|
الحضارات والتطرف القومي
عدنان يوسف رجيب
الحوار المتمدن-العدد: 3493 - 2011 / 9 / 21 - 21:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحضارة، عموما، هي نتاج فكري وعملي لمجتمع ما، تظهر مستوى وعي ذلك المجتمع وتطبع ثقافته وعاداته وتقاليده وأخلاقياته وكذلك تأثير البيئة والأوضاع الإقتصادية وغيرها عليه. إن تجليات كل ذلك تتبين من الحالة الإجتماعية السياسية التي يعيشها ذلك المجتمع. كما إن من العوامل الهامة كذلك تأثر المجتمع، أي مجتمع، بحضارات المجتمعات الأخرى ، حيث يتأتى ذلك، كما هو معروف، من خلال مجالات شتى التي بضمنها التجارة والتواصل الثقافي والقرب الجغراقي وغيرها من العوامل، وحديثا يظهر مثل هذا التأثير والتأثر بفعل الحاجة المادية، وذلك من خلال إيصال وسهولة تناول التكنلوجيا التي تنتقل من الجميع الى الجميع حيث أصبحت الأرض، كما يقال، قرية صغيرة. من هنا يكون عامل التأثر والتأثير وارد تماما في كل مجتمع وبالتالي حاصل ومؤثر في حضارته التي تبرز للوجود.
بالإستناد إلى هذا الواقع المادي، يكون الإعتقاد بأن مجتمع ما صاغ حضاره أصيلة، أي من عندياته فقط، هو إعتقاد خاطئ علميا وبالملموس العملي. إذ إن فكرة أن ثمة حضارة لمجتمع معين هي نقية غير متأثرة بغيرها تفيد، في هذا المعنى، إن المجتمع المعني عاش منغلقا على نفسه وعلى حدوده الجغرافية والمعرفية الداخلية دون الإطلاع على تطورات وتغيرات تحصل في المجال الخارجي لحياته، حيث إن مثل هذه التغيرات لابد لها، ماديا، من الظهور في مجتمعات وبيئات أخرى تناولتها تلك المجتمعات بالتمحيص والتحليل والإستفادة، ومثل هذه العوامل لابد لها من أن تنشأ في وقت ما في مجتمعات أخرى. وفق هذا المنظور المادي الملموس يكون المجتمع المنغلق بالضرورة فاقدا لمجالات شتى من المعرفة الإنسانية بعيدا عن تناولها والإستفادة من نتائجها – سلبا أو أيجابا. مثل هكذا مجتمع منغلق يتحول كل الوعي فيه وكذا التقاليد والطباع والثقافة إلى نشاط من خلال أفراده المحددي الوعي والثقافة، الذي ليس له سوى أفراده فقط. وإذا سلمنا، مؤقتا، بحصول هذا المنحى المنغلق، فإن هذا يعني إن هذا المجتمع سوف يقتات على نفسه ويدور حولها من دون أن تحصل فيه تطورات ومعرفة جديدة مهما كانت وسيبقى أسير ماضيه الذي سيتراجع أمام تطورات القادم، وماديا سيكون ما لدى جزء، أو فرد، فيه هو نفسه ما لدى الآخر، وبالتالي تنحصر عناصر الوعي في حلقة محددة محدودة لا توجد عوامل لتطويرها للأفضل.
عليه فإن ما يدعى بـ "حضارة أصيلة"، بهذا المعنى، هي حضارة ميته في حقيقتها والمجتمع الذي يتبناها هو مجتمع راكد ثقافيا، لا حياة فيه، فهو لا يرى الخبرات والجوانب الحياتية الثقافية الأخرى الضرورية التي تعكسها المجتمعات الأخرى في مسيرتها الحضارية (سلبا أو إيجابا) للإستفادة منها. فالحياة دائما تزخر بالتجدد والتطور الذي ينشا من تفاعل الموجود والقادم الجديد والتطلع وزيادة المتطلبات والسعي للأفضل والأسعد والإستفادة من التجارب والجوانب المعرفية للآخرين، وهو ما ينبغي الأخذ به لإرتقاء المجتمع وتقدمه الحضاري. إن تجليات هذه الحقيقة لابد وأن تقود إلى حالة حتى لو إفترضنا فيها، جدلا، إن مجتمع ما يدخر فيه ما هو جيد ولا يحتاج لخبرات وحضارات الآخرين، فإن هكذا مجتمع سيبقى يراوح في مكانه غريبا عن معرفة الجديد الآخر والأفضل الآخر والمطور الآخر نحو آفاق هذه الحياة المتطورة المتجددة أبدا. وستنعدم أمام هكذا مجتمع أي بذور أخرى للنقلات النوعية التي تعمل على تقدمه وإرتقاءة الضروري، ومن هنا يأتي الركود والموت الحضاري..
وإذا أردنا، مجازا، أن نضرب مثلا على ذلك من خلال إسقاط هذه المسألة على حالة الفرد الإنساني، فنقول: إن جسم الإنسان مهما كان قويا متينا فهو لا يمكنه العيش دون الإتصال بمصادر خارجية للتزود بها لإستمرار كينونته، كالهواء والغذاء والسكن والدواء وغيرها من الأمور الهامة لإستمرار الحياة، وذلك ضمن حقيقة إن جسم الإنسان نفسه غير قادر بنفسه فقط على تحصيل هذه العوامل من داخله، بل يتوجب إتصاله بالمحيط الخارجي للحصول عليها، وهذه تتعامل مع مقدرة الجسم نفسه لأجل الحياة وتطورها. كما إن لنا في تراث العلماء الكبار، ومنهم العالم الفذ نيوتن ما يعطينا ثقافة ووعيا في هذا المجال. يقول نيوتن: لقد بلغت ما وصلت إليه لأني نظرت الى العالم من فوق أكتاف عمالقة. مؤكدا بوعي أهمية الإستفادة من تراكم المعرفة السابقة وعدم إمكانية أي فرد أو مجموعة من خلق وعي أو علم من عندياته فقط.
وإذا ما نظرنا الى الحضارات التي عليها طابع العراقة، كالإغريقية والصينية والهندية والبابلية والسومرية والأكدية وغيرها، نجد إن التأريخ ينبأنا بأن هذه الحضارات نفسها أثرت وتأثرت ببعضها وبغيرها بشكل ملموس، مع وجود عوامل خصوصيات أخرى تطبع المجتمع المعني (المتأثر بالجغرافيا والإقتصاد والتأريخ والعادات ونمط علاقات أفراده وغيرها من العوامل)، والتي تضع بصمات التمييز لمجتمع ما. وهنا حينما نقف لنحلل هذا التأثر والتأثير العملي الملموس للمجتمعات فإننا لا نجد معنى لما يدعى بالحضارة الأصيلة الخالصة، أي التي صنعت نفسها بنفسها. عليه فإن هكذا قول بالحضارة الأصيلة هو إدعاء خاطئ قد يتبناه أناس بسطاء التفكير في المجتمع، لكنه يصل في سذاجته حد الإندهاش حينما يدعيه قادة إجتماعيين يروجون له بمقالات وخطب تدعي أصالة حضارتهم التي لم تشبها شائبة أو فكر دخيل عليها؟!
لكننا نجد على الجانب الإيجابي، إن تدوينات فلاسفة وإجتماعيين عرب ومسلمين تؤكد، وخلال حقب مديدة، بأن حضارة المجتمعات العربية الإسلامية قد تأثرت لحد بعيد بالحضارات الأخرى، الهندية والصينية واليونانية والسومرية والبابلية وغيرها عبر لإتصال والترجمة وغيرها. كما عبرت مثل هذه الحضارة، العربية الإسلامية، عن عناصر خصوصية لمجتمع الجزيرة العربية والمناطق الأخرى بسلبياته وإيجابياته، عن صحاريه ووديانه، ثراء أفراده وفقرهم، سذاجة ووعي أقسامه المجتمعية، سماحه وحقد مجموعات منه، عصبية القبيلة أو التفكك فيها، الإستعباد والسيادة في أفراده، الإلتزام بالوعود ونكثها، الكذب والصدق، التخطيط والعشوائية في إنجاز المهام وغيرها من المؤثرات، والتي هي ترافق أفرادا وجماعات في مجتمعات أخرى كذلك.. إن كتب هؤلاء الفلاسفة تزخر بالإشارات الغنية للمنابع الحضارية الخارجية التي تتلمذوا عليها ومحاولتهم عكس ذلك على مجتمعاتهم العربية الإسلامية.
في هذا المضمار لابد من التذكير إن الفرد الذي يعتمد على ذكاءه في تخطيط منهج لموضوعة فلسفية أوعلمية، فإن ذلك ليس بالضرورة يعود لإنتمائه القومي أو الديني، أي إن أبداعه العلمي الحضاري لم ينشأ وفق قوميته المعينة أو دينه المعين. فـ شكسيبر أو جون ديوي مثلا لم يكن إبداعهما بسبب كونهما مسيحيان أو إنكليزيان، ولو كان الأمر كذلك فأين هي مقدرة مئات الملايين من المسيحيين أو الإنكليز الذين هم بعيدون عن أي إبداع حتى قليله. كما إنه لا يعني إن ماركس وآينشتاين قد أبدعا لأنهما يهوديان أو ألمانيان بالأصل. ولا يعني إن الفارابي وإبن سينا والغزالي وإبن خلدون أبدعو لأنهم كانوا عربا أو مسلمين. ولا يعني إن كوران وبي كةس قد أبدعا لكونهما كرديان مسلمان. ولا إن إبداع فاروق الباز ومجدي يعقوب بسبب كونهما عربيان مصريان ، ولا عبد الجبار عبد الله قد أبدع لكونه عراقي صابئي ولا .... ولا ... إن الساذج من يركن ذلك التراث بكليته إلى إنتساب الفرد إلى قومية معينة ودين معين، فالمواجهة الأولية لهكذا رأي هو القول، وماذا عن باقي أفراد هذه القومية وهذا الدين وهم الكثيرون جدا؟!! وحيث إن البارزون المبدعون هم قلة قليلة جدا، مما يدل على إن خصائص الفرد وإمكانياته كان لهما الدور الكبير في بروز إبداعه، ولا شك في تأثيرات البيئة الإجتماعية والثقافة والحالة الإقتصادية وغيرها على الفرد. كما إن ثمة مشاهدة جديرة بالإنتباه وهي إن كثير من المبدعين لم يكونوا كذلك في بلدانهم بل إن إبداعهم ظهر حينما كانوا في بلدان أخرى ولا زالت قوميتهم و دينهم على ما هما عليه التي كان عليها هؤلاء المبدعون في بلداهم التي لم يستطيعوا إظهار إبداعهم فيها. الواقع العملي يوضح إن ما يدعى بالفلسفة العربية الإسلامية ليست خالصة نقية، وحيث إن الفلاسفة العرب والمسلمين الذين ساهموا في وضع هذه الحضارة لم تخرج فلسفتهم من خلال جوهر ما يسمى بالحضارة العربية الإسلامية، إنما علمهم وفلسفتهم هذه إستفادوا فيها من فلسفات إخرى هندية ويونانية وصينية وفارسية وغيرها، وهم أنفسهم الذين بينوا ذلك بوضوح تام. في هذا الصدد يبين المستشرق الفرنسي إرنت رينان: إن ما يسمى بالفلسفة العربية الإسلامية هي فلسفة جاءت من الغرب (غربية) ترجمت إلى العربية.
لذا فإنه تأسيسا على ماسبق، فإذا كون الفلاسفة كبشر ينتمون من خلال عوائلهم إلى قومية عربية وإتخذ أجدادهم الإسلام دينا، فإن ذلك لا يعني إن هؤلاء الفلاسفة قد جاءوا بفلسفتهم وإبداعهم ومساهمتهم في الحضارة من صلب وجوهر الفلسفة العربية الإسلامية (التي يدعيها البعض خالصة نقية)، وبالتالي لا يعني علو شأن هؤلاء الفلاسفة الفكري وإضافاتهم الإنسانية هي علو لشان ما يدعى بالحضارة العربية الإسلامية. وإذا كان هناك من يدعي بأن الأمر غير هذا، فالمماحكة والرد هو: أين إذن تراث الحضارة العربية الإسلامية منذ مئات السنين، ولماذا لم تساهم هذه في الحضارة العالمية وتضع بصمات حتى بسيطة على أي نتاج ماض أو حاضر. إن المسألة تتعلق بأفراد عوائلهم عربية ودينها الإسلام، وهم بكونهم أفرادا أبدعوا في التراث والحضارة والعلم. وحينما لم يحصل ظهور مثل هؤلاء الأفراد المبدعون أفل نجم ما يدعى بالحضارة العربية الإسلامية ولم يعد لها من جديد. إن هذا الأمر ينسرح، كذلك، على أبناء الحضارات الأخرى. فمثلا أين بصمات الحضارة اليونانية، بعد أن كانت تملأ الدنيا، ومثلها الحضارة الهندية. توقف ظهور الإفراد المبدعين فتوقف تجدد نهر الحضارة. ولا بدمن إعادة القول إلى أن عناصر خصوصيات المجتمع (الإقتصادية والجغرافية والمناخية والعادات والتقاليد والحالة الثقافية العامة) تظهر بصماتها على الإفراد كذلك لتساهم في إتجاه إبداعهم.
إن الحكمة والوعي الفكري تكمنان في أن يتقبل مجتمع ما ضرورة تأثير الثقافات الحضارية لدى المجتمعات الأخرى عليه ليأخذ الجيد والمفيد منها ليطور حياته ويضيف لعناصر حضارته قوة وتماسك أشد. ويكمن العيب الفكري الكبير في أن يبقى مجتمع ما بعيدا عن التأثر بما لدى المجتمعات الأخرى وحضاراتها بإدعاء، ساذج، وهو عدم تلويث حضارته وثقافبه من أخرى، يدعوها، مستوردة!. إن هكذا مجتمع سيبقى أسير الوعي المحدود الذي لديه، والذي سيغدو فيما بعد ليس وعيا ، وبالتالي يحكم هذا المجتمع على نفسه بالموت الحضاري.
فكم من المجتمعات بادت حضاراتها لأنها إنغلقت على نفسها وتصورت إنها الأفضل. وهناك أمثلة على مجتمعات حالية في مجاهل أفريقيا وآسيا ومناطق أخرى تعيش على تراثها القديم غير متأثره بغيرها، فهي، كما نرى بملموسية، إنها ميتة حضاريا كونها لم تلب متطلبات الحياة المتجددة المتطورة لأفرادها. ويقوم علماء الإجتماع بدراسة حالة مثل هذه المجتمعات، كأمثلة من مخلفات العهود الغابرة التي عفا عليها الزمن.
إن علماء الإجتماع وعلماء النفس يبينون بوضوح، إن منطق الإنغلاق الحضاري لمجتمع ما مرده ضعف فكري واضح لمن يتمسك به، ومن بعض أسباب هذا التمسك هو الإحساس بالضعف وبالحيف التأريخي والرهبة والخوف السلبي من الآخر ومحاولة الحلم (الساذج) بالحصول على مجد حالي (فارغ)، لإستراداد ما لحق به من حيف في السابق.
إننا تجد مثل هذه التسلكات بمجالها الواسع في الحركات القومانية المتطرفة من خلال إدعائها الغطرسة والعودة للإصول التأريخية الحضارية. إن مثال مجاميع بشرية في ألمانيا في أوليات القرن العشرين يبين بجلاء مثل هذا التطرف و التعالي الفارغ، الذي شدد فيه القومانيون المتطرفون المنغلقون على ذواتهم في كون أن الشعب الألماني هو الأعلى والأفضل بين الشعوب وهو الذي يمنح ولا يأخذ، فهو ذو حضارة أصيلة لا تشوبها شائبة. وتثبت التجربة الملموسة الحياتية عدم وجود مثل هذه الظاهرة الأصيلة. فلا نرى اليوم إن الشعب الألماني هو أفضل الشعوب، ولا يمكن أن يكون هو، أو غيره، الأفضل مطلقا، إنه مثلما يعطي يأخذ إسوة يغيره من الشعوب والمجتمعات. ولا بد من القول إن إدعاء العظمة الفارغة لم تعم كل الشعب الألماني، حيث كانت هناك مجاميع كبيرة لا ترتضي هذه الأفكار الخاطئة المتطرفة بل حاربتها بشدة، وأصابتها الويلات جراء ذلك من غلاة القوميين المتطرفين العنصريين الألمان. كما إن المثل في صعود الفاشية الإيطالية كان مشابها لذلك المثل الألماني النازي، وسقوطهما كليهما كان متشابها كذلك. كما نجد كذلك في مجالنا العربي بعض الحركات التطرفة التي تدعي التعالي على الآخرين وتقول، جزافا، بالعودة للأصل والمجد السابق، المنغلق، وهي ترى إن العرب هم أفضل الأمم؟! ويتوجب والحالة هذه أن تفرض هذه الحركات على الناس كل الناس إتياع أفكارها بالقوة. ومن هذه الحركات ظاهرة التجمعات القومانية العربية وظاهرة حزب البعث الذي يريد إنبعاث العرب من جديد، (لإسترداد حضارتهم النقية المسلوبةّ!)، ويفرض الحزب ذلك على الجميع. إن فلسفة حزب البعث تعتمد على خطل مميت في إن الحضارة العربية هي حضارة أصيلة لم تشبها شائبة؟! متخطيا هذا الحزب بذلك كل الوقائع العلمية والمادية التي تبين عكس هذا الإدعاء الساذج.
إعتمد مؤسسو البعث على الأفكار النازية الألمانية والفاشية الأيطالية القومية العنصرية في بعث القضية القومية وذلك في تدوين ما يدعى بدستور البعث. لنقف ونحاور هذه الأفكار البعثية (ومثلها الحركات القومية العربية)، الموغلة بالعنصرية، لنقول هل إن كل ما كان عند العرب هو جيد ومفيد؟! كلا تماما، فلماذا إذن يجب أن يعاد ويبعث من جديد ماهو سيئ ويفرض بالقوة؟ هل داحس والغيراء هو مثل يحتذى به؟ وهل أستعداء القبائل على بعضها شيئ سام، وهل مسارات وتسلكات كل الخلفاء الأمويين والعباسيين ومريديهم ومؤازريهم كانت لخدمة الناس وسعادتهم. وهل كل القيم في الجزيرة العربية خيرة وصالحة، التي منها الخديعة والنهب والغدر، وإلى نومنا هذا ولكن بصور أخرى. وهل القتل والتآمر وإلغاء الآخر التي كانت تعم أرجاء المجتمعات العربية، قبل وبعد الإسلام، هي حلم البعثيين لكي يريدوا بعثه من جديد؟! وهل الإغارة على الجار في قبائل العرب وسلب وهتك الأعراض هو ما يرمي إليه البعثيون وهل الإستعباد وسيادة فئة على أخرى في الجزيرة العربية وإستخدام الناس كعبيد هو ما يعنية البعثيون من بعث مجدهم، وهل الإبتعاد عن كل ما هو علمي ومفيد هو مطلب البعثيين وهدفهم.
كما إننا لا نجد أي بصمة حضارية إنسانية تبعث على التفاؤل أو أي وجهة تكنلوجية إنبثقت مما يدعى بالحضارة العربية أو الإسلامية. أي إننا نقف لنتسائل،هل وفق مثل هذه الحضارة والفلسفة العربية الإسلامية تم إختراع دواء مفيد للناس ضد الأمراض؟ أو هل تم إستخراج مخطط لإرواء الأراضي وإقامة السدود؟ وهل أقيم علم لإنشاء الجسور على الأنهار؟ وهل تم إنبثاق واقع لتشييد مساكن صالحة للناس؟ وهل تم توجه علمي لإقامة معامل لإنتاج الخيرات؟ وهل تم تكوين المدن والحاضرات بشكل حضاري؟ وهل تم ضمن جوهر الحضارة العربية الإسلامية إقامة مجتمعات مدنية ومؤسسات دولة تهتم بشؤون الناس الحياتية؟ وهل تم وضع أسس صحيحة لقيادة المجتمع وتبادل السلطة سلميا؟ وهل تم تحديد الضحية من الجلاد بشكل قانوني عادل يضمن حق الضحية بأمان ؟ وهل تم تقييم الإنسان وإحترام ما يقدمه للمجتمع وغيرها ... وغيرها من الأمور الهامة الحياتية التي لم نجد لها أي عنوان وإشارة فيما يدعى بالحضارة العربية الإسلامية، أو في إنها تنبثق مما يدعى بالفلسفة العربية الإسلامية (الملموس هو أما أن تكون مثل هذا التوجهات معدومة أو إنها لا تعدو كونها سوى إشارات باهتة واهنة داخل ما يدعى بالفلسفة العربية الإسلامية). على إنه في جانب آخر من الحضارة العربية الإسلامية كانت هناك القابلية الشعرية والمعلقات السبعة، والمقالات الطافحة بالتعبير والزجل والبلاغة (حيث على أساسها يسمى العرب بأنهم ظاهرة صوتية)، كذلك ثمة بعض القيم إنسانية السلوكية التي فيها مروءة ومثل عالية ورائعة أظهرتها بعض الشرائح الإجتماعية العربية، وكانت هناك مآثر عالية القيمة في الصدق والإخلاص وخدمة الناس، لكنها لم تكن هي الغالبة والظاهرة الوحيدة في المجتمعات العربية منذ قبل الإسلام والى يومنا هذا. وهي في هذا الإطار موجودة في بقية الشعوب التي فيها الغث وفيها السمين تبعا للأس الإقتصادي والوعي والتطلع الإنساني للشرائح المختلفة للمجتمع المعني.
عليه، فإن هناك تناقض في الوعي في فلسفة و توجه حزب البعث لمقولته في بعث القيم السابقة بغثها وسمينها، والأدهى من ذلك إنه يفرض ذلك على الشعوب العربية بقوة السيف؟! ترى كيف سيطبق حزب البعث مبادئه العربية (وحضارته الأصيلة الخالصة!) وهي تحمل تناقضاتها في داخلها. هل يرغب في تطبيق مبادئ المروءة وحب الخير والعدالة الإجتماعية أم مبادئ التآمر والخديعة والنهب والغدر والإستعلاء القومي الفارغ والإنحطاط الحضاري؟ أم تراه يريد أن يزاوج بين الإثنين (؟!) لكي يثبت تمسكه بالعروبة وبعث قيمها الحضارية. وهل سيساهم في العلم وتطبيقابه وتطوير الطب والفيزياء وتطويرالحالة الإجتماعية وإستصلاح الأراضي وتوسيع السكن وإستخدام الإنترنيت وغيرها، التي كلها حضارة مستوردة من الغرب، أم إنه سيبقى أسير الواقع الماضي في الجزيرة العربية ويرفض كل تطور علمي تكنلوجي حتى بيقي على حضارته نقية خالصة؟!! إن من يتطلع الى المصادر الدستورية في أدبيات حزب البعث، (في سبيل البعث مثلا)، تدوينات شخصية المؤسس ميشيل عفلق لا يجد سوى أحلام وتصورات وإسترخاءات هي أشبه بمن يغمض عينيه ليرى أشياء هلامية غير ملموسه ترطب أحاسيسه العاطفية لاغير. ولذا إحتار قادة الحزب في أهدافه ومسيرته وظهرت تناقضاتهم وتناقضات أهدافهم واضحة جلية. فمن التمسك الشديد بالإشتراكية القومية (الخصوصية القومية ؟!)، مطابقة لتلك التي نادى بها الحزب النازي الألماني والحزب الفاشي الإيطالي، الى الإدعاء بالتوجه الماركسي والإشتراكية العلمية، ومن التمسك بالعلمانية والإبتعاد عن الدين الى الحرص على الروحانيات و الدين و بالإسلام بشكل خاص (وأشيع بأن ميشيل عفلق الميسحي أصبح مسلما على هذا الأساس)، ومن إدعاء التوجه للجماهير في الحكم الى القيام، عمليا، بالإنقلابات العسكرية الدموية للسيطرة على السلطة ضد إرادة الناس. هذا التخبط يظهر تدني وإنحطاط مستوى هذا التجمع (حزب البعث) وسذاجة القائمين عليه. ويستغرب المرء كيف ينتمي الفرد لمثل هذا الحزب الذي يبني أساس تكوينه على قاعدة لا علمية ولا عملية، ويقوم بتبديل أهدافه وتوجهاته العليا بإستمرار، ولا يأتي للسلطة إلا بالتآمر الدموي المشين وليس بالإقناع الجماهيري، وكل ما يدعيه من آمال للناس يسحقها لاحقا. ويشهد التأريخ على ما رأيناه في حالة العراق وسوريا والجرائم السادية الحالية التي تقيمها سلطة بشار الأسد البعثية ضد الجماهير المطالبة سلميا بالحرية والكرامة وإحترام أبسط حقوق الإنسان، التي تقابلها سلطة البعث بالقتل المنفلت من عقاله وبشراسة لا حدود لها. كما إن الوحدة العربية التي هي، مثلا، أس الحزب وأساسه، لم تر النور في حكم حزب البعث في العراق وسوريا لعشرات السنين؟! فهل كانت هذه من صميم بعث الحضارة العربية الأصيلة النقية؟! وربما نجدها في شعار الحزب المركزي " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" فأين الأمة الواحدة والحزب تخلى عنها تماما، ثم ما هي هذه الرسالة الخالدة، في اي شيئ هي خالدة، هل في الغطرسة الفارغة على الناس الآخرين أم في إنجاب مجرمين أمثال صدام حسين وحافظ الأسد وتابعيهم، أم في القتل الجماعي، أم في إلغاء الآخر وفرض الفكر الواحد الشمولي، أم في نهب ثروات البلاد التي يحكمها الحزب، أم في عسكرة البلد وفرض حالة التجسس على الناس، أم في التآمرعلى البلاد العربية (الكويت ولبنان مثلا). ما هي هذه الرسالة (الحضارية الأصيلة) التي يتبجح بها حزب البعث؟ . لقد إستطاعت حركات قومانية عالميةعديدة، حتى المتخلفة منها، الخروج من مأزق التطرف القومي الشوفيني اللاإنساني وتخلت نابذة مقولة الأساس الأصيل والحضارة الأصيلة والتعالي على الآخرين، لكن حزب البعث لا زال متمسكا بهذا التخلف الفكري المزري، لذا نجد إنحسارا واضحا في صفوفه، الضعيفة أصلا.
#عدنان_يوسف_رجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظاهرات الحكام
-
فاقد الشيئ لا يعطيه: الحكام العرب يفتقدون للوعي والمصداقية
-
تغيير في مسيرة الشعب المصري
-
الأوضاع العربية الحالية ومؤتمر القمة القادم في بغداد
-
وسقط نظام بن علي الدكتاتوري الهش
-
ملاحظات حول مبادرة السعودية في الشأن العراقي
-
قيمة الإنسان في شيلي وفي منطقتنا العربية والإسلامية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|