مكارم ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3472 - 2011 / 8 / 30 - 11:57
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في مقالة للكاتب نعيم إيليا يقول"مع أن وجود الطبقات في الواقع ليس شرطاً للصراع . فإنّ الطبقات قد توجد، ولا توجد معها ظاهرة الصراع بصورة حتمية. ففي البلدان الاسكندنافية اليوم طبقات اجتماعية متعددة، ومع ذلك فليس بينها صراع طبقي." ويضيف "كما أن التاريخ لا يذكر صراعاً واضحاً بين الفلاحين والإقطاع". (1)إنتهى
في تاريخ قريب جداٌ 6 أغسطس 2011خرج الشباب الانكليزي الى الشوارع وفي مدن مختلفة في انكلترا وقام باعمال شغب احتجاجاٌ على السلطة الحاكمة. اما أسباب هذا التمرد أتركه للكاتب البريطاني اوين جونس في كتابه :" شيطنة الطبقة العاملة" ان العجز في نفوذ الطبقة العاملة هو سبب مايحدث في شوارع لندن اليوم .وهذه الاحتجاجات ليست نتيجة لعدم الرضا عن التغيرات الهيكلية في سوق العمل, وانخفاض نفوذ النقابات العمالية, وفقدان الوظائف التقليدية, وقساوة ظروف العولمة, بل ان هذه الاحداث التي تشاهدونها اليوم في شوارع لندن سببها هو تنامي ثقافة البلطجة الاعلامية , بحيث اصبح مقبولا اجتماعيا تحقير واهانة الطبقة الاقل."(2).
وحول قوله بعدم وجود صراع طبقي في الدول الاسكندنافية .نترك الاجابة للكاتب الدنماركي بيتر نيلسن في مقالته الموسومة" الصراع الطبقي بحلة جديدة" يقول بيتر نيلسن: "حتى عام 1980 لعب الصراع الطبقي لليسار دورا حاسما في تحديد هويته السياسية, ولكن وبعد مرورعشر سنوات على وجود رئيس الوزراء بول نوغوب غاسموسن استطاع جناح اليمن اكتساح الصراع الطبقي لدى اليسار,وخلق جناح اليمين صراعا طبقيا على صورة جديدة . فمضمون الصراع يختلف, اما شكله الخطابي متشابه الى درجة مذهلة . فالقيم التي ينادي بها جناح اليمين تقف على أكتاف الصراع الطبقي. المعروف أنه قديما كان الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والرأسمالية, اما اليوم فالصراع بينا نحن( الدنماركيون) وبين (الاجانب). وحسب تصريحات حزب الدي اف فان الدنماركيون يصارعون من اجل المساواة والرخاء, بينما الاجانب يمثلون الارهاب والثقافة المشوشة وصورة العدو الجديد" .(3)
اما عن الصراع الطبقي بين الطبقة الاقطاعية والطبقة الفلاحية فله تاريخ , رغم أن الكثير منا يتصور بان الثورات في أوروبا الغربية التي نقلت مجتمعاتها من مجتمعات دينية الى مدنية رأسمالية حدثت فقط في فرنسا والمانيا وهولندا وبريطانيا, غير أن الحقيقية ان الدول الاسكندنافية ومنها الدنمارك حدثت فيها ثورات ولكن لم تكن دموية كالثورة الفرنسية.
ففي دراسة قيمة للكاتب بينيتو سوكوزا( Benito Scocozza ) في المجلة التاريخية بعنوان ( الثورة البرجوازية في الدنمارك في نهاية القرن الثامن عشر). (4)
يقول بينيتو سكوزا :" إن تاريخ الدنمارك دليل واضح على الصراعات والتناقضات التي مع الزمن أدت الى وضع الامورفي مكانها الصحيح في المذكرات. فالدنمارك كأي دولة أخرى وجد فيها الفقراء والاغنياء. فئة صغيرة تملك الكثير, وفئة كبيرة تملك القليل, ولهذا كان لابد من وجود معاناة لدى الفئة الكبيرة.
في عام 1780 قام كل من بيرنسفوف وريفينتلو وكولبياوسن وولي العهد فريدريك بالاصلاحات الزراعية بشكل بطئ ابتداءا من إلغاء قانون تثبيت الفلاح الذي وضع عام 1733 والذي كان يفرض على الفلاح العمل في الارض التي ولد فيها الى ان يموت. وكان يستغل جهده من قبل الاقطاعي. وانتهت الاصلاحات الزراعية بتحرر الفلاح من استغلال الاقطاعي .حيث انه في عام 1840 بدأ الفلاح الدنماركي لاول مرة يدافع عن هويته القومية التي كانت مهددة من قبل الالمان في الجنوب حيث تتواجد املاك الملك.
لقد كان الفلاحون في الدنمارك سياسيون ولكن ليس على شكل تنظيم سياسي ولهذا تعامل معهم الاقطاعيون بشكل سياسيا كالغاء قانون تثبيت الفلاح. وهذا دليل على ان الاقطاعيين استخدموا نفوذهم السياسي للدفاع عن مشروعية استغلالهم لجهد الفلاح.
ومنذ نهاية 1760 تسارع النشاط السياسي للفلاحين بشكل كبير الى ان اجبروا الاقطاعيين على الغاء هذا القانون .(ص205 ). ولكن حتى هذا الاجراء وكل الاجراءات الاخرى لم تنقذ الاقطاعيين من إستياء الفلاحين, مما جعلهم يخضعون في نهاية المطاف لمطالب الفلاحين والقبول بالتغيير الشامل ومن هنا حدث تفسخ في البنية الهيكيلية للنظام الاقطاعي في الدنمارك.
لقد اجبر الاقطاعيون على القبول بالاصلاحات بسبب الظروف الموضوعية والعوامل الذاتية عند الفلاحين وتجنبا لانهيار المجتمع وهذا ساهم بتغيير نوعية طبقتهم. وكما قال كارل ماركس " التحول البطيء لكل البنية الفوقية الوحشية" . لقد كانت هناك تحولات بطيئة منذ بدايات القرن التاسع عشر في سلطة الدولة للانتقال من النظام الاقطاعي الى البرجوازي بحيث لم تكن هناك قفزة نوعية في البنية الفوقية معادلة لانهيار في البنية التحتية.
وهكذا فالصراع الطبقي للفلاحين بجميع انواعه كان سبباً في حدوث الاصلاحات الزراعية. ولكن ماهو الدور الذي لعبته علاقات الدورة الاقتصادية؟
ان الزراعة الدنماركية في منتصف القرن الثامن عشر دخلت مع الدورة الاقتصادية بطريقة مؤاتية بعد ان توسعت السوق العالمية, وإزداد الطلب على المنتجات الزراعية. وازداد استياء الاقطاعيون بسبب عدم امكانيتهم الاستمتاع بالانتعاش الاقتصادي, ذلك لان الانتاج الزراعي كان ذو مستوى منخفض كماً ونوعاُ بالنسبة لفرص الدورات الاقتصادية.
لقد كان للتقلبات الدورية في الفترات السابقة وبنفس الفترة تاثيراً كبيرا على الظروف التي لامست الصراع الطبقي, بينما الحلول كانت ( ازدياد السخرة في النظام الاقطاعي, وتركيزالملكية الاقطاعية).
إن أهم الاسباب التي أدت الى ان الصراع الطبقي كان سببا في حدوث الاصلاحات الزراعية هو التغييٌر الذي حدث في هيكلية البنية الاقتصادية والاجتماعية في نهاية القرن الثامن عشر والذي حدث سابقا ولايمكن اختزاله الى تقلبات دورية مؤقتة والى توسع في السوق العالمية, على الرغم من ان التوسع في السوق العالمية كان احد العوامل المؤثرة والتراكم الاولي كان شرط اساسي لحدوث الثورة الزراعية في الدنمارك وفي نفس الوقت كان ثورة لمناهضة الاقطاعيين والمالكين والبرجوازيين.
إن سبب كون الثورة ضد الاقطاعية في جوهرها كانت برجوازية هو أنها حدثت في عصر كانت التراكمات تتصارع مع النظام الاقطاعي السائد . لكن التراكمات الاولية لم تكن هي السبب في تفسخ علاقات الانتاج , لكنها كانت شرطا لجعل مضمون الثورة ضد الاقطاعية برجوازي وليس شيئا اخر. بكلمة اخرى يمكننا القول بان التراكم الاولي ادى الى ولادة الشرط في خلق صراع طبقي بين الاقطاعيين والفلاحين. كما ان نمو التراكمات الاولية كانت سببا في إنهيار النظام الاقطاعي الذي تطور ومنذ بداية القرن التسع عشر وبشكل حتمي الى نمو نظام رأسمالي .
وعندما بلغنا عام1901 كان التغيير النهائي في البنية الفوقية للدولة البرجوازية قد إكتمل بالنضوج التام لعلاقات الانتاج الرأسمالية.
لقداستطاع الدنماركيون الانتقال من نظام اقطاعي الى نظام راسمالي دون ان يكون كالثورة الفرنسية ذات الملامح الراديكالية في البنية الفوقية للدولة ولم تكن كثورة السويسريون حرب طبقيةـ برجوازية. لان الثورة الفرنسية خلقت في مجتمع برجوازي فيه طبقة رأسمالية مستبدة معتمده في اقتصادها على المعامل والشركات والبنوك ولم يكن عدوها متجسد بالفلاح .
ولنتذكر إن إنعدام المساواة في أي مجتمع سيخلق صراعا طبقياٌ. والصراع مازال في كل المجتمعات لكنه لبس حلة جديدة كما عبر عنه الكاتب الدنماركي بيتر نيلسن .وكل الاحتجاجات والمظاهرات سواء في الشرق الاوسط وشمال افريقيا واسبانيا واليونان وانكلترا هي نتيجة للصراع الطبقي بين المهمشين والطبقة الحاكمة.
مكارم ابراهيم
المصادر:
(1)مقالة الكاتب نعيم ايليا
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=273376
(2)
http://www.information.dk/275470
(3)
http://www.information.dk/235243
(4)
المجلة التاريخية المجلد 14, تسلسل5(1984)2. بقلم Benito Scocozza..
Historisk Tidsskrift, Bind 14. række, 5 (1984) 2
http://www.tidsskrift.dk/visning.jsp?markup=&print=no&id=79866
#مكارم_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟