أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم إيليا - حملة الأريب على سامي بن لبيب















المزيد.....

حملة الأريب على سامي بن لبيب


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 3454 - 2011 / 8 / 12 - 08:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لكي يحظى بحث ما بالتأثير والإقناع، لا بد له من شرطين، أولهما: الموضوعية، وثانيهما: العدل.
والموضوعية هي معالجة القضايا بمعزل عن مشاعر الباحث الذاتية، وآرائه ومعتقداته الخاصة.
وأما العدل؛ فهو توخي النزاهة في إطلاق الأحكام على النتائج المستخلصة من البحث دون تحيّز أو ميل مع الهوى الشخصي.
إنّ أيّ بحث لا يلتزم بهذين الشرطين، تنهار قيمته ويفقد تأثيره.
فهل كان الكاتب سامي لبيب ملتزماً بهما، إذ عالج قضية الزواج في علاقته بالدين في مقالته (رخصة نكاح) من سلسلته (الدين عندما ينتهك إنسانيتنا)، فاستحقّ بذلك أن ينال صفة الباحث الموضوعي المنصف؟
هذا سؤال قد لا يستدعي جوابه التأمل أو التفكير؛ لأن المعلوم من أمر الكاتب أنه خصم عنيد للدين، يشنع عليه ما إن حضر له ذكر. ومن هو كذلك يصعب عليه أن يكون موضوعياً. ولكنه الإنصاف يوجب تقليب النظر في محتوى نصه أو في بعض ما حوى قبل النطق بالجواب العدل.
ولأنّ النص طويل مثقل بالأفكار والأمثلة والحجج والمشاهد - مع أنّ فكرته العامة بسيطة تتمثل في أنّ الدين "ينتهك" حقوق المرأة ضمن مؤسسة الزواج - سنقتطف منه أجزاء هي جوهر مقالته، ولعلها تفي بالإجابة عن السؤال الآنف بما لا يرهق نظر القارئ.
يقول الكاتب في المستهل:
1- "..ها هى إمرأة ستدخل وتتغلغل فى أعماقى وتكسر حريتى .. فهل ما أقدم عليه يحمل خيرا ؟!.. هل هذه الزيجة ستكلل وتولد مشاعر جميلة أم هى لتمرير لحاجات جسدية شبقة فقط .. هل زوجتى التى تتزين بأحلى زينتها وأراها فرحة متلمسا ً مشاعرها الجميلة تحبنى حقيقة أم أن حبها لى جاء بعد قدرتى على توفير حياة زوجية فتوجهت بوصلة مشاعرها لىّ وسط من إمتلكوا القدرة على إنجاز المهمة وتأسيس بيت ؟! ..هل لو كان سامى فقيرا ً لا يملك من حطام الدنيا شئ كان قد نال الحب ؟! ..أم أن الحب لمن يستطيع أن يدفع وينجز المهمة .
أحسست بسخف ما أفكر فيه فهو ليس مناسبا ً لتلك اللحظة , فيكفى أننى أغرقت ذهنى فيه كثيراً سابقا ً , فلأعيش اللحظة مع عروستى وأشاركها فرحها وأخوض غمار هذه التجربة الجديدة متوسما ً حياة طيبة".
وفي قوله هذا استذكار: يستذكر الكاتب ما هاج خاطرَه من الأفكار والهواجس لحظة مثوله بين يدي الكاهن أمام مذبح الرب مع عروسه التي يحب؛ وكيف حال ذلك بينه وبين أن ينغمس في مباهج تلك اللحظة السعيدة:
إنه يفكر بحريته، هل سيفقدها؟
يفكر بنتائج زواجه، هل ستأتيه بخير مرتقب؟
يفكر في أحاسيسه تجاه زوجه، هل سيملأها الحب الهادئ الدافئ أم ستمتلئ بالشهوة الجنسية؟
يفكر في ارتياب هل تحبه زوجته، أم يدفعها إلى الارتباط به شروط الحياة المادية المنعَّمة التي تكفَّل بتوفيرها لها؟.
فأما عروسه فتبدو في المشهد مطمئنة خالية الذهن من الهواجس والأفكار، مقبلة على لحظتها الجميلة والبشرُ يطفح محيّاها، ويأتلق في ناظريها.
بيد أنّه لن يطول به حتى يثوب إلى لحظته الحاضرة، فيدرك ما في أفكاره من السخف والتفاهة والنبوِّ عن المناسبة، فيعزم عندئذ على الفرار منها إلى مشاركة عروسه في فرحتها المتوثبة وآمالها العراض.
يستذكر الكاتب كلّ هذا الجيشان الفكري، وهذه الصور المتوترة والهواجس المقلقة في لحظته تلك، لا ليخبر القارئ، كما في أدب الاعتراف، بتجربة فريدة من سيرته خاضها في بواكيره، بل ليجعل من التذكر توطئة لموضوع أثير لديه هو الطعن على الدين.
فهل تراه وفّق فيما أقدم عليه إلى غايته؟
الحق أنه لم يكن موفقاً فيه، وذلك من جهتين:
ا- من جهة تصويره لمشهد عقد القران (الإكليل).
ب- ومن جهة ما اختاره من نصوص مقدسة تتلى في المناسبة.
ولا أدلّ على إخفاقه في الوجه الأول من أن مشهد الإكليل أو عقد القران؛ ليس يظهر فيه ما يشين الدينَ بحيف أو ضرر أو كرب يمسّ الزوجة. فلو أن شيئاً من ذلك يقع على العروس من الدين في هذا المشهد، فكيف جاز أن تختال العروس وهي ضحية الزواج الديني – كما يصورها الكاتب - في ثوب الفرح؟
أهي شاة تقاد إلى الذبح، فتحسب لغبائها، أنها تقاد إلى مرعى خصيب!؟
بل كيف جاز أن بدا العريس في المشهد سادراً مهتماً وهو الذي يفترض الكاتب أنه الغانم الكاسب من (صفقة) الزواج؟.
تُرى ألم يفطن الكاتب إلى أنّ هذا المشهد لا يغني في نقد الدين؟ قد لا نرجح ذلك، وقد نرجح أنه تعمّد اختياره له على قلة غنائه، في محاولة منه لانتزاع كلّ فضل للدين ولو قهراً.
وأخفق في الوجه الثاني أيضاً: فإن النصوص والوصايا التي تتلى عند تأدية طقس الزواج الديني، لا تشهد على صحة اعتقاده بأن الدين "ينتهك" حقوق الزوجة، وبأنه لا يؤسس لحياة زوجية مشتركة على قواعد العدل والمساواة. إنّ هذا النصّ:
"والنساء فليخضعن لرجالهن كما للرب, لأن الرجل هو رأس المرأة, كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة, و هو مخلص الجسد و لكن كما تخضع الكنيسة للمسيح, كذلك النساء لرجالهن فى كل شئ. أيها الرجال أحبوا نساءكم, كما أحب المسيح أيضا الكنيسة و أسلم نفسة لأجلها. وأنت أيتها الابنه المباركة كونى خاضعه لزوجك و مطيعة له .."
ليس قانوناً لتكريس السيادة الذكورية بمعناها السلبي، ولا لتكريس العبودية بمعناها المستكره، كما في تفسير الكاتب، وإنما هو وصية أن يحترم كل من الزوجين دور الآخر في تسيير شؤون الأسرة، يوم كان الرجل هو وحده (الرأس) ويوم كانت المرأة فيه لا تلعب دور الرئاسة بعد كما تلعبه اليوم.
فإنّ احتواء النص على مفردات وتشبيهات من مثل: "كما تخضع الكنيسة للمسيح، أيها الرجال أحبوا نساءكم، والنساء فليخضعن لرجالهن كما للرب" تمحو بشاعة اللفظ (اخضعن) وتشيع فيه مفهوم الخضوع المماثل لخضوع المؤمن للرب؛ وهو خضوع ملاكه المحبة والجمال. وما كان من ذلك كذلك فهو في ملّة المؤمن عدل ورحمة.
لقد كان من واجب الكاتب هنا أن يراعي التفسير الديني، وينأى عن فرض تفسيره الخاص. فما حسن أن يتّبع منهجاً قسرياً كهذا يفضي إلى تجريد بحثه من قيمته.
كما أنّ الوصايا الأخرى التي تنصح الكنيسة الزوجين بتحقيقها في حياتهما المشتركة، والتي أغفلها الكاتب عن قصد، لا تكاد تدع مجالاً للشك في ضعف رأي الكاتب، وسوء موقفه من الدين عامة، وعظم تحامله عليه في هذا المضمار، ومن تلك الوصايا:
"بارك اتحاد عبديك اللذين اتصلا ببعضهما بعضاً حسب إرادتك. باركهما كما باركتَ ابراهيم وسارة. ارفعهما مثل اسحاق ورفقة. أكثرهما كما أكثرت يعقوب وزرعَه. مجدهما كما مجدت يوسف. هب لهما حياة الطهارة. أنعم عليهما بالرخاء والحكمة وبركات الخلاص!
الآن وقد حضرتما في هذه الساعة المباركة قدام هيكل ربّ الصباؤوت ومذبحه المقدس، وجمعتكم هذه الزيجة المباركة، فيجب عليكما أن يعرف بعضكما حقَّ بعض، ويخضع كلّ منكما لصاحبه..".
فهل يجد القارئ في هذه الوصايا ما يدلّ على أنّ المؤسسة الدينية تنتقص حقوق المرأة الزوجية، وتغلّب حقوق الرجل عليها؟ هل فيها ما يأمر بوجوب (تسيّد) الرجل عليها سيادة المالك على القن؟
وكيف يكون ذلك، والمرأة والرجل هنا قد صارا جسداً واحداً!؟
أيستعبد الواحدُ ذاته؟.
ولا إخال طقس الزواج في المذاهب الإسلامية (المتصوفة، العلوية، الأحمدية، القاديانية، العلمانية، القرآنية)، أو في اليهودية، أو البوذية، أو الهندوسية، أو الدرزية، أو البهائية، أو المندائية، أو الإيزيدية، أو الوثنية، يوصي بما يمتهن كرامة الزوجة وإنسانيتها، وبما يهدر حقها الزوجيّ.
فإن ثبت أن أحد الأديان يوصي في عقد القران بغير العدل بين الطرفين كالإسلام الأُرتودكسي بشعبتيه السنية والشيعية مثلما دلّ على ذلك قول الأستاذ محمد البدري:
"لم يشوه أحد العلاقة الزوجية وعلاقات الحب بين البشر بقدر ما فعله الاسلام, وقد كان كلام الاستاذة ليندا كبرييل صحيحاً في أن الزواج بشكله الحالي هو علاقة مدفوعة الأجر، إلا أن الاسلام قد قننها وجعلها دعارة رسمية. ألم تقرأ الاية:
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}
والآية:{فانكحوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ...}
والآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}...".
فعلى الباحث هنا أن ينفرد بنقد هذا الدين في عزلة عن الأديان الأخرى التي لا تحيف حقَّ الزوجة. فإنّ المعادن، وإن تكن من مادة واحدة، ليست تتحد أفرادها في خواصها كافة. والأحزاب، وإن تكن من السياسة، فإن لكل حزب برنامجه الخاص به بما لا يجوز أن يقرن إلى ما يختلف عنه ويعارضه من الأحزاب.
إن الدين في هذا المقام، لا يفعل شيئاً أكثر من مباركة الزواج وتوثيقه. ثم ينسحب بعد أن يكون أدى وظيفته الاجتماعية من حياة الزوجين، ليخلو أحدهما إلى الآخر في حياة مشتركة منوط نجاحها أو فشلها بمواهبهما العقلية، وملكاتهما النفسية، وبمقدار حرصهما على لحمة الأسرة، وبمقدار ما يجمع بينهما من قوة العاطفة والانسجام الجنسي.
ولعل المرء يدهش كيف لا "ينتهك" الدين حقوق المرأة، والدين - كما هو معلوم - من صنع الرجال، وهو النظام الذي لا يتساوى في ميزانه حق الرجل والمرأة مساواة تامة، وإنما تشيل فيه كفة المرأة على الدوام!؟.
في الجواب عن هذا السؤال، ينبغي التفريق بين نظرة الدين إلى المرأة بما هي كائن اجتماعي خاضع لنظام سائد مقيد بقوانين مشتقة من الدين، وبين نظرة الدين إليها بما هي زوجة - مع أن التفريق بينهما في كل الأحوال، ليس هيناً يسيراً؛ لأنّ الأسرة في الواقع هي نواة المجتمع وأمرها ملتحم به – وعندئذ؛ أي متى تبيّن أن نظرة الدين تميز بين حال المرأة في مجتمعها، وحالها في أسرتها، وأنها قد تظلم المرأة في الحال الأولى، وتعدل في الحال الثانية، وجب أن يمتنع الجمعُ بين الحالين عند إرادة الحكم على الدين، فلا يقال إنه يستحطّ من مكانة (الزوجة)؛ لأنه يستحط مكانة (المرأة). بيد أنّ (اللبيب) سيجمع بينهما ولن يراعي الحدود الدقيقة التي تفصل بين الحالين والموقفين، وكأنّ كلّ همه أن يخلص إلى غايته ولو جاء الخلوص على حساب الحق.
وقد لا يكون ذلك جهلاً منه بالحدود الفاصلة بينهما، فكاتب مثله واضح الفطنة، قلما جهل أمراً لا مشقة فيه كهذا الأمر، وإنما يدفعه إلى ذلك بغض الدين بغضاً يقربه من التطرف والغلو، كما سبق التنويه بهذا. ومن يبغض شيئاً لم يعدم أن يجور عليه.
ولعله من المفيد هنا أن يشار إلى أنّ النساء لا يجهلن حقيقة أنّ الدين تتراخى قبضته عليهن داخل الأسرة إلا في حالات استثنائية، وأنه ليس له ذنب في فشل العلاقة الزوجية وظلم الزوجة وتمكين الرجل من التسلط عليها، بل ربما وجدن في أنفسهن، وهن داخل محيط الأسرة، قوة قد تتيح لهن السيطرة على رجالهن. ولقد تنبهت الكاتبة المصرية (فاتن واصل) لهذا الظاهرة، فقالت تخاطب الرجال في إحدى غاراتها الصاخبة عليهم:
" قهر الرجل للمرأة هو قهر ظاهري تقدمه له على طبق من فضة ثم تسحبه منه بالسيطرة الفعلية فى المنزل وفى محيط الأسرة وحتى فى العمل. ويكفى أن تراقب ما تقوم به المرأة فى صعيد مصر من إدارة شئون العائلة بحزم وشئون رجال فيها (بشنبات) لا يترددون فى إطلاق الرصاص إذا أتتهم إشارة من الأم الكبيرة ... فلا تتخيلوا أنكم تسيطرون على النساء ".
كما تجدر الإشارة أيضاً إلى ما يحفل به أدب الرجال وأغانيهم من التذلل والتضرع للأنثى ومن الهيام الجارف بها. من ذلك ما قاله الأخطل الصغير:
بَلّغُـوهَـا إذا أتَيْتُـمْ حِمَـاهَـا أنَّنـي مُـتُّ فِي الغَـرَامِ فِداهَـا
وَاذْكُرُونِـي لـهَابِكُـلّ جَمِيـلٍ فَعَسَاهَـا تَبْكِـي عَلـيَّ عَسَاهَـا
وَاصْحَبُوهـالِتُرْبَتـي، فَعِظامـي تَشْتَهـي أنْ تَـدُوسَهَـا قَدَمَاهَـا

2- فإذا اجتزنا رأي الكاتب في أنّ الدين عامة، عامل التمييز الأول بين الزوجين في الحقوق، إلى موضع بحثه التاريخي عن الجذور الأولى لمؤسسة الزواج، فسنراه ينتهي إلى أنّ الزواج ظهر بظهور الملكية، يقول:
"الزواج وليد الملكية:
لا تكون فكرة خضوع المرأة للرجل رؤية تفردت بها المسيحية , ولم تكن أيضا توصية عابرة بلا مدلول ..لذا يلزم أن ننبش فى البدايات الأولى التى خلقت مؤسسة الزواج .. فالمجتمع الإنسانى لم يعرف علاقات الزواج كنظام إلا مع ظهور الملكيات والحيازة فحينها تولدت رغبة الملاك فى صون وحفظ ممتلكاتهم بتوريثها لأولادهم , ولكن هنا لابد من ضمان أن هذا المنتج الناتج من المرأة هو إنتاج خاص بهم , فتفتق الذهن عن ضرورة مصادرة المرأة وإحتكارها وتأميم هذا الوعاء الجنسى بحيث يكون الناتج منها هو إنتاجنا الخاص , فتم إبتداع فكرة صفقة يتم على أساسها إقتناء المرأة والإستحواذ عليها لتصبح ملكا ً خاصا ً لرجل واحد تنتج له أطفال علاوة على إشباع حاجاته ومتعه الجنسية وسيدفع الرجل فى المقابل قدر من الذهب أو رؤوس الإبل والمواشى لوالد الفتاة نظير إحتكار المرأة , ليتم عقد إتفاق بهذا الأمر ويأخذ شكل الإشهار أمام الجميع كإعلام وإلتزام يقره ويباركه زعيم العشيرة , ثم ما لبثت أن تطورت الأمور شكليا ً ليصاحبها بعض الطقوس , وتصل فى مراحلها الحديثة إلى عقد مكتوب موقع من كافة الأطراف مع الحفاظ على نفس النهج العام فى دفع المهور نظير الإمتلاك وإن إختلفت أشكال هذه المهور...".
ومع أنّ الكاتب هنا يعزو خضوع المرأة للرجل إلى ضعفها الطبيعي، حينما يربط ظهور الزواج؛ الذي هو في عرفه أداة لإخضاع المرأة، بظهور الحيازة، غير أنه لن يقرّ بهذه الحقيقة على الرغم من وضوحها في قوله؛ لأنها لا توافق مبدأه العام الذي يرى أنّ (الأنثى هي الأصل)؛ أي هي الأقوى، متجاهلاً أنّ الخضوع في حقيقته ليس إلا التعبير الفعلي عن الضعف والانكسار أمام قوة الرجل الطبيعية، وأن التملك ليس غير مظهر من مظاهر قوة الرجل، ولولا أن الأمر كذلك، ما امتلك الرجل المرأة، وما سادها في كل هذه الأعصار.
ولو أنّا أوغلنا في ثنايا القول، لاستنبطنا ما يسقط أهمية رأيه السابق في فداحة أثر الدين في مؤسسة الزواج. فإنه لما جعل التملك أصلاً في ظهور مؤسسة الزواج، نفى بهذا أن يكون الدين إلا عاملاً سطحياً ثانوياً يزول بزوال عامل التملك الأصلي الرئيس.
وقد عبرت الكاتبة اللبنانية الأستاذة (ليندا كبرييل) عن هذه المسألة تعبيراً واضحاً، فقالت:
"إن كل أنواع الزواج، مدفوعة الأجرالماديّ، إلا العلاقة خارج إطار الزواج؛ التي اتفقوا على تسميتها ( زنا) فإنها لا مقابل مادي لها، وإنما هي اتفاق بين طرفين متحابين متراضيين"
بما يعني أن مؤسسة الزواج التي قوامها التملك، إذا ما تمّ تدميرها، أدى ذلك إلى تحرر المرأة بالضرورة، وإلى نشوء علاقات جديدة بينها وبين الرجل تقوم على دعائم الرضا والحب والصفاء.
وقد أيدتها الكاتبة العراقية الأستاذة (رويدة سالم) قائلة:
" بالفعل! العلاقات الوحيدة الناجحة، هي التي تكون خارج عقود النكاح؛ أي خارج معاملات البيع والشراء والتثمين للوعاء الجنسي؛ الذي سيحمل أجنتنا ويضمن نقاءها حتى وإن عانى أحد الطرفين - وعادة المرأة - أبشع أنواع الاستغلال والهوان من أجل ضمان استقرار الأسرة" .
وهذا يرسخ فكرة تقدم مؤسسة الزواج على الدين في مجال قهر المرأة وانتهاك حقوقها الزوجية؛ مما يدفع إلى التساؤل:
فما دام الأمر كذلك، فلماذا لا يقصر الكاتب همّه على تدمير مؤسسة الزواج، بدلاً من أن يقصر همّه على تدمير قواعد الدين؟
أليست مؤسسة الزواج بمنزلة الجوهر، والدين منها بمنزلة العرض؟ أليس من التراخي إذاً، أن ينشغل المرء بالأعراض عن الجواهر!؟
هذا، ولا بد في النهاية من لفت الانتباه إلى ما في تصوير الكاتب للعلاقة الزوجية من الانحراف والقصور والأحادية وسيطرة اللون الواحد. فهو إذ يتصور الرجل يمتلك المرأة ويغزوها في عمق الجسد، يستغرقه هذا التصور استغراقاً كليّاً فلا يبصر معه أن المرأة - وهي الحد الثاني من هذه العلاقة - تمتلك الرجل أيضاً إذ يمتلكها الرجل، وتغزوه في عقر أسراره الجنسية الحميمة. وإنّ أشواقها إليه لأشد ضراماً.



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الطعن في النساء
- الحقيقة بين التلجلج واللجاجة
- الأستاذ حسين علوان متلجلجاً داخل شرك المنطق
- شامل عبد العزيز بين أحضان المسيحية
- سامي لبيب والرصافي خلف قضبان الوعي
- ضد عبد القادر أنيس وفاتن واصل
- إلى الأستاذ جواد البشيتي. ردٌّ على ردّ
- بؤس الفلسفة الماركسية (6)
- بؤس الفلسفة الماركسية (5)
- بؤس الفلسفة الماركسية (4)
- بؤس الفلسفة الماركسية (3)
- بؤس الفلسفة الماركسية (2)
- بؤس الفلسفة الماركسية
- نقد نقد النظرية الماركسية
- إلهٌ جديد
- حنَّا هاشول يصرخ في الوادي
- حياتي في خطر. قصة قصيرة


المزيد.....




- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم إيليا - حملة الأريب على سامي بن لبيب