
1- حظر صور من النشاط (ذو طبيعة سياسية) بالمخالفة لما تضمنه النص الدستوري
2- الإخلال بالطابع الديمقراطي المقرر دستوريا وذلك بفرض وصاية وهيمنة إدارية على قرارات الجمعية العمومية.
3- الإخلال بالطابع الديمقراطي المقرر دستوريا عند إنشاء الاتحادات.
4 - سلب اختصاصات الجمعية العمومية لصالح المشرع بما يمثله ذلك من انحراف تشريعي.
وفي بلد كمصر، أنجب قمما في دراسة فقه القانون، نرى ثغرات دستورية وقانونية كبيرة في هذا القانون كان الغاية منها إرضاء السلطة التنفيذية على حساب الفقه القانوني عينه، وكما يشير التقرير السابق فإن "معظم المخالفات التي تبرر حل الجمعية قضائيا والواردة في مشروع قانون الجمعيات (كتب النص قبل التصويت) تشكل في جوهرها مخالفات ارتكبها أشخاص حتى ولو كانوا في مجلس الإدارة وبدلا من أن يتحملوا هم بمغبة ما ارتكبوه من مخالفات، أتى القانون ليحاسب الجمعية كشخص معنوي بعقوبة الحل القضائي الوجوبي وكان يمكن أن يفهم هذا التشدد لو اشترط القانون في المخالفات التي تستوجب حل الجمعية أن تكون صادرة عن الجمعية العمومية للجمعية أو واردة في نظامها الأساسي أما وقد فرض المشروع هذا العقاب الجماعي لكل أعضاء الجمعية حتى عن أخطاء صادرة من أشخاص فإن ذلك لا يتعارض فحسب مع مبدأ التناسب بين العقاب والجرم المرتكب وإنما يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة ومع مبدأ وجود ضرورة اجتماعية للتجريم والعقاب".
وباختصار، فإن أحسن خدمة تؤدى إلى الحكومة، وليس فقط المنظمات الأهلية في مصر، تكمن في سحب هذا القانون في أسرع وقت ممكن، لما يترتب على احترامه من نتائج كارثية على مفهوم استقلال العمل الأهلي ودوره الخلاق خارج نطاق أي تأثير أو ضغط أو ردع من جانب السلطة التنفيذية.
محاولة استنتاج
إننا في قضية قانون الجمعيات نواجه تجربة فريدة في مصر وفلسطين وقبلهما في تونس. فالغرب الذي حل هذه المسألة منذ نهاية القرن الماضي ومطلع هذا القرن لم يعد يعيرها الأهمية الضرورية في أدبياته ونضالاته. وقد فشلت محاولة تأطير تعريف وصفة المنظمات غير الحكومية مع إيجاد وضع حقوقي اعتباري عالمي لها في 1956 في الأمم المتحدة. ذلك لعدم إصرار دول المعسكر البيروقراطي الشرقي على أية استقلالية للمنظمات الأهلية وكذلك مقاومة ديكتاتوريات عديدة في أمريكا اللاتينية لهكذا نص، وقد انتظر الأمر توسع المجلس الأوربي ودخول دول كان حق الجمعيات فيها جد مقيد لمناقشة الموضوع من جديد. وتشكل الاتفاقية 124 للمجلس الأوربي (24/4/1986) أول نص ما بين حكومي حول الشخصية الحقوقية للمنظمات الدولية غير الحكومية. وتشترط هذه الوثيقة للتسمية الطابع الخاص للمنظمة وغياب أي هدف للربح وعملها من أجل الصالح العالمي. الأمر الذي ينطبق على سبيل المثال على اللجنة العربية لحقوق الإنسان. ورغم مرور 13 عاما على هذه الوثيقة لم يوقعها سوى ثماني دول. وهي نص مقارن هام في النقاش الدائر حول قانون الجمعيات. ولكن أظن أن المرجع الرئيسي، إيجابا أو سلبا، سيكون فيما تتمخض عنه النضالات الحالية من أجل التوصل إلى قانون للجمعيات جدير بعصرنا.
إن تأكيدنا على ضرورة التمتع بكامل الحق في التنظيم وكامل الاستقلالية في العمل يوازي حرصنا على الشفافية التامة والخطاب المسئول في التعامل مع كل السلطات. ولا شك، أننا نجتاز مرحلة سنوات عجاف مع هيمنة الطابع التسلطي للحكم وفي غياب الشعبية والمشروعية والمشروع عن القيادة السياسية العربية. في وضع كهذا ، نتذكر جملة رودولف فون اهرنغ: "الحق نضال، محصلة نضال". ومهما طالت المعركة يفترض خوضها بروح متابعة عالية وحكمة وهدوء.


النتائج :

1-الديمقراطية قدلا تشكل في المحصلة الأخيرة إلا مدخلا إضافيا لتحقيق منافع اقتصادية و سياسية و إستراتيجية ، توافق الديمقراطية . والحرية و الحقوق لا يمكنها إلا أن تكون نتاج توافقات ديمقراطية .... فالحرية و الحق في الديمقراطية هي حقوق مواطنية في إطار دولة مستقلة و ذات سيادة و ليست حقوق تنتجها القنابل و الصواريخ .... فمثال العراق حي لكارثة إنسانية و إجرام أمريكي لن يغفره التاريخ حتى و إن ألصقت له عنوة قيمة الديمقراطية التي لا تحتمل مثل هذه الوحشية .


2-للديمقراطية أن تحمل على أفواه المدافع . فالديمقراطية نمط قائم على الحقوق التي تنص عليها قوانين حقوق الانسان و منتج لشروط الحياة ،و أما المدافع و إن كانت حامية للسيادة و الاستقرار للدول و المجتمعات فعندما تستخدم دوليا فلا يمكنها إلا أن تكون منافية للحق في الحياة و متعدية عليه .
3-دعوة وسائل الإعلام إلى التركيز على نشر المبادئ والمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تضمنتها الإعلانات والعهود والاتفاقيات المتصلة بحقوق الإنسان و وذلك على أوسع نطاق ممكن وفى مقدمتها مبادئ المساواة وعدم التمييز والتسامح وقبول الأخر وتعميق الحوار بين مكونات المجتمع المختلفة و تطوير التشريعات الفلسطينية المتعلقة بالشباب لتتلاءم مع المعايير الواردة في العهود والمواثيق الدولية
4-العمل على دمج حقوق الإنسان في برامج المعاهد المتخصصة في تكوين الإعلاميين والحقوقيين والسياسيين والدعوة إلى التركيز على قضاياها في الأطروحات الجامعية وبلورة إطار جامعي متخصص في هذا المضمار.
5- إنّ حقوق الإنسان، حكم القانون، والحكم الرّشيد من أُسس السّلام والديمقراطيّة. قلّة هم الّذين يعارضون الحاجة لهذه المقادير الجوهريّة الثلاث. مع ذلك، الاختلافات حول تعريف هذه المبادئ الثلاث والأولويّة التي يجب إيلاؤها لكلّ مبدأ دائمة الوجود حتى بين مؤيّدي الديمقراطيّة. فضلاً عن ذلك، هنالك مقدار رابع ضروري لتحقيق حقوق الإنسان، حكم القانون، والحكم الرّشيد، ألا وهو المحاسبة والعدل، اللّذان غالباً ما يتم وضعهما خارج المزيج. تتميز هذه العناصر باتصالها ببعضها البعض وبخلقها لطاقة تشكّل أساساً الديمقراطية.
6-نظراً لأهمية على حقوق الإنسان فإن نقل المعرفة في مجال حقوق الإنسان ونشرها في أوساط الجماهير تعد ذات أهمية قصوى، لذا فإن تعليم مبادئ وقيم حقوق الإنسان وتجسيده في الممارسة اليومية الأفراد والجماعات يتطلب استنفارا شاملا لجميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، ولكونها عملية معقدة حيث تتداخل فيها عدة أطراف باختلاف مستوياتها ومواقعها ومصالحها فإنها تواجه عدة صعوبات:
أ ـ تسجيل الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الدول.
ب ـ عوائق الثقافات السائدة في المجتمعات المختلفة ضمن ما يسمى بالخصوصيات المحلية.
ج ـ طبية الأنظمة السائدة خاصة في الدول غير الديمقراطية
7-إن المادة الأولى سواء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنص على تقرير مصير الشعوب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، على اعتبار أن الديمقراطية هي حكم الشعب من الشعب وإلى الشعب الشيء الذي يبرز دمر الممارسة الديمقراطية في إشاعة حقوق الإنسان، لذا يأتي دور نشر ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليها في المقام الأول لبلورة مفهوم الممارسة الديمقراطية في الواقع ولن يتأتى ذلك إلا في إدماج منظومة حقوق الإنسان بالمدارس والثانويات و الجامعات من جهة، وتفعيل مبدأ جماهيرية حقوق الإنسان لإشراك الطبقات الشعبية في بلورة القرار السياسي وتقرير مصير الشعوب من جهة ثانية.





المراجع :



Eleanor Roosevelt: Address to the United Nations General Assembly, December

http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9&oldid=7589173"

http://www.google.ps/url?sa=t&source=web&cd=1&ved=0CB8QFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.phrmg.org%2Farabic%2Fmonitor2005%2Fdemocracy

http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=471
http://www.google.ps/url?sa=t&source=web&cd=7&ved=0CEoQFjAG&url=http%L
ازمة المجتمع العربي- د سمير امين
الديمقراطية –التحديات والابتكارات في التسعينات
الموسوعة الحرة http://www.google.ps/url?s
دياس، س. (2003) الديمقراطية وحقوق الإنسان: تحدي الإثنية والديمقراطية الضمنية. المؤتمر الدولي الخامس للديمقراطيات الجديدة والمستعادة. أولانباتار، مونغوليا. 10-12 أيلول/سبتمبر.
حقوق الانسان بين النظرية والتطبيق دعلي شكري , الدار الهندسية 2009 القاهرة
حقوق الانسان والطفل والديمقراطية دماهر صالح علاوي الجبوري واخرون دار ابن الاثير للطباعة والنشر 2009
الموسوعة المعرفية الشاملة
الموسوعة العربية، حقوق الإنسان في التاريخ
الوحيدي، فتحي. القضاء الدستوري في فلسطين، وفقاً لأحكام القانون الأساسي المعدل ومشروع قانون المحكمة الدستورية العليا "دراسة مقارنة"، 2004.














#أ:سمر_أبوركبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مكتب نتنياهو يعلن فقدان إسرائيلي في الإمارات
- نتنياهو يتهم الكابينيت بالتسريبات الأمنية ويؤكد أنها -خطر شد ...
- زاخاروفا: فرنسا تقضي على أوكرانيا عبر السماح لها بضرب العمق ...
- 2,700 يورو لكل شخص.. إقليم سويسري يوزع فائض الميزانية على ال ...
- تواصل الغارات في لبنان وأوستن يشدد على الالتزام بحل دبلوماسي ...
- زيلينسكي: 321 منشأة من مرافق البنية التحتية للموانئ تضررت من ...
- حرب غزة تجر نتنياهو وغالانت للمحاكمة
- رئيس كولومبيا: سنعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا البلاد
- كيف مزجت رومانيا بين الشرق والغرب في قصورها الملكية؟
- أكسيوس: ترامب فوجئ بوجود أسرى إسرائيليين أحياء


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أ:سمر أبوركبة - حقوق الانسان والديمقرطية