أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساميا مخائيل - أنا المتفرج















المزيد.....


أنا المتفرج


ساميا مخائيل

الحوار المتمدن-العدد: 3499 - 2011 / 9 / 27 - 15:26
المحور: الادب والفن
    


انا المتفرج

أنا إمرأة ترغب في المشي خارج حدود اللا إحتمال، منزل آخر، رجل آخر وإنتظار قاتل لشئ ما. سأكتب بدل أن أمشي، فإن الفعلين ينشطان الذاكرة، وينقلاني الى مكان آخر.  
دائما الكتابة تقود الى داخل ما، ذاكرة ما شاسعة، هادئة وغنية. خمسة وأربعين سنة بدأت بولادتي وستنتهي بموتي في المستقبل أو لا تنتهي إذا توهمنا أن في الكتابة إستمرارية. أنا لا أبحث عن إستمرارية، ولا أكتب لأخلد أي شيئ، أبحث اكثر عن التبخر، الإختفاء والتنصل من مسؤولية متكمشة بي منذ ولدت.  
الخروج من حالات نسقها وخطط لها الناس الذين أحاطوا بي، أهلي، أصدقائي وأساتذتي كان دائماً هدفي وكانت متعتي الشرود في الحياة، الإسترخاء وإكتشاف أشياء غير التي تقال، غير المؤكد والمفروض إجتماعياً. آه ما أجمل ان لا نفكر بما يتكرر يومياً، أن لا نخاف شيئاً، أن نستمتع بالشمس أو بالهواء دون أن يكون الوقت محدوداً ودون أن تأكلنا المشاغل، الطبخ، الأولاد، التنظيف، المدفوعات المطر لكي لا تتبلل الثياب، رأي رجالنا بما نفعل، نعومتنا كإناث فلا يحب رجالنا نساء أنعم أو أجمل. فلتذهب هذه الحياة الى الجحيم، فليفعل رجالنا ما يشاؤون فلتعم الفوضى فليخرب العالم، اكره كل ذلك. ومن كل قلبي. آه يا طفولتي، أشتهي الهواء لأركض وأتشيطن ولأسمع أمي تقول ستتعلم التنظيف والطبخ فيما بعد "لاحقة" كانت تتركني نائمة الى الظهر لم توقظني باكراً إلا في أيام المدرسة وموسم التفاح، كانت هذه المرأة تحب الضحك وتعرف معنى الفرح في الحياة. طفولتي، الشرود الذي لا يمنعه أحد، أريد أن أشرد، وطويلاً جدا. أريد لبالي أن يتنعم باللامسؤولية، إريد أن يكون الجميع بأمان، لو تتوقف الحروب، لو تتوقف الأنانية والمسابقات، من قال أن الحياة تتطور بالتسابق؟ خطأ فادح وشائع. الحياة تتطور بالشرود، والشرود والتأمل هما سبب الإختراعات السوية. وإذا لم تقتنع أيها القارئ حارجني
فتح الورد الزهري والأبيض أوراقه للهواء أمام منزلي، إنتهى الشتاء وإبتدأ صمتي وإحتمال لامجدي للوقت، لفرح أظن أنه لن يأتي مع أنني ما زلت مليئة بالأوهام. رجل واحد كان بإمكانه أن يخزن بي بعض الفرح ورحل باكراً، أبكر من أية وعود، حملني مرة على يديه ولم ينم طوال الليل لأني ناديته بابا، ربما حدس أنها ستكون المرة الوحيدة في حياته وحياتي، لو يدري هذا الرجل كيف يحاول رجال آخرون كسري
كونت صورة أبي من الحكايات التي سمعتها عنه منذ  قتل وكان عمري عشرين شهراً. أنا الإبنة الوحيدة لرجل ولد في جبال بشري سنة 1925 وسماه جدي وجدتي مخائيل، ما زال إسمه يوصل بريق دمع الى عينيً رغم إني لم التقي به بل سمعت عنه، دائما كان موجوداً معي كبطل الحكايات الشعبية، يأتي حين أكون منكسرة ليقول لي لا تتخلي عن أجنحتك، ولا تدعي أحد يكسرها فهي لك وحدك لتتحكمي بمرور جسدك الجميل في الهواء.
أو أنني فعلت كل ما يستطيع إنسان في الظروف المقفلة التي عشت فيها وكنت اقوى من الظروف وتجرحت. والآن أحاول أن أرفرف، أفرد جوانحي على الهواء لأخف أكثر علي أطير وعلي لا أعود. أحدهم يكسر ما تبقى من مسافاتي. أرغب في أن أنهض وأفتح الهواء وأسير كما فتح جنكيزخان التاريخ بسيفه وفرسه في أحد الأفلام وهو يخرق جداراً قديما أثريا ويطير من على الفرس وبما أن الأفلام هي تخيلات البشر فإنها تتوافق مع تخيلاتي. جسدي هو فرسي وكتابتي هي سيفي وسأواجه تاريخين. واحد حين أجد أسلوباً لأكتب قصتي الشخصية بدون أن أجمل الحقيقة والثاني حين أسرد قصص خرق الجدار الذي حاوطني ولم أقتنع به لأن خلاياي كانت تتحكم بها قصصاً وأوهاما أخرى. كيف سأكتب عن خرق هذا الجدار؟ خرقته لوحدي وكنت شرسة لأني كنت أدافع عن وجودي. لم تتوافق خلاياي مع ما بناه الآخرون، كنت مختلفة في ذلك المحيط الجبلي، صغيرة، محاصرة بالحذر من كل الناس والأشياء وكان علي ان اتنفس كمية الهواء الكافية، وأقفز قفزات مجنونة في الهواء عابرة فوق فراغات مخيفة لأستمر، تعلمت منذ كنت صغيرة أن لا أسقط في ما يريده البشر. ان لا أسقط أبداً حتى ولو رغبت الأشياء الى أبعد الدرجات. كان هنالك إمرأة تحميني سماها أهلها فكتوريا، قالت لي لو سقط نصفك على الأرض لا تنحني لتلتقطيه. لا تحتاجي أحد، كانت وحيدة، قوية، تحدت كل رجال بشري بأنها لم تطلب مساعدة من أحد واحترموها لأنها لم تحتاجهم. كانت جدتي تقول لي دائما "أمك قديرة، شاطرة". نساء العائلة جميعهن قديرات وقويات وجدتي عماتي حتى زوجة عمي التي إنتقدها الجميع والتي تتابع الموضة وتحاول أن تبدو دائما زوجة رجل مهم وتجن إذا ما إنزعجت وكانت أمي تسميها "الخوته" عملت نصف حياتها في تزيين تحف الخشب التي كان عمي يصنعها بهدوء مميت ويملأ هواء محيط المنزل برائحة الخشب التي تلازمت مع طفولتي ومع بيت جدي.
عندي شك في قدرتي على الكتابة المتواصلة لخلق خط روائي يمسك كل القصص الصغيرة التي كونت مسار حياتي والتي بنفس الوقت ستسجل تاريخ الزمن الذي عشت فيه. لا بد من إختراع شيئ مسلي يثير حماس القارئ. ارغب في إثارة حماس هذا القارئ المستلقي على كرسيه منتظراً أن يثيره أحد. أعتقد أنني سأختار أن أدفعه الى النهوض من على كرسيه أحيانا والذهاب في نزهة، وبإثارة أسئلة في دماغه. وربما سيعيد تقييم قصته الشخصية. او سيتساءل عن جدوى حياته
كنت دائما قادرة على إيصال صديقتي ماري لدرجة البكاء وأنا أخبرها قصص طفولتي بدون تجميل أو إخفاء، ولكن تلك القصص كانت قصيرة. كنت أشعر بتفوقي حين أوصلها للبكاء أو للضحك. ما أريد كتابته الآن هو أكثر من قصص قصيرة، وليس لدي رغبة لأن أرضي القارئ. اعرف تماما أنني لا اريد أن أكون واحدة من هؤلاء الكتاب الذين يكتبون قصصاً عن الآخرين. وأعتقد انني من هؤلاء الذين يكتبون عن حياتهم فقط. ما يهمني فقط اسلوب الروي وليس هدفي التسلية إنما كيف أرى علاقات الأشياء ببعضها وكيف أرويها وأركب بنيتها
لعبة الكاتب تحدد متعة القراءة. أحب الكتابة التي تأخذني الى امكنتها، فأتعرف على سكان الرواية الذين في معظمهم تتحكم بهم أقدارهم وأخلاقياتهم حتى ينتهوا. هل تحكمت بي هذه الأخلاقيات. هل هذا هو السبب وراء تساؤلي دائما عما إذا كنت قوية كفاية لأنهي حياتي ساعة أشاء وشعوري بأني أستطيع ان اتبخر اعطاني القوة لأواجه الحياة وأضحك كما أمي وبرغم كل الألم
ساميا مخائيل
ملبورن ٢٠١١




#ساميا_مخائيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- المفكر التونسي الطاهر لبيب: سيقول العرب يوما أُكلنا يوم أُكل ...
- بعد مسيرة حافلة وجدل كبير.. نجمة كورية شابة تفارق الحياة في ...
- ما الأفلام التي حصدت جوائز البافتا لهذا العام؟
- سفيرة الفلكلور السوداني.. وفاة المطربة آسيا مدني بالقاهرة
- إيهاب الؤاقد :شاعر يقتل الحظ والفوضى !
- الفنان وسام ضياء: الدراما عليها الابتعاد عن المال السياسي وع ...
- لون وذاكرة.. معرض تشكيلي لفناني ذي قار يشارك فيه نحو 60 فنان ...
- إطلاق الدورة الـ14 من جوائز فلسطين للكتاب
- وفاة المطربة آسية مدني مرسال الفلكلور السوداني
- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساميا مخائيل - أنا المتفرج