|
لغة الرمزية والتأمل الفلسفي في -سجن السجن-
ابراهيم جوهر
الحوار المتمدن-العدد: 3422 - 2011 / 7 / 10 - 20:11
المحور:
الادب والفن
سجن السجن لعصمت منصور : لغة الرمزية والتأمل الفلسفي : ابراهيم جوهر – القدس يتأمل الأسير عصمت منصور في اللغة ويرمّز ويبوح وينتقد ويتحدى ، وينقل تجربة وتوصيفا للانتصار على أداة القتل المسماة (السجن) . اللغة عند الكاتب في كتابه ذي الأسلوب الروائي الذي أخذ من السيرة الذاتية أسلوبها ، ومن الشعر الحديث رموزه وإيحاءاته ، ومن الرمزية معطيات حواسها المتبادلة ، تستحق الوقوف عندها . يلفت الانتباه في (سجن السجن ) كون الكاتب اعتمد الصمت لغة ، فالصمت عنده حيث هو ، في زنزانة العزل الانفرادي يصير لغة ( ص 43 و 44 و45 ) . وكذا الأمر مع الدموع التي تحكي وتعبر ؛ الصمت والدموع لغة ....كما أن الطرق على الأبواب لغة " كانت اللغة السائدة في قسم الزنازين هي لغة الطرق على الجدران ..." ص36 . و الصمت يتشيّأ ؛ " إنه صمت الزنزانة المخاتل والمخادع ...تثاقله يجعله ملموسا وتحسه وهو يزحف فوق جسدك كدبيب النمل ، يتسلق روحك ..." ص5 . " ...كان صمتها جميلا : ص130 . والابتسامة لغة ؛ " ...كانت ابتسامتي أبشع من أي شتيمة وأبلغ من كل خطاب ..." ص164 . وعنده يصير للذل طعم موصوف ؛ " كان طعم الذل دبقا ولزجا وكريها " ص 22 . والزمن يحسّ ؛ " زمن الزنزانة متداخل ولزج " ص23 . في الحبس الانفرادي تتبادل الحواس ، كأن ترى بالأذن ، أو تسمع بالعين ..." كان القسم يتحول الى ما يشبه عالما كفيفا ، أو حشدا يتحرك في ظلمة مطبقة وهذه موهبة لا يملكها سوى الأسرى . إنهم هنا بأقل الكلمات ، ومن خلال اللهجة ، وطريقة الحديث ، ومستوى الصوت ، وأشياء أخرى لا أعرفها ولا يمكن تبين حقيقتها ، يستطيعون إصدار أحكام نهائية على الشخص الذي يقابلهم ..." ص 37 . تمحورت الفكرة الكلية العامة عند الكاتب في رفض المكان ، والتغلب عليه . من هنا جاء العنوان ( سجن السجن ) ، فالسجن الانفرادي الذي أعدّ ليقهر ويعاقب بالإمكان التغلب عليه . والتأمل الفلسفي للأشياء / ومراجعة الماضي ، واستحضار الأهل ، والتجربة كفيل بالتغلب على الفراغ القاتل القائم أمام الأسير ، ومعين له على تمضية الوقت الثقيل . إنه يعود الى الذات بهدف فهمها ؛ يتأملها ، ويتساءل ، ويراجع ، وينتقد التجربة السابقة بجرأة مطلوبة . من هنا كان انتقاده لتجربة قتل المتهمين بالتعاون مع الاحتلال ، والتحقيق معهم ومع أبنائهم أو بناتهم . (ص152) : " ...ومي استسلمت لنا وهي تدرك أن لا خيار آخر لها ، لم يكن هدوؤها شجاعة أو ثقة بنا ، بل استسلام لطبيعتها كأنثى وماضي والدها وهمالتنا " إنه يسحب تأمله التحليلي الى تحليل الموقف المستسلم للفتاة (مي) ابنة احد المقتولين بتهمة التعاون . ويلفت النظر تعبير الكاتب بقوله: (همالتنا) !! المصطلح ذي الابعاد القروية الخاصة بما فيه من جرأة الاعتراف والتقرير والنقد . وهو يشير الى ظاهرة الانفلات التنظيمي التي أحدثت فراغا في الانتماء والولاء ، ووفرت مجالا للانتقام الشخصي الذي عانت منه فعاليات الانتفاضة الفلسطينية في سنواتها الاخيرة . استعان الكاتب بأسلوب الاسترجاع الفني (الفلاش باك ) ليوازي الواقع القائم بواقع مستحضر فيه ما فيه من الدفء ، والنقد ، والنظرة من بعد مكاني ونفسي ، وليقدم للقارئ معلومات عن واقع الأسير ، ومعاناة ذويه والأم على وجه التحديد . الأم عند عصمت منصور تتربع في مكان عال وتتميز بمكانة خاصة ؛ هي التي أهدته الحرام الذي ظل معه يواسيه ويذكّره ويحاوره في وحدته القاسية . وهي التي قتلها بسبب سجنه ، وقتلوها حين أدخلوا العازل الزجاجي المزدوج والهاتف الآلي . إنها الام التي لم تستوعب حرمانها من لغة التواصل بأطراف الأصابع فقررت الموت . لقد قتلوها وسرقوها منه ، واغتالوها قهرا ولم تتمكن من وداعه ( ص123 ) . وهي التي لعب معها لعبة الدموع والبكاء منذ طفولته ، لتعلمه بعدها ألا يبكي . عبلة هي البديل المؤقت للأم ، والامتداد الأكثر واقعية منها . هي المحبوبة التي تؤنس وحدته ، وتنقل له الأخبار . " ...هل لا زال لديك أمل يا هذه المرأة التي تشبه أمي في هذا الإسراف بالأمل ..." ص132 . ولكن كيف يمكن التغلب على الحرمان من الحرية ، وعلى الإبعاد عن غرف المعتقل حيث يمكن الحديث مع معتقلين آخرين ؟ وهل يمكن قهر الاحتلال الذي يريد قتل الروح ؟ إن هزيمة الاحتلال ممكنة . يقول الراوي : " ...ستبقى لديك الإمكانية والقدرة على هزم الاحتلال بالقول : لا ، وبالقدرة على الحلم ..." ص 145 . وبعدم الاستسلام (ص158 ) . وكل الذي جاء به الكتاب هنا توصيف ونقل لأسلوب التأمل الذي يقتل الوقت ، ويقوّي النفس . ينقل الكاتب نظرة السجّان الى الأسير ، ويلتقي بالآخر الاسرائيلي ليميز بين الاثنين . ففي حين يرى السجان الأسير شيئا يبدي السجين الاسرائيلي تعاطفا مع الأسير . (ص157) في إشارة الى التمييز بين النوعين ، وإثارة لإمكانية التعايش المشترك في ظل ماض قاتل للنوع الظاهر حاليا بلبوس إنسانية متضامنة . إنه يثير أسئلة للحوار ولا يبدي رأيا في هذه المسألة . المكان مرفوض عند الكاتب لأنه مجهز بادوات القتل ، والسجان يمكن التغلب عليه وتحصيل بعض الحقوق الإنسانية ، والسجن الذي وجد لقتل الروح والنفس يمكن التغلب عليه وقهره وإفشال غايته ، من هنا كان العنوان ( سجن السجن) .السجن يحرر الإنسان من أبشع أسر وهو الوهم (ص 167 ) . أدب المعتقلين ظاهرة أضحت تستحق الاهتمام والرعاية والدراسة . وهذا العمل الأدبي للأسير عصمت منصور يضيف الى ما سبقه من منجزات أسلوبا جديدا ولغة جديدة ، ويحاور الفكرة ؛ فكرة الاعتقال ، وتجربة العمل المقاوم ، وينقل الجوانب الإنسانية الذاتية للمعتقل الإنسان ويصوره في حالات ضعفه ، وتحديه ، وخوفه ، وعشقه ، وحتى يأسه . إنه يعد بمزيد قادم من الإبداع الواعي . _________________________________القدس : 7 /7 / 2011 م . ________________ الكتاب صدر ضمن سلسلة أدب السجون رقم 5 عن وزارة الثقافة . نيسان 2011 م. ويقع في 169 صفحة . ومن المؤسف إصداره بالعدد الكبير من الأخطاء المطبعية ، وحجم الورق غير المريح .
#ابراهيم_جوهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المستويات الفنية في( الابواب المنسية) للمتوكل طه
-
عن القدس والثقافة
-
رواية- حليب التين درهم حلاوة وقنطار خشب
-
ظلام النهار لجميل السلحوت أو ظُلاّم النهار
-
نفتقد كنفاني اليوم اكثر
-
وجوه الإنسان المهشّمة في رواية ( الوجوه الأخرى ) لوداد البرغ
...
-
اللغة الدرويشية في ( الجدارية )
-
حسام خضر بين الرسالة التربوية-السياسية والنصّ الإبداعي
-
ما الذي يريده جميل السلحوت في سداسية(كلب البراري) للأطفال؟
-
ناطور الوطن ينتظر عودة أصحابه
-
اكليل محمد شتيه لمن يقدمه؟
-
مع تميم البرغوثي في ديوانه-في القدس-
-
خذوا خنازيركم وارحلوا
-
يحيى يخلف في -ماء السماء- الحياة والأمان في الوطن فقط
المزيد.....
-
موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر
...
-
بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan
...
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
-
فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
-
فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال
...
-
اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة
...
-
كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك
...
-
الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|