أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسماء الرومي - من الذاكرة















المزيد.....

من الذاكرة


أسماء الرومي

الحوار المتمدن-العدد: 3455 - 2011 / 8 / 13 - 22:05
المحور: الادب والفن
    


إتصل بي أحد المعارف قال نريد حضوركِ في الجلسة التأبينية التي سنقيمها لفقيدتنا.. قلت ولكن الذي أعرفه إنه قد أُقيم لها مثل هذه الجلسة وقبل فترة ، فلِمَ الآن ؟قال إنها الأربعينية وأنت تعلمين مكانتها بين طائفتنا ، وقد دعونا الكثيرين من شخصيات رسمية وآخرين ونريد منكِ المشاركة في إعداد وقراءة كلمة ، قلتُ إنني لا أعرف الكثير عن هذه المرأة ، ثم إنني لا أحب المشاركة في الإجتماعات الرسمية ، فأنا أحب الأماكن الأكثر هدوءاً وقد اساعدكم في الوصول إلى إمرأة اخرى . تذكرت تلك المرأة والتي لم أرها إلاّ مرة او مرتين مع أمي .كانت مثقفة ومربية فاضلة وعاشت عمراً طويلاً قضت منه سنيناً في التعليم في مدينتها مدينة العمارة ثم انتقلت لتكمل حياتها في بغداد ، وقد أكملت دراسات عليا في بيروت .هذه الإنسانة العراقية والتي أحبتْ بلدها بكل ما فيه ، بشواطيه ، بروابيه ، بنخيله التي ترعرعت مع ظلالها ، وربـت العديد من الأجيال ، لم تحصل حتى على مكان صغير يأوي جسدها النحيل في البلد الذي لم تعرف غيره أهلاً لها ، فقد توفيت في سوريا ، هذا البلد الذي صار ملجاً لأمواتنا ، فبلدنا بلد الشتات زرع لنا مقابراً وفي كل مكان. تذكرت كتاباً قرأته من زمن بعيد للكاتب والفيلسوف الأميركي جون شتاينبك ، "البحث عن إله مجهول " والكتاب يعكس حياة المهاجرين الأوائل في أمريكا ، وما لا أستطيع نسيانه أثناء سرد الكاتب للقصة وبعد مقتل أحدهم ودفنه ، قال " الوطن بيوت تُبنى ، اطفال يولدون ، وقبور تُحفر " . وكثيراً ما أتذكر هذه الجملة لأسائل وهل ستشعر روحي بوطن يصير لها .. أم ستتعذب إلى أنْ تبعد عن كل ما يُسمى بوطن ٍ يا جون شتاينبك ..وطبعاً الكاتب يقصد الأحياء وليس كما أتصور أنا .
ولنبتعد عن تلك الأفكار المتعبه لأعود لتلك المربيه الفاضله ،فقد سمعتُ ممن كن طالبات في مدرسةٍ في مدينة العمارة، وهي من مدن الجنوب في العراق ، وكانت فيها تلك المرأة معلمة ، كن يتذكرن كيف كانت تدرس القراءة بقصصها الجميلة والتي يتذكرها معضم العراقيين،فالخروف العنيد واليمامة ومالك الحزين والكثير غيرها .كانت الست ناجيه غافل تضفي عليها جمالاً شاعرياً وخيالاً بصياغتها بأسلوبٍ شعريٍ عذبٍ كم كان ذلك يوسع المدارك الحسية للأطفال وينقلهم لعالمٍ يتفتح أمامهم بكل ما فيه من حبٍ للأشياء الجميلة
ومدينة العمارة خلقت العديد من الفنانين والشعراء، لطبيعتها الرومانسية فضفافها العذبة والتي تحضن دجلة،لاتمتد بالسكن بعيداً عن النهر،وقد قضيتُ السنينَ الأولى من طفولتي مع أهلي في هذه المدينة الصغيرةِ الهادئة ،تلك المدينة التي تملأها بساتين النخيل كان هواؤها عذباً جميلاً حتى في أيام الحرِ وكان أهل المدينة يتصفون بنفس الطابعِ الرومانسي لمدينتهم فالجميع يحب الغناء الهادئ الحزين، والعجيب إن للكثيرين منهم أصواتاً تجيد الغناء ،وكم كانوا بارعين في إيجاد أطوار كثيرة للألحان ،ولازلت أذكر تلك الأمسيات حين كنا نأوي إلى أسرتنا ،كنت أسمع أرق الألحان يعزفها الصبيان في الشوارع إلى أن يأخذني النعاسُ لأغفو على صوتِ الناي العذبِ الحزين .
وكم كانت أمسيات الصيف هانئة وجميلة ،حيث كنا نجلس على سجادةٍ مفروشةٍ قرب أسرتنا على سطحِ الدارِ لنستمع إلى والدي وهو يحكي لنا حكايات واساطير ، بأسلوبٍ سلسٍ جميل ،كان يسترسل ويقضي وقتاً طويلاً في سردِ حكاياته التي كانت مع النسيمات القادمة من شاطئ دجلة القريب تثير في مخيلاتنا خواطر وأحلام نعيش معها الليل بأكمله ، فهذه الديار العجيبة التي يسكنها قومٌ صغارٌ يدعون الأقزام ، وتلك الجميلة قطر الندى والتي كنت أنتقل بخيالي الطفولي لأعيش معها ،كنت أراها تفرش شعرها الطويل بين الزهور ،تكلمها ترقص مع الفراشاتِ وكنت أسمعها مع الطيور تغني ،ويعيدني صوت أبي لينقلني ببساط السندباد لمكانٍ آخر ،حيث أرى نفسي بين قومٍ عجيبين فكلهم كانوا من العمالقة ،ولازلت أذكر كيف كنت أتصورهم وكم قص علينا أبي قصصاً عن أميراتٍ صغيراتٍ وملوك عظامٍ أحبوا رعيتهم ،وقد كان والدي وفي أحيانٍ كثيرةٍ يقص علينا ذكرياته مع الملك فيصل الأول فحين كان يدرس في دار المعلمين في بغداد والذي لم يكن هناك معهد غيره ،وقد عمل أبي في السنين الأولى من حياته العملية في التعليم ، في ذلك الزمن كان الملك يأتي لزيارتهم باستمرار ليتفقدهم ويرعاهم ويرى كل متطلباتهم صغيرة وكبيرة ، كم هي ذكرى كريمة طيبة تلك التي رُسمت في مخيلتي عن ذلك الفيصل الجواد الأريحي .
وطفلة كنت حين إنتقلت عائلتي إلى بغداد ،مدينتي الحبيبة الخالدة والتي لا أعرف غيرها وطناً لي .حين كبرت كنت أسمع عن قصة حبٍ بين أبي وأمي وأعرف إن هناك رسائل بينهما ،وقد عرفنا أنا وأخواتي مكانها ،كانت تملأ حقيبة من حقائب أبي اليدوية وكان عددها يعكس بأن المدة لم تكن قصيرة ،كانت أمي تعرف بأننا نجلس لقراءتها وتتغاضى عنا ، كانت جميلة تلك الرسائل بانطلاقها بعذوبة وصدق وعفةٍ ، كانت تعكس الحياة بكل ما فيها لمرحلة زمنية لم تكن قصيرة ، في مدينة العمارة وفي بغداد وفي البصرة .كم كنت أود أن تبقى تلك الرسائل ، والتي إحتفظنا بها مدة طويلة في بيت الأهل ، وكنت أود أن أجمعها في كتاب لتُنشر وكما هي ، فكم كان جميلاً كتاب أعده الأستاذ جاسم المطير " عاشقان من بلاد الرافدين " والذي جمع فيه رسائل بين فتى وفتاة يهوديين من أبناء الرافدين الذي كان عشقهما لبلدهما أكبر من كل علاقة عشق . ولكن إنْ كان الأستاذ جاسم المطير ، قد استطاع وبعد كل تلك المدة الطويلة جمع معلومات عن تلك الرسائل ، فهل سنستطيع نحن ؟ فقد استُبيحت رسائل أبي وامي مع كل ما موجود في بيت أهلي ومع الدار ، بعد وفاة أختي ، كنت أود فقط لو بقيت تلك الرسائل وأشغال فنية جميلة وقديمة لأمي ، والتي كانت لوحات رائعة ، مع بعض رسومها . كم كنا نود أنا وأخواتي والعديد من أبنائنا أن نعود بعد سقوط النظام في عام 2003 لنعيش في نفس تلك الدار ، فهل استطعنا ؟ وكم سمعتُ من أمي بأنها تريد أن يبقى البيت ليكون مستوصفاً أو مدرسة ، فهل سنستطيع يا أمي تحقيق رغبتكِ في بلد كل شيء فيه مستباح ؟
13/8/ 2011
ستوكهولم



#أسماء_الرومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائر الحب
- أيام لا تنسى في البصرة
- لا أيها الحزن لن تحطم قلوبنا
- العربة السحرية
- خواطر أوحتْ بها قصة المعلمة
- مع القصة خون (حكاية)
- حلم ليلة من ألف ليلة
- رياح الحب
- المرأة هنا وهناك
- أبطال سوريا يا صوت النصر
- شوق الروح
- كفانا حليباً خلط دماَ
- درب القلوب
- سلاماً للقلوب الحزينة
- ومضة ضوء
- أيام وأيام
- أتغرب ونزوح يا وطن
- نوافذ الضياء
- حسناوات ودفء الشمس
- هو عالمنا


المزيد.....




- تردد قناة فوكس موفيز Fox Movies الجديد 2024 أقوى أفلام الاكش ...
- السعودية تتطلع لاستضافة نزالات نسائية في الفنون القتالية الم ...
- مصر.. رد صادم من شقيق الفنانة شيرين عبد الوهاب على اتهامها ...
- مصر.. نقيب المهن التمثيلية يكشف تفاصيل قضية ابتزاز لفتيات في ...
- دقائق والامتحان هيكون في جيبك !! .. حقيقة تسريب امتحان اللغة ...
- جروبات الغش رجعتلكم من تاني “الإجابات داخل المقال” تسريب امت ...
- Salah Addin “جزء ثَاني” موعد اذاعة مسلسل صلاح الدين الحلقة 2 ...
- تفاصيل سورية كبيرة.. الوثائقية والفانتازيا في رواية -داريا ا ...
- إعلان صادم لمحبي الفنانة السورية كندة علوش و-ولاد رزق 3- يحط ...
- مصر.. الفنانة شيرين عبد الوهاب تتقدم ببلاغ للنائب العام ضد ش ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسماء الرومي - من الذاكرة