|
ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد (2) النظم الفاعلة في ترويض الجسد: انصهار السلطة والمعرفة
حسني إبراهيم عبد العظيم
الحوار المتمدن-العدد: 3399 - 2011 / 6 / 17 - 02:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يحاول «فوكو» في دراساته دائماً «تفكيك» نظم المصادرة والترويض والتدجين والتطويع والضبط التي يتعرض لها الجسد، من خلال تحليل بني الرقابة بشقيها المادي والرمزي في المؤسسات المختلفة (البيت والشارع والمدرسة والجامعة والمستشفى والمعمل والسجن ... إلخ)، حيث يتشابك نظام الضبط ووسائل السيطرة بنظام القيم السائد ويساهمان في «مسخ» الجسد وإقصاءه. (حسن المصدق 2007) 1 – الطب المؤسسي: لقد اختص «فوكو» نظام الممارسة الطبية، ونظام السلطة التأديبية بتحليل عميق للكشف عن دورهما في ترويض الجسد وتدجينه، وذلك من خلال كتابيه: ميلاد العيادة أو أركيولوجيا النظرة الطبية، الصادر في عام 1963 والمراقبة والعقاب/ ميلاد السجن الذي صدر في عام 1975. ويرى «فوكو» أن الطب يمثل أحد النظم الأساسية التي ساهمت في إخضاع الجسد وضبطه، فقد تنامت السلطة الطبية وبسطت قبضتها على كل المجالات تحت دعوى رفع مستوى رفاهية الأفراد والسكان، وكان هذا الاتجاه فعالاً للغاية خاصة مع إحلال الطب الآلي Mechanical medicine محل الطب الإنساني(*). (Berry 1986: 149) لقد كشفت نظريات «فوكو» إلى أي حد قام الطب المؤسسي Institutional بموضعة الجسد Body objectification حيث تمت صياغته طبياً Medicalized بحيث أصبح الجسد مجرد كيان طبيعي، يخلق ويعاد إنتاجه Created & reproduced من خلال الخطاب، ويكشف «فوكو» كيف أضحت السلطة الطبية استراتيجية منظمة بسطت هيمنتها على أجساد الأفراد وسلوكياتهم، لقد صار الطب مؤسسة تضم خبراء ومستشارين محترفين تقدم حقائق مفصلية Articulating Truths عن الجسد، وساهمت السلطة الطبية من خلال خطابها العلمي في «موضعة» الأجساد المريضة عندما بدأت عمليات التشخيص الطبي في تحديد «السواء» و«الشذوذ» وتحديد الإجراءات اللازمة للوصول إلى مستوى السواء. (Powell 2004: 4) في كتاب "ولادة العيادة" Birth of the clinic يوضح «فوكو» كيف فتحت نظرة الطبيب الفاحصة Physician gaze مجالاً للأطباء يسمح لهم برسم صورة عما يجري داخل جسد المريض، وربط العلاقات والأعراض بأمراض معينة، وبناءً على تلك الرؤية يتم نقل المريض من البيت إلى المستشفى التي تتحول إلى «موقع للسيطرة المكثفة وتحصيل المعرفة». إن الخطاب الطبي الذي يتخذ لباساً علمياً –كان جزءاً من مشروع موجه نحو خلق فرد نمطي، يدير حياته وفقاً لتصور الصحة، وخلق مجتمع «مشكل طبياً» Medicalized society من أجل توفير شروط للحياة والسلوك تتوازي وتتوافق مع متطلبات الصحة. (Powell & Cook 2001: 3- 4) ويؤكد «فوكو» هذا المعنى في موضع آخر، إذ يقول في كتابه "أركيولوجيا المعرفة": «إذا كان الطبيب في الخطاب الطبي هو المسئول السيد والمباشر، والعين التي تنظر، والأصبع الذي يلمس، والعضو الذي يفك رموز الإشارات، ومركز تلاقي واندماج الأعمال الوصفية، وتقني المعمل، فذاك لأن هناك مجموعة علاقات داخلة في هذا الشأن، علاقات بين المكان الاستشفائي كموضع هو في آن واحد للإسعاف، وللمراقبة المنظمة والصارمة، وكموضع علاج مختبري وتجريبي في أن ... إنها علاقات بين دور الطبيب كمعالج ودوره كمرب ودوره كوسيط في نشر المعرفة الطبية، ودوره كمسئول عن الصحة العامة في الحيز الاجتماعي». (دريفوس ورابينوف: 61) لقد قدم «فوكو» رسالة واضحة: إن المعرفة الطبية –تماماً مثل الممارسة الطبية- يتم بناؤها اجتماعياً، وتسهم بالتالي في تشكيل العلاقات الاجتماعية. في الحقيقة إن موضوعات المعرفة الطبية ليست كما تبدو: «وقائع مستقرة ومحددة عن الجسد الإنساني وأمراضه» وإنما هي –في الواقع- وقائع مخترعة «ومختلقة» Fabricated أكثر منها «اكتشافات محايدة». (Burry 1986: 37) وبناءً على ذلك، فإن تطور المعرفة الطبية -السريرية- تمثل مرحلة مهمة في تطور العلوم الإنسانية كما نعرفها اليوم، ... فالتوسع المتواصل لميادين بحثية جديدة تترافق كلها مع ازدهار وتحسين تقنيات تأديبية هادفة إلى تفحص الجسد وتقصيه لجعله أكثر انقياداً لاستغلاله، والسيطرة عليه. ولذلك فإن ولادة العلوم الإنسانية ليست لحظة مجيدة في رأي «فوكو» لأنها أسهمت في إحكام السيطرة على الإنسان. (دريفوس ورابينوف: 144) يخلص «فوكو» في نهاية الأمر إلى أن الطب قد شغل مكانة مهمة بين النظم والمؤسسات التي تم من خلالها تصور الجسد، وتمثيله، والتعامل معه وإخضاعه، ومازال الأمر سارياً حتى الوقت الراهن، فخبراتنا وتصوراتنا عن الجسد تنطلق بصورة مباشرة أو غير مباشرة من رؤية طبية معقدة. (Powell 2001: 5) 2 – السلطة التأديبية: وبالإضافة إلى الطب يشير «فوكو» لنظام آخر أسهم في إخضاع الجسد وترويضه، وهو ما يسميه السلطة التأديبية، ويقصد بها السجن والعقوبات المختلفة كالتعذيب والإعدام، حيث يرى أن السلطة التأديبية تهدف إلى خلق جسد طيع يمكن إخضاعه واستخدامه وتحويله وتحسينه. (دريفوس ورابينوف: 138) ينبغي الإشارة –بداءة- إلى أن السجون ليست سوى واحد من عدة أمثلة على تكنولوجيا التأديب والمراقبة والعقاب، فوفقاً لفوكو، فإن السجون نفسها، وكذلك مختلف الإصلاحات التي تحاول إقامة نوع مثالي من العقاب، ليست سوى التعبير الواضح عن ممارسات أعم تهدف إلى تأديب الأفراد والجماعات. يقول في كتابه "المراقبة والعقاب" التأديب هو تقنية لا مؤسسة، وهو يشتغل بشكل كثيف وبصورة شبه كلية من قبل المؤسسات (كالمعتقلات والجيش) أو مستخدماً لأغراض محددة في أماكن مؤسسية أخرى (المدرسة المستشفى) يمكن أن تستخدمه سلطات سابقة الوجود (مراقبة الأمراض) أو بعض عناصر الجهاز القضائي للدولة (الشرطة). (دريفوس رابينوف: 138) يركز «فوكو» في تحليله للسلطة التأديبية على «المشتمل» Panopticon أو بيت التفتيش Inspection house الذي قدمه الفيلسوف والمصلح الاجتماعي الانجليزي «جيرمي بنتام» Jeremy Bentham كتصميم لعدة مؤسسات بما فيها الملاجئ. (Gatrell 2002: 22) فما هو المشتمل ؟ المشتمل هو بناء يتكون من فناء واسع في وسطه برج وعلى أطرافه بناء مقسم إلى طوابق وغرف، لكل غرفة نافذتان، واحدة تسمح للنور أن يدخل الغرفة، والأخرى تواجه البرج الذي يحتوي على نوافذ واسعة تسمح بمراقبة الغرف، وهذه الغرف أشبه بمسارح صغيرة، بحيث يكون كل ممثل على حده، منفرداً تماماً، ومرئياً باستمرار – إن السجين ليس فقط ظاهراً لأعين المراقب، وإنما هو غير ظاهر لمن سواه، منقطع عن كل اتصال بالغرف المجاورة، إنه مادة إعلامية، وليس أبداً عنصراً فاعلاً في الاتصال. (دريفوس رابينوف: 169) إن المشتمل قائم على مبدأ جعل كل النزلاء عرضة للتفتيش المستمر، أو على الأقل إبهام هؤلاء النزلاء بأنهم خاضعون لمراقبة دائمة، إن المساحات الداخلية الضيقة يفترض أنها تعمل على تحقيق النظام والأمن، وتقضي على الفوضى والشغب داخل المشتمل، ولكنها في الواقع تعمل على قمع الجسد، إن المشتمل يمثل تعبيراً صارماً للمراقبة النظامية، وقد صك «فوكو» مصطلح «الاشتمالية» Panopticism للإشارة إلى كل أشكال الرقابة والتحكم في الجسد. (Gatrell 2002: 22) لقد رأى «فوكو» في «المشتمل» دمجاً بين السلطة والمعرفة، وتكاملاً بين ضبط الجسد وضبط المكان من خلال تقنية المراقبة، ومكاناً لجعل أجساد الأفراد منتجة ومراقبة أيضاً، ويقرر «فوكو» أنه ليس من الغريب أن بتشابه السجن مع المصنع مع المصنع والمدرسة والثكنة العسكرية Barrack والمستشفى، باعتبار أن كل هذه المؤسسات تعد –بمعنى ما- سجوناً. (Powell & Cook 2001: 6) بالنسبة لفوكو ليس المشتمل طريقة فعالة وبارعة لمراقبة الأفراد فحسب، إنه أيضاً مختبر لتغييرهم، فمن السهل إجراء تجارب في كل غرفة، ثم ملاحظة وتصنيف النتائج المحصول عليها من البرج، ففي المصانع والمدارس والمستشفيات يكون لدى المراقب متسع من الوقت ليلاحظ الشبكة المرمزة الماثلة أمام ناظريه، والمشتمل بذلك التصميم يجمع بين السلطة والمعرفة ومراقبة الجسد داخل التكنولوجيا التأديبية، إنه نظام يسمح «بموضعة الجسد» في المكان، وبتصنيف الأفراد بالنسبة لبعضهم بعضاً، وبتنظيم التسلسل، وبتهيئة النواة المركزية للسلطة وشبكاتها على نحو فعال، المشتمل هو تكنولوجيا متكيفة ومحايدة لتقسيم الجماعات، ويمكن تطبيق هذه التكنولوجيا حيثما يجب إخضاع الأفراد والجماعات لشبكة تجعلهم منتجين ومراقبين، إن المشتمل يمارس سيطرته على الأجساد جزئياً بفضل الطريقة التي ينظم بها المكان. (دريفوس ورابينوف: 170) لقد اعتبر «فوكو» أن المشتمل حدثاً مهماً في تاريخ الفكر، حيث استطاع أن يقدم هندسة جديدة تمكن من بلوغ أهداف إصلاحية بأقل تكلفة ممكنة، تم تبنيها في العالم أجمع، أصبح المشتمل معبراً عن عصر التنوير، حيث نشأ لأول مرة فضاء رسمي منظم للتربية والتقويم والتهذيب والحبس والعزل، حيث تم –ولأول مرة أيضاً- الاستغناء عن الأقبية والسراديب القاتمة، والصلبان والمحارق، (التي شاعت في العصور الوسطى) لأن العصر كان عصر النهوض بفكر التنوير، واقتصاد الرأسمالية التي تقتضي حسن التدبير لموارد الدولة واستغلالها بشفافية. (حسن المصدق 2007) إذا فالمشتمل هو نموذج مثالي للسلطة التأديبية، وأهم خصائصه: قدرته على تنظيم نمو السلطة بطريقة فعالة، وعلى تيسير ممارسة السلطة بكلفة قليلة –يتمشى مع الاقتصاد الرأسمالي- وبعدد محدود من الأفراد، وعلى زيادة مرئية Visibility الخاضعين للمراقبة إلى الحد الأقصى، وعلى إشراك كل من هم على علاقة بجهاز السلطة في عمله، باختصار المشتملية هي المثل الممتاز على طقس دقيق للسلطة يحدد –من خلال طريقة اشتغاله- المكان الذي يمكن أن تعمل فيه تكنولوجيا سياسية للجسد، فالمشتمل يحدد بوضوح الحقوق والواجبات. (دريفوس ورابينوف: 172) الخلاصة في هذا السياق أن «فوكو» قد أعاد قراءة دور هذه البناية، حيث يرى أن مبدأ المراقبة كان حاضراً في كل الأوقات، وفي كل الجهات، فأينما نولي وجوهنا في المجتمع الحديث نجد عيون الرقيب لا تنام، بحيث أصبحت الرقابة نظاماً اجتماعياً منظماً وعقلانياً، ينفق أدنى التكاليف، ويحصل على أكبر العائدات، أصبحت السلطة تتحكم في كل فضاءات الأفراد، حيث هي حاضرة في كل مكان، وهذا يستدعي تطوير تقنيات مراقبة خاصة بكل فضاء، الأمر الذي يعني أن المجتمع الرأسمالي الحديث هو في واقع الحال مجتمع مراقبة بامتياز. من خلال المشتمل أصبحت المراقبة الاجتماعية غير مرتبطة بحق الحاكم المطلق في نزع الحياة، بل مقترنة بمؤسسة تحافظ على الحياة المدنية، وفي هذا كناية عن أن الأفراد في هذا العصر خولوا للمؤسسات حق تدبير حياتهم، ومن ثم أصبحت عمليات التعذيب وقطع الرؤوس وصلب الأجساد في الساحات العامة عملية غير مقبولة ويشمئز منها عموم الناس والرأي العام، ومن ثم تم استبدال قطع الرؤوس والتمثيل بالأجساد وحرقها بآليات جديدة تتداخل فيها السياسة بالبيولوجيا، الأولى تتحكم في المجال العام والثانية تتحكم في الأجساد. (حسن المصدق 2007) ويجمل «فوكو» نظم إخضاع الجسد بقوله: «إن مولد السجن قد اقترن بعلم الإجرام والعقاب، واقترنت نشأة المصحات النفسية بتطور الطب النفسي، واقترن مولد العيادة بتطور الطب الإكلينيكي، وارتبط الاعتراف بآليات التعذيب. إن انتظام Systematization المعرفة ومأسسة Institutionalization السلطة قد أديا إلى ضبط الجسد وإخضاع الرغبة للعقل. لهذا، فإن التربية، والديموجرافيا، وعلم العقاب، والطب النفسي، وغيرها تمثل أو تشير إلى ظهور الضبط المقنن والمفصل للجسد في منظومة الواقع الاجتماعي كالسجن والمدرسة والمستشفى والمصحة». (Turner 1992: 180) لقد كان الجسد مستقبلاً سلبياً للقوى السياسـية والتاريخية، وذلك من خلال التقنيات فائقة القوة التي مورست عليه، والتي عملت على إخضاعه بصورة مباشرة.(Crossley 1996: 104)
* تأثير فوكو في تطور سوسيولوجيا الجسد لقد أثارت القضايا التي طرحها «فوكو» جدلاً واسعاً –مازال حاضراً حتى اليوم- في إطار الاهتمام السوسيولوجي بالجسد، وقد نتج عن ذلك ظهور العديد من الجهود الفكرية التي أرست دعائم سوسيولوجيا الجسد. وقد كان «فوكو» حاضراً بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال علماء اجتماع الجسد، رغم غيابه عن العالم في منتصف عام 1984. فلقد شكل ميراث «فوكو» إسهامات عدد غير محدود من العلماء الاجتماعيين، منهم على سبيل المثال، بيير بورديو، وأنتوني جدنز A. Giddens وإدوارد سعيد. لقد كان حضوره الفكري محسوساً من خلال العلوم الاجتماعية، وظل باقياً بقوة في مجالات عديدة كالجغرافيا الثقافية، وتحليل الخطاب وعلم الإجرام، وعلم الاجتماع الطبي. (Turner 2006: 214) و يرى «براين تيرنر» أن «فوكو» يمثل أحد العوامل المهمة التي أسهمت في تطور علم اجتماع الجسد، ونلاحظ أن ثمة «إلحاح» مستمر على هذه الحقيقة في كتاباته المختلفة، فهو يرى على سبيل المثال أن أعمال «فوكو» وإحياء الاهتمام بفلسفة نيتشه تُعد عوامل مؤثرة في هذا السياق. (Turner 1992: 31) وإن «الصراع السياسي والتكنولوجي حول الجسد الذي أثاره «فوكو» كان احد أسباب إعادة الاهتمام بالجسد وتحريره Rescuing في إطار العلوم الإنسانية. (P.46) وأن «حركة ما بعد البنيوية Poststructuralist movement التي سيطرت على فكر «فوكو» أدت إلى تأكيد مستمر في النظرية الاجتماعية على موضوعات جسدية كالرغبة Desire والجنس والعواطف». (P. 48) والواقع أن «براين تيرنر» نفسه – وهو أحد أهم منظري سوسيولوجيا الجسد في الوقت الراهن- قد تأثر بفوكو تأثراً واضحاً، حيث أكد أن تأثير «فوكو» كان طاغياً على كل كتاباته، حيث شكل رؤيته لمفهوم «الهيمنة على الجسد من خلال النظم الطبية»، كذلك استلهم مفاهيم «فوكو» حول المعرفة والسلطة في كتابه السلطة الطبية والمعرفة الاجتماعية، وبالإضافة إلى اعتماده على «فوكو» بشكل أساسي في كتابيه المعروفين "الجسد والمجتمع": اكتشافات في النظرية الاجتماعية The body and Society: explorations in social theory 1984 "والأجساد المنضبطة": مقالات في علم الاجتماع الطبي Regulating bodies: essays in medical sociology 1992». وثمة تأثير واضح «لفوكو» على أحد علماء اجتماع الجسد المعروفين في إنجلترا وهو «ديفيد ارمسترونج» D. Armstrong، فقد حمل أحد كتبه مفهوماً مركزياً لدى «فوكو» وهو التشريح السياسي للجسد Political anatomy of the body الذي صدر في عام 1983، ونشر دراسة في مجلة علم اجتماع الصحة والمرض Sociology of heath & Illness عام 1985 عنوانها: "الذاتي والاجتماعي في الطب": تقييم لميشيل فوكو The subject and the social in medicine: an appreciation of M. Foucault وقد كشف في هذه الدراسة أن هناك تأثيراً واسعاً «لفوكو» على عدد من النظم الفكرية كالفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس، ويقرر «أرمسترونج» أن دليل اقتباسات العلوم الاجتماعية The social sciences citation index الذي يقوم بجمع وحصر المراجع التي استعانت بها البحوث المقدمة لدوريات العلوم الاجتماعية قد سجلت حوالي 1200 إحالة لميشيل فوكو وقت وفاته فقط. (Armstrong 1985: 108) ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فثمة انفجار معرفي حدث في مجال سوسيولوجيا الجسد منذ الثمانينات، فقد شهدت هذه الحقبة –بتأثير من فوكو- نقداً متزايداً لثنائية الفاعل Actor والمؤسسة Agency التي آثارها «جدنز»، وشهدت دراسات غزيرة حول: «الأبعاد السياسية والبنائية والاتصالية للجسد»، كما وضح في دراسات جونسون 1983 وأونيل 1985 O Neill والإدارة الطبية للجسد (كدراستي مارتن Martin في عامي 1989، 1994)، والصياغة التاريخية للجسد (كدراستي براون 1988، وفيهير Feher في عام 1989)، ومحاولة صياغة مداخل نظرية لتحليل الجسد اجتماعياً (مثل دراسة تيرنر 1984، وبتلر Butler في عام 1993، وشلنج في عام 1993)، وصياغة نظريات نسوية حول الجسد (كدراستي بتلر 1990 Butler، وليدر 1990 Leder). (Shilling 2001: 441) تلك أمثلة محدودة عن مدى تأثير «فوكو» في سوسيولوجيا الجسد وتطور موضوعاته، ويبدو أن القراءة المتعمقة لفوكو ستكشف مزيداً من الأفكار والرؤى لتطوير سوسيولوجيا الجسد. ـــــــــــــــــــــــ (*)يقصد بالطب الآلي الطب المؤسسي الرسمي الذي بدأ ازدهاره مع عصر النهضة، أما الطب الإنساني فيقصد به الطب الشعبي- التقليدي الذي كان سائداً في أوربا منذ العصور الوسطى، ويركز بشكل أساسي على البعد الإنساني للمرض. انظر: (لوبرتون 1997: 27- 31)
#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهرمنيوطيقا والوعي التاريخي: قراءة في كتاب (إشكاليات القراء
...
-
البيئة والصحة والمرض: مقاربة سوسيو- تاريخية-*-
-
ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد(*)
-
إشكالية بدء الوجود الإنساني على الأرض
-
تطور الانشغال السوسيولوجي بالجسد الجزء الأول
-
تطور الانشغال السوسيولوجي بالجسد الجزء الثاني
-
تطور الانشغال السوسيولوجي بالجسد الجزء الثالث
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|