أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس















المزيد.....

سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 15:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لِلشابي قَصيدَةٌ رائِعةٌ، بَلَغتْ حَداً مِنْ الشُهرةِ وذيوعِ الصيتِ بحيثُ تَكادُ تَرقى إلى مَصافي المَلحَمة الإنسانيّة، تَماماً كأعجوبَتِهِ – إرادَةُ الحَياة - التي قُدّرَ لَها أنْ تَستَقرّ مُطمَئنّةً في ضَمائِرنا بَعْدَ ما تَشَرَّبَها وَعيُنا المَدرَسيُّ المُبكّر كأوّلِ خَفقَةِ حُريّةٍ في قُلوبِنا الطُفوليّة الشَرِهة، عِنوانُ هذهِ القِطعَة الشِعريّة لافِتٌ للنَظَر, "فَلسَفةُ الثُعبانُ المُقَدَّس".
القَصيدَةُ ما ورائيّة، حافِلَةٌ بالتَرميزِ السياسي والإيحاءِ العائِمِ على عِلائِقِ السُلطَة وَتجاذُباتُ الحاكِمِ والمَحكوم، وإلّا، فَمِنْ أينَ يَتأتّى للثُعبانِ الخَبيثِ فَلسَفَةٌ فَضلاً عَنْ كونِهِ "مُقَدَّسَاً"؟، لكنَّ الشابي، وبِذكاءٍ لامِع، هَزَأ ضِمناً مِنْ آلِهة الطُغيانِ العَربي، وَسَفّهَ أحلامَها، مُذَكِراً بِحَقيقَةٍ اكتَشَفَها الشَحرورُ اللَديغُ مُتأخِراً وَهوَ في السَكَراتِ، وَتُمَثّلُ ذَروَةَ القَصيدَةِ وحَجَرَ الزاويةِ في العَمَلِ وثيمَتَهُ الرَئيسَة، وهيَ "أنَّ السَلامَ حَقيقةٌ مَكذوبَةٌ.. والعَدْلُ وَهَجُ اللَهيبِ الخابي.. لا عَدلَ إلّا إنْ تَعادَلَتْ القُوى.. وَتَصادَمَ الإرهابُ بالإرهابِ".
خَرَقَ النِظامُ السوريُّ الدَمَويُّ كُلَّ ما تَعارَفتْ عليهِ البَشريّةُ مِنْ مَعاييرَ تَرسُمُ حُدوداً دُنيا لِخارِطَةٍ تُكَبّلُ وَحشيَتَنا بِشيءٍ مِنَ التَعَقُّلِ وَتُخَفّفُ مِنْ غَلواءِ اندِفاعاتِنا البِدائيّة التي لا تَجِدُ عادةً مِنْ مُتَنَفَسٍ لها سوى بالحروب والعُنفِ والتَدمير، مَعاييرَ تُحَدّدُ الصِراعاتِ وَتُقَنّنُ النِزاعات وَتؤَسّسُ لِقواعِد اشتباكٍ نَستَحِقُّ بِها لَقَبَ الكائِنِ المَنطِقي الناطِقِ والمُفَكّرِ ذي اللُبّ والصوابِ والتَرجيح، مَعاييرُ نَلجُمُ بِها ذَلِكَ الظَمأ الهَمَجيّ الدائِمَ للدِماءِ، ظَمَأٌ فَشِلتْ مَدَنيَتُنا المُعاصِرة وهي على أعتابِ فَتحِ المَريخ واستيطانِ المَدار الشَمسيّ في هَزيمَتِهِ وإطفاءِه، فَبَقي يُراوِدُنا عَنْ نَفسِنا وَيَزحَفَ كأيّ كائِنٍ مُخيفٍ مِنْ أعماقِ أعماقِنا.
ليسَ أبشَعَ مِنْ الحَربِ سِوى حَربٍ تَفتَقِدُ لِحَدّ أدنى مِنْ الأخلاقِ وَشيءٍ مِنَ القيمِ وبعضِ المَبادئ، حَربٍ عَمياءَ بَربَريّةٍ لا تَعتَرِفُ بِغيرِ حَقِها في الاتساعِ والاستمرارِ والديمومَة، وَهي عَينُ الحَربِ التي يُبشّرُ بِها نِظامُ الأسدِ وَيُمارِسُها بِحِرَفيّةٍ مُنقَطِعةِ النَظيرِ وبِمَهارةٍ وإصرارٍ غريبين، حَربُ الأسَدِ لَمْ يَعُدْ يَتَسِعُ لَها قاموسُ الجَرائِمِ أو تَحتَويها لُغَةُ الإدانة، حَربٌ جَديدَةٌ بامتياز وشاهِدٌ آخَرٌ عَلى سِعَةِ الخيالِ البَشَريّ الدَمَوي.
اليومَ لَمْ يَعُد ثَمّةَ غِطاءٌ أخلاقيٌّ أو شَرعيٌّ أو قانونيٌّ البَتّةَ للنِظامِ السوريّ الشبائِحيّ السفّاكِ وَزَبانيّةِ أجهِزَتِهِ القَمعيّةِ وميليشيّاتِهِ المُستأسِدة على الضِعافِ والعُزّلِ والأطفالِ والنِسوَة، وَلتَذهَبْ إلى الجَحيمِ دَعَواتُ التَعَقُّلِ والتَريُّثِ وضَبطِ النَفسِ التي يُطلِقُها وَيُدندِنُ بِها وَيَدُورُ حَولَها وُعّاظُ السوءِ مِنْ عُلماء التَسوّلِ السُلطاني أصحابُ الفَتاوى الجاهِزَةِ لِسَترِ سوءاتِ الحُكوماتِ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُم مِنَ المُغَفّلينَ والسُذّج المُغَرّرِ بِهِم والمخدوعينَ بِشِعار القوميّةِ الأخّاذ وَعناوينِ المُمانَعةِ الرنّانَةِ والمُرجِفينَ المُبشّرينَ بِحربٍ طائِفيّة داخِليّةٍ هيَ في حَقيقَتِها قائِمَةٌ على قَدَمٍ وَساقٍ مُنذُ صادَرَ آلُ الأسَدِ كُلَّ مَنافِذِ التَعبيرِ في الثَمانينياتِ وَتَرَكوا البَلَدَ يَغلي بِصَمتٍ وَيَجْتَرَّ غَضَبَهُ الأخرَسَ.
وهُم في مُحَصِلَتِهِمُ النِهائية يُمثّلونَ تيّارَ التبريريينَ المُتثائِبينَ المُستَرخينَ في يُخوتِهِم الفارِهَةِ فيما يُمزّقُ الإعصارُ الأسَديُّ الهائِجُ آخِرَ جُزُرَ الحياةِ الحُرّة في شامِنا الأخضَر ويَصبَغُ حِجارَتَها بِدماءِ الشباب المَذبوح، إستئصاليو دِمَشق الطالِعينَ مِنْ أقبية المُنظَمَةِ الأمنيّة وَسَراديبِ الثَقافَة الاستخباريّة يَرفُضونَ أيَّ شَكلٍ مِنْ الحُلولِ يَتَضَمَنُ نوعاً مِنَ الاحتِكامِ لِلمَنطِقِ السَويّ ويُبيحونَ حاضِراتِ المُدُنِ الآمِنَةَ بِقَضِها وَقَضيضِها للقَراصِنةِ والأوباشِ وقُطّاعِ الطُرُقِ وَيُحرِقونَ مِنْ خَلفِهِم آخرَ جُسورِ الحِوارِ وَقَناطيرِ التَفاهُم وَيَدفَعونَ أشدَّ الناسِ صَبراً وحُلماً لامتِشاقِ السِلاحِ وَرَدّ الطَعناتِ المُميتَة.
نِظامُ القَهرِ والعَسفِ والجَريمَةِ المُنَظَّمَةِ في سوريا يَتهاوى، وَقَبضَتَهُ البوليسيّة ترتَخي وَتَضعُف، وإرهابُ الدولَة الذي تُمارِسُهُ زُمَرُ الحَشّاشينَ الموالينَ لإبليسِ دِمَشقَ الَلَعينِ يَتراجَعُ وَيَنتَكِس، الذُعرُ والشِقاقُ والتَخَبُّطُ والارتباكُ يَدُبُّ في جَميعِ مَفاصِلِ النِظامِ وَخُصوصاً أركانِ المؤَسَّسَةِ العَسكَريّة التي يُنظَرُ إليها باستِمرارٍ على أنها صَمّامُ أمانِ الأسَدِ وَجوقَتِهِ مِنَ المُتَمَلّقين والمُتَزلّفين والتَصفيقيّين والمُنتَفِعين والطُفيليّينَ والوصوليّينَ، فقياداتُ الجيشِ تَخشى مُستَقبلاً غائِماً وَتَحتَسِبُ لِمِساحَةٍ مِنَ الاحتمالات ليسَ أقَلُها تَسَلُّحُ الثورةِ السوريّة – وهوَ المَطلوبَ في هذهِ المَرحَلَةِ بَعدَ تَبَدُّدِ ذَرائِعِ المُتَمَسكينِ بِسِلميّة الثورةِ وطابَعِها المَدَني – وَنُشوبِ حَرَكاتِ تَمرُّدٍ واسِعَةِ النِطاقِ في ثُكناتِ العسكَرِ تَضامُناً مَعَ المُتظاهِرينَ.
يَعضُدُ ذَلكَ ويأزُرُهُ حُدودٌ سوريّةٌ شِبهُ مَفتوحَةٍ عَلى مِصراعيها مَع دَولَتانِ مُضطرِبتانِ أمنياً وَتُشارِكان سوريا امتداداتٍ ديموغرافيّةً حُدوديّةٍ تَتَماثِلُ في إثنياتِها وانتِماءاتِها الاجتماعيةِ، وثالِثَةٌ تَدعَمُ الثوّار علانيّةً وَلَمْ يَنقَطِع سيلُ تحذيراتِها المُتَكرّرةِ لِنِظامِ دِمَشقَ مِنْ عَواقِبِ الأحداث، مِما يَعني دفقاً هائِلاً للسِلاحِ والذَخائِرِ بَلْ وَحَتّى المقاتِلينَ العابِرينَ للحُدودِ فيما لو قَرّرَ الثوَارُ التَصعيدَ والمواجَهة، كَما لا يُستَبعَدُ تَدَخُّلُ المُجتَمع الدولي للإطاحَةِ بالأسَد مَعَ ما يَعقُبُ ذَلِكَ مِنْ مَخاطِرَ مُحتَمَلَةٍ على تِلكَ القياداتِ نَفسِها قَدْ لا تَستَثني الانتقاماتِ والتَصفياتِ أو تَقديمِ رؤوسِهِم للعَدالةِ بِسَبَبِ مُشارَكَتِهِم في قَمعِ الاحتجاجاتِ بِوَحشيّةِ وَقَسوة.
صَعبٌ أنْ تُقنِعَ ذِئباُ غادِراً بِوِجهَةِ نَظَرِك، تَبقى للذِئابِ رَغباتُها البَريّة الأولى ونبقى في نَظَرِها مَحضَ طرائِدَ طازِجة، يَنبَغي وَبِقوّةٍ استِلهامُ الأنموذَج الليبيّ الفَذّ بإغراقِ نِظامِ الأسَدِ في دِمائِه وَسَقيِهِ مِنْ مُرّ كأسِهِ وإطلاقِ هُجومٍ كاسِحٍ للقَضاء على وَحشِ دِمَشقَ القابِعِ في جُحْرِهِ المعزول، نِظامٌ وُلِدَ بِلا فَمٍ ولا لِسان ولا صوت، ليسَ سِوى الأنيابِ الناتِئةِ والهَمهَماتِ الغامِضة، وَحشٌ تَلَبّسَ بِمَسخٍ شِبهِ بَشَري وانغَمَسَ في نوباتِ جُنونٍ بِلا نِهاية، ولأجلِ غَدٍ بِلا أَسَدٍ غيرَ الذي تَتَفَرّجُ عَلى أسرِهِ الصِغارُ في حَدائِق الحيوان يَنبَغي اقتِلاعُ سُلطَة العُبوديّةِ الموروثة وَتَحطيمِ جُدرانِ الخوفِ المؤبَّدةِ وَشَطبِ لُغَةِ الكراهيّة التي تُمَثِلُها طَبَقةُ الأشباح الدِمشقيّة، فالعدَلُ كُلُّ العَدلِ انْ تَستَقيمَ موازينَ القُوى، وَتَبّاً لِفَلسَفَةِ الثُعبانِ المُقَدَّسَة.
ليث العبدويس – بغداد – [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- 15 أغسطس 1944: مغاربيون في جيش أفريقيا شاركوا بإنزال بروفانس ...
- إيران تقيد الرحلات الجوية في منطقتها الغربية بسبب -نشاط عسكر ...
- الجزائر والنيجر.. تنشيط العلاقات
- حملة المقاطعة تطيح بالرئيس التنفيذي لستاربكس والإقالة ترفع أ ...
- هل يحتاج العراق إلى قانون الأحوال الشخصية الجعفري؟
- تغيير قانون الأحول الشخصية في العراق.. تهديد للديمقراطية اله ...
- روسيا والإمارات تبحثان التعاون في إطار مجموعة -بريكس-
- -نتائجه كارثية-.. خبير أمريكي يتحدث عن هجوم مقاطعة كورسك وتو ...
- المغرب.. مديرية الأمن تعزز الخدمات في مطارين بالمملكة
- بعد تسجيل حريق بمقرها.. القنصلية العامة الجزائرية بجنيف تصدر ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس