كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 01:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأخ الفاضل سماحة السيد علي السيستاني المحترم
تحية طيبة
وجهت لجنابكم بتاريخ 20/9/2010 رسالة وددت فيها سماع رأيكم وموقفكم بشأن ما ورد فيها. وها نحن نقترب من مرور عام على تلك الرسالة دون أن أحظى بجواب من جنابكم, سواء أكان بالتجاوب مع ما طرحته أم برفضه والاتفاق مع من يُمارس وما يمارس من طقوس في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء. وقد وردت الكثير من التعليقات على تلك الرسالة المفتوحة نشرت في موقع الجيران الإلكتروني وفي مواقع أخرى كالحوار المتمدن. وكانت التعليقات تتراوح بين مؤيد لمضمون الرسالة ومعارض لها, وبين مهاجم للكاتب ومدافع عن أفكار الرسالة, بين من فهم مغزاها وأهميتها بالنسبة لأتباع المذهب الشيعي ذاته ومن ظلم الكاتب بهجوم كاسح لا يستند إلى معطيات فكرية ورؤية عقلية لما جاء في الرسالة.
وجُهت لكم, أخي الكريم, من قبل السيدات والسادة الذين كتبوا التعليقات ملاحظات بين متهم لكم بالسكوت, باعتبارها علامة الرضا عن ممارسة تلك الطقوس, وبين مدافع عنكم باعتبارها طقوساً دينية تحدث عنها بعض الأولياء الصالحين, بين راض عن موقفكم الساكت, وبين مستفز من هذا السكوت. ولكنكم حتى الآن لم تبادروا لإبداء الرأي في ما طرح عليكم من سؤال مهم: ما هو الموقف من المغالاة بطقوس غير دينية تسمى ظلماً دينية, وبالتالي تسيء إلى الدين وإلى الأولياء الصالحين الذين استشهدوا في سبيل الحق والعدل والدين الصحيح؟ في حين أن واجبكم الشرعي, باعتباركم من كبار المجتهدين في الدين الإسلامي والمذهب الشيعي, الإجابة عن المسائل التي طرحتها عليكم رغم كوني لا أقلد شيخاً من شيوخ الدين.
كتب البعض يعلق على رسالتي بقوله: لماذا لا انتقد الطقوس الأخرى التي تمارس في بقاع أخرى من هذه الدنيا, وهي التي لا تختلف كثيراً عن تلك التي تمارس من قبل جمهرة كبيرة من أتباع المذهب الشيعي الجعفري؟ والبعض الآخر يتساءل لماذا لا أنصرف لأموري بدلاً من الاهتمام بأمور أتباع المذهب الشيعي؟
أجد نفسي ملزماً بتوضيح ما يجب أن يوضح في مثل هذا المقام. لقد ولدت في مدينة كربلاء وفي أحضان عائلة متدينة معتدلة وترعرعت فيها وشاركت أحزان الناس على استشهاد الأمام الحسين وصحبه الكرام وشاركت مراراً في هرولة طويريج إلى كربلاء حين كنت صبياً وشاركت في موكب طلبة المتوسطة والثانوية, وتعرفت على الكثير من الأمور التي تجري في كربلاء أثناء تلك الزيارات وممارسة تلك الطقوس, ورأيت كيف تسيل الدماء وكيف يسقط البعض ميتاً وكيف تستخدم السلاسل الحديدية وبرؤوسها تلك السكاكين المعوجة التي تصيب الظهر بجروح بالغة, وكيف يموت البعض تحت أقدام الآخرين أثناء الركض السريع وخاصة من منتصف طريق الهندية (طويريج) إلى كربلاء عند بوابات صحن الحسين دخولاً وخروجاً. وفي حينها, وليس الآن, أدركت مخاطر تلك الطقوس على الدين ذاته وعلى تشويهه بكل معنى الكلمة والإساءة للحسين من حيث يريد البعض تكريمه! في حين كان موكب الطلبة محترماً ويليق بمقام الحسين والحزن عليه.
كل الطقوس المشابهة, سواء تلك التي يمارسها المسيحيون في أمريكا اللاتينية أم في جنوب إيطاليا أم في غيرها من الدول التي أغلب سكانها من أتباع المذهب المسيحي, أو تلك التي يمارسها أتباع الديانة اليهودية, سواء في إسرائيل أم في بلدان أخرى, أو الطقوس التي يمارسها أتباع الدين الهندوسي أو أتباع الدين البوذي في التبت أو في النهد أو في ديانات أخرى التي تلحق أضراراً بالإنسان وتلحق خسائر به وبمجتمعه هي باطلة وينبغي تحريمها, إذ ليس من حق الإنسان أن يؤذي نفسه, فهو ملك نفسه من جانب ولكنه ملك المجتمع في آن واحد, وبالتالي خسارته خسارة للمجتمع ذاته والأضرار التي تلحق به هي إضرار بالمجتمع. وأنا ضد الممارسات الشاذة وغير الطبيعية التي تمارس من بعض أتباع المذهب السني أيضاً. فكل الممارسات الخاطئة يفترض أن تحرم من المؤسسات والمرجعيات الدينية.
نحن بحاجة إلى عملية تنوير ديني لا يمكن لرجل مثلي أن يقوم بها, بل هي من أولى واجبات شيخ الدين باعتباره المسؤول عن إبعاد الدين عن التشويه أو خلق وعي مزيف لدى الإنسان بطقوس غير دينية على إنها دينية. ولهذا توجهت لكم بتلك الرسالة.
أنا لست ضد زيارة الحسين وصحبه ولست ضد إحياء ذكرى استشهاد الحسين وصحبه, فإحياء الذكرى وبصورة إنسانية وحضارية تعبر عن القناعة بصواب المسألة التي استشهد من أجلها, ولكن لا بسيل من دماء أتباعه والضرب على الصدور وعلى الظهور أو التمرغل بالطين من الرأس إلى باطن القدمين أو الزحف على الأقدام, إنها بدع ليست من الإسلام بل هي مشوهة للدين الإسلامي ومسيئة لشيوخ الدين العقلاء والواعين لحقيقة وأهمية ودور الدين في المجتمع حين يسكتون عنها. ومع مرور الأعوام تزداد هذه الطقوس بؤساً وسوءاً وتشوهاً.
ولأهمية تلك الرسالة التي وجهتها لجنابكم, كما أرى, أجدد طرح موضوعاتها على سماحتكم راجياً منكم الإجابة عنها.
أدرك تماماً إن الأحزاب الإسلامية السياسية وأغلب قادتها, إن لم نقل كلهم, هم الذين يروجون ويشجعون على ممارسة مثل هذه الطقوس ويسعون إلى إدامتها وتوسيعها والتفنن بطرح الجديد من هذه الطقوس الضارة, فمن خلال ذلك يسعون إلى تعميق الفرقة في المجتمع وتنشيط الاصطفاف المذهبي لصالح الحصول على أصوات الناخبين. إنه الفساد بعينه, وعليكم مواجهته.
لو اطلعتم على التعليقات التي كتبت على رسالتي لوجدتم واقع التشوه في العقلية والوعي الديني المزيف الذي يحمله البعض وتفسيرهم لتلك الطقوس.
أتمنى عليكم أن تناقشوا رسالتي السابقة, التي أرفقها بهذه الرسالة, والتعليقات التي وردت عليها لكي يتبين الجميع من مقلديكم وغيرهم مدى صواب أو خطأ ممارسة تلك الطقوس وليس أحياء الذكرى الجليلة لاستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وابن بنت محمد بن عبه الله وصحبه الكرام.
أرجو لكم موفور الصحة والعافية.
مع خالص الاحترام والتقدير.
د. كاظم حبيب
23/7/2011
المرفق: نص رسالة سابقة وجهت في 20/9/2010
رسالة مفتوحة إلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني
الأخ الفاضل آية الله العظمى السيد علي السيستاني المحترم :
تحية واحتراماً
بعد أن أضناني الجهد لتوضيح الموقف من الزيارات المليونية والطقوس التي تمارس في أيام عاشوراء و الموت المتواصل الذي يلاحق العراقيات والعراقيين عند سيرهم على الأقدام لمسافات طويلة بغرض زيارة مراقد أئمة الشيعة المسلمين في المدن العراقية, كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء على سبيل المثال لا الحصر على أيدي الإرهابيين والتكفيريين, وجدت نفسي مجبراً ن أتوجه لجنابكم راجياً منكم أن تلعبوا الدور المنوط بكم, دور المنور وتساهموا في التنوير الديني لأتباع المذهب الشيعي ومن يقلدونكم في الإسلام., إن ما يحصل في أيام عاشوراء من ممارسات لطقوس غير دينية تجسد, وفق رأيي, قمة التخلف وغياب الوعي الديني السليم لدى المشاركين في ممارسة تلك الطقوس, وسيطرة وعي ديني مزيف روجته قوى وجهات مغرضة أدت إلى عواقب وخيمة على الإنسان كما شوهت أراء ومواقف أئمة المذهب الشيعي الساكتين عن تلك الأفعال.
وقد كتبت عن تلك الطقوس ورجوت شيوخ الدين الشيعة إلى تحريم هذه الطقوس لأنها ليست من الإسلام, والإسلام الصحيح برئ منها. فاتهمني البعض بالانحياز ضد الشيعة, لست معنياً بهذه التهمة, إذ أني أحترم كل الأديان وكل المذاهب الدينية وأتباع الأفكار المختلفة وأحترم أتباعها دون استثناء ولست مناهضاً لأي منها, ولكني أكتب عن ظواهر غير مشروعة دينياً ومدانة إسلامياً حين يقوم الإنسان بتعذيب نفسه, فهو محرم في الإسلام. وبما أني من مواليد مدينة كربلاء في العام 1935 فقد تعرفت جيداً على تلك الطقوس وعايشتها سنوات غير قليلة ومارست بعضها, ولكن أدرك اليوم بعمق ومسؤولية, بل ومنذ سنوات طويلة, أضرارها الفادحة والعواقب السلبية التي تترتب على ممارسة مثل هذه الطقوس لأتباع المذهب الشيعي على صعيد الوضع النفسي والعصبي للفرد ذاته وعلى الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
لقد اطلعت بشكل دقيق على آراء الكثير من شيوخ الدين الشيعة الذين رفضوا ممارسة هذه الطقوس وأدانوها بعبارات واضحة تعتبر بمثابة فتاوى فقهية ناضجة. أليكم أدناه بعض من تلك الآراء لمراجع دينية شيعية معترف بها في فقه الدين.
آراء بعض المراجع الشيعية بطقوس عاشوراء
1 - أية الله العظمى السيد محسن الحكيم "إن هذه الممارسات (التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات... هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أرى أي من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى إن قضية التطبير هي غصة في حلقومنا
2 - أية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي: في رده على سؤاله حول إدماء الرأس وما شاكل يقول "لم يرد نص بشرعيته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه)) راجع: المسائل الشرعية ج2 ص 337ط دار الزهراء بيروت
3 - أية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في جوابه لسؤال الدكتور التيجاني حين زاره في النجف الاشرف " ان ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه" راجع: كل الحلول عند آل الرسول ص 150 الطبعة الأولى 1997 م للتيجاني.
4 - أية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني "ان استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين (عليه السلام) انما هو محرم وغير شرعي". راجع: كتاب هكذا عرفتهم. الجزء الأول لجعفر الخليلي
. 5 - أية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي "على المؤمنين الأخوة والأخوات السعي إلى إقامة مراسم العزاء بإخلاص واجتناب الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية وأوامر الأئمة (عليهم السلام) ويتركوا جميع الأعمال التي تكون وسيلة بيد الأعداء ضد الإسلام، إذ عليهم اجتناب التطبير وشد القفل وأمثال ذلك
6 - أيه الله العظمى السيد كاظم الحائري "ان تضمين الشعائر الحسينية لبعض الخرافات من أمثال التطبير يوجب وصم الإسلام والتشيع بالذات بوصمة الخرافات خاصة في هذه الأيام التي أصبح إعلام الكفر العالمي مسخرا لذلك ولهذا فممارسة أمثال هذه الخرافات باسم شعائر الحسين (عليه السلام) من أعظم المحرمات
7 - أيه الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله "... كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزنا على الإمام الحسين (عليه السلام) فانه يحرم إيقاع النفس في أمثال ذلك الضرر حتى لو صار مألوفا أو مغلقا ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها." راجع:إحكام الشريعة ص 247 .
8 - أية الله الشيخ محمد مهدي الاصفهي "لقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الأعمال والطقوس فكان له دور سلبي في عطاء الثورة الحسينية وأصبحت مبعثا للاستخفاف بهذه الشعائر مثل ضرب القامات.". راجع: كيهان العربي 3 محرم 1410 هـ.
9 - أيه الله العظمى السيد محسن الأمين ".... كما ان ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه سوء الأعمال." راجع: كتاب المجالس السنية. الطبعة الثالثة ص 7.
10 - أيه الله محمد جواد مغنية ".... ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم ان هذه العادات المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون ان يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب حيث توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الاهانة والضرر." راجع: كتاب تجارب محمد جواد مغنية
11 - أية الله الدكتور مرتضى المطهري "ان التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثودوكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم." راجع: كتاب الجذب والدفع في شخصية الإمام علي (عليه السلام).
وهناك أسماء كثيرة ضد ظاهرة التطبير ومنهم أيه الله العظمى الشيخ الاراكي أيه الله السيد محمود الهاشمي أية الله محمد باقر الناصري والعديد من كبار العلماء.
السيد المحترم
أنا واثق بأنكم على إطلاع دقيق على هذه الفتاوى والآراء الناضجة, وأنا واثق أيضاً بأنكم لا تختلفون في التفكير عن السيد ابو الحسن الأصفهاني الموسوي مثلاً وترفضون معه مثل هذه الطقوس والبدع المؤذية للنفس والعائلة والمجتمع ولسمعة المذهب الشيعي عالمياً. ومن هنا ينطلق سؤالي لجنابكم الموقر:
لماذا لا تصرحون بموقفكم الإسلامي ضد هذه الطقوس التي أدانها علماء دين كبار ذكرت بعضهم في أعلاه؟
أنا أرجوكم, بل وأطالبكم, ومن حقي كمواطن وحرصاً على أبناء الشعب العراقي, أن تتحدثوا إلى المسلمات والمسلمين من أتباع المذهب الشيعي وإلى كل مسلمات ومسلمي العالم بأنكم لستم مع هذه الطقوس والبدع التي ليست من الإسلام, بل هي مسيئة للإسلام, وأن تحرموا ممارستها على أتباعكم ومقلديكم على أقل تقدير وهم كثر في العالم الإسلامي.
أن الحسين بن علي بن أبي طالب هو شهيد كل المسلمين, وليس الشيعة وحدهم وطقوس زيارته لا تستوجب اللطم واستخدام السلاسل الحديدية ولا السيوف لشج الرؤوس ولا الزيارات المليونية, بل تستوجب الوقوف الصامت احتراماً لتلك الشهادة.
أتمنى عليكم, وأنتم تمتلكون الشجاعة الكافية, أن تقوموا بإعلام المسلمات والمسلمين والعالم كله بموقفكم الرافض لهذه الطقوس, إذ أن السكوت عن ذلك تعني مواصلة ممارستها وتعني الموت المتواصل للناس وتعني الإساءة المستمرة للمذهب الشيعي الذي أنتم أحد العاملين البارزين في الدعوة له, وهي بمثابة المشاركة في العمل غير المسموح به إسلامياً.
أرجو لكم موفور الصحة وطول العمر.
مع خالص التقدير والاحترام
د. كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟