|
الخدعة الكبرى : نظرية التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي
يعقوب ابراهامي
الحوار المتمدن-العدد: 3442 - 2011 / 7 / 30 - 18:31
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لا نعرف من هو العبقري الذي ابتدع نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" ولكن لا جدال ان هذه النظرية هي واحدة من أكبر الخدع في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية والعربية. هذه الخدعة هي جزء لا يتجزأ من الأساس النظري لكل الأنتهاكات الأخلاقية والمبدئية في الشيوعية الستالينية، وعامل مركزي في تجريد الماركسية من محتواها الأنساني.
أية فعلة نكراء لم يبررها أصحابها وفقاً لنظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" ؟ وأي عمل لا أخلاقي ، يندى له الجيبن، لم يقم له مدافعون باسم "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي"؟ إنسوا اتفاق ستالين-هتلر المشين. إنسوا تسليم لاجئين شيوعيين المان الى الجستابو النازي. انسوا النخب الذي شربه ستالين على شرف "الفيهرر" ("المحبوب من قبل الشعب الألماني") في حفل التوقيع على الأتفاق المخزي. انسوا كل ذلك. هذا تاريخ بعيد - قد يقول البعض، وليس فيه جديد. نحن نعرف، قد يقولون بحق، ان كل الأساس اللاإنساني للستالينية قائم على نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" التي تخالف كل مبادئ الماركسية. لننس ذلك إذن، ولننظر كيف يتباهى اليوم واحد من أكبر الستالينيين حماقةً، من الذين يكتبون باللغة العربية، بما حققته نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي"، في الأمس القريب، من إنجازات: "كانت تربط الاتحاد السوفييتي علاقات جيدة مع النظام العراقي عندما كان النظام العراقي يقتل الشيوعيين، وكانت تربطه علاقات جيدة مع النظام السوري عندما كان الحزب الشيوعي السوري خارج القانون. وكذلك مع نظام عبد الناصر عندما أوصل عبد الناصر الشيوعيين المصريين الى حلّ أنفسهم كحزب." (محمد نفاع، "الانتماء الفكري هو الأساس لكل موقف"، الحوار المتمدن - العدد: 3414 - 2011 / 7 / 2 ). ولمن لم يفهم حتى الآن نقول ان النظام العراقي الذي يتحدث عنه السيد محمد نفاع هو نظام صدام حسين. لماذا يتفاخر هذا "الماركسي" الفاشل بعلاقات الصداقة التي ربطت الأتحاد السوفييتي بصدام حسين؟ لماذا لا يخجل هذا "الشيوعي" من علاقات صداقة يقيمها "بلد الأشتراكية" مع مجرم ملطخة أيديه بدماء الشيوعيين؟ نعم. حزرتم. إنها نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي". أقرأوا ما يقوله هذا المفكر "الماركسي" الكبير: " أن المقياس الوطني والإنساني والقومي الحقيقي والعربي القح، والإسلامي القح هو في مدى النضال ضد أمريكا وإسرائيل". "النضال ضد امريكا واسرائيل هو المقياس الوطني الوحيد" - يقول هذا "الوطني" وهو قابع في "ملجئه الأخير". هذه هي نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" بأقبح صورها. ولكن ما رأيكم في "المقياس الأسلامي القح"؟ (!!) العبقرية في نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" تكمن في سهولة تطبيقها. هل تريد ان تصافح دكتاتوراً ملطخة يداه بدماء الشيوعيين والتقدميين؟ هل تريد ان تلوث هامتك بالتراب وتقبل أقدام شيخ ظلامي هو النقيض من كل ما تؤمن به وتدعو إليه؟ نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" هي الحل، بشرط واحد فقط هو: أن لا تقيم وزناً للأعتبارات الأخلاقية والمبدئية، أن لا تعرف معنى الخجل وأن تكون ممن يمسحون البصاق عن وجوههم ويقولون: هذا مطر. وهذه هي قواعد اللعبة: 1. إختر "التناقض الثانوي" الذي تريد ان تكون له ذيلاً أو خادماً مطيعاً. هذا يمكن ان يكون قومجياً بعثياً ذا تاريخ حافل بقتل التقدميين والشيوعيين أو "بشاراً وبس" ورث العرش عن أبٍ جلاد. هذا يمكن ان يكون، إذا شئت، معمماً "أعجمياً" يدعو الى أنشاء "دولة الفقيه" أودجالاً ً يريد أقامة "خلافة إسلامية". 2. تذكر: من المفيد ان يكون الشخص الذي تختاره "وطنياً ممانعاً" ومن "حماة القدس الشريف". ("ألا تستحق القدس أن يموت من أجلها مليون شهيد؟" - سأل مرة صدام حسين أحد سكان فنادق النجوم الخمسة في دمشق وبيروت، قبل ان يتحول هو نفسه الى "شهيد". "بالتأكيد" - أجاب "القائد" الفلسطيني ساكن فندق الخمسة نجوم). 3. إسأل محمد نفاع (الذي لا "يعصرن" المبادئ) أو خالد حدادة (الذي لا يلطم على ضحايا حزب الله) عن من تختاره ليكون "التناقض الرئيسي". هنا يمكنك ان تختار بين "الأمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية" (وفقاً للمذهب النفاعي) أو التآمر الأميركي- الاسرائيلي (وفقاً لمدرسة خالد حدادة). يمكنك، إذا اقتضى الأمر، أن تستعين بهذا الخصوص بخالد أبي شرخ أيضاً: ( أليس أبو شرخ هو القائل: "فالكل الوطني في خندقٍ واحد, في مواجهة الإحتلال, وتؤجل الإعتبارات الأيدولوجية والخلافات الفكرية إلى مرحلة ما بعد الإستقلال". اسمعوا جيداً: "تؤجل الإعتبارات الأيدولوجية والخلافات الفكرية إلى مرحلة ما بعد الإستقلال"، أي إلى ان يقضي حماس وحزب الله والأسلام الفاشي على كل القوى التقدمية والديمقراطية والعلمانية في المجتمع العربي الفلسطيني). 4. غط كل هذه البهلوانيات بستار كثيف من "قوانين المادية الديالكتينية" (أدبيات ماركسية - يسميها خالد أبو شرخ)، عن الأضداد وصراع الأضداد، عن "نقض النقيض" و"فناء الضدين" وغير ذلك من الخرافات (هذا يفيد في خدع السذج أن التحالفات السياسية الدنيئة تفرضها "طبيعة المرحلة" وتتم بعد دراسة "علمية" ماركسية دقيقة). هذا هو كل ما يجب فعله من أجل تطبيق نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي". أي مكان تحتل المبادئ السامية والأخلاق الأنسانية في نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي"؟ لا مكان للمبادئ والأخلاق هنا - يقول لنا أنصار نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي". هذه هي الصيغة الستالينية لنظرية "الغاية تبرر الوسيلة". هذا مكتوب في الأدبيات الماركسية - يلقنني درساً سريعاً في الماركسية خالد أبو شرخ الذي قرأ (وفهم؟) "الأدبيات الماركسية".
وخالد أبو شرخ هو أحد الخبراء العالميين في نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي". خذوا مثلاً الشيخ رائد صلاح. هذا الشيخ لم ينطق في حياته جملة تقدمية واحدة. لم يرفع في حياته شعاراً واحداً يصب في مصلحة الشعب العربي الفلسطيني. هذا الشيخ (وهو لا ينكر ذلك) كل هدفه في الحياة هو إثارة حرب دينية بين اليهود والأسلام. ومع ذلك إذا تاقت نفسك يوماً (كما تتوق نفس النائب "الشيوعي" العربي محمد بركة) الى ان تبوس هذا الشيخ الفاتن من الأمام ومن الوراء، فإن خالد أبو شرخ موجود في المكان المناسب لكي يزودك بالترخيصات "الماركسية" اللازمة. "الموقف من الشيخ رائد صلاح" - يقول خالد أبو شرخ - "تمليه علينا اعتبارات مرحلة التحرر الوطني, ولا تمليه علينا المواقف الفكرية أو الأيدولوجية من الحركة الإسلامية في إسرائيل, فالمعركة مع الأصولية في فلسطين لها زمنها الآخر واعتباراتها الأخرى." هل خالد أبو شرخ يخدع نفسه أم يريد ان يخدع الآخرين؟ "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" - صاح أنصار نظرية "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي" قبل ان ينهزموا من المعركة.
"الصهيوني الحاقد": من كل الألقاب التي الصقها بي المعلقون خلال سنوات كتابتي في "الحوار المتمدن" لفت نظري بصورة خاصة اللقب الذي اطلقه علي في الأسبوع الماضي من يسمي نفسه (للعجب الشديد) جمال عبد الناصر: "الصهيوني الحاقد". أولاً اعتراف بسيط: أنا مغرم بالألقاب التي يطلقها علي الآخرون لاسيما تلك التي اعتاد ان يطلقها علي (قبل ان يقاطعني، مع الأسف الشديد) فؤاد النمري. هذا يعجبني، يسرني ولا يغضبني على الأطلاق. (لا أريد ان أقول ان كلمات الثناء هي التي تزعجني كي لا أتهم بالتواضع المصطنع). لكن لقب "الصهيوني الحاقد" أثار لدي هذه المرة تأملات فلسفية حول المعنى الحقيقي للكلمة المكتوبة وحول المعنى كما يفهمه الكاتب وكما يريد أيصاله للقارئ. لا أعرف كيف يكتب الآخرون. لكنني أحترم القراء واحترم الكلمة المكتوبة ولا اسجل كلمة واحدة قبل ان افكر فيها عشرات المرات وقبل ان اكون متأكداً انها تحمل الفكرة التي اريد ايصالها وان القارئ سيفهمها كما اريده ان يفهمها. ماذا يعرف القارئ جمال عبد الناصر عني لكي يوصفني ب"الحاقد"؟ هل هو يعتقد حقاً انني "حاقد"؟ علام؟ أم ان القارئ جمال عبد الناصر وصفني ب"الصهيوني الحاقد" لمجرد أن كلمة "الصهيوني" لا يمكن ان تأتي بمفردها ولا بد ان تقترن بنعت معين؟ هل هذه هي مشكلة اللغة العربية ام مشكلة احترام الكلمة المكتوبة؟ ولماذا اختار القارئ (غير الحاقد) كلمة "الحاقد" من كل النعوت المباحة؟ وجهت بعض هذه الأسئلة الى القارئ نفسه ولكنني ام أحض بجواب.
نذير الخطر: قال خطيب الجمعة في ميدان التحرير في القاهرة في "مليونية الأرادة الشعبية وتوحيد الصف": إننا قادمون، يا سكان فلسطين، لتحرير المسجد الأقصى! وأنا شعرت بالخوف.
#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا إرهابي فخور
-
كلنا رائد صلاح؟!
-
خواطر وأفكار من وحي سالونيكي
-
إنهيار نظرية المؤامرة الصهيونية
-
حسقيل قوجمان يرسخ ولا يشك
-
عودة الى خرافة الأشتراكية العلمية
-
وطن لشعبين - يعقوب ابراهامي يرد على عماد عامل
-
الرجل الذي يحارب بمدافع القرن ال-19
-
أنا، أميل حبيبي وجورج حزبون
-
خرافة الأشتراكية العلمية
-
فهد والقضية الفلسطينية : ملاحظات نقدية
-
فيتوريو بعد جوليانو
-
يوم انحرفت الثورة المصرية عن مسارها
-
وردتان على قبره
-
من قتل جوليانو مير؟
-
الصهيونية ليست ما تظنون
-
نمريات
-
الشاعر الذي يتكلم لغة قديمة
-
ملاحظات ليبية
-
المقياس الأساسي لدى محمد نفاع
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|